بين داعش والغوطة والنظام السوري

مجتمع رجيم / الموضوعات المميزة فى العلوم الطبيعية
كتبت : بتول الغلا
-
-2544 حين اقترفت داعش مجازرها الوحشية، سارع كل من يحترم أبسط القواعد الإنسانية، وأنا منهم، للمطالبة بمحاربة داعش عسكرياً حتى دحرها، فليس من المقبول أن يستخدم أي كان الدين من أجل القيام بعمليات أقل ما يقال فيها إنها جرائم ضد الإنسانية جمعاء، وليس من المقبول أيضاً المساومة مع مثل هذه الجماعات بأي شكل من الأشكال.

هذا الموقف بدهي ولا يحتاج إلى تبرير، ولكن الوقوف ضد داعش وممارساتها لا يجوز أن يكون بأي شكل من الأشكال مبرراً أيضاً للدفاع عن الممارسات الهمجية للنظام السوري أو التغاضي عنها، وإن كنّا صادقين في احترامنا للإنسانية، لا نستطيع دفن الرؤوس في الرمال والاحتماء وراء مقولة أن هناك مؤامرة كونية ضد سوريا تبيح لها قتل شعبها بهذه الطريقة الوحشية.

ولا أعتقد أن الأمم المتحدة، أو الأمير زيد بن رعد، وقد عملت معه طويلاً، وأشهد له بالنزاهة والموضوعية والأخلاق العالية، جزءاً من هذه المؤامرة الكونية، وهو يصرح بأن ما يحدث في الغوطة يمكن أن ينحدر إلى جرائم حرب ضد الإنسانية يجب محاكمة مرتكبيها أمام محكمة الجنايات الدولية.

ولنكن أكثر صراحة، ليس كل من يدعي الوقوف أمام إسرائيل، أو ضد تدخل الدين في السياسة، أو مع بعض حقوق “الأقليات”، ينبغي أن يعطى تصريحاً على بياض لارتكاب مجازر داعشية ضد شعبه تختلف في الطريقة وتتفق في الوحشية، ولا ننسى أن بطش النظام السوري بشعبه سبق الثورة السورية والتدخلات الأجنبية بعقود من الزمن.

إن كنّا من “الأقليات”، وهو اصطلاح مكروه ينتقص من مواطنة الفرد، لا نستطيع أن نقف مع الطغيان الممارس ضد أخوتنا العزل بحجة أن هذا الطغيان يحمينا، ومن يتجاهل معاناة إخوته المواطنين يرسّخ نعتهم بالأقلية من قبل “الأغلبية”.

وإن كنّا نؤمن وننادي بالديمقراطية، فلا نستطيع السكوت على انتهاك الديمقراطية من أي كان، سواء كان توجهه دينياً أو مدنياً، وإن كنّا نؤمن بمدنية الدولة، لا نستطيع تجاهل من يضرب بسيادة القانون عرض الحائط، فذوو التوجه المدني والديني في هذه الحالة شركاء في الجرم.

لا تستطيع المدنية الديمقراطية أن تكون انتقائية، نعلي شأنها عندما تناسبنا، ونضرب بها عرض الحائط عندما ينتهكها من يتفق معنا عقائدياً، فإذا تم تجاهل قواعد الإنسانية، ولم تحترم الشعوب، فلا معنى لليسار واليمين ولا للتقدمية والرجعية.

المدنية الديمقراطية الحقة تقف موقفاً واحداً ممن يريد استغلال الدين لاستعباد الشعوب، كما ممن يمارس السلطوية لاستعباد الشعوب، فالممارستان مرفوضتان لأن هدفهما واحد، وهو إبقاء الشعوب تحت الاستعباد، المدنية الديمقراطية ليست شعاراً يرفع، ولكنها ممارسة على الأرض.

الإجرام لا يحلل الإجرام، ولا يبرر اختزال المشهد بثنائية معي أو ضدي، أي إما مع إرهاب داعش أو مع النظام السوري، قتل المدنيين في الرقة والأزيديين في العراق والمسلمين والمسيحيين في سوريا والعراق لا يبرر قتل المدنيين في الغوطة وإلقاء البراميل المتفجرة والصواريخ والأسلحة الكيماوية من الطائرات ضد العزل، وجميعها لا تفرق بين مدني وإرهابي.

من يريد مستقبلاً أفضل لشعبه وللمنطقة عليه تجاوز هذه الثنائية العبثية المدمرة والعمل من أجل طريق ثالث، لا يمثل حلماً طوباوياً كما يريد أعداء المدنية الديمقراطية تصويره، بل أمل يستحق العمل من أجله لمستقبل تعددي أكثر إشراقاً، ولمجتمع يحترم حقوق المواطنة الكاملة حيث قطرة دم واحدة لمواطن أو مواطنة أغلى من أي كرسي في السلطة.