استراتيجية فلاديمير بوتين?

مجتمع رجيم / الموضوعات المميزة فى العلوم الطبيعية
كتبت : بتول الغلا
-
استراتيجية فلاديمير -2704ربما جاز إيجاز البوتينية ونهجها الخارجي بالتالي: إنّها الرغبة في استعادة القوّة والنفوذ السوفييتيّين السابقين من دون وجود أدوات تتيح هذه الاستعادة.

استطاعت القوى الشعبويّة، وخلال فسحة زمنيّة قصيرة نسبيّاً، أن تحرز انتصارات كبرى في النمسا وإيطاليا وكادت تهدّد فرنسا (فضلاً عن بلدان أوروبا الوسطى والشرقيّة كبولندا وهنغاريا). وهذا في مقابل صعوباتٍ استغرق تذليلها ستّة أشهر لتشكيل ائتلاف حكوميّ في ألمانيا بين حزبين منهَكين ومتراجعَي الشعبيّة

هكذا تغدو الطريق المتاحة مليئة بكلّ ما يتيسر من وسائل وإمكانات، و”لكلّ مقام مقال”:

– بالجاسوسية والاغتيالات، كما حصل أخيراً، وليس للمرة الأولى، في لندن، حيث تحوم الشبهات الكثيرة حول تسميم موسكو للعميل المزدوج سيرغي سكريبال وابنته في جنوب إنجلترا.

– بالتدخل، وبعض أوجهه سافرة كما توحي التحقيقات الأمريكية، في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الولايات المتحدة.

– بتهكير الانتخابات ودفع الأموال والرشاوى في أوروبا، فرنسا وألمانيا، مع بناء علاقات وطيدة ببعض قيادات اليمين المتطرف، كمارين لوبين قائدة “الجبهة الوطنيّة” في فرنسا.

– بالتدخل العسكري المباشر كما في سوريا، أقله منذ 2015، وصولاً إلى الضم الرسمي للأرض حين يُتاح ذلك، كما حدث في شبه جزيرة القرم.

وقبل أيام تحقق لموسكو فوز باهر في روما. فقد جاءت نتائج الانتخابات الإيطالية العامة لتعطي ائتلاف “الرابطة” الشمالية وحزب سيلفيو بيرلسكوني “إيطاليا إلى الأمام” الحصة الأكبر من الأصوات والمقاعد، فيما نالت حركة “النجوم الخمس” الحصة الأولى التي يحرزها حزب منفصل.

وبين هذه القوى الثلاث ثمّة اختلافات كثيرة وثمة قواسم مشتركة كثيرة، لكن قد يكون الجامع الأهم بينها إعجابها بفلاديمير بوتين والصداقة التي تجمع بعض رموزها به.

أما “الحزب الديمقراطي”، المتمسك بأوروبا تمسّكه بالديمقراطيّة الليبرالية، فمني بهزيمة خفضت تمثيله النيابي إلى أقل من 10 في المئة.

فإذا تمكنت القوى الشعبوية أو بعضها من عقد ائتلاف حكومي، كانت لنتيجته الأولى ضرب الإجماع الأوروبي حول معاقبة روسيا على سياستها التوسّعيّة والعدوانيّة في أوكرانيا. وهذا من دون استبعاد احتمال أخطر وأبعد أثراً، هو خروج إيطاليا من الاتحاد الأوروبيّ نفسه ومن عملة اليورو.

بالطبع ليس الأمر خاضعاً لسيناريو تآمري تحض عليه شخصية بوتين كضابط سابق في الكي جي بي. ما يفوق ذلك أهميةً يجسده نجاح الرئيس الروسي في الاستفادة من تحولات فعلية وموضوعية في أوروبا وفي العالم، أهمها اثنان:
الأول، أنّ السياسة الأمريكية في عهد دونالد ترامب تجمع بين انعزال عن الخارج وبين تدخل فيه لا يفعل إلا إضعاف الصلة التي تشد الولايات المتحدة إلى حلفائها التقليديين.

لقد جاء إعلان ترامب الحربَ التجارية، قبل أيام، والذي أثار الهلع والذعر في أوروبا، كآخر تعابير هذا النهج الأخرق حتى الآن.

والثاني، معاناة أوروبا الغربية من تزامن ظاهرة اللجوء والهجرة الكثيفين مع أزمة اقتصاديّة لم تتعاف منها القارة رغم انقضاء عقد كامل على نشوبها. مثل هذا التطور، وكما بات معروفاً جداً، هو ما ينعش التيارات الأشد يمينية وشعبوية وتحفظاً على الديمقراطية الليبرالية، وهو نفسه ما يُضعف الدور الألماني الذي يقف بالمرصاد للمخططات الروسية في القارة.

وبالفعل، فقد استطاعت القوى الشعبوية، وخلال فسحة زمنية قصيرة نسبياً، أن تحرز انتصارات كبرى في النمسا وإيطاليا وكادت تهدد فرنسا، فضلاً عن بلدان أوروبا الوسطى والشرقية كبولندا وهنغاريا.

وهذا في مقابل صعوباتٍ استغرق تذليلها ستة أشهر لتشكيل ائتلاف حكومي في ألمانيا بين حزبين منهكين ومتراجعي الشعبية.

وبعد أيام سيطرح بوتين نفسه، في الانتخابات الرئاسية والشكلية التي ستُجرى في روسيا، بوصفه الرمز التاريخي الذي استعاد الهيبة السوفييتية. وهو سبق أن مهد لذلك بإعلانه عن إنتاج صاروخ “لا يمكن أن يُنافَس”.

ولسوف ينجح الرئيس القديم – الجديد في ترويج صورته الخلاصية.

فنجاح بوتين برهان آخر، بل البرهان الأكبر ربما، على الفشل الذي يُعانيه العالم.