مفهوم الأمانة في الإسلام - الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
مجتمع رجيم / المحاضرات المفرغة
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
إن ربَّنا جلّ وعلا عرض الأمانةَ على أكبَر مخلوقاته على السموات السبع مع سعتها العظيمة وعلى الأرضين السبع وعلى الجبال، وكلّ تلك المخلوقات أبت عن حمل الأمانة إشفاقًا وخوفًا من الله لا معصيةً لأمره، فحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولاً، إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَـٰنُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً [الأحزاب:72]، فلجهله وظلمه حمل الأمانة، ولكن يوفِّق الله لها من شاء، ثم ذكر تعالى انقسام الناس حولها فقال: لّيُعَذّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ وَٱلْمُنَـٰفِقَـٰتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَـٰتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [الأحزاب:73].
فالمشركون أماناتهم خانوها ظاهرًا وباطنًا، والمنافقون خانوها باطنًا وأدَّوها ظاهرًا، وأهل الإيمان حافظوا عليها ظاهرًا وباطنًا، وهم المؤمنون حقًا.
أيها المسلم، الأمانةُ معناها واسعٌ، فكما أنها في الأفعال فإن المقالَ له أمانة، فأمانة الكلمة أمانةٌ حقيقية، فعلى رجالِ الصحافة والإعلام أن يكونوا ذوي أمانةٍ فيما يكتبون ويخطّون، ذوي أمانة في كلماتهم التي يكتبونها وأقوالهم التي يقولونها، ليتقوا الله فيما يقولون، وليقولوا الحقَّ والصدقَ، ويحذروا الباطلَ والمجازفةَ في الأمور كلّها، عليهم أن يكونوا أمناءَ في أقوالهم، وفيما يكتبون وفيما يخطون؛ لأن الله سائل كلاً عما استرعاه، مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18].
على المسلم أن يبتعدَ عن الخيانة بكلّ صورِها، والخيانةُ من أخلاق المنافقين، والمنافقُ إذا اؤتمن خان، والمسلم إذا اؤتمن أدّى الأمانة، ولا إيمان لمن لا أمانة له، يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَـٰنَـٰتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27].
فيا أيها المسؤول في أيّ عمل وُكل إليك، اتق الله فيما اؤتمنت عليه، واعلم أن الله سائلك عما استرعاك عليه، والله سائلك فأعِدَّ للسؤال جوابًا، استعِدَّ لهذا السؤال، وأدِّ الأمانة على الوجه المطلوب، ولتلقَ الله وأنتَ مؤدٍّ للأمانة، بعيدًا عن ظلم العباد في أحوالهم كلّها، لتكون من المفلحين حقًا.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ
أن أحسنَ الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار.
وصلوا ـ رحمكم الله ـ على نبيكم محمد ، قال تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين...