مأزق تركيا ومأزق الأكراد والنظام في عفرين

مجتمع رجيم / الموضوعات المميزة فى العلوم الطبيعية
كتبت : بتول الغلا
-
الأكراد -5696

وكيف تستطيع تركيا تبرير كسر إرادتها بعد التجييش الإعلامي على مدى شهور لإقناع الأتراك بدعم المعركة، وهو ما حصل فعلاً؟

لم تختر “وحدات حماية الشعب” الكردية المواجهة مع الأتراك في عفرين، كون عناصر “الوحدات”، والسوريون منهم على التحديد، يرون أنهم يعيشون في مدينتهم ومن واجبهم حمايتها، كأكراد، أو كسوريين أكراد. فكرد عفرين جزء من هذه الوحدات، إلى جانب أكراد سوريين آخرين، لكننا نجد إلى جانبهم أكراد تركيا، ومقاتلين من جنسيات أخرى ضمتها الوحدات على اعتبار أن “حزب الاتحاد الديمقراطي” صاحب إيديولوجيا شيوعية، و”نضال أممي”.

كما لم يختر الأتراك أن يواجهوا الكرد في عفرين، بل فرض الأكراد عليهم هذه المواجهة هنا تحديداً، كون الأتراك لا يجرؤون على فعل ذلك في القامشلي، أو تل أبيض، الواقعتين عملياً تحت الحماية الأمريكية، بينما تمكنوا من فتح معركة في عفرين بعد “التفاهم” مع روسيا، واكتفاء النظام الأسدي بشيء من البطولات الإعلامية.

وبالإضافة إلى موقع عفرين الجغرافي القلق والمقلق للأتراك، ابتليت المدينة بتجاور أعداء وأصدقاء فيها على تخوم لا يكاد يميزها حتى المتابع لأدق تحولات جغرافيا الحرب على سوريا.

فإدلب متداخلة بحكامها من “جبهة النصرة” مع ريف حلب الغربي، ومتصلة بمناطق يتحكم فيها الجيش الحر الموالي لـ”درع الفرات”. وإذا اتجهت إلى حلب من شرق إدلب، ومن ريفها شمالاً، تبدو قبضة النظام والميليشيات الداعمة له متحكمة فيها، بحيث تصل تلك القبضة إلى عفرين مروراً ببلدتي كفريا والفوعة، اللتين شكلتا ثقباً أسود امتص كثيراً من قوة الفصائل المعارضة، ليس في المنطقة نفسها وحسب، بل امتداداً إلى الزبداني غرب دمشق، في الصفقة الشهيرة التي تبادل فيها “حزب الله” وفصائل معارضة تهدئتين انتهت بتفريغ الزبداني المدمر من سكانه، في مقابل بقاء كفريا والفوعة محميتين مقدستين كون أهلهما من الطائفة الشيعية، ومن الموالين للنظام.

بالطبع، لا تخلو معجزة صمود البلدتين من الأقاويل، والاتهامات، والتواطؤ وشراء الذمم الذي تُتهم به فصائل معارضة، أو أفراد نافذون في المعارضة السورية المسلحة.

مبدئياً، لا تشابه بين حالة كفريا والفوعة وحالة عفرين التي وقع سكانها المدنيون ضحية الجغرافيا القلقة بين مخاوف الترك، وطموحات “حزب الاتحاد الديمقراطي”، حتى بالعودة إلى تشكيل المقاتلين الكرد محميات في أحياء ذات أغلبية كردية في حلب، الشيخ مقصود، والأشرفية، كانت تتعاون مع النظام ضد الفصائل المعارضة التي سيطرت على “حلب الشرقية” لعدة سنوات حتى نهاية عام 2016.

كما أن تجاور مربعات أمنية للنظام في القامشلي مع “وحدات حماية الشعب” والتعايش السلمي بينهما لم يكن يؤشر إلى إمكانية أن تتخلى “الوحدات” عن عفرين لمصلحة قوات النظام، بعد سنوات من خلو هذه المنطقة من أي تواجد للجيش النظامي.

وعلى الرغم من كل هذه التعقيدات، لا يمكن الحديث سوى عن موقف صعب للكرد في عفرين، أو موقف صعب للنظام هناك. الصعوبة البالغة، أو المأزق، يخص الأتراك أولاً، قبل الكرد أو النظام.

لكنَّ وسائل النظام أشارت إلى أنها سترسل “قوات شعبية” من بلدتي نبل والزهراء ومنطقة السفيرة، تفادياً لأي صدام محتمل مع القوات التركية وحلفائها، حيث يفترض أن تأتي هذه القوات من آخر نقاط سيطرة النظام في نبل والزهراء اللتين تبعدان نحو 15 كيلومتراً عن مدينة عفرين.

بينما رحب الجانب التركي بانتشار قوات موالية للنظام الأسدي، بشرط مقاتلتها “إرهابيي” الحزب الكردي!

وأغلب الظن أن النظام صادق في ما يقول، لأنه لا يملك ما يكفي من القوات النظامية التي يمكن أن يستغني عنها، ويجازف فيها، في عفرين. بينما يقوم الشرط التركي مقام “المستحيل”، فلا قدرة، أو نية، لهذه “القوات الشعبية” على مقاتلة الوحدات الكردية التي لبست اللباس المدني في وقت مبكر من الأسبوع الماضي، كنوع من التمويه كي لا تستهدفها القوات التركية وحلفاؤها.

والمتوقع هنا أن القوة الرمزية التي سيرسلها النظام إلى عفرين “ستندمج” بالقوات الكردية التي خلعت ملابسها العسكرية واندمجت بالناس في كبرى مدن منطقة عفرين، أي عفرين وجنديرس وراجو وشران، وهو ما تشير إليه وسائل الإعلام التركية بـ”اتخاذ المقاتلين الأكراد المدنيين دروعاً في المعركة”.

أما أكثر ما يثير التساؤلات فهو الدور الروسي الخفي في هذه الصفقة، كون “قوات حماية الشعب” الكردية لا تحتاج إلى واسطة روسية للاتصال بالنظام، وبالتالي يُطرح السؤال: هل ستضغط روسيا على تركيا لقبول انتشار قوات النظام الأسدي في عفرين وصولاً إلى الحدود الدولية، وكيف ستستطيع تركيا تبرير كسر إرادتها بعد التجييش الإعلامي على مدى شهور لإقناع الأتراك بدعم المعركة، وهو ما حصل فعلاً؟ فعودة الجنود الأتراك إلى ثكناتهم دون نصر، ورجوع أهالي “الشهداء” إلى هدوئهم، لن يتما بهذه السهولة، وسيكون من تبعاته ارتفاع صوت المعارضة ضد خطوة الرئيس أردوغان وحزبه الحاكم، خاصة أن حزب الحركة القومية، وحزب الشعب الجمهوري، دعما عملية “غصن الزيتون”، رغم الخلافات العميقة مع الحزب الحاكم، وخاصة من الأتاتوركيين.

وما قد يكون منفذاً لتركيا لحفظ ماء الوجه هو اختلاف النظام والأكراد على التفاصيل، فالأكراد يريدون انتشار قوات النظام على الحدود للفصل بينهم وبين الجنود الأتراك، بينما يريد النظام الانتشار في مدن عفرين أيضاً والسيطرة على الإدارة والأمن الداخلي فيها.

إذاً، تركيا والنظام متفقان “ضمنياً” على أن تحكم قوات النظام بإدارة عفرين سينهي مبررات الغزو التركي، لكن الأكراد متخوفون على مصير المدينة من شبيحة النظام إذا دخلوها، إلى جانب محاولتهم حفظ ماء الوجه أمام مناصريهم، ولذلك طلبوا بحماية الحدود من النظام، من دون الدخول إلى عفرين.

وإذا رفض المقاتلون الأكراد دخول “القوات الشعبية” إلى عفرين فسيكون ذلك مدخلاً لإزالة الحرج التركي، وبالتالي متابعة عمليات “غصن الزيتون”.

ولأن سيناريو تجاور قوات النظام والقوات الكردية في عفرين مكشوف للأتراك، فمن غير المحتمل تطبيق الاتفاق بصيغة الرغبة الكردية، ما يعني بقاء المدنيين في مرمى نيران أطراف هذا الصراع إلى حين إتمام صفقة حقيقية تبعد تماماً القوات الكردية عن عفرين ليعود الأمن النسبي إلى حياة أهلها وضيوفهم من النازحين.