المنهج النبوي التطبيقي في الفتن - الشيخ إبراهيم الدويش
مجتمع رجيم / المحاضرات المفرغة
الراوي: جابر بن عبدالله المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1651خلاصة حكم المحدث: حسن
فالحديث يحذر من خطورة الفرقة، ويبين أهمية دور الأفراد في الحفاظ على وحدة المجتمع، بل ويؤكد أن تحصين نفسك من الأفكار الدخيلة هو نوع مساهمة في الحفاظ على تماسك المجتمع المسلم.
وربما، لأجل هذا، بل ومن كمال شفقته -صلى الله عليه وسلم- علينا، ولشدة خطورة الفتن، وكثرة الغفلة عنها وعن آثارها، علَّمنا -صلى الله عليه وسلم- أن نكرر التعوذ بالله من فتنة المحيا والممات عدة مرات كل يوم دبر كل صلاة، وفي أشرف الأماكن المساجد؛ كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : "إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الْآخِرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ".
فتكرار هذا الدعاء خمس مرات في الفرائض وحدها -فضلاً عن النوافل- دليل على خطورة هذه الأمور المذكورة في الحديث، وشدة الحاجة إلى التعوذ بالله منها؛ ولذا كان -صلى الله عليه وسلم- يعلِّم أصحابه -رضي الله عنهم- هذا الدعاء، كما يعلِّمهم السورة من القرآن؛ ففي حديث ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه-ما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ؛ يَقُولُ:"قُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ".
فهلا سألنا أنفسنا: لماذا كل هذا التأكيد والتذكير بهذا الدعاء إلى هذا الحدِّ؟ وهل تفطنَّا لأسراره والحكمة منه؟
فقد كان سلفنا الكرام مدركين وواعين لأهمية هذا الدعاء، حتى كان الإمام طاووس -رحمه الله- يأمر ابنه بإعادة الصلاة إذا لم يقرأ بهذا الدعاء في صلاته.
ثم لا بد أن نتنبه ونعي أن من مقتضى التعوذ بالله من الفتن الابتعادُ عنها وعن أسبابها ودواعيها، وأما من يدّعي أنه يتعوذ بالله من الفتن، وهو متلبس بأسبابها، ومخالط لأهلها، أو أنه يحوم حول حماها، فلا يعتبر صادقًا فيما ادعاه، بل هو متبع هواه، وكاذب في زعمه ودعواه، وفعله يناقض قوله ..
فالدَّعَاوى مَا لم يُقِيمُوا عَلَيْهَا *** بَيِّنَاتٍ، أصحابُها أدْعِيَاءُ