الصراط المستقيم وصراط المغضوب عليهم والضالين
مجتمع رجيم / الموضوعات الاسلامية المميزة .. لا للمنقول
كتبت :
دكتورة سامية
-
[frame="10 98"]
مفرق الطريق بين الصراط المستقيم وبين صراط المغضوب عليهم والضالين
قال تعالى:« اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ» .. وفقنا إلى معرفة الطريق المستقيم الواصل ووفقنا للاستقامة عليه بعد معرفته ..فالمعرفة والاستقامة كلتاهما ثمرة لهداية اللّه ورعايته ورحمته.
والتوجه إلى اللّه في هذا الأمر هو ثمرة الاعتقاد بأنه وحده المعين. وهذا الأمر هو أعظم وأول ما يطلب المؤمن من ربه العون فيه.
فالهداية إلى الطريق المستقيم هي ضمان السعادة في الدنيا والآخرة عن يقين ..
وهي في حقيقتها هداية فطرة الإنسان إلى ناموس اللّه الذي ينسق بين حركة الإنسان
وحركة الوجود كله في الاتجاه إلى اللّه رب العالمين.
ويكشف عن طبيعة هذا الصراط المستقيم: «صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ» ..
عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ،أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمُ:الْيَهُودُ، وَالضَّالُّونَ: النَّصَارَى
[صحيح ابن حبان- ط2 مؤسسة الرسالة [14 /139](6246) صحيح].
قَالَ: أَبُو سعيد: وَلا أَعْلَمُ بَيْنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي هَذَا الْحَرْفِ اخْتِلافًا"
وعَنْ سِمَاكِ بن حَرْبٍ،قَالَ:سَمِعْتُ عَبَّادَ بن حُبَيْشٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بن حَاتِمٍ، قَالَ: جَاءَتْ خَيْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ رُسُلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَقْرَبٍ، فَأَخَذُوا عَمَّتِي وَنَاسًا، فَلَمَّا أَتَوْ بِهِمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صُفُّوا لَهُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَأَى الْوَافِدُ وَانْقَطَعَ الْوَلَدُ وَأَنَا عَجُوزٌ كَبِيرٌ وَمَا بِيَ مِنْ خِدْمَةٍ، فَمُنَّ عَلَيَّ مَنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكَ، قَالَ: "وَمَنْ وَافِدُكِ؟ "قَالَتْ:عَدِيُّ بن حَاتِمٍ، قَالَ: "أَيِ الَّذِي فَرَّ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ"، قَالَتْ:فَمُنَّ عَلَيَّ، فَلَمَّا رَجَعَ وَرَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ تَرَى أَنَّهُ عَلِيٌّ، فَقَالَ:سَلِيهِ حُمْلانًا، قَالَتْ: فَسَأَلْتُهُ، فَأَمَرَ بِأَتَانٍ،
فَقُلْتُ:لَقَدْ فَعَلْتِ فَعْلَةً مَا كَانَ أَبُوكِ يَفْعَلُهَا،فَقَالَتِ: ائْتِهِ رَاغِبًا أَوْ رَاهِبًا، فَقَدْ أَتَاهُ فُلانٌ،فَأَصَابَ مِنْهُ وَأَتَاهُ فُلانٌ، فَأَصَابَ مِنْهُ،فَأَتَيْتُهُ، فَإِذَا عِنْدَهُ امْرَأَةٌ وَصَبِيَّانِ أَوْ صَبِيٌّ، فَذَكَرَ قُرْبَهُمْ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَعَرَفَتْ أَنَّهُ لَيْسَ مَلِكَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فَقَالَ: "يَا عَدِيُّ مَا أَفَرَّكَ أَنْ يُقَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَهَلْ مِنْ إِلَهٍ إِلا اللَّهُ مَا أَفَرَّكَ أَنْ يُقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ فَهَلْ مِنْ شَيْءٍ أَكْبَرُ مِنَ اللَّهِ؟ "فَأَسْلَمْتُ، فَرَأَيْتُ وَجْهَهُ اسْتَبْشَرَ،وَقَالَ: "إِنَّ الْمَغْضُوبَ عَلِيهِمُ الْيَهُودُ،وَإِنَّ الضَّالِّينَ النَّصَارَى"ثُمَّ جَاءَهُ نَاسٌ،فَسَأَلُوهُ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ،
ثُمَّ قَالَ:"أَمَّا بَعْدُ فَلَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ أَنْ تَرْضَخُوا مِنَ الْفَضْلِ،ارْتَضَخَ امْرُؤٌ بِصَاعٍ بِبَعْضِ صَاعٍ بِقَبْضَةٍ"قَالَ شُعْبَةُ:وَأَكْثَرُ عِلْمِي أَنَّهُ قَالَ:"بِتَمْرَةٍ بِشِقِّ تَمْرَةٍ إِنَّ أَحَدَكُمْ لاقِي اللَّهِ،فَقَائِلٌ:أَلَمْ أَجْعَلْكَ سَمِيعًا بَصِيرًا؟ أَلَمْ أَجْعَلْ لَكَ مَالا وَوَلَدًا،فَمَاذَا قَدَّمْتَ،فَيَنْظُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ،وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ،فَلا يَجِدُ شَيْئًا،فَلا يَتَّقِي النَّارَ إِلا بِوَجْهِهِ،فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ،فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ إِنِّي لا أَخْشَى عَلَيْكُمُ الْفَاقَةَ لَيَنْصُرَنَّكُمُ اللَّهُ وَلَيُعْطِيَنَّكُمْ أَوْ لَيَفْتَحُ لَكُمْ حَتَّى تَسِيرَ الظَّعِينَةُ بَيْنَ الْحِيَرَةِ وَيَثْرِبَ أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَى ظَعِينَتِهَا السَّرِقُ".
[المعجم الكبير للطبراني [12 /19](13691) صحيح]
وعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ،قَالَ:جَاءَتْ خَيْلُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ،أَوْ رُسُلُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَخَذُوا عَمَّتِي وَنَاسًا، فَلَمَّا أَتَوْا بِهِمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَصَفُّوا لَهُ، قَالَتْ:يَا رَسُولَ اللهِ،نَأَى الْوَافِدُ،وَانْقَطَعَ الْوَلَدُ وَأَنَا عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ مَا بِي مِنْ خِدْمَةٍ، فَمُنَّ عَلَيَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ، قَالَ صلى الله عليه وسلم :وَمَنْ وَافِدُكِ ؟ قَالَتْ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، قَالَ: الَّذِي فَرَّ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ، قَالَتْ: فَمُنَّ عَلَيَّ، قَالَتْ:فَلَمَّا رَجَعَ وَرَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ تَرَى أَنَّهُ عَلِيٌّ،قَالَ:سَلِيهِ حُمْلاَنًا،
قَالَتْ: فَسَأَلْتُهُ فَأَمَرَ لَهَا، قَالَتْ: فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ:لَقَدْ فَعَلْتَ فَعَلَةً مَا كَانَ أَبُوكِ يَفْعَلُهَا،فَأْتِهِ رَاغِبًا أَوْ رَاهِبًا، فَقَدْ أَتَاهُ فُلاَنٌ،فَأَصَابَ مِنْهُ، وَأَتَاهُ فُلاَنٌ فَأَصَابَ مِنْهُ، فَأَتَيْتُهُ، فَإِذَا عِنْدَهُ امْرَأَةٌ وَصِبْيَانٌ أَوْ صَبِيٌّ ذُكِرَ قُرْبُهُمْ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ،فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمِلْكِ كِسْرَى، وَلاَ قَيْصَرَ،فَقَالَ لِي:يَا عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ مَا أَفَرَّكَ أَنْ تَقُولَ:لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ،فَهَلْ مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ، مَا أَفَرَّكَ مِنْ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فَهَلْ مِنْ شَيْءٍ أَكْبَرُ مِنَ اللهِ ؟ قَالَ:فَأَسْلَمْتُ وَرَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدِ اسْتَبْشَرَ،
وَقَالَ:إِنَّ {الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمْ} الْيَهُودُ وَ {الضَّالِّينَ} النَّصَارَى
[صحيح ابن حبان- ط2 مؤسسة الرسالة [16 /183] (7206) صحيح].
وعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ:جَاءَتْ خَيْلُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ،أَوْ،قَالَ:رُسُلُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ،وَأَنَا بِعَقْرَبٍ،فَأَخَذُوا عَمَّتِي وَنَاسًا،قَالَ:فَلَمَّا أَتَوْا بِهِمْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:فَصَفُّوا لَهُ . قَالَتْ:يَا رَسُولَ اللهِ،نَأَى الْوَافِدُ،وَانْقَطَعَ الْوَلَدُ،وَأَنَا عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ،مَا بِي مِنْ خِدْمَةٍ،فَمُنَّ عَلَيَّ،مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ . قَالَ:مَنْ وَافِدُكِ ؟ قَالَتْ:عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ . قَالَ:الَّذِي فَرَّ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ؟ . قَالَتْ:فَمَنَّ عَلَيَّ . قَالَتْ:فَلَمَّا رَجَعَ وَرَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ نَرَى أَنَّهُ عَلِيٌّ،قَالَ:سَلِيهِ حِمْلاَنًا . قَالَ:فَسَأَلَتْهُ،فَأَمَرَ لَهَا،قَالَتْ:فَأَتَانِي،فَقَالَتْ:لَقَدْ فَعَلْتَ فَعْلَةً مَا كَانَ أَبُوكَ يَفْعَلُهَا .
قَالَتْ:ائْتِهِ رَاغِبًا،أَوْ رَاهِبًا،فَقَدْ أَتَاهُ فُلاَنٌ،فَأَصَابَ مِنْهُ،وَأَتَاهُ فُلاَنٌ،فَأَصَابَ مِنْهُ . قَالَ:فَأَتَيْتُهُ،فَإِذَا عِنْدَهُ امْرَأَةٌ وَصِبْيَانٌ،أَوْ صَبِيٌّ،فَذَكَرَ قُرْبَهُمْ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ،فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَيْسَ مُلْكُ كِسْرَى وَلاَ قَيْصَرَ،فَقَالَ لَهُ:يَا عَدِيُّ بْنَ حَاتِمٍ مَا أَفَرَّكَ أَنْ يُقَالَ:لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ؟ فَهَلْ مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ ؟ مَا أَفَرَّكَ أَنْ يُقَالَ:اللَّهُ أَكْبَرُ ؟ فَهَلْ شَيْءٌ هُوَ أَكْبَرُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ قَالَ:فَأَسْلَمْتُ،فَرَأَيْتُ وَجْهَهُ اسْتَبْشَرَ،وَقَالَ:إِنَّ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمُ الْيَهُودُ،وإنَّ الضَّالِّينَ النَّصَارَى،ثُمَّ سَأَلُوهُ،فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى،وَأَثْنَى عَلَيْهِ،ثُمَّ قَالَ:أَمَّا بَعْدُ،فَلَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ أَنْ تَرْتَضِخُوا مِنَ الْفَضْلِ،ارْتَضَخَ امْرُؤٌ بِصَاعٍ بِبَعْضِ صَاعٍ،بِقَبْضَةٍ،بِبَعْضِ قَبْضَةٍ .
قَالَ شُعْبَةُ:وَأَكْثَرُ عِلْمِي أَنَّهُ قَالَ:بِتَمْرَةٍ،بِشِقِّ تَمْرَةٍ،وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَقِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ،فَقَائِلٌ مَا أَقُولُ:أَلَمْ أَجْعَلْكَ سَمِيعًا بَصِيرًا ؟ أَلَمْ أَجْعَلْ لَكَ مَالاً وَوَلَدًا ؟ فَمَاذَا قَدَّمْتَ ؟ فَيَنْظُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ،وَمِنْ خَلْفِهِ،وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ،فَلاَ يَجِدُ شَيْئًا،فَمَا يَتَّقِي النَّارَ إِلاَّ بِوَجْهِهِ،فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ،فَإِنْ لَمْ تَجِدُوهُ،فَبِكَلِمَةٍ لَيِّنَةٍ،إِنِّي لاَ أَخْشَى عَلَيْكُمُ الْفَاقَةَ،لَيَنْصُرَنَّكُمُ اللَّهُ تَعَالَى،وَلَيُعْطِيَنَّكُمْ،أَوْ لَيَفْتَحَنَّ لَكُمْ،حَتَّى تَسِيرَ الظَّعِينَةُ بَيْنَ الْحِيرَةِ ويَثْرِبَ إِنَّ أَكْثَرَ مَا تَخَافُ السَّرَقَ عَلَى ظَعِينَتِهَا
[مسند أحمد (عالم الكتب) [6 /555](19381) 19600 صحيح].
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ" الضَّالِّينَ، وَهُمُ النَّصَارَى الَّذِينَ أَضَلَّهُمُ اللَّهُ بِعِزِّيَّتِهِمْ عَلَيْهِ، يَقُولُ: فَأَلْهِمْنَا دِينَكَ الْحَقَّ،وَهُوَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ حَتَّى لا تَغْضَبَ عَلَيْنَا كَمَا غَضِبْتَ عَلَى الْيَهُودِ، وَلا تُضِلَّنَا كَمَا أَضْلَلْتَ النَّصَارَى فَتُعَذِّبَنَا كَمَا تُعَذِّبُهُمْ،يَقُولُ: امْنَعْنَا مِنْ ذَلِكَ بِرِفْقِكَ وَرَحْمَتِكَ وَرِقَّتِكَ وَقُدْرَتِكَ"، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْحَرْفِ اخْتِلافًا بَيْنَ الْمُفَسِّرِينَ
[ تفسير ابن أبي حاتم [1 /11](42) صحيح لغيره].
فهو طريق الذين قسم لهم نعمته. لا طريق الذين غضب عليهم لمعرفتهم الحق ثم حيدتهم عنه. أو الذين ضلوا عن الحق فلم يهتدوا أصلا إليه ..إنه صراط السعداء المهتدين الواصلين ..
وَقَوْلُهُ:(غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)
قَالَ جَمَاهِيرُ مِنْ عُلَمَاءِ التَّفْسِيرِ:(الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) الْيَهُودُ،وَ «الضَّالُّونَ» النَّصَارَى . وَقَدْ جَاءَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَإِنْ كَانُوا ضَالِّينَ جَمِيعًا مَغْضُوبًا عَلَيْهِمْ جَمِيعًا،فَإِنَّ الْغَضَبَ إِنَّمَا خُصَّ بِهِ الْيَهُودُ، وَإِنْ شَارَكَهُمُ النَّصَارَى فِيهِ ; لِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ الْحَقَّ وَيُنْكِرُونَهُ، وَيَأْتُونَ الْبَاطِلَ عَمْدًا،فَكَانَ الْغَضَبُ أَخَصَّ صِفَاتِهِمْ . وَالنَّصَارَى جَهَلَةٌ لَا يَعْرِفُونَ الْحَقَّ، فَكَانَ الضَّلَالُ أَخَصَّ صِفَاتِهِمْ .
وَعَلَى هَذَا فَقَدَ يُبَيِّنُ أَنَّ (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) الْيَهُودَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِيهِمْ:(فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ) الْآيَةَ [2 \ 90]،وَقَوْلُهُ فِيهِمْ أَيْضًا: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ) الْآيَةَ [5 \ 60]، وَقَوْلُهُ:(إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ) الْآيَةَ [7 \ 152]، وَقَدْ يُبَيِّنُ أَنَّ (الضَّالِّينَ) النَّصَارَى قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) [5 \ 77] .
وَمِنْ غَرَضِ وَصْفِ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ التَّعَوُّذُ مِمَّا عَرَضَ لِأُمَمٍ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِالْهِدَايَةِ إِلَى صِرَاطِ الْخَيْرِ بِحَسَبِ زَمَانِهِمْ بِدَعْوَةِ الرُّسُلِ إِلَى الْحَقِّ فَتَقَلَّدُوهَا ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِمْ سُوءُ الْفَهْمِ فِيهَا فَغَيَّرُوهَا وَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا، وَالتَّبَرُّؤُ مِنْ أَنْ يَكُونُوا مِثْلَهُمْ فِي بَطَرِ النِّعْمَةِ وَسُوءِ الِامْتِثَالِ وَفَسَادِ التَّأْوِيلِ وَتَغْلِيبِ الشَّهَوَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ عَلَى إِقَامَةِ الدِّينِ حَتَّى حَقَّ عَلَيْهِمْ غَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى،وَكَذَا التَّبَرُّؤُ مِنْ حَالِ الَّذِينَ هُدُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ فَمَا صَرَفُوا عِنَايَتَهُمْ لِلْحِفَاظِ عَلَى السَّيْرِ فِيهِ بِاسْتِقَامَةٍ، فَأَصْبَحُوا مِنَ الضَّالِّينَ بَعْدَ الْهِدَايَةِ إِذْ أَسَاءُوا صِفَةَ الْعِلْمِ بِالنِّعْمَةِ فَانْقَلَبَتْ هِدَايَتُهُمْ ضَلَالًا.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَمْ يَحِقَّ عَلَيْهِمْ غَضَبُ اللَّهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُمْ ضَلُّوا عَنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ فَلَمْ يَسْبِقْ غَضَبُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ قَدِيمًا وَالْيَهُودُ مِنْ جُمْلَةِ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ،وَالنَّصَارَى مِنْ جُمْلَةِ الْفَرِيقِ الثَّانِي كَمَا يُعْلَمُ مِنَ الِاطِّلَاعِ عَلَى تَارِيخِ ظُهُورِ الدِّينَيْنِ فِيهِمْ. وَلَيْسَ يَلْزَمُ اخْتِصَاصُ أَوَّلِ الْوَصْفَيْنِ بِالْيَهُودِ وَالثَّانِي بِالنَّصَارَى فَإِنَّ فِي الْأُمَمِ أَمْثَالَهُمْ وَهَذَا الْوَجْهُ فِي التَّفْسِيرِ هُوَ الَّذِي يَسْتَقِيمُ مَعَهُ مَقَامُ الدُّعَاءِ بِالْهِدَايَةِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَلَو كَانَ المرادين الْيَهُودِيَّةِ وَدِينَ النَّصْرَانِيَّةِ لَكَانَ الدُّعَاءُ تَحْصِيلًا لِلْحَاصِلِ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ جَاءَ نَاسِخًا لَهُمَا.
وَيَشْمَلُ الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ وَالضَّالُّونَ فِرَقَ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ،فَالْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ جِنْسٌ لِلْفِرَقِ الَّتِي تَعَمَّدَتْ ذَلِكَ وَاسْتَخَفَّتْ بِالدِّيَانَةِ عَنْ عَمْدٍ أَوْ عَنْ تَأْوِيلٍ بَعِيدٍ جِدًّا،وَالضَّالُّونَ جِنْسٌ لِلْفِرَقِ الَّتِي أَخْطَأَتِ الدِّينَ عَنْ سُوءِ فَهْمٍ وَقِلَّةِ إِصْغَاءٍ وَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ مَذْمُومٌ لِأَنَّنَا مَأْمُورُونَ بِاتِّبَاعِ سَبِيلِ الْحَقِّ وَصَرْفِ الْجُهْدِ إِلَى إِصَابَتِهِ،وَالْيَهُودُ مِنَ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ،وَالنَّصَارَى مِنَ الْفَرِيقِ الثَّانِي. وَمَا وَرَدَ فِي الْأَثَرِ مِمَّا ظَاهِرُهُ تَفْسِيرُ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ بِالْيَهُودِ وَالضَّالِّينَ بِالنَّصَارَى فَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ فِي الْآيَةِ تَعْرِيضًا بِهَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ اللَّذَيْنِ حَقَّ عَلَيْهِمَا هَذَانِ الْوَصْفَانِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَارَ عَلَمًا فِيمَا أُرِيدَ التَّعْرِيضُ بِهِ فِيهِ.
وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكَ مِنْ هَذَا أَنَّ عَطْفَ وَلَا الضَّالِّينَ عَلَى غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ارْتِقَاءٌ فِي التَّعَوُّذِ مِنْ شَرِّ سُوءِ الْعَاقِبَةِ لِأَنَّ التَّعَوُّذَ مِنَ الضَّلَالِ الَّذِي جَلَبَ لِأَصْحَابِهِ غَضَبَ اللَّهِ لَا يُغْنِي عَنِ التَّعَوُّذِ مِنَ الضَّلَالِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ بِأَصْحَابِهِ تِلْكَ الدَّرَكَاتِ وَذَلِكَ وَجْهُ تَقْدِيمِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ عَلَى وَلَا الضَّالِّينَ، لِأَنَّ الدُّعَاءَ كَانَ بِسُؤَالِ النَّفْيِ،فَالتَّدَرُّجُ فِيهِ يَحْصُلُ بِنَفْيِ الْأَضْعَفِ بَعْدَ نَفْيِ الْأَقْوَى، مَعَ رِعَايَةِ الْفَوَاصِلِ.
فضلاً يُتْبَع