ميـــزان السمــــــاء

مجتمع رجيم / الأجهزة الذكية
كتبت : كيان انجرح
-


جاء القرآن ليقرر حقيقة القيم فى حياة الجماعة الاسلامية , ليعالج جحود الانسان وكفره لربه , وهو يذكره بمصدر وجوده , وأصل نشأته , وتيسير حياته , وموته ونشره .. ثم تقصير بعد ذلك فى أمره .. ويعالج توجيه القلب البشرى الى تدبير وتقدير الله تعالى فى حاله وفى الكون

والحقيقة فى التوجيه هى أقرار / ان يستمد الناس فى الأرض قيمهم وموازينهم من اعتبارات آلهية بحتة .. آتية اليهم من السماء .. غير مقيدة بملابسات الأرض ولا بملابسات حياتهم .. وهو أمر عظيم جدا , كما أنه أمر عسير جدا .. عسير أن يعيش الناس فى الأرض بقيم وموازين آلهية , وليست من اعتبارات الأرض متحررة من هذه الأعتبارات .. التى هى الحياة الواقعية للناس .. المنبثقة من أحوال معاشهم , وارتباطات حياتهم , وموروثات بيئتهم , ورواسب تاريخهم , وسائر الظروف التى تشدهم الى الأرض شدا

بذلك التوجيه الآلهى وبهذا الهدى النبوى .. كان ميلاد البشرية .. ونشأ المجتمع الربانى الذى يتلقى قيمة وموازينه من السماء .. طليقا من قيود الأرض , وكانت هذه المعجزة الكبرى للاسلام .. المعجزة التى لا تتحقق الا بأرادة آله , وبعمل رسول , والتى تدل بذاتها على أن هذا الدين من عند الله , وأن الذى جاء به رسول !

وكان من تدبير الله تعالى لهذا الأمر أن يليه بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ صاحبه الأول أبو بكر , وصاحبه الثانى عمر .. أقرب اثنين لأدراك طبيعة هذا الأمر , وأشد أثنين أنطباعا بهدى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأعمق أثنين حبا لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ, وحرصا على تتبع مواضع حبه ومواقع خطاه .

حفظ أبو بكر ـ رضى الله عنه ـ عن صاحبه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ماأراده فى أمر أسامة .. فكان أول عمله بعد توليه الخلافة هو أنفاذه بعث أسامة , على رأس الجيش الذى أعده رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ

وسار يودعه بنفسه الى ظاهر المدينة .. أسامة راكب وأبو بكر الخليفة راجل على قدمه , فيستحى أسامة الفتى الحدث ان يركب والخليفة الشيخ يمشى فيقول : ياخليفة رسول الله لتركبن أو لأنزلن ـ فيقسم الخليفة : (( والله لا تنزل . ووالله لا أركب . وماعلى أن أغبر قدمى فى سبيل الله ساعة ؟ ))
ثم يرى أبو بكر أنه فى حاجه الى عمر , وقد حمل عبء الخلافة الثقيل , ولكن عمر انما هو جندى فى جيش أسامة . وأسامة هو الأمير . فلابد من استئذان . فأذ الخليفة يقول : (( ان رأيت ان تعيننى بعمر فأفعل )) ... ياالله !!
ان رأيت أن تعيننى بعمر فأفعل .. انها آفاق عوال , لا يرقى اليها الناس ألا بأرادة الله , على يدى رسول من عند الله !
ثم تمضى عجلة الزمن فنرى عمر ابن الخطاب خليفة يولى عمار أبن ياسر على الكوفة .
ويقف بباب عمر أبن سهيل أبن عمرو بن الحارث ابن هشام , وأبوسفيان أبن حرب وجماعة من كبراء قريش من الطلقاء ! فيأذن قبلهم لصهيب وبلال . لأنهما كانا من السابقين الى الاسلام ومن أهل بدر . فتورم أنف أبو سفيان , ويقول بأنفعال الجاهلية : لم أرى كاليوم قط . يأذن لهؤلاء العبيد ويتركنا على بابه ! .. فيقول له صاحبه ـ وقد استقرت فى حسه حقيقة الاسلام ـ : (ايها
القوم . انى والله أرى الذى فى وجوهكم . ان كنتم غضابى فأغضبوا على أنفسكم . دعى القوم الى الأسلام ودعيتم . فأسرعوا وتباطئتم . فكيف بكم اذا دعوا يوم القيامة وتركتم ؟ )
ـ عن كتاب العداله الاجتماعية فى الاسلام ـ
ويفرض عمر لأسامة أبن زيد أكبر مما يفرض لعبد الله أبن عمر . حتى أذا سأله عبد الله عن سر ذلك قال له : ( يابنى . كان زيد ـ رضى الله عنه ـ أحب الى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أبيك ! وكان أسامة أحب الى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منك ! فآثرت حب رسول الله ـ صلى الله علي وسلم ـ على حبى ) اخرجه الترمذى .
يقولها عمر وهو يعلم أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان مقوما بميزان السماء !
ويرسل عمر عمارا ليحاسب خالد أبن الوليد ـ القائد المظفر ـ فيلبيه برداءه . ويروى أنه أوثقه بشال عمامته حتى ينتهى من حسابه .. فتظهر براءته فيفك وثاقه ويعممه بيده .. وخالد لا يرى فى هذا كله بأسا .. فأنما هو عمار صاحب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ السابق الى الاسلام الذى قال عنه النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ ماقال !
وعمر هو الذى يقول عن أبو بكر ـ رضى الله عنهما ـ هو سيدنا أعتق سيدنا ..يعنى بلال . الذى كان مملوكا لأمية أبن خلف , وكان يعذبه عذابا شديدا . حتى أشتراه أبو بكر وأعتقه .. وعنه يقول عمر أبن الخطاب .. عن بلال ... سيدنــــــا !
وعمر هو الذى يقول : ( لو كان سالم مولى أبى حذيفة حيا لأستخلفته ) يقول هذا , وهو لم يستخلف عثمان ولا عليا , ولا طلحة ولا الزبير .. أنما جعل الشورى فى الستة بعده ولم يستخلف احدا بذاته !
وعلى ابن أبى طالب ـ كرم الله وجهه ـ يرسل عمارا والحسن أبن على ـ رضى الله عنهما ـ الى أهل الكوفة يستنفرهم فى الأمر الذى كان بينه وبين عائشة ـ رضى الله تعالى عنها وأرضاها ـ فيقول : (( أنى لأعلم أنها زوجة نبيكم ـ صلى الله عليه وسلم ـ فى الدنيا والآخرة , ولكن الله أبتلاكم لتتبعوه أو تتبعوها )) .. فيسمع له الناس فى شأن عائشة أم المؤمنين ,وبنت الصديق أبى بكر ........ اخرجه البخارى
وبلال أبن رباح يرجوه أخوه فى الاسلام أبو رويحة الخثعمى أن يتوسط له فى الزواج من قوم من أهل اليمن .. فيقول لهم (( أنا بلال أبن رباح , وهذا اخى أبو رويحة ,وهو أمرؤ سوء فى الخلق والدين . فأن شئتم أن تزوجوه فزوجوه , وان شئتم أن تدعوا فدعوا )) فلا يدلس عليهم , ولا يخفىمن أمر أخيه شيئا , ولا يذكر أنه وسيط وينسى أنه مسئول أمام الله فيما يقول .. فيطمئن القوم الى هذا الصدق .. ويزوجون أخاه , وحسبهم ـ وهو العربى ذو النسب ـ ان يكون بلال المولى الحبشى وسيطه !
وأستقرت تلك الحقيقة الكبيرة فى المجتمع الاسلامى , وظلت مستقرة بعد ذلك آماد طويلة على الرغم من عوامل الانتكاس الكثيرة (( وقد كان عبد الله أبن عباس يذكر ويذكر مع مولاه عكرمة .. وكان عبد الله أبن عمر يذكر ويذكر معه مولاه نافع .. وأنس أبن مالك ومعه مولاه أبن سيرين .. وأبى هريرة ومعه مولاه عبد الرحمان أبن هرمز .. وفى البصرة كان الحسن البصرى .. وفى مكة كان مجاهد أبن جبر , وعطاء أبن رباح , وطاووس أبن كيسان هم الفقهاء . وفى مصر تولى الفتيا يزيد أبن حبيب فى أيام عمر أبن عبد العزيز وهو مولى أسود من دنقله )) مستقى من كتاب أبو حنيفة ـ للأستاذ / عبد الحليم الجندى
الانسان له مفهوم يقرر به الاشياء , ولابد ان يكون هذا المفهوم يتوائم ومقررات الله تعالى حيث قال سبحانه ( ان اكرمكم عند الله اتقاكم ) هذا هو الميزان الذى ارسله الله تعالى مع الرسل .. قيمة التقوى , ومراقبة العبد لأفعاله وأقواله .. قيمة أن يستشعر مراقبة الله تعالى له , والأكرم هو الذى يستحق عناية الله تعالى .
ولكن الناس يعيشون فى الأرض ويرتبطون فيما بينهم بأرتباطات كلها ذات وزن فى حياتهم .. يتعاملون بقيم فيها / النسب .. والقوة .. والمال .. فيصبح بعضهم أرجح من بعض فى موازين الأرض .. ولكن الأساس هو أن الميزان ميزان السماء , والقيمة قيمة السماء , وأن على ألأمة المسلمة أن تدع كل ماتعارف عليه بين الناس اذا ماتعارض مع قيم وميزان الله تعالى .
وهناك حادث فردى ـ يؤدى الى حقيقة مطلقة ومنهج ... هذا الحادث الفردى الذى ذكره الله تعالى فى القرآن لتوجيه النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ الى ميزان السماء , وذلك عندما وجهه وعاتبه فى أبن أم مكتوم ـ الرجل ألأعمى الفقير ـ عندما جاء الى النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو مشغول لا بمصلحته ولا لنفسه , وانما لمصلحة الاسلام , وهذا ميزان الأرض ... عبس وأعرض عنه لأنه يعطله عن الأمر الخطير .. الأمر الذى يرجو من وراءه لدعوته ودينه الكثير ... وهنا يتدخل ميزان السماء ليقول كلمة الفصل فى هذا الأمر , وليقرر بصرف النظر عن جميع الملابسات والأعتبارات ... أعتبار مصلحة الدعوة كما يراها البشر ... بل كما يراها سيد البشر ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهنا يجىء العتاب من الله العلى الأعلى لنبيه الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ صاحب الخلق العظيم بكلمة ( كلا ) وهى كلمة ردع وزجر فى الخطاب وبعدها ( ومايدريك )
وبين الله تعالى بميزان السماء حقيقة الدعوة وكرامتها وعظمتها ورفعتها وعنايتها فقط لمن يريدها لذاتها كائنا من كان وضعه ووزنه فى موازين الدنيا ... فهى فقط لمن يعرف قيمتها ويطلب التطهر بها ... لقد كان ميلادا جديدا للبشرية ان لا يرتبط الانسان بالقيم المتعارف عليها الى قيم أخرى تنزل من السماء منفصلة عن كل مافى الأرض من قيم وموازين
وظل ميزان السماء يرجح بأهل التقوى ولو تجردوا من قيم الأرض كلها ... فى أعتبار أنفسهم , وفى أعتبار الناس من حولهم . ولم يرفع ذلك الميزان من ألأرض ألا قريبا جدا بعد أن طغت الجاهلية طغيانا شاملا فى انحاء الارض . وأصبح الرجل يقوم برصيده من الدولارات فى أمريكا زعيمة الدول الغربية , وأصبح الانسان كله لا يساوى الآله فى المذهب المادى المسيطر فى روسيا زعيمة الدول الشرقية .. أما أرض المسلمين فقد سادت فيها الجاهلية الأولى ـ ألا مارحم ربى ـ التى جاء الاسلام ليرفعها من وهدتها , وانطلقت فيها نعرات كان الاسلام قد قضى عليها .. وحطمت ذلك الميزان الألهى , وأرتدت الى قيم الجاهلية الزهيدة التى لا تمت بصلة الى الايمان والتقوى . </ul>
مجرد حلم ,رامي كاكا معجبون بهذا
التالي

,,touchpad

السابق

صور مثلجات للواتس اب

كلمات ذات علاقة
ميـــزان , السمــــــاء