حقيقة الأصل العربي للأكراد بين الجذور التاريخية والمصالح السياسية

مجتمع رجيم / الموضوعات المميزة فى العلوم الطبيعية
كتبت : بتول الغلا
-
التاريخية السياسية -7640يُعتبر التعمق في مسألة أصل الأكراد مُهما جدا، وبشكل خاص لفهم القضية الكردية المعاصرة والتطورات الجيوسياسية في الوقت الحاضر، ودور الأكراد في منطقة الشرق الأوسط، فضلا عن البحث في جذور العلاقات العربية – الكردية، خاصة مع إعادة التداول للفرضية القائلة بالأصل القبلي العربي للكرد، وهو الجانب الذي لم يلقَ الاهتمام الكافي لدى المؤرخين، ولم تسلط عليه الأضواء كما ينبغي، حتى اليوم.

النشاط الحربي للقبائل الكردية بدأ يشتد في النصف الثاني من القرن الثامن تقريباً في عصر الخلافة العباسية

ازداد دور الأكراد في التطورات الإقليمية فهم قاتلوا من أجل الحكم الذاتي في تركيا ولعبوا أدوارا هامة في كل من سوريا والعراق

يسكن الأكراد المناطق الجبلية الممتدة على حدود سوريا، تركيا، العراق، إيران، وأرمينيا، ويترواح عددهم ما بين 20 إلى 30 مليونا، فهم رابع أكبر مجموعة عرقية في الشرق الأوسط، وذلك على الرغم من عدم تمكنهم من بناء الدولة التي تضمّهم.

وفي السنوات الأخيرة، ازداد دور الأكراد في التطورات الإقليمية، فهم قاتلوا من أجل الحكم الذاتي في تركيا، ولعبوا أدوارا هامة في كل من سوريا والعراق، وخاصة في المُساهمة بالقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي، ويحظون اليوم بدعم كبير من الولايات المتحدة، ويُقامون بشراسة المحاولات التركية لدخول منطقة عفرين شمال سوريا.

ويشكل الأكراد اليوم مجموعة مُتجانسة في العرق والثقافة واللغة، رغم تعدد لهجاتهم، كما أنهم ينتمون لمجموعات مختلفة من العقائد والديانات، وإن كان أكثرهم يصنفون كمسلمين سنة، وبعضهم من الطائفة العلوية في تركيا.

أما عن حقيقة أصولهم العربية، فيقول الباحث الأرميني آرشاك بولاديان، إنّ ديار ربيعة ذاتها، كانت مهد تشكيل رواية الأصل العربي للأكراد، والتي انتشرت من هناك فيما بعد إلى المناطق الأخرى من أراضي الخلافة الإسلامية. وقد ظهرت الفرضية القائلة بالأصل القبلي العربي للكرد بشكل أوضح في القرن الثامن الميلادي. ولاحقا أصبح صلاح الدين الأيوبي، بطلا قوميا للأكراد وللمسلمين العرب على حدّ سواء.

ويرى بولاديان أنّ قبول الأكراد لمضامين الرواية الزاعمة لتحدرهم من أصل عربي لا يثير الاستغراب، خصوصاً إذا ما أخذنا بالحسبان أن فكرة الأصل العربي كانت تضمن لأمراء الأكراد، مع اعتناقهم الدين الإسلامي، الاحترام والهيبة في بعض الأوساط، ومن ثم توسع دائرة نفوذهم.

ويوضح الباحث في دراسة له صدرت منذ سنوات بعنوان “مسألة أصل الأكراد في المصادر العربية”، عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية بأبوظبي، أنّ نشوء فرضية الأصل العربي للأكراد كانت على الأرجح تستهدف أبعاداً سياسية، فعن طريق تلك الروايات والمزاعم، جرت مداراة جزء من الأكراد، للتخفيف من علاقات العداء تجاه العرب الفاتحين.

كما ساعدت تلك الفرضية من جهة أخرى على زيادة الوزن السياسي والاقتصادي للعرب في المناطق الكردية.

وجاء البحث الذي أعده الدكتور بولاديان، ثمرة لدراسات المؤلف العلمية خلال العمل سنوات طويلة في معهد الدراسات الشرقية لدى أكاديمية علوم أرمينيا وقسم الدراسات الشرقية التابع لمعهد الاستشراق في أكاديمية علوم الاتحاد السوفييتي سابقا.

ويُعد البحث في الشكل والمحتوى، أول تجربة في علم الاستشراق الذي يضم جميع الفرضيات التي طرحت حول أصل الأكراد، والتي لقيت انتشاراً واسعاً في الواقع العربي الإسلامي.

ويذكر المؤلف أن دراسة مواد المصادر العربية والإسلامية وتحليلها يسمحان بالقول إن المؤلفين العرب بذلوا بعض الجهد في سبيل الكشف عن الأصول العرقية لنشأة الأكراد، وذلك عن طريق جمع الكثير من الروايات والأساطير المتعلقة بهذا الموضوع وتدوينها، غير أنهم لم يفلحوا في التوصل إلى الكشف عن حقيقة هذه المسألة.

وقد وجد الأكراد أنفسهم، كغيرهم من شعوب الشرقين الأدنى والأوسط، ضمن نطاق الخلافة العربية، نتيجة للفتوحات الإسلامية في آسيا الوسطى والهزيمة الكبرى للدولة الساسانية في المناطق الإيرانية والمناطق التابعة لها ما بين الثلاثينيات والخمسينيات من القرن السابع للميلاد، وعُدَّ هذا الحدث التاريخي بمنزلة مرحلة جديدة وطويلة في حياة الأكراد، وهي فترة السيطرة العربية.

ودخل الأكراد بعلاقات وثيقة مع العرب ومع شعوب أخرى واقعة في ظل الخلافة، وكثيراً ما كانت تؤدي تلك العلاقات إلى نزاعات إقليمية ومُصادمات بالدرجة الأولى مع القبائل العربية.

وتوضح الدراسة أن النشاط الحربي للقبائل الكردية بدأ يشتد في النصف الثاني من القرن الثامن تقريباً في عصر الخلافة العباسية، خاصة في مناطق الموصل والجبال وأذربيجان وغيرها، واتخذت هذه الظاهرة مدى واسعاً في القرنين التاسع والعاشر لضعف الخلافة العربية سياسياً.

ومع أن نضال الأكراد كان له طابع العفوية، فإن أمراء القبائل الكردية استفادوا من الظروف السياسية الملائمة ودأبوا في بداية القرن العاشر على السعي نحو الاستقلال النسبي.

وفي أوائل عصر الدولة العباسية بدأت هجرات القبائل الكردية من أماكن إقامتها في الموصل والجبال إلى مناطق مجاورة، وساعد هذا الوضع بدوره على ظهور العنصر الكردي في القوات النظامية للخلافة، وفي بعض فصائل قوات المرتزقة آنذاك.

وساهم ذلك بشكل جوهري في عملية اختلاط الأكراد بالسلالات الأخرى، وفي بعض الحالات أدى إلى تعريب بعض الفئات الكردية نتيجة اعتناق أفرادها الإسلام، وهذا بدا واضحاً بشكل رئيسي على أكراد الموصل وإربيل وغيرهما. وفي هذه المرحلة التاريخية ذاتها ابتداء من القرن الثامن بدأ اهتمام المؤلفين العرب بموضوع النشأة العرقية للأكراد، وسجل التاريخ العربي، وحتى العصر الراهن، حول تلك المسألة آراء مختلفة ومعتقدات متضاربة ومتناقضة.