البهتان
مجتمع رجيم / القرآن الكريم وعلومه
كتبت :
أم رائد
-
البهتان
قال الله تعالى :
((وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ))
[4 النساء/112] .
أراد الله تعالى لناس أن يعيشوا في ظلال مجتمع آمن طاهر نظيف من كل العيوب ؛
فحَّرم الكذب والافتراء واتهام البريء ,
وعدّ ذلك من كبائر الذنوب التي لا تكفي للتوبة منها الاستغفار
وإنما بإصلاح مانجم عنها من فساد وإفساد .
ويحرص الإسلام كل الحرص على تمتين أواصر المحبة والوئام بين أفراد الأسرة الإنسانية ,
ومحاربة كل ما من شأنه أن يضعف هذه العلاقة الطيّبة بينهم ؛ فتراه يحارب الغيبة والنميمة
والكذب والبهتان ويتوعد من يرتكبها بأشدِّ العقوبات في الدارين .
إن البهتان من كبائر الذنوب التي لاكفارة لها إلا التوبة الصادقة النصوح وإصلاح ماينجم عنها من فساد ؛
وهو تعريفاً : ارتكاب الذنب وإلحاقه بالآخرين , أو التعريض بالناس في أمورٍ هم بريئون منها .
وجميع هذه الصفات يترفع عنها الخُلُق الكريم , وتأباها الفطرة السليمة , ويستحق صاحبها العذاب العظيم .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( من رمى مسلماً بشيء يريد شينه حبسه الله يوم القيامة
على جسر من جسور جهنم حتى يخرج مما قال )
أخرجه أبو داوود .
ولا يخفى أن العلة في انتشار هذه الآفات الخلقية بين الناس , تكمن في ابتعادهم عن الدّين الحقّ ,
مما يسبب ضعف الوازع الخلقي لديهم ,
و الغفلة عن الأوامر والنواهي التي جاءت بها الشريعة الغراء .
وقد استخدمت الآية الكريمة لفظ ( الكسب ) لمن يرتكب مثل هذه الفواحش
إشارة إلى أن مرتكبها يكسب الإثم والعقاب والضرر قبل أن يسببه لغيره ,
ويستعجل العقوبة لنفسه قبل أن يعاقبه الله تعالى , حيث قال :
((كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ))
[83 المطففين/14] .
لذا نجد القرآن الكريم يضع ميزان العدالة الذي يحاسب كلَّ فرد على ما اجترح ؛
ولا يدع المجرم يمضي ناجياً إن ألقى بذنبه على عاتق غيره .
ولعلَّ أدنى ما يصيب مثل هذا الإنسان هو تأنيب الضمير ,
ثمَّ لا يلبث أن ينكشف فعله بين الناس فيتحاشونه ويصبح منبوذاً غير موثوق به ,
وهذا ما يورث القلق والحزن و الندم , ثمَّ يواجه عذاب الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة .
فليحترز العاقل من تعريض نفسه لهذه المنزلقات وما يترتب عليها من عقوبات إن عاجلاً أو آجلاً .
إن هذه الأحكام المثلى والقيم الإنسانية الفضلى , لم تكن في الإسلام آمالاً تُرجى ,
ولا أحلاماً خيالية بعيدة عن الواقع التطبيقي العملي ,
بل جعلها دستور السماء واقعاً حياتياً ملموساً ,
فقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية وما قبلها ,
أن رجلاً من المسلمين يدعى طعمة بن أُبيرق سرق درعاً ووضعها في كيس من الطحين ,
ولما أوشك أمره أن يظهر ويقتضح أودعه عند يهودي يدعى زيد بن السمين وبعد ذلك اتهمه بسرقته ,
وقد عرض الأمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ,
ولما ضُبطت الدرع المسروقة في حوزة اليهودي أعلن أنها ليست له ,
وإنما أودعها عنده طعمة بن أبيرق ,
ولما سأل عنه رسول لله أهله ومعارفه زكوه ولم يتهموه ,
وكاد عليه الصلاة والسلام أن يحكم على اليهودي عملاً بالأدلة الظاهرة ,
إلا أن وحي السماء تدخل وأنقذ اليهودي البريء وأدان المجرم الذي يبدو للناس بمظهر المسلم .
إن هذه الواقعة وغيرها تدل على أن مبادئ الإسلام قوانين للتطبيق وأنظمة وضعت ليلتزم بها الناس ,
وليست مجرد شعارات براقة وأدبيات فكرية مجردة ,
إنه الإسلام دين الله الأمثل , الذي يعيش الجميع - على مختلف عقائده -
في ظلاله آمنين مطمئنين ,
لا يخافون ظلماً ولا هضماً