الدرس التالت عشر هل قصر الزيارة بين الإخوة على مرة واحدة في السنة من قطيعة الرحم؟

مجتمع رجيم / النقاش العام
كتبت : عبير ورد
-


هل قصر الزيارة بين الإخوة على مرة واحدة في السنة من قطيعة الرحم؟


الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فلا شك أن قصر الزيارة بين الإخوة على مرة واحدة في السنة، يعتبر قطيعة للرحم، وقطيعة الرحم كبيرة من كبائر الذنوب المهلكة، فقد قرن الله تعالى قطع الأرحام بالفساد في الأرض، الذي هو من أكبر الكبائر؛ فقال: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ {محمد: 22}.

ويكفي للزجر عن قطيعة الرحم أيضًا، قول النبي صلى الله عليه وسلم: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ. متفق عليه.

فالحياة الدنيا بمتعها وأفراحها ومناسباتها وزينتها إنما هي لهو ولعب، قال سبحانه: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ {الحديد:20} .

وقد جعلها الله سبحانه دار ابتلاء واختبار وجعل الناس فيها بعضهم لبعض فتنة قال سبحانه: وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ {الفرقان:20}، كل ذلك ليعلم أهل طاعته من أهل معصيته، فالكيس الفطن هو من عرف حقيقتها وجعل همه فيها ما يوصله إلى رضوان ربه ويقربه من جنته، وإن من أعظم الأسباب التي توصل إلى رضوان الله ومغفرته صلة الأرحام قال سبحانه: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ {النساء:1}.

وقال سبحانه في وصف أهل الإيمان: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ {الرعد:21}.

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: من صلة الأرحام، والإحسان إليهم وإلى الفقراء والمحاويج، وبذل المعروف.اهـ

وفي المقابل فإن قطع الرحم من أعظم المحرمات، قال سبحانه: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ {محمد:23-22}.

وعن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ من القطيعة. قال: نعم. أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك قالت: بلى. قال: فذاك لك . ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اقرءوا إن شئتم: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا فى الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها. متفق عليه واللفظ لمسلم.

وليس المراد بالصلة أن يصل الإنسان أرحامه إذا وصلوه فهذه مكافأة، بل المراد أن يصلهم وإن قطعوه، ويحسن إليهم وإن أساءوا، ويعطيهم وإن منعوا، فتلك هي الصلة التي أمر الله بها، روى البخاري وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها.

ولكن الشرع لم يحدد حدا لصلة الرحم، بل أمر بالصلة وأطلق، والقاعدة أن ما ليس له حد في الشرع ولا في اللغة يرجع في تحديده إلى العرف. قال ابن تيمية رحمه الله: فماله حد في الشرع أو اللغة رجع في ذلك إليهما، وما ليس له حد فيهما رجع فيه إلى العرف. انتهى من الفتاوى الكبرى .

وبناء على ذلك فلو كان العرف يقضي بأن ترك دعوة إخوتها إلى عقد نكاح ابنها قطيعة فهي آثمة بترك دعوتهم، أما إذا كان العرف لا يعد هذا من القطيعة فلا حرج عليها في ذلك طالما أنها تصلهم بغير ذلك، وإن كان الأولى أن تخبرهم، وأن تدفع السيئة بالتي هي أحسن كما أمر الله سبحانه بقوله: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}.

ولا يبرر القطيعة ما ذكرت عن خالك من أنه لم يعطها حقها من الميراث، أو أنه لا يحبها، بل الواجب على أمك أن تصله، وإن أساء هو إليها، وكلٌ سيسأل عما فرض الله عليه.

وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بصلة الرحم حتى لمن يقطعها، فعَنْ عبد الله بن عمرو، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا. رواه البخاري.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي؛ وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ؛ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ؛ فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ، مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ. رواه مسلم. ومعنى (تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ) أي: تطعمهم الرماد الحار.

وينبغي أن تكونوا عونًا لأمكم على القيام بما أوجبه الله عليها من صلة أرحامها، واحذروا أن تكونوا سببًا في قطيعة الرحم؛ فتقعوا في الإثم.
و الله تعالى اعلم

التالي

الشرطة الهندية تعتقل امرأة انتحلت صفة رجل للحصول على مهر الزواج

السابق

الدرس الحادي عشر حكم كلام الناسي والمخطئ في الصلاة

كلمات ذات علاقة
الدرس , التالت , عشر , هل , قصر , الزيارة , بين , الإخوة , على , مرة , واحدة , في , السنة , من , قطيعة , الرحم؟