موقف أهل السنة والجماعة من العين الحاسدة!

مجتمع رجيم / عــــام الإسلاميات
كتبت : حياة الروح الجميله
-
موقف أهل السنة والجماعة من العين الحاسدة!




ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الإصابة بالعين ثابت موجود, ولها تأثير في النفوس, وتصيب المال, والآدمي, والحيوان. والأصل في ذلك ما رواه مسلم من حديث ابن عباس  رفعه: (العين حق, ولو كان شيء سابَقَ القدر سبقته العين, وإذا استُغسلتم فاغسلوا)(1). وما روى أبو هريرة عن النبي  قال: ( العين حق, ونهى عن الوشم)(2) وأنكر طائفة من الطبائعيين وطوائف من المبتدعة العين لغير معنى, وأنه لا شيء إلا ما تدركه الحواس الخمس, وما عداها فلا حقيقة له. والدليل على فساد قولهم : أنه أمر ممكن, والشرع أخبر بوقوعه, فلا يجوز رده، قال المازري: (أخذ الجمهور بظاهر الحديث, وأنكره طوائف من المبتدعة لغير معنى; لأن كل شيء ليس محالا في نفسه ولا يؤدي إلى قلب حقيقة ولا فساد دليل فهو من مجـوَّزات العقول, فإذا أخبر الشرع بوقوعه لم يكن لإنكاره معنى , وهل من فرق بين إنكارهم هذا وإنكارهم ما يخبر به في الآخرة من الأمور).(3)
قال ابن كثير: (أما الذين ينكرون وقوع هذا التأثير للعين الحاسدة فهم: إما غير مطلعين على ماورد بشأنها في الكتاب والسنة من تقرير وإثبات، أجمع عليه علماء أهل السنة والجماعة المعتبرون، وإما أنهم قد اطلعوا عليه ولكنهم عارضوه بآرائهم ومعتقداتهم السابقة, وهم من جهة أخرى بعيدون عن المنهج العلمي في التفكير والنظر.. لأنهم يعتبرون عدم علمهم بحصول ذلك علما بالعدم، وهذا -كما هو متعارف عليه علميا- شيء لا يستقيم في التفكير العلمي الصحيح، فقد لا يعلم الإنسان أي شيء عن شيء معين (يجهله) فإذا حُدث به، أو عَرَض له، فلا يجوز له أن يبادر إلى نفيه وإنكاره، لمجرد أنه لا يناسب تفكيره، أو خلفيته الثقافية، أو غير ذلك، قال الله تعالى عن بعض الذين يفعلون ذلك: ﴿بَلْ كَذّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ، وَلَمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ، كَذَلِكَ كَذّبَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ، فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظّالِمِينَ﴾(4) وقال رحمه الله: (وقوله :﴿بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله﴾ يقول: بل كذب هؤلاء بالقرآن، ولم يفهموه، ولا عرفوه ﴿ولما يأتهم تأويله﴾ أي ولم يُحَصِّـلوا ما فيه من الهدى ودين الحق، إلى حين تكذيبهم به جهلاً وسفهاً. وقال الفخر الرازي: فقوله: ﴿بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه﴾ إشارة إلى عدم علمهم بهذه الأشياء, وقوله: ﴿ولما يأتهم تأويله﴾ إشارة إلى عدم جدهم واجتهادهم في طلب تلك الأسرار).(5)
قال ابن القيم: (فأبطلت طائفة ممن قل نصيبهم من السمع والعقل أمر العين، وقالوا: إنما ذلك أوهام لا حقيقة لها. وهؤلاء من أجهل الناس بالسمع والعقل، ومن أغلظهم حجابا، وأكثفهم طباعا، وأبعدهم عن معرفة الأرواح والنفوس، وصفاتها، وأفعالها، وتأثيراتها. وعقلاء الأمم على اختلاف مللهم ونحلهم لا تدفع أمر العين، ولا تنكره، وإن اختلفوا في سببه، وجهة تأثير العين}(6), ومما يدل على صواب ما ذهب إليه ابن القيم، أن الإيمان بالعين سحيق في القدم, فقد أجمعت الشعوب البشرية والحضارات المتوالية على تأثير العين الحاسدة وإن اختلفت طرق معالجة هذه القضية من حضارة إلى أخرى، فقد آمن السومريون بالعين ونسبوها إلى آلهتهم (عشتروت) التي قتلت ابنها (تـمُّوز) حين سلطت عليه نظرة المـــوت(1). كما تجلى الحسد عند الإغريق في آلهة (فتنوس) ومن بعدهم أسماها الرومان (إنديفيا) وهي تصور هذه الآلهة المزعومة على شكل ثعبان ذو روح شريرة, تأكل قلبه الأفاعي(2), وقد أشار (فرجيل) الشاعر اللاتيني إلى نُحول بعض قطيعه من الخراف, فقال: (إن عيناً شريرة أصابت خرافي، فلم يصبح وراءها غاية كأن لحمها ذاب، ولم يبق منها سوى العظم والجلد(3), أما الفينيـقيون فقد اتخذوا الخرز الأزرق لحماية صبيانهم من العين الحاسدة، وقد وُجد بين أطلال مدينة (أور) في العراق بعض القلائد المصنوعة من حبات العقيق المجاور لحبات اللازورد الأزرق، وكانت ندرة هذين الحجرين سبب اهتمام صُناع الأحجـبة بصنع القلائد منها، وذلك لكي ينصب اهتمام العائن عليها فيقع تأثير العين, وتحمي صاحبها في زعمهم، وقد استعملها قدماء المصريين لنفس الغرض).(4
------------------------------------------

العـين الحاســدة
دراسة شرعية : نظرية وميدانية


بحــث أعــده
1428هـ
2007م
د.حمدان بن محمد الحمدان

التالي
السابق