نيسابور.. التاريخ والنشأة

مجتمع رجيم / الأخبار المصورة
كتبت : نورما
-
مدينة نيسابور Nisabur واحدة من أشهر مدن العالم الإسلامي الواقعة في بلاد خراسان، وإحدى الحواضر الإسلامية العريقة في التاريخ والحضارة، والعلم والدراسة، والثقافة والفكر، وذلك على مدار ستة قرون كاملة، إذ كانت نيسابور عاصمة لمقاطعة خراسان قديما، وتعد من أشهر مراكز الثقافة والتجارة والعمران في العصر العباسي، قبل أن يدمرها زلزال ضربها عام 540هـ / 1145م، ثم أكمل خرابها غزو قبائل الغز ثم المغول لها سنة 618هـ / 1221م. وقد قال ياقوت الحموي في حقها: "وكثيرا ما سمعت أن بلاد الدنيا العظام ثلاثة: نيسابور لأنها باب الشرق، ودمشق لأنها باب الغرب، والموصل لأن القاصد إلى الجهتين قلّ ما لا يمر بها".ال الجغرافييقول ياقوت الحموي: "نَيْسَابُور: بفتح أوله، والعامة يسمونه نشاوور: وهي مدينة عظيمة ذات فضائل جسيمة معدن الفضلاء ومنبع العلماء لم أر فيما طوّفت من البلاد مدينة ومنبع العلماء لم أر فيما طوّفت من البلاد مدينة كانت مثلها ..، وعهدي بها كثيرة الفواكه والخيرات، وبها ريباس ليس في الدنيا مثله". تقع نيسابور في إقليم خراسان، الذي يشغل الزاوية الشمالية الغربية من إيران على حدود روسيا وأفغانستان. وإن كانت منطقة نيسابور تقع بين الأراضي الأفغانية والباكستانية. كانت مدينة نيسابور أكثر مدن خراسان أهمية، وهي التي تمثل الربع الغربي من خراسان، وهي من أعمال مدينة مشهد الآن، وتبعد عنها بنحو 90 كيلو مترا.تسمياتهاترجع تسمية "نيسابور" نسبة إلى سابور الذي قام ببنائها في المائة الثالثة للميلاد، وسابور هو ثاني ملوك الساسانيين الفرس، كما أطلق على المدينة أيضًا اسم "أبر شهر"، وهناك من البلدانيين من يسميها "إيرانشهر"، والصحيح أن إيرانشهر هي ما بين جيحون إلى القادسية.فقد رأى الملك الفارسي سابور ًا أعجبه، فطلب أن يتم بناء مدينة فيه، ولما كان فيه قصب كثير أمر بقطعه، وبدأ تأسيس المدينة التي أخذت اسمها من اسم الملك ومن كلمة "قصب" التي تعني بالفارسية القديمة "ني"، وبالتالي أصبح اسم المدينة "نيسابور" أي قصب سابور، إلا أن ياقوت الحموي يقول في "معجم البلدان" إن اسمها مشتق من التعبير الفارسي القديم "نيوشاه بور" والذي يعني بالعربية "موضع سابور الطيب" ،إلا أن الاسمين بصفةٍ عامة يربطان بين المدينة وبين الملك الفارسي سابور.وتدل تلك الملابسات على أن المدينة تم تأسيسها في القرن الثالث الميلادي؛ حيث حكم سابور بلاد فارس في الفترة بين 241م إلى 271م أي أن عمرها الآن يقارب الـ19 قرنًا ميلاديًّا؛ مما يجعلها واحدةً من المدن التي شهدت على بعض أهم وأبرز المراحل في التاريخ الإنساني، وبخاصة التاريخ الإسلامي لما كان شهده التاريخ الإسلامي في تلك المناطق من تحولات فكرية وسياسية.ويقول ياقوت: "واختلف في تسميتها بهذا الاسم فقال بعضهم: إنما سميت بذلك لأن سابور مرّ بها وفيها قصب كثير فقال: يصلح أن يكون ههنا مدينة، فقيل لها نيسابور، وقيل في تسمية نيسابور وسابور خواست وجنديسابور: إن سابور لما فقدوه حين خرج من مملكته لقول المنجمين،خرج أصحابه يطلبونه فبلغوا نيسابور فلم يجدوه فقالوا نيست سابور أي ليس سابور، فرجعوا حتى وقعوا إلى سابور خواست فقيل لهم ما تريدون؟ فقالوا: سابور خواست، معناه سابور نطلب، ثم وقعوا إلى جنديسابور فقالوا وند سابور أي وجد سابور".أشهر مدن وقرى نيسابورومن أبرز المناطق التي كانت في نيسابور من المدن والقرى: طوس، وبيهق، وباخرز، وأبيورد، وأسفرايين، وأرغيان، واشبنذ، وايلاق، واستوا، وبشت، وجاجرم، وخواف، وخابران، وبشتنفروش، وشاذياخ، وسمنقان، ورخ، والشامات، وزوزن، وزام، وجوين، ونسا، وكلات، ونوقان وذلك حسبما ذكر في كتب الجغرافيا والطبقات، وقد شهدت تلك القرى معالم النهضة الإسلامية بخاصة في القرن الثالث الهجري وما بعده.الفتح الإسلامي لنيسابورفتحن نيسابور في أيام الخليفة الراشدي عثمان بن عفان رضي الله عنه، على يد عبد الله بن عامر بن كريز، في سنة 31هـ، صلحا، وبنى بها جامعا، وقيل إنها فتحت في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، على يد الأحنف بن قيس، وإنما انتقضت في أيام عثمان فأرسل إليها عبد الله بن عامر ففتحها ثانية.من تاريخ نيسابورومنذ تم الفتح الإسلامي لمدينة نيسابور، شهدت نهضة علمية وعمرانية كبرى، وظلت قصبة حضارية خلال عهد الدولة الأموية، أما في العصر العباسي فقد كانت نيسسابور مركزا تجاريا وعلميا وثقافيا كبيرا، وعندما برز الضعف في الخلافة العباسية ظهر في المشرق الإسلامي وبلاد خراسان وما وراء ال العديد من الدول المستقلة عن الخلافة وإن كانت تتبع الخلافة اسميا، وكانت نيسابور حاضرة كبرى وعاصمة سياسية لأكثرها، ومنها:1- الدولة الطاهرية في خراسان (205 - 259هـ/820 - 872 م).2- الدولة صفارية في إيران وهرات وما وراء ال، (254 - 298هـ/868 – 910م).3- الدولة السامانية في بلاد ما وراء ال وغيرها (261 - 390هـ/874 - 1000 م).4- الدولة الغزنوية في غزنة ومعظم إيران وما وراء ال وبعض الهند ( 349 - 579هـ/960 – 1183م).5- الدولة السلجوقية الكبرى (432 - 583هـ/1037 – 1187م).وقد كان لنيسابور على مدار تاريخها منزلة كبيرة وقدرا رفيعا، واهتمام جليلا ممن تعاقب عليها من حكام المسلمين، ولم تبلغ ما بلغته من المكانة مثلما كان في أيام الدولة الطاهرية والدولة الصفارية، يشهد بذلك ما قاله ابن حوقل: " وكانت دار الإمارة بخراسان فى قديم الأيام بمرو وبلخ إلى أيام الطاهريّة، فإنهم نقلوها إلى نيسابور، فعمرت وكبرت وغزرت وعظمت أموالها عند توطّنهم إياها، وقطونهم بها حتى انتابها الكتّاب والأدباء بمقامهم بها، وطرأ إليها العلماء والفقهاء عند إيثارهم لها".غزو عشائر الغز لنيسابوروفي العهد السلجوقي تعرضت نيسابور لغزوات عشائر الغز، وهم تجمع قبائل تركية، كانوا من أتباع السلاجقة، انتقلوا من نواحي الثغر من أقاصي الترك إلى ما وراء ال في أيام المهدي العباسي، وقد تعرضت نيسابور لهجماتهم سنة 548هـ فأصبت بمصيبة عظيمة، قال ابن الأثير: "فركب الغز ودخلوا نيسابور ونهبوها مجحفا، وجعلوها قاعا صفصفا، وقتلوا الكبار والصغار وأحرقوها، وقتلوا القضاة والعلماء في البلاد كلها، فممن قتل الحسين بن محمد الأرسابندي، والقاضي علي بن مسعود، والشيخ محمد بن يحيى".وبلغ من وحشية تلك العشائر المتوحشة أنهم أسروا الملك سنجر السلجوقي وقتلوا كل من وجدوه فيها، واستصفوا أموالها حتى لم يبق فيها من يعرف، وخربوها وأحرقوها ثم اختلفوا فهلكوا، واستولى عليها المؤيد أحد مماليك سنجر سنة 550هـ، "وأزاح الغز عن الجميع، وقتل منهم خلقا كثيرا، وأحسن السيرة، وعدل في الرعية، واستمال الناس، ووفر الخراج على أهله، وبالغ في مراعاة أرباب البيوت، فاستقرت البلاد له، ودانت له الرعية لحسن سيرته، وعظم شأنه، وكثرت جموعه"، ثم إن المؤيد نقل الناس إلى محلة منها يقال لها شاذياخ وعمرها وسورها، وتقلبت بها أحوال حتى عادت أعمر بلاد الله وأحسنها وأكثرها خيرًا وأهلًا وأموالًا؛ لأنها -كما يقول ياقوت- دهليز المشرق ولابد للقفول من ورودها.الغزو المغولي التتري لنيسابوريقول ياقوت: "وبقيت على ذلك إلى سنة 618هـ حيث خرج من وراء ال التتار، فعاثوا في الأرض فسادا حتى وصلوا إلى أسوار نيسابور. واستولوا على بلاد خراسان وهرب منهم محمد بن تكش بن ألب أرسلان خوارزم شاه -وكان سلطان المشرق كله إلى باب همذان، وتبعوه حتى أفضى به الأمر إلى أن مات طريدا بطبرستان في قصة طويلة، واجتمع أكثر أهل خراسان والغرباء بنيسابور وحصنوها بجهدهم فنزل عليها قوم من هؤلاء الكفار فامتنعت عليهم ثم خرج مقدّم الكفار يوما ودنا من السور فرشقه رجل من نيسابور بسهم فقتله، فجرّى الأتراك خيولهم وانصرفوا إلى ملكهم الأعظم الذي يقال له جنكيز خان فجاء بنفسه حتى نزل عليها -وكان المقتول زوج ابنته- فنازلها وجدّ في قتال من بها، فزعم قوم أن علويّا كان متقدّما على أحد أبوابها راسل الكفار يستلزم منهم على تسليم البلد ويشرط عليهم أنهم إذا فتحوه جعلوه متقدّما فيه، فأجابوه إلى ذلك ففتح لهم الباب وأدخلهم فأول من قتلوا العلويّ ومن معه، وقيل: بل نصبوا عليها المناجيق وغيرها حتى أخذوها عنوة ودخلوا إليها دخول حنق يطلب النفس والمال، فقتلوا كل من كان فيها من كبير وصغير وامرأة وصبيّ ثم خرّبوها حتى ألحقوها بالأرض وجمعوا عليها جموع الرستاق حتى حفروها لاستخراج الدفائن، فبلغني: أنه لم يبق بها حائط قائم، وتركوها ومضوا، فجاء قوم من قبل خوارزم شاه فأقاموا بها يسبرون الدفائن فأذهبوها مرّة، فإنا لله وإنّا إليه راجعون، من مصيبة ما دهى الإسلام قط مثلها".كما قام جنكيزخان اللعين بسبي كل نساء المسلمين في مدينة نيسابور، وأقام المغول في المدينة خمسة عشر يوما يفتشون الديار عن الأموال والنفائس، ثم تركوا نيسابور بعد ذلك أثرًا بعد عين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.كتب تاريخ نيسابورتجري العادة على أن يكون للمدينة تاريخٌ واحدٌ مسلسلٌ إلا أن مدينةَ نيسابور لها أكثر من تاريخ، ويرجع ذلك إلى كثرة ما تدفق عليها من الحضارات والحكام والمدارس الفكرية، فكانت في فترةٍ من الفترات درة الحكم الفارسي ثم أصبحت بعد ذلك دارًا من دور الإسلام العظيمة.تاريخ نيسابور للحاكم النيسابوريومن أشهر الكتب التي ألفت في تاريخ نيسابور، ما كتبه الإمام الحافظ الحاكم النيسابوري (321 - 405هـ / 933 - 1015م). صاحب كتاب المستدرك على الصحيحين، وهو كتاب "تاريخ نيسابور"، وهو -كما ﻳﻘﻮل الإمام السبكي: سيد اﻟﺘﻮارﻳﺦ. صنفه الحاكم لأنه وجد نيسابور مع كثرة العلماء بها والحفاظ لم يصنفوا في تاريخها شيئًا. ذكر البيهقي في (تاريخ بيهق) أنه يتألّف من (12) جزءا ومرتبا على حروف المعجم، ويضم تراجمَ لصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، وللشخصيات البارزة في نيسابور إلى سنة 380هـ. ولهذا الكتاب تكملة بها ذكر للشيوخ والأصدقاء الذين ماتوا بعد سنة 388هـ، ويبدو أن النسخة الأصلية لهذا الكتاب قد فقدت.وتاريخ نيسابور للإمام الحاكم هو أعود التواريخ عل الفقهاء بفائدة. وقد بدأ الحاكم بذكر مفاخر خراسان بإشارة آيات وأحاديث وأخبار. وما ورد في تفسيرها ثم ذكر أحاديث في فضل فارس. ثم ذكر ما ورد في فضائل نيسابور ثم قسم كتابه إلى سبع طبقات.ذكر في الأولى الصحابة وهم ثمان وعشرون صحابيا. وذكر علماء نيسابور وإشراقها والتابعين في الطبقة الثانية. ثم ذكر أتباع التابعين من النيسابوريين ومن وردها أو سكنها أو حدّث بها من علماء الإسلام في الطبقة الثالثة.أما الطبقة الرابعة، فذكر فيها أتباع الأتباع بعد الصحابة وهو القرن الرابع بعد النبوة والثالث بعد الصحابة. ثم ذكر في الطبقة الخامسة علماء نيسابور ومن دخلها ونشر علمه فيها. وذكر في الطبقة السادسة، من العلماء النيسابوريين ومن سكنها وحدّث فيها من علماء المسلمين. وأما الطبقة السابعة فذكر فيها أسامي المشايخ الذين رزق السماع منهم من الطبقة السابقة (أي السادسة)، وبعد ذلك أضاف الحاكم لاحقة، ترجم فيها لمن توفي من شيوخه وإخوانه بعد انتهائه من تاريخ نيسابور، وقد فقد (تاريخ نيسابور) إذ لم يعثر على مخطوطته.مختصر تاريخ نيسابوريوﻟﻢ ﻳﻮﺟﺪ من تاريخ نيسابور للإمام الحاكم إﻻ ﺗﺮﺟﻤﺔ فارسية ﻣﺨﺘﺼﺮة. تشمل اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺦ نيسابور، وهي طﺒﻘﺔ شيوخ اﻟﺤﺎﻛﻢ، وقد اختصره أحمد بن محمد بن الحسن بن أحمد المعروف بالخليفة النيسابوري، الذي عاش في زمن لا يبعد عن القرن الخامس أو السادس الهجريين. ويوجد في بروسه بتركيا بمكتبة حسين جلبي 778 (74 ورقة) وطبع في فارس 1961. وهذا الكتاب مختصر مترجم عن الفارسية، وهو نشرة كتابخانة ابن سينا - طهران، وعرّبه عن الفرسية: د/ بهمن كريمي - طهران.السياق لتاريخ نيسابوروهناك تكملة لمختصر الخليفة النيسابوري بعنوان "السياق لتاريخ نيسابور"، للإمام الحافظ أبي الحسن عبد الغافر بنِ إسماعيل الفارسيِّ النيسابوري (451 - 529هـ / 1059 - 1135م)، وتوجد هذه التكملة في: صائب بأنقرة 1544 (جـ 2) من حسن إلى النهاية، 98 ورقة، في القرن السادس الهجري.المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابوروهناك كتاب "المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور"، وهو مختصر للكتاب الآنف الذكر "السياق لتاريخ نيسابور"، للإمام الحافظ تقي الدين أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الصريفيني الحنبلي (581 - 641هـ) وله نسحة وحيدة، وهي مصورة عن كوبرلي 1152، 146 ورقة، تاريخها 622هـ. ونشرت بتحقيق: خالد حيدر، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر التوزيع، 1414هـ.______________المصادر والمراجع:- الطبري: تاريخ الرسل والملوك، الناشر: دار التراث – بيروت، الطبعة: الثانية، 1387هـ.- ابن الأثير: الكامل في التاريخ، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م.- الحاكم النيسابوري: تاريخ نيسابور، تلخيص: أحمد بن محمد بن الحسن بن أحمد المعروف بالخليفة النيسابوري، الناشر: كتابخانة ابن سينا – طهران، عرّبه عن الفرسية: د/ بهمن كريمي – طهران، د.ت.- ابن حوقل: صورة الأرض، الناشر: دار صادر، أفست ليدن، بيروت، عام النشر: 1938م.- ياقوت الحموي: معجم البلدان، الناشر: دار صادر، بيروت، الطبعة: الثانية، 1995م.- ابن بطوطة: رحلة ابن بطوطة، الناشر: دار الشرق العربي، د.ت.- مدونة مدن إسلامية لها تاريخ.- نيسابور .. أرض العلم والتاريخ، منتديات نور إسلامنا.- الموسوعة العربية العالمية.قصة الإسلام
المصدر: منتديات بيت حواء - من قسم: المجلس العام

align="left">kdshf,v>> hgjhvdo ,hgkaHm

التالي

القصور الأموية

السابق

الخضار المشكله

كلمات ذات علاقة
نيسابور.. , التاريخ , والنشأة