الاستسلام لأوامر الوحي - الشيخ محمد صالح المنجد

مجتمع رجيم / المحاضرات المفرغة
كتبت : ~ عبير الزهور ~
-
الاستسلام لأوامر الوحي - الشيخ محمد صالح المنجد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


عباد الله: الدين عند الله الإسلام كما قال سبحانه: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإسْلامُ) [آل عمران:19]، وهذا الدين هو الذي ارتضاه الله للعالمين، وأخبر في كتابه المبين أنه لن يقبل من العباد سواه؛ بل ورتب على ذلك الخسران لمن حاد عنه أو تنكب طريقه، فقال سبحانه: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85].


فما معنى الإسلام إذن؟ إن الإسلام: هو الاستسلام لله -عز وجل-، والانقياد له دون اعتراض...، ولذلك لا أحد أصوب طريقاً ولا أهدى سبيلاً ممن أسلم وجهه لله، قال سبحانه: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) [لقمان:22]، وقال: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) [النساء:125].


ولا بد أن يجمع المسلم في دينه بين كمال التسليم والانقياد، والتزام الإحسان في العمل، ومتابعة السنة؛ حتى يحظى بمنازل السالكين، ومنارات المهتدين... فإن من الله الرسالة، وعلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- البلاغ، وعلينا نحن التسليم والخضوع والانقياد.


وهذا هو شأن المؤمن والمؤمنة، إذا قضى الله ورسوله أمراً لا يمكن لهما الحيدة عمَّا أمر اللهُ به ورسولُه؛ ومعلومٌ أن كمال الإيمان لا يتحقق في العبد إلا إذا أعلن كمال الاستسلام لما جاء به الوحي، قال سبحانه: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ)، وهذا لا يكفي، (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [النساء:65]، وعند ذلك يتم الإيمان، ويكون العبد مسلماً لله حقيقة.


وهذا بخلاف أهل النفاق، فإن حالهم مع أوامر الله ووحي السماء الصدود والنكوص، وقد نطق القرآن مجلياً لهذه الحقيقة في قوله سبحانه: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) [النساء:61].


عباد الله: لقد ضرب الرعيل الأول من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أروع الأمثلة في الاستسلام للوحي، والتسليم لأوامر الشريعة الغراء، فقد كانوا يتقبلونها بكمال إذعان وانقياد، دون اعتراض أو تلكُّؤٍ أو نكوص، فإذا ما جاءتهم قالوا: سمعنا وأطعنا. وضربوا لذلك أمثلة رائعة وذائعة وعظيمة.


من ذلك اجتنابهم لشرب الخمر عندما نزل الوحي بذلك، على الرغم من أنها كانت متفشية عند العرب ومنتشرة، لكن لما نزل قول الله تعالى: (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة:91]، قال عمر -رضي الله عنه-: "انتهينا انتهينا" رواه الترمذي وصححه الألباني.


ولما نادى المنادي في المدينة: ألا إن الخمر قد حُرِّمَت. سارع الناس إلى جرار الخمر في بيوتهم فكسروها، وأراقوا ما بقي منها حتى جرت في سكك المدينة وطرقاتها، كل ذلك مسارعة منهم في الإذعان للوحي وأمر السماء كما، في الصحيحين.


وترى مظهر الإذعان لرسالة السماء عندهم أيضاً في مسألة الحجاب، وذلك لما نزلت آية الحجاب تخاطب المؤمنات: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ...) [النور:31]، فما كان من نساء الأنصار والمهاجرات إلا أن شققن مروطهن فاختمرن بها كما في البخاري.


ولما أُخبِر بعض الصحابة -وهم يصلون تجاه بيت المقدس- بتحول القبلة نحو الكعبة، استداروا إلى الكعبة وهم في الصلاة سرعة في الاستجابة والامتثال. رواه البخاري.


ويبلغ بهم الانقياد مبلغه فتجدهم يخلعون نعالهم في إحدى صلاتهم لما رأوا قدوتهم -صلى الله عليه وسلم- يخلع نعليه في الصلاة، كما في الحديث الذي رواه أبو داود وصححه الألباني؛ يظنون أن ذلك وحي قد جاء من السماء، إلى أن بيَّن لهم المصطفى -صلى الله عليه وسلم- سبب صنيعه.


ويرى الهادي الأعظم خاتم ذهب في يد أحدهم فيقول: "يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده"، ففهم ذلك الصحابي الرسالة، فباشر خلع خاتمه وألقاه، فقيل له: خذ خاتمك انتفع به. بِعْه. قال: لا والله، لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. رواه مسلم.


وأحياناً قد تكون القضية عادة غلبت عليهم، أو أمراً قد اعتادوا عليه منذ الصغر، ومع ذلك إذا نزل الأمر والنهي التزموا به، فعن جابر بن سليم أنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اعهد إلي. فقال له: "لا تسبن أحداً". قال: فما سببت بعده حراً ولا عبداً، ولا بعيراً ولا شاة. رواه أبو داود وصححه الألباني.


ونموذج آخر للانقياد يبرز سناه من موقف ابن عمر -رضي الله عنه-، فإنه حين بلغه حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه، يبيت ثلاث ليال إلا ووصيته عنده مكتوبة"، قال: فما مرت عليَّ ليلة منذ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك إلا وعندي وصيتي. رواه مسلم.


وبالرغم من المواقف الصعبة التي تعتلج فيها حظوظ النفس، وتُصادِم عنادهم وقراراتهم، لكنهم كانوا -رضوان الله عليهم- مستعدين أن يتغلبوا على كل ذلك، سعياً منهم في إرضاء الله ورسوله، وتأكيداً منهم على رضوخهم لأمر الله، وتسليمهم لشرعه.


فهذا معقل بن يسار -رضي الله عنه- زوّج أخته لرجل، لكن هذا الرجل طلقها، ثم ندم وجاء يخطبها مرة أخرى، فقال معقل: زوجتك وأكرمتك ثم طلقت أختي، لا والله لا ترجع إليك أبداً. فلما أنزل الله: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة:232]. قال معقل: سمعاً لربي وطاعة. ثم دعاه فقال: أزوجك وأكرمك. رواه الترمذي بهذا اللفظ وأصله في البخاري.


ولك أن تتخيل صعوبة الموقف! يطلق أخته وبدون سبب منها، وفي ذلك إهانة بالغة، ويعقد اليمين على عدم عودتها إليه ولو بذل ما بذل؛ ولكن، لما نزل الوحي بخلاف ما أراد حاد عن قراره، وتخلى عن عناده؛ استجابة لأمر الله جل جلالُه وتقدست أسماؤه.


وهكذا، لم يكن الاقتناع العقلي شرطا عندهم للتنفيذ والإذعان، بل ينفذ الواحد سواء اقتنع أو لم يقتنع، فهِم العلة أو لم يفهم، ما دام ثبت أن الله ورسوله حكم بهذا وأمر؛ يقول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على ظاهر خفيه. رواه أبو داود وصححه الألباني.


عباد الله: ولم يكن سلف الأمة -رحمة الله تغشاهم- في منأى عن هذا الامتثال والإذعان، بل إنهم دأبوا دأب الصحابة -رضوان الله عليهم- في ذلك، فالتزموا الأوامر، وسارعوا بالتطبيق، ولم يكن عندهم تردد في التنفيذ حتى العامي منهم.


في "تاريخ الإسلام" للذهبي، يقول أبو إسحاق الحبال: كنا يوماً نقرأ على شيخ فقرأنا حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يدخل الجنة قتات" متفق عليه. وكان في الجماعة رجل عامي يبيع القت -وهو علف الدواب-، فقام وبكى وقال: أتوب إلى الله من بيع القت. فقال له الشيخ: ليس هذا القصد، لكن القتات النمام: الذي ينقل الحديث من قوم إلى قوم؛ فسكن الرجل، وطابت نفسه.


فلا إله إلا الله! إذاً كان هذا حتى على مستوى العامي، فما بالك بالأخيار منهم والعلماء والعُبَّاد والزهاد؟ ولذلك لا عجب أن يكون هؤلاء هم خير القرون، مجرد بلوغهم الوحي يستسلمون لأمر الله ورسوله، لا يقدمون رأياً على كلام الله ورسوله.


ذكر الحميدي أنه كان عند الشافعي، قال: فأتاه رجل فسأله عن مسألة، فقال الشافعي: قضى فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا وكذا، فقال رجل للشافعي: وما تقول أنت؟ فقال الشافعي: سبحان الله! تراني في كنيسة؟ تراني في بيعة –أي دار عبادة اليهود-؟ ترى على وسطي زناراً؟ -وهو شعار أهل الذمة-. أقول لك قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنت تقول: ما تقول أنت؟ "ذم الكلام وأهله".


يعني: ماذا عساي أن أقول بعد قول الله وقول رسوله؟ لا يوجد لأحد قول، ولا يقدم عليهما كلام، (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [النور:51].


فهذا الاستسلام لأمر الله ورسوله هو ما ينقص كثيراً من المسلمين الآن، ومن المؤسف أن ترى البعض يعترض ويتوقف ويتلكأ ويتباطأ، وربما يستعصي، وهذا من المحادَّة لشرع الله وأمره؛ وصاحبُه على خطر عظيم.


نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعلنا منقادين لشرعه، مؤتمرين بأمره، مطيعين له؛ اللهم اجعلنا لك تائبين، لك ذاكرين، لك شاكرين، إليك أواهين منيبين؛ تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، إنك أنت السميع العليم.


أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، الله تعالى ولي المتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، خلق السموات والأرض بالحق، يكور الليل على النهار، ويكور النهار على الليل، خلق فسوَّى، وقدر فهدى، مالك الملك، (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران: 26].


وأشهد أن لا إله إلا هو شهادة ظهر نورها ولاح، وغدا برهانها وراح، وعلا ذكرها وساح؛ وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، ومصطفاه من خلقه وخليله، وأمينه على وحيه وحبيبه، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة.


صَلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وأزواجه، وذريته الطيبين، وأصحابه الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.


عباد الله: إن من أشد ما بلي به المسلمون اليوم الاعتراض على نصوص الكتاب والسنة، وعدم الانقياد لأوامر الله ونواهيه، وإثارة الشبهات حول الأحكام الشرعية؛ وهذا الاعتراض والتوقف في التسليم إنما هو اتبّاع لإبليس -لعنه الله- الذي رفض الانقياد للأمر الإلهي، وجاء بحجج واهية متهاوية في تبرير عصيانه، فقال: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) [الأعراف:12]، فاعترض بالقياس العقلي على الأمر الشرعي.


ولا تسليم له أيضاً في قياسه العقلي فقياسه فاسد، فالطين أفضل من النار؛ لأن النار تحرق، والطين ينبت الكلأ والزرع وطعام الناس والماشية؛ فكانت النتيجة أن نال وسام العصيان لذي الجلال، مع اللعنة على الدوام.


وعلى خطاه سار أولياؤه اليوم في الاعتراض على نصوص الكتاب والسنة وعدم التسليم لها، وتراهم يأتون بما يسمونه حججاً؛ لأجل الحيدة عن الكتاب والسنة، وعدم تطبيق أوامر الله ورسوله، ففي الحجاب لهم شبهات، وفي تعدد الزوجات لهم توقفات، ويقولون مثلاً: المسألة للتصويت نعم أو لا للزوجة الثانية.


وتبث في بعض قنواتهم الساقطة ومواقعهم الخاوية من عروش الدين استفتاءات: هل تؤيد قطع يد السارق؟ يا سبحان الله! متى كان يستفتى على حدود الله؟ متى كانت تؤخذ آراء الناس على الشرع تريدونه أو لا تريدونه؟ متى جعلت الأحكام القطعية الشرعية مجالاً للأخذ والعطاء، والتأييد والمعارضة؟.


وما انتهوا أو ارعووا؛ بل تطالوا أكثر فأكثر فأتوا بشبهات يشككون ويطعنون بإثارتها في دين الله -عز وجل-. يقولون لا للولي والمحرم، لماذا؟ أليست المرأة بحاجة إلى حماية؟ يقولون: لا، صار عندها وعي كافٍ تستغني به عن الحماية والصيانة. ويتشدقون بالتسوية بين الذكر بالأنثى في الميراث، والسبب: حتى لا يتكلم علينا الغرب! ودواليك دواليك من الأمور والقضايا التي ينأون بها عن شرع الله وأمره.


وإذا ما جئت بالآية والحديث في تقرير المسألة أو القضية قالوا: لا تقحم الدين في كل أمر. سبحان الله! أليس لله أحكام في الطب؟ أليس لله أحكام في الاقتصاد؟ أليس لله أحكام في الإعلام؟ أليس لله أحكام في الحياة كلها؟ ألم يقرؤوا قوله سبحانه: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام:162].


أخطا والله وحاد عن الصراط السوي من ادّعى أن الشريعة جاءت لتقضي فقط في الأمور التعبدية بين العبد والرب كالصلاة والصيام...، وأنها لم تأت بأحكام تنظم العلاقات بين العباد أنفسهم، ولا أدري كيف غفلوا عن أحكام الله في البيع والشراء والإجارة والعطية والوصية والميراث والرهن والكفالة والحوالة...؟ فالشريعة لم تدع أمراً إلا وكان فيه نبأ من السماء، كما قال الله: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام:38]. وقال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) [المائدة:3]. ولكن هؤلاء أعمى الله بصائرهم عن اتباع طريق الهدى، وصدق الله: (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج:46].


وإذا وجدوا أن لا قدرة لهم على رد أحكام الله والاعتراض على شرعه لسبب أو لآخَر استخدموا سبلا أخرى، كتهكمهم بالشريعة، فتراهم يأتون بالتفسيرات الباطلة لإلغاء الأحكام الشرعية كما فعل اليهود الذين حرفوا دين الله، وبدلوا كلمات الله، نعم! هكذا يفعلون فيما لا يعجبهم من التشريعات الإلهية والأحكام الشرعية، يغيرون على نصوص الكتاب والسنة غارات بعد غارات، يفتحون باب التأويل الفاسد.


وتحت شعار التحديث والعصرنة يريدون إخراج الأحكام الشرعية عن حقيقتها، لا يريدون تطبيق حدود الله، ولا الاستسلام للأحكام التي جاءت عن الله ورسوله في أمور الأسرة والمرأة والميراث.


ويريدون إعمال عقولهم في إلغاء الأحكام فيقولون: أكل الخنزير كان حراماً؛ لأنه كان يأكل القاذورات، لكن الآن تغير الحال، فالمزارع الغربية تطعم الخنازير أكلاً نظيفاً، فلا بأس بأكل لحمه.


ولمعرفة براءة الرحم هناك طرق كثيرة عن طريق الفحوص الحديثة، فلا حاجة إذاً لعدة المتوفى عنها زوجها، وعليه فيلغى الحكم!.


سبحان الله! جرأة عجيبة وتنكر رهيب على أحكام الله وشرائعه!. فيا هؤلاء المعترضون! على رسلكم! (أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ) [البقرة:140].


الله أنزله كتابه ليحكم بين الناس بما ينفعهم، ويخدم مصالحهم، ويصلح معايشهم إلى قيام الساعة، وله الحكمة البالغة فيما يأمر وينهى، فقد نعرف السبب والحكمة في ذلك الأمر أو النهي وقد تخفى علينا، قد نطَّلع على علة في ذلك وتغيب عنا علل أخرى؛ ولذلك كان لا بد من الانقياد له، لا بد من التنفيذ، لا بد من الامتثال عندما يأتي أهل العلم بحكم الله ويبينونه للناس.


وإذا كان الشيء غيبياً لا ندركه بعقولنا فعلينا أن نؤمن به كما جاء عن الله وعن رسوله، ما دام ثبت بالنص الواضح الصحيح، قال الله: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [النور:51]. والحمد لله، فليس في ديننا ما يعارض العقل الصحيح، والنقل الصحيح الصريح، وكما يقول أهل العلم: لا يصادم العقل الصحيح.


اللهم إنا نسألك أن تجعلنا مؤمنين بكتابك، مستسلمين لقضائك؛ أَحْيِنَا على سنة محمد بن عبد الله، وَأَمِتْنَا عليها يا رب العالمين؛ اللهم إنا نسألك الفقه في الدين، واتِّباع سنة سيد المرسلين؛ اللهم اغفر لنا أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم؛ اغفر لنا ذنوبنا كلها، دقها وجلها، سرها وعلانيتها، لا تغادر لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرَّجْتَه، ولا دَيْناً إلا قضيته.


اشف مرضانا، وارحم موتانا، واهد ضالنا يا أرحم الراحمين؛ استر عيوبنا، ونفِّس كرباتنا؛ اللهم توفنا مع الأبرار، وأدخلنا الجنة مع الأخيار، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أدخلنا الجنة بغير حساب ولا عذاب، وأعذنا من النار؛ إنها ساءت مستقراً ومقاماً.


اللهم اهدنا، وأصلح نياتنا وذرياتنا يا رب العالمين؛ آمِنَّا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتَّبَع رضاك يا أرحم الراحمين.


اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا، أصلح حالنا يا أرحم الراحمين، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور.


سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.


كتبت : || (أفنان) l|
-
كتبت : ~ عبير الزهور ~
-
جزاك الله خير جبيبتى
والف الحمد لله على سلامتك
منورة بيتك رجيم

التالي

السنة والبدعة في شعبان - الشيخ أحمد الزومان

السابق

شهر شعبان وتقارير العباد - الشيخ حسان أحمد العمارى

كلمات ذات علاقة
لأوامر , محمد , المنجد , الاستسلام , الصحى , الندى , شامي