3- العلاج بالحجامة:

مجتمع رجيم / الأخبار المصورة
كتبت : نورما
-
الحجامة مِن روائع الطب النبوي، وقد ثبَت احتجامُه - صلَّى الله عليه وسلَّم -وأمرَنا به. وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: احتجَم رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حَجمَه أبو طيبة فأمَر له بصاعين مِن طعام وكلَّم أهله فوضعوا عنه مِن خراجه، وقال: ((إنَّ أفضل ما تداويتم به الحجامةُ، أو هو مِن أمثل دوائكم))؛ أخرجه مسلم في المساقاة (ح: 1577). وثبَت أيضًا احتجامه من السمِّ الذي أصابه مِن الشاه المسمومة. قال ابن القيم في "الزاد" (4/111):"عن عبدالرحمن بن كعْب بن مالك - رضي الله عنه - قال: "إنَّ امرأةً يهودية أهدتْ إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - شاةً مصلية بخيبر، فقال: ((ما هذه؟)) قالت: هدية، وحذرتْ أن تقول: من الصَّدَقة، فلا يأكل منها، فأكَل النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأكَل الصحابة، ثم قال: أمسكوا، ثم قال للمرأة: ((هل سممتِ هذه الشاة؟)) قالت: مَن أخبرك بهذا؟ قال: ((هذا العظم لساقِها، وهو في يدِه؟))، قالت: نعم، قال: ((لِمَ؟)) قالت: أردتُ إن كنتَ كاذبًا أن يستريح منك الناس، وإن كنت نبيًّا، لم يضرَّك، قال: فاحتجم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثلاثةً على الكاهل، وأمر أصحابه أن يحتجِموا، فاحتجموا، فمات بعضُهم؛ والحديث صحيح، صحَّح الألبانيُّ إسنادَه في سنن أبي داود (ح: 4512). ثم قال - رحمه الله -: "معالجة السمِّ تكون بالاستفراغات، وبالأدوية التي تعارض فعلَ السمِّ وتبطله، إمَّا بكيفياتها، وإما بخواصِّها، فمَن عدم الدواء، فليبادرْ إلى الاستفراغ الكُلي، وأنفعه الحجامة، ولا سيَّما إذا كان البلدُ حارًّا، والزمان حارًّا، فإنَّ القوة السمية تسري إلى الدم، فتنبعث في العُروق والمجاري حتى تصلَ إلى القلب، فيكون الهلاك، فالدم هو المنفذ الموصل للسُّمِّ إلى القلب والأعضاء، فإذا بادر المسموم وأخرج الدم، خرجتْ معه تلك الكيفيةُ السُّمية التي خالطتْه، فإنْ كان استفراغًا تامًّا لم يضرَّه السم، بل إما أن يذهب، وإمَّا أن يضعف فتقوى عليه الطبيعة، فتُبطل فعْلَه أو تُضعفه. ولما احتجم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - احتجَم في الكاهل، وهو أقربُ المواضع التي يُمكن فيها الحجامة إلى القلْب، فخرجتِ المادة السميَّة مع الدم لا خروجًا كليًّا، بل بقِي أثرها مع ضعْفه لما يريد الله سبحانه مِن تكميل مراتب الفضْل كلها له، فلمَّا أراد الله إكرامَه بالشهادة، ظهَر تأثيرُ ذلك الأثَر الكامن من السمِّ؛ ليقضي الله أمرًا كان مفعولاً". وقال - رحمه الله - في موضع آخَر من الكتاب (4/498) عن منافع الحجامة ما مختصره: "وأمَّا منافع الحجامة: فإنَّها تنقي سطحَ البدن أكثرَ من الفصد، والفصد لأعماقِ البدن أفضل، والحجامة تستخرج الدم مِن نواحي الجلد. ثم قال: قال صاحب القانون - ابن سينا -: ويُؤمر باستعمال الحجامة لا في أوَّل الشهر؛ لأنَّ الأخلاط لا تكون قد تحرَّكت وهاجت، ولا في آخِره؛ لأنَّها تكون قد نقصت، بل في وسط الشهر حين تكون الأخلاطُ هائجةً بالغة في تزايدها لتزيد النور في جرْم القمر. ثم قال: والحجامة على الكاهِل: تنفَع مِن وجع المنكب والحلْق. والحجامة على الأخدعين تنفَع مِن أمراض الرأس، وأجزائه، كالوجه، والأسنان، والأذنين، والعينين، والأنف، والحلْق إذا كان حدوثُ ذلك عن كثرة الدم أو فساده، أو عنهما جميعًا. والحجامة تحت الذَّقن تنفَع مِن وجع الأسنان والوجه والحلقوم، إذا استعملت في وقتها، وتنقي الرأس والفكين، والحجامة على ظهْر القدَم تنوب عن فصْد الصافن، وهو عرْق عظيم عند الكعب، وتنفَع من قروح الفخذين والساقين، وانقطاع الطمْث، والحكَّة العارضة في الأنثيين، والحجامة في أسفل الصَّدر نافعة مِن دماميل الفخذ، وجرَبه وبثوره، ومِن النقرس والبواسير، والفيل وحكَّة الظهر. ثم قال عن أفضل أوقات الحجامة:عن أنس - رضي الله عنه - كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يحتجِم في الأخدعين والكاهل، وكان يحتجم لسبعةَ عشر، وتسعةَ عشر، وفي إحدى وعشرين"؛ أخرجه الترمذي في الطبِّ (ح: 2051)، وانظر صحيح الجامع (ح: 4927). وفي سُنن أبي داود من حديثِ أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا: ((مَن احتجم لسبعَ عشرة، أو تسع عشرة، أو إحدى وعشرين، كانت شفاءً مِن كل داء))؛ انظر صحيح الجامع (ح: 5968). ثم قال: وهذه الأحاديثُ موافقةٌ لما أجْمع عليه الأطباء، أنَّ الحجامة في النصف الثاني، وما يَليه مِن الربع الثالث مِن أرباعه أنفعُ مِن أوله وآخره، وإذا استعملت عندَ الحاجة إليها نفعَتْ أيَّ وقت كان مِن أول الشهر وآخره. وقال صاحب القانون: أوقاتها في النهار: الساعة الثانية أو الثالثة، ويَجِب توقيها بعدَ الحمام إلا فيمَن دمُه غليط، فيجب أن يستحم، ثم يستجم ساعة، ثم يحتجم، انتهى. وتُكره عندهم الحجامة على الشِّبَع، فإنها ربما أورثتْ سددًا وأمراضًا رديئة، لا سيَّما إذا كان الغذاء رديئًا غليظًا، وفي أثر: "الحجامة على الرِّيق دواء، وعلى الشِّبع داء، وفي سبعةَ عشرَ مِن الشهر شفاء"، واختيار هذه الأوقات للحجامة، فيما إذا كانتْ على سبيل الاحتياط والتحرُّز مِن الأذى، وحفظًا للصحة، وأما في مداواة الأمراض، فحيثما وجد الاحتياح إليها وجَب استعمالها". اهـ.