الدرس التانى عشر لا تحل قطيعة الأم ولو أمر الأب

مجتمع رجيم / النقاش العام
كتبت : عبير ورد
-

لا تحل قطيعة الأم ولو أمر الأب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالذي فهمناه من سؤالك أن زوجك قاطع لأمه، فإن كان الأمر كذلك، فلا يحل له هذا التصرف، بل هو عقوق، وكبيرة من كبائر الذنوب، ومتوعد عليه بوعيد شديد، وكون أمه قد أساءت، لا يسوغ له الإقدام على ذلك

فأما مقولة: "الجنة تحت أقدام الأمهات" فقد وردت مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: "الجنة تحت أقدام الأمهات من شئن أدخلن ومن شئن أخرجن" رواه ابن عدي والعقيلي في الضعفاء عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال العقيلي: هذا منكر، وقال الألباني: موضوع، لكن جاء بمعناه حديث معاوية بن جاهمة أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أردت أن أغزو، وقد جئت أستشيرك؟ فقال: " هل لك أم؟ " قال: نعم. قال: " فالزمها فإن الجنة تحت رجليها " رواه النسائي وغيره، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وأقره المنذري وحسن إسناده الألباني ورواه ابن ماجه عن معاوية بن جاهمة بلفظ آخر، وفيه: قال: " ويحك؛ أحية أمك؟ " قلت: نعم يا رسول الله، قال: " ويحك؛ الزم رجلها فثم الجنة " قال السندي في شرح سنن ابن ماجه: قال السخاوي: إن التواضع للأمهات سبب لدخول الجنة، قلت: ويحتمل أن المعنى أن الجنة أي نصيبك منها لا يصل إليك إلا من جهتها، فإن الشيء إذا صار تحت رجلي أحد فقد تمكن منه، واستولى عليه بحيث لا يصل إلى آخر إلا من جهته. انتهى.
ومن هنا تعلمين أيتها الأخت السائلة أن الجنة حقاً تحت أقدام الأمهات، وأن الإحسان إلى الأم، وبذل الوسع في إرضائها من آكد الأسباب التي توصل إلى الجنة، وهذا الحكم يشمل جميع الأمهات حتى وإن كن فاسقات، بل الظاهر أن الحكم ينسحب كذلك على الأمهات المشركات، وذلك لعموم حديث معاوية بن جاهمة حيث لم يستفصل منه النبي صلى الله عليه وسلم عن حال أمه، وإنما قال له: " ألك أم؟ " أو " أحية أمك " كما في الرواية الثانية، وهو يشمل أي أم، سواء كانت صالحة أو طالحة، أو مؤمنة أو مشركة، ولأن الله قال في محكم آياته: ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً.. ) الآية، قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: وفهم من ذكر ( وصاحبهما في الدنيا معروفاً ) أَثَر قوله ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ..) أن الأمر بمعاشرتهما بالمعروف شامل لحالة كون الأبوين مشركين، فإن على الابن معاشرتهما بالمعروف، كالإحسان إليهما وصلتهما. انتهى
فإذا كان البر واجباً للأم على شركها فلا يبعد أن يكون ذلك سبباً في دخوله الجنة، وربنا سبحانه جواد كريم.
ومن هنا تعلمين أن زوجك أحسن أيما إحسان حيث يقيم على بر أمه، مع ما تقترفه من معاص وآثام، وهو يرجو بذلك الجنة، ونسأل الله أن يثيبه على ذلك، وقد أحسن كذلك عندما نظر إلى كبر سنها، وكونها تحتاج إلى مزيد بر وإحسان، لأنها في آخر عمرها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه " قيل: من يا رسول الله؟ قال: " من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة " رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، لكن عليه كذلك أن ينصح أمه، وينهاها عن هذه المنكرات التي تقترفها بقول لطيف، وأسلوب حسن، لا ينافي البر، ولا يجوز له أن يترك الأجنبي يختلي بها، لأن هذا من الدياثة، وليس من البر،

وأما بالنسبة لمعاملتك لحماتك فنصيحتنا لك أن تعامليها برفق ولطف، لا سيما وأن في ذلك مراعاة لحق زوجك عليك، ولا تبخلي عليها بعون ولا مساعدة ما دام ذلك في غير معصية، ونذكرك بأن هذه المرأة في أخريات حياتها، فقد تموت اليوم أو غداً، فتندمين ندماً شديداً على أن لم تكوني قد أحسنت إليها، ومع ذلك فعليك أن تنصحيها بأسلوب طيب، فلعل الله أن يتوب عليها، وتموت على عمل صالح، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها " متفق عليه، واللفظ لمسلم.


فما ذكرته لم يتضمن سؤالًا معينًا.

وإن كان أبوك على الحال المذكور في التعامل معكم، فلا شك في أن هذا نوع من البلاء العظيم، والبلاء علاجه الصبر، فإذا صبرت ابتغاء مرضات الله تعالى نلت عالي الدرجات، وتكفير السيئات -بإذن رب الأرض والسماوات-، ولمعرفة فضائل الصبر

ومهما أساء فإنه يبقى أبًا، حقه على أولاده بره، والإحسان إليه، عقد البخاري في كتابه الأدب المفرد، بابًا أسماه: باب بر والديه وإن ظلما ـ وأورد تحته أثرًا عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: ما من مسلم له والدان مسلمان، يُصبح إليهما محتسبًا، إلا فتح له الله بابين ـ يعني: من الجنة ـ وإن كان واحدًا، فواحد، وإن أغضب أحدهما، لم يرضَ الله عنه حتى يرضى عنه, قيل: وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه.

وهذا يدل على عظيم فضل بر الوالدين، وأنه قربة من أعظم القربات.

وفي المقابل؛ فإن عقوق الوالدين من أخطر الذنوب، بل هو كبيرة من الكبائر،

ويجب عليك طاعة أبيك في المعروف، وفيما لا يلحقك فيه ضرر، واحتملي ما قد تجدين من مشقة؛ لتكسبي رضا أبيك، وفي رضاه رضا ربك سبحانه، وهو مما ستفرحين به الفرح الأعظم في ذلك اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد.

وننبه إلى أنه لا يجوز لأبيك أن يتهم زوجة أخيك بأنها تعمل له السحر من غير بينة، فالأصل في المسلم السلامة حتى يتبين أنه على خلافها

وكون الأب هو السبب، لا يسوغ له قطع أمه، فهو الآن مكلف ومسؤول عن تصرفاته، ولا يطاع الأب إن أمر بقطع صلة الأم؛ لأن هذه طاعة في معصية الله، فلا تجوز؛ لما ثبت في الصحيحين عن علي -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف.

فنوصيك بالدعاء لزوجك بالتوبة، وينبغي أن ينصح برفق ولين، ويبين له خطأ وخطورة ما يفعل.

وإن كان لا يسمع لك قولا، فسلطي عليه من يمكنه أن ينصحه، ويرجى أن يستجيب لقوله. ولا حرج عليك في العيش معه استجاب، أم لم يستجب..

والمعاصي -ولا سيما العقوق- قد تكون سببا للعقوبة المعجلة في الدنيا، ولكن لا يلزم أن تكون هذه العقوبة أصلا، وإن وجدت فلا يلزم أن تتحقق في أولاده.

ونوصيكم بالاهتمام بتعليمهم وتربيتهم، وحسن توجيههم، وينشؤوا على الخير. وستجدون -بإذن الله تعالى- ذخر ذلك برا في الدنيا، وقرة عين في الآخرة في الجنة ومستقر الرحمة.

و الله اعلم

التالي

الدرس السابع عشر حكم وضع المال بالبنك لمتطلبات المعيشة، والاقتراض منه للعلاج من اهم المواضيع

السابق

طريقة عمل البليلة للشتاء, خطوات تحضير البليلة,كيفية اعداد البليلة

كلمات ذات علاقة
الدرس , التانى , عشر , لا , تحل , قطيعة , الأم , ولو , أمر , الأب