أثر القرآن في حياتنا - الشيخ محمد صالح المنجد

مجتمع رجيم / المحاضرات المفرغة
كتبت : ~ عبير الزهور ~
-

أثر القرآن في حياتنا - الشيخ محمد صالح المنجد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


(اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ) [الزمر:23]، تشبه بعضها بعضا، يفسر بعضه بعضا، يثني بعضه على بعض، تقشعر منه جلود المؤمنين، جلود الذين يخشون ربهم، وبعد الاقشعرار تلين جلودهم وتقبل على ربها.


(وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) [الإسراء:109]، فإذا مروا بآيات الله لم يخروا عليها صما وعميانا، لأنهم يعرفون المعنى، وكان بعض السلف إذا مر بهذه الآية وسجد فلم يبكِ يعاتب نفسه ويقول: هذا السجود فأين البكاء؟!.


أنزله الله -يا عباد الله- القرآن لنتدبره، مباركاً أنزله، ليدَّبَروا آياته، فمن الذي يتدبر كتاب الله؟ المجتهد الحريص اليوم يختمه ختمات، يتلو تلاوات، يجوِّد، لكن المعنى هو الذي يقود إلى العمل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان من سنته مع جبريل الرسول الملَكي، مع الرسول البشري في رمضان في كل ليلة يتدارسان القرآن، يقرأ هذا ويسمع الآخر ويتبادلان ما فيه من الحكم والأحكام.


القرآن مداره يا عباد الله على ثلاثة أشياء: أولا: التعريف بالله، وأسمائه، وصفاته، وعظمته. ثانيا: التعريف بأحكامه وشرعه، وحلاله وحرامه. ثالثا: القصص عن بدء الخلق، وماذا كان، وماذا سيكون في المستقبل مما بعد الموت وبعد البعث، وأخبار الساعة والجنة والنار واليوم الآخر، مع قصص الأنبياء والسابقين.

فمدار القرآن على: التعريف بالله، التعريف بأحكامه، التعريف بالأخبار والقصص السابقة واللاحقة.

عباد الله: إذا لم نعرف التفسير فكيف سنتدبر؟

وعندما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يتدبر كان يطلب من ابن مسعود أن يقرأ عليه ويقول: إني أحب أن أسمعه من غيري، لماذا؟ ليتدبره؛ ولذلك كان السلف في القرآن سماعاً واستقبالا، تفاعلا وعملا، في المرتبة العليا.

ولذلك كان الصديق -رضي الله عنه- لما منع النفقة عن مسطح؛ لأنه وقع في ابنته عائشة، أعاد النفقة لأجل قوله تعالى: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ)، يعني لا يمتنع، (َأنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى) [النور:22]، فأعاد النفقة.


عمر -رضي الله عنه- تبرع بأحسن أمواله، قطعة أرض زراعية في خيبر؛ لأجل قوله تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران:92]. أبو طلحة الأنصاري تبرع ببستانه العظيم لأجل هذه الآية! عبد الله بن عمر أعتق أحب الإماء إليه لأجل هذه الآية!.


عمر رضي الله عنه كان يسمع مرة قارئاً يقرأ: (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ) [الطور:7-8]، فرجع إلى بيته مريضا يعوده الناس شهرا لا يدرون ما به.


كانت الآيات تفعل فعلها في النفوس،كانت تدفع للعمل، عندما تنزل آية تحريم الخمر: (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة:91]، كل المجتمع ينفذ.


عندما تنزل آية في النساء: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) [النور:31]، نساء الأنصار يعمدن إلى ما عندهن من القماش فيقطعنه ليصير حجاباً ساتراً أسود يخرجن مثل الغربان إلى المسجد لا يُعرفن.
تمثيل، الآيات تنزل من هنا والعمل والتطبيق حاضر.


واحد من السلف عنده سبعة دنانير ذهبية أنفقها كلها في بُدْنَة، لماذا؟

قال: إني سمعت الله يقول: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ) [الحج:36]، فأنفق كل ماله من أجل تحصيل هذا الخير.

عندما يزوج أحد الصحابة أخته لشخص لا يكرمها ويطلقها، ثم بعد العدة يريد العودة فيقول: لا زوجتُكَ، وأكرمتُكَ، ما رعيتَ النعمة! فلما تنزل آية فيها: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة:232]، يقول: سمعا وطاعة يا ربي! أزوجك وأكرمك وأعيدها إليك.


عمر كان ذاهبا إلى الشام -نسأل الله أن يرفع البلاء عن الشام، وأن ينصر المستضعفين في الشام- مر بصومعة راهب فناداه فأطل عليه الراهب وهو سهران متعب في الجهد والعناء والتعب، رهبنة وبدع ما كتبها الله عليه، نظر عمر إلى ذلك الوجه فبكى.

قالوا: يا أمير المؤمنين!
ما يبكيك؟

هذا مشرك!
قال: أعلم. لكني ذكرت قول الله: (عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً) [الغاشية:3-4]، رأيت واحداً يعمل والعمل هباء، تصلى نارا مع أنها تعمل! لكن على شرك، على غير هدى من الله.

الإمام أحمد سامح كل واحد ضاره في محنة خلق القرآن، لما مر به قول الله: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) [الشورى:40]، قال: وما ينفعك أن يُعَذَّب أخوك بسببك! نعَم، المظلوم سيأخذ من حسنات الظالم، لكن لو المظلوم عفا أجره أكبر من الحسنات التي سيأخذها من الظالم يوم القيامة، لأن الله قال: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ).


كُلُّ الصَّحابة الذين كانوا في مسجد قباء تحولوا من بيت المقدس إلى مكة لخبر نزل من السماء، (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) [البقرة:144]، والشام بيت المقدس عكس مكة، بالله عليكم!

لو كنا في هذا المسجد إلى هذه القبلة وقيل لنا أثناء الصلاة: يا أيها الإمام ويا أيها المأموم تغيرت القبلة إلى الجهة الأخرى، ماذا سيحدث في المسجد من الاضطراب و"اللخبطة"، لكن الصحابة بكل فقه استداروا مع الإمام، وتحولوا جميعاً من قبلة الشام إلى قبلة مكة بكل هدوء وفقه ورَوِيَّة.

هذا قرآن يؤثر في النفوس، يحرك القلوب، عائشة في قوله تعالى: (فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ) [الطور:27]، تقوم الواحدة في مُصَلَّاها ساعات طوالاً تردد الآية وتقول: اللهم مُنَّ علينا وقِنا عذاب السموم؛ لأن زوج عائشة -صلى الله عليه وسلم- تعلمت منه أنه ردد آية واحدة طوال الليل: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة:118]. كيف يردد الواحد آية واحدة؟، لأن عقله يعمل فيها، يجول في المعاني، يفقه التنزيل، يعرف ماذا أراد الله.


اللهم اجعلنا من أهل القرآن، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار يا رحمان، اللهم بارِكْ لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.


أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية:

الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله، وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، والله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين، وإله الأولين والآخرين، ومالك يوم الدين، وديَّان السموات والأرضين.


وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، الرحمة المهداة، البشير والنذير، والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين وذريته، وخلفائه الميامين، وأزواجه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أشهد أنه رسول الله حقا، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، وتركَنا على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.


عباد الله: كانت الآيات تسبب لدى سلفنا توبة من ذنب، أو منعاً من الوقوع فيه، كان بعضهم وقع في الشراب وعنده تأويلات، فقرأ ابن أخته يوماً: (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) [الأنفال:37]، فقال: يا خالي، إذا جمع الله الأولين والآخرين، وميز الخبيث من الطيب، الخمر هذه التي تشربها مِن الخبيث أم مع الطيب؟ فصمت! ثم قال: قم فأهرقها واكسر آنيتها. فتاب إلى الله.


آية تعيد شاباً من مشوار حرام، كان صاحب عبادة فدعته امرأة ذات جمال فأغواه الشيطان بالمسير إليها، فسار وفي الطريق سمع تالياً يتلو عن الذين اتقوا: (إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) [الأعراف:201]، فوقف، ورجع، وخَرَّ مغشياً عليه.


وكذلك تاب الفُضيل وهو ذاهب لمعصية لأنه سمع مَنْ يقوم الليل ويقرأ: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) [الحديد:16]، قال: بلى، قد آن يا رب!.


عباد الله: لما نرى هذه الآيات تفعل فعلها في نفوسهم، معناها أنهم يفهمون المعنى ويعملون به، الواحد إذا أراد أن ينام بعد العناء والتعب من العبادة يتذكر قول الله: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) [الذاريات:17]، فيقوم يصلي يكمل، فيعود لينام فيتذكر قول الله تعالى: (أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ) [الزمر:9]، فيقوم ويصلي.


(كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُون)، الآيات تقيمهم من فراشهم وتقيمهم في مُصَلَّاهُم، لماذا نحن ليس عندنا مثل هذا التفاعل؟ إيماننا بالقرآن قليل، نسأل الله أن يعفو عنا وعن تقصيرنا.


والله يا إخوان الواحد يتألم لما يرى شخصاً يضع ولده في مدرسة أجنبيه ليقتن اللغة الانجليزية ويبتعثه إلى الخارج في الصيف والشتاء ليدرس اللغة ويكون دقيقاً في لغة القوم، والولد لا يعرف كيف يقرأ القرآن؟!.


وهناك أخطاء -والله الذي لا إله إلا هو!- تدمي قلب المؤمنين، واحد يقرأ: (خلق الإنسان من عِجْلٍ)!، وهي: (خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ) [الأنبياء:37]، فالعَجَلةُ من طبعه وتكوينه، ثانٍ يقول: (إلهاكم التكاثر) إنما إله واحد وهي: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ)، وعندما لا يعرف الولد أن يفرق بين الضاء والظاء ويقرأ (وإذ قال لقمان لإبنه وهو يعضه)!.


عباد الله: هل تعرفون ما حجم الإساءة إلى القرآن عندما لا تميز الحروف ولا اللغة العربية؟

ولا الفاعل من المفعول؟
ويأتي الواحد يقرأ (إنما يخشى اللهُ من عباده العلماء)، يعني الله يخشى العلماء! وهي (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر:28]، مفعول به مقدَّم، لفظ الجلالة والعلماء فاعل مؤخر، العلماء هم الذين يخشون الله، لكن هذا الرفع والنصب عنده بلا حساب.

إذا كانوا لا يعرفون قراءة الحروف والإعراب فكيف سيعرف المعنى؟! فلو قلت: (غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ) [الفلق:3]، فما معنى غاسق؟

وما معنى وقب؟

وما معنى (لِإِيلَافِ) [قريش:1]، وما معنى (ضَبْحًا) [العاديات:1]، وما معنى (الصَّمَدُ) [الإخلاص:2]، لا جواب عند الكثيرين، ويقرؤونها في صلواتهم، وهي مِن قصار السور!.

بالله عليكم! ما حجم هذا التقصير في حق كتاب الله -عز وجل- وهو أهمُّ وثيقة لدينا في العالم؟!

لابد أن نعيد النظر في موقفنا من القرآن؛ ولذلك أثر القرآن علينا ضعيف، أثر الآيات في حياتنا ضعيف، تُرجِع مَن؟

وتحمل على العمل مَن؟
وتكفُّ مَن؟!.

ولأجل هذا لابد أن نعود إلى أن نتلوه حق تلاوته، وإلى تجويد القرآن، وإلى معرفة المعنى، لنتدبر -يا عبد الله- التفسير الميسر، التفسير الميسر يقدم لك المعنى الإجمالي للآية، والكلمات الصعبة، ثم -يا عباد الله- المدارسة، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، نأخذ فوائد، نعرف أقوال المفسرين، كيف نطبق الآية على الواقع؟ ماذا يستفاد منها؟ تجول عقولنا في معاني كلام ربنا.


وبالمناسبة، شعبان كان عند السلف شهر القران، واستعدادات لرمضان، ورمضان قادم، فهل يا ترى ستكون القضية فقط قراءة كالشعر، فقط لنختم، أم سنفقه ما نقرأ؟.


اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك الأخيار، وأن تنزلنا منازل الأبرار، وأن ترزقنا تلاوة كتابك آناء الليل وأطراف النهار.



كتبت : || (أفنان) l|
-

أختي الغالية
لله درك وبشرك الله فى الجنة
جزاك الله كل خير فائدة عظيمة جعلها الله في موازين حسناتك
بارك الله فيِك وأثابكِ ونفع بك ِ
يــ ع ـطيكـ الــ ع ـآآفيهـ على مآطرحتي لنآآ يـآآلــ غ ـلآآآ ,,

لكِ ودى وتقديرى وتقييمي لك ياقلبي,,,
كتبت : اصيله اصيل
-
بارك الله فيك
الموضوع في قمة الروعه والله
تقبلي مروري وتحياتى
كتبت : سنبلة الخير .
-
جزاك الله عنا خير الجزاء والمثوبه على طرحك القيم
ويعطيك ربي العآفيه على الطرح الرائع..على منقولك
جعلها ربي في مواازين حسناتك
لاحرمنا منك ..آبدآ..ولآمن ابدآعك..
بآنتظار جديدك المتميز


التالي

خلق الرحمة - الشيخ على بن عبدالرحمن الحذيفى

السابق

مقارنة بين نعيم الدنيا ونعيم الآخرة - الشيخ محمد صالح المنحد

كلمات ذات علاقة
أثر , محمد , المنجد , الصحى , القرآن , حياتنا , شامي