وصف لباس النبي صلي الله عليه وسلم, وما هو الثوب المفضل للنبي محمد

مجتمع رجيم / النقاش العام
كتبت : عبير ورد
-

[FT=Traditial Arabic]3dlat.net_19_17_b814

قال العلامة ابن القيم: وكان هديه في لبسه لما يلبسه، أنفع شيء للبدن، فإنه لم يكن يطيل أكمامه ويوسعها، بل كان كم قميصه إلى الرسغ، لا تجاوز اليد، فتشق على لابسها، وتمنعه خفة الحركة والبطش، ولا تقصر عن هذه فتبرز للحر والبرد، وكان ذيل قميصه وإزاره إلى أنصاف الساقين، لم يتجاوز الكعبين، فيؤذي الماشي ويؤوده، ويجعله كالمقيد، ولم يقصر عن عضلة ساقه فتنكشف فيتأذى بالحر والبرد. ولم تكن عمامته بالكبيرة التي يؤذي الرأس حملها ويضعفه، ويجعله عرضة للضعف والآفات كما يشاهد من حال أصحابها، ولا بالصغيرة التي تقصر عن وقاية الرأس من الحر والبرد، بل وسط بين ذلك [1].



كان النبي صلى الله عليه وسلم يرتدي أحسن الثياب وأعدلها وأجملها، في غير مخيلة ولا سرف، فلبس البرود اليمانية[2] والقميص[3] وكان أحب الثياب إليه، وكذلك الحبرة؛ فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: وكان أحب الثياب إلى رسول صلى الله عليه وسلم القميص.[4] وعن قتادة قال: قلنا لأنس بن مالك: أي الثياب كان أحب أو أعجب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: الحِبَرة [5].

يقول المناوي في تعليل حب النبي صلى الله عليه وسلم القميص: كانت نفسه تميل إلى لبسه يعني: القميص. أكثر من غيره من نحو رداء أو إزار؛ لأنه أستر منهما وأيسر لاحتياجهما إلى حل وعقد بخلافه، فهو أحبها إليه لبسًا، والحبرة أحبها إليه رداءً، فلا تدافع بين حديثيهما، أو ذاك أحب المخيط، وذا أحب غيره، ويلوح من ذلك أن لبسه له أكثر. وكان لا يختلج في ذهني خلافه، حتى رأيت الحافظ العراقي قال في حديث إلباس المصطفى صلى الله عليه وسلم قميصه لابن أُبَيٍّ لما مات ما نصه: وفيه لبسه - عليه الصلاة والسلام - للقميص، وإن كان الأغلب من عادته وعادة سائر العرب لبس الإزار والرداء. ولم أقف له على سلف في جزمه بهذه الأغلبية بالنسبة لخصوص المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وفوق كل ذي علم عليم، ولا يلزم من كون ذلك أغلب للعرب كونه أغلب له؛ لأن أحواله وشؤونه كانت منوطة بما يؤمر به، وبما كان دأب آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين فيما لم يوح إليه بشيء، لا بشعار العرب هم، على أن أغلبية لبس الإزار والرداء لا ينافي أغلبية لبس القميص، ولا مانع من لبس الثلاثة غالبًا معًا، فتدبر [6].


وما كان هذا الحب لذلك النوع من الثياب إلا لكونه أستر للعورة، وأكمل في الزينة. وكان هذا القميص من قطن، وكان قصير الطول، قصير الكمَّين، يصل إلى الرسغ.

كما لبس صلى الله عليه وسلم السروال؛ لقول سويد بن قيس: جلبت أنا ومخرمة العبدي بزًّا[7] من هجر،[8] فأتانا النبي صلى الله عليه وسلم فاشترى منا رجل سراويل ووزان يزن بالأجر، فقال للوزان: "زن وأرجح" [9].

وقد اختلف العلماء في لبس النبي صلى الله عليه وسلم السراويل، فجزم بعضهم بأنه لم يلبسها، واستأنسوا في رأيهم هذا بما جزم به النووي في كتابه تهذيب الأسماء واللغات، أثناء ترجمته لسيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، بأنه لم يلبسها في جاهلية ولا إسلام إلا يوم قتله؛ خشية أن تنكشف عورته أو تُرى. وقد ورد حديث سنده ضعيف أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى سراويل بأربعة دراهم، قال أبو هريرة: فأردت حملها فمنعني، وقال: "صاحب الشيء أحق بحمله". قلت: يا رسول الله، وإنك لتلبس السراويل؟ قال: "نعم، بالليل والنهار". وإذا صحَّ أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى السراويل، فهل اشتراؤه إياها ليلبسها هو أم لغيره؟ ذكر ابن القيم في زاد المعاد أن الظاهر من شرائه إياها أنه كان ليلبسها، وقد ذهب بعض العلماء إلى ما ارتأه ابن القيم، وخالفه آخرون محتجين بجوابه صلى الله عليه وسلم للرجل المحرم، الذي سأله عما يلبس أثناء الإحرام، فنهاه عن لبس السراويل والعمائم والبرانس والخفاف؛ مما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يلبسها، كما أن بعض الصحابة كانوا يلبسونها، ونهوا عن لبسها عند الإحرام.

وإذا كان قد ثبت في الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قد اشتراها قبل الهجرة، فإنه لم ينه أحدًا عن لبسها؛ إذ إن بعض أهل المدينة كانوا يلبسونها، إلا أنه نهى عن لبسها في الإحرام.



جاء في غذاء الألباب: اختلف العلماء هل لبس السراويل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أم لا؟ قال في الآداب الكبرى: قد رُوِي عن إبراهيم وموسى عليهما السلام أنهما لبساه ولبسه النبي صلى الله عليه وسلم. ورُوِي عن غير واحد من الصحابة كسلمان، وعن عليٍّ أنه أمر به.



وذكر الإمام الحافظ ابن الج أن النجاشي كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني قد زوجتك امرأة من قومك وهي على دينك؛ أم حبيبة بنت أبي سفيان، وأهديت لك هدية جامعة؛ قميصًا وسراويل وعطافًا وخفين ساذجين. فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم ومسح عليهما. قال سليمان بن داود أحد رواة الحديث: قلت للهيثم بن عدي: ما العطاف؟ قال: الطيلسان [10].



وأخرج الترمذي عن سويد بن قيس قال: جلبت أنا ومخرمة العبدي بزًّا من هجر، فجاءنا النبي صلى الله عليه وسلم فساومنا بسراويل، وعندي وزَّان يزن بالأجر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للوزان: "زِنْ وأرجح".

وقال أبو هريرة: دخلت يومًا السوق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس إلى البزازين، فاشترى سراويل بأربعة دراهم.. الحديث، وفيه: قلت: يا رسول الله، وإنك لتلبس السراويل؟ قال: "نعم، وبالليل والنهار، وفي السفر والحضر؛ فإني أُمرت بالتستر، فلم أجد شيئًا أستر منه" [11].



قال صاحب غذاء الألباب: قال في الهدي: اشترى صلى الله عليه وسلم السراويل، والظاهر إنما اشتراه ليلبسه.

ثم قال: ورُوِي في حديث أنه لبس السراويل، وكانوا يلبسونه في زمانه وبإذنه.

قلت: وميل الإمام المحقق في الهدي إلى أنه صلى الله عليه وسلم لبسها، وكذا الحافظ ابن حجر في الفتح، وقال جماعة من العلماء: لم يلبسها عليه الصلاة والسلام، ولا يلزم من شرائه لها لبسها. وقاله المناوي في شرح الجامع الصغير، والله أعلم [12].



ولبس النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا الرداء[13] والإزار[14] لقول أبي بردة: أخرجت إلينا عائشة رضي الله عنها كساءً وإزارًا غليظًا، فقالت: قبض روح رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين.[15]وورد في لفظ مسلم عن أبي بردة: دخلت على عائشة، فأخرجت إلينا إزارًا غليظًا مما يصنع باليمن، وكساء من التي يسمونها الملبدة. قال: فأقسمت بالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قُبض في هذين الثوبين.



كما لبس النبي صلى الله عليه وسلم الجبة[16] والقباء،[17]ولبس العمامة، وأرخى الذؤابة،[18]ولبس النعل والخف،[19]فقد كان له خفان أسودان غير منقوشين قد أهداهما إليه النجاشي، فقد رُوِي عن ابن بريدة عن أبيه أن النجاشي أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم خفين أسودين ساذجين، فلبسهما ثم توضأ ومسح عليهما.[20] ولبس الخميصة[21] المعلمة والساذجة[22]، فعن عروة عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى في خميصة لها أعلام، وقال: "شغلتني أعلام هذه، فاذهبوا بها إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانية".[23] ولبس ثوبًا أسود، ولبس الفروة المكفوفة بالسندس،[24] ولبس المِرْط، وهو كساء من خزٍّ أو صوف أو كتان، وقيل: هو الثوب الأخضر. وقيل: هو كساء يؤتزر به. وقيل: كساء صوف ومربع سداه شعر، فعن عائشة قالت: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط مرحل[25] من شعر أسود [26].



كما لبس أيضًا حلة حمراء، فعن البراء رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مربوعًا، بعيد ما بين المنكبين، له شعر بلغ شحمة أذنيه، رأيته في حلة حمراء لم أرَ شيئًا قط أحسن منه.[27] وفي رواية: ما رأيت أجمل من رسول الله صلى الله عليه وسلم مترجِّلاً في حلة حمراء.[28] وفي رواية لأبي داود عن أبي جحيفة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وهو في قبة حمراء من أدم، فخرج بلال فأذن، فكنت أتتبع فمه ههنا وههنا. قال: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه حلة حمراء برود يمانية قطري.



والحلة لا تطلق إلا اسمًا للثوبين معًا؛ الإزار والرداء، وقد كانت هذه الحلة الحمراء - كما يقول ابن القيم عبارة عن: بردين يمانيين، منسوجين بخطوط حمر مع الأسود كسائر البرود اليمنية، وهي معروفة بهذا الاسم باعتبار ما فيها من الخطوط الحمر [29].



ولبس صلى الله عليه وسلم ثوبين مصبوغين بالزعفران، كما يتبين من رواية الحاكم عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر، عن أبيه رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثوبان مصبوغان بالزعفران؛ رداء وعمامة [30].



قال شيخ الإسلام ابن تيمية: كان صلى الله عليه وسلم يلبس القميص والعمامة، ويلبس الإزار والرداء، ويلبس الجبة والفروج أو الفرجية،[31] وكان يلبس من القطن والصوف وغير ذلك، لبس في السفر جبة صوف، وكان يلبس مما يجلب من اليمن وغيرها، وغالب ذلك مصنوع من القطن، وكانوا يلبسون من قباطي مصر، وهي منسوجة من الكتان. فسنته في ذلك تقتضي أن يلبس الرجل ويطعم مما يسره الله ببلده من الطعام واللباس؛ وهذا يتنوع بتنوع الأمصار [32].



ولم يكن له صلى الله عليه وسلم ثياب خاصة أو أنواع معينة من الثياب، بل إنه صلى الله عليه وسلم لبس أنواعًا متعددة وكثيرة من الثياب، من الكتان تارة، ومن الصوف تارة، ومن القطن تارة، فيلبس ما يجده أمامه، وما تيسر له. وإذا أتاه وفد، ارتدى له أحسن الثياب وأجمل الحلل، وأمر أصحابه أن يقتدوا به، فعن أبي سعيد الخدري: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبًا سماه باسمه - عمامة أو قميصًا أو رداءً - ثم يقول: "اللهم لك الحمد كما كسوتنيه، أسألك خير ما صنع له، وأعوذ من شره وشر ما صنع له" [33].



يقول ابن القيم في زاد المعاد في صفة قميصه صلى الله عليه وسلم: وكان كمه إلى الرسغ، ولبس الجبة والفروج وهو شبه القباء والفرجية، ولبس القباء أيضًا، ولبس في السفر جبة ضيقة الكمين، ولبس الإزار والرداء. قال الواقدي: كان رداؤه وبرده طول ستة أذرع في ثلاثة وشبر، وإزاره من نسج عمان، طول أربعة أذرع وشبر في عرض ذراعين وشبر.



وكان صلى الله عليه وسلم يحب من الثياب ما كان لونه أبيض، وقال في ذلك: "البسوا من ثيابكم البياض؛ فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم".[34] وعلة ذلك أن هذا اللون من أحسن الألوان وأفضلها؛ لأنه أمارة الصفاء، ودليل النقاء، كما أنه مبهج للنفس، وأجلى للبصر، كما أنه كان لباس الملائكة المقاتلين مع المسلمين يوم أحد.



ولم يتسخ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثوب، فلم يكن الوسخ يصيب ثوبه؛ من تراب أو غبار أو عرق أو رائحة كريهة، فكيف يتسخ ثوب اشتمل على أطهر بدن وأشرف جسد؟! كما أن الذباب لم يكن يمس ثيابه أو يقع عليها.

--------------------------------
شبكة الالوكة

3dlat.net_19_17_b814
[/FT]

التالي
السابق