بلومبرغ: القرن الأمريكي انتهى ودفن في سوريا

مجتمع رجيم / الموضوعات المميزة فى العلوم الطبيعية
كتبت : بتول الغلا
-
بلومبرغ: الأمريكي -4089رأى الباحث هال براندز، في مقال نشره موقع “بلومبرغ” الأمريكي، أن الأحداث الجارية في سوريا تشير إلى نهاية مصطلح “القرن الأمريكي” الذي يقصد به القيادة الأمريكية للعالم، لاسيما أن قوى الديمقراطية والمكاسب الأخلاقية الكبرى للنظام العالمي الجديد قد استسلمت لصراع القوى العظمى والاستبداد الجديد.

المناوشات بين الولايات المتحدة وروسيا التي تحدث الآن في سوريا تثبت أن السلام الدولي النسبي الذي اتسمت به حقبة ما بعد الحرب الباردة في طريقه إلى الانهيار

ويشير براندز، وهو بروفسور بارز في مركز هنري كيسنجر للشؤون العالمية بجامعة جونز هوبكنز، إلى أن تراجع داعش لن يقود إلى تهدئة الحرب الأهلية السورية، حيث شهدت الأسابيع القليلة الماضية “صحوة وقحة”، إذ ازدادت ضراوة الصراع السوري والهجوم الوحشي، الذي يتضمن أسلحة كيماوية على الأرجح، من قبل نظام الأسد ضد المناطق التي لا تزال تسيطر عليها المعارضة بالقرب من دمشق، إضافة إلى الاشتباكات الجوية الحادة بين القوات الإسرائيلية والإيرانية والسورية، والمواجهة الدموية بين القوات الجوية الأمريكية والمرتزقة الروس.

زعزعة استقرار النظام العالمي
وحسب الباحث، لا تظهر هذه الأحداث أن الصراع السوري كارثة إنسانية مروعة فحسب، بل أيضاً أن سوريا باتت حلقة الوصل للاتجاهات المزعزعة للاستقرار التي تدفع بالنظام العالمي، الذي وُضع بعد الحرب العالمية الثانية وازدهر بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، برمته إلى الأزمة.

وعقب انتهاء الحرب الباردة، انتشرت الآمال بأن قوى النظام الجديد والحضارة قد سحقت أخيراً القوى العدوانية واللاإنسانية، وأن الديمقراطية باتت كونية فعلاً وانتهى تنافس القوى العظمى للأبد، وتلاشى خطر نشوب حرب كبرى.

ولكن بعد قرابة ثلاثة عقود، ورغم التفاؤل الشديد في الفترة السابقة، فإن الطريق بات مفتوحاً لمجموعة من الاتجاهات المظلمة التي تبدو واضحة في سوريا.

تراجع الديمقراطية
ويوضح الباحث أن سوريا تجسد الاعتداء على فكرة التقدم الأخلاقي، ولا يحدث هذا في سوريا وحدها، حيث تتراجع المعايير القانونية والأخلاقية في جميع أنحاء العالم منذ أمد بعيد، وينزلق العالم الآن إلى عصر أكثر قسوة وأقل تنويراً.

وعلى سبيل المثال تقضي الصين، التي ربما سيحكمها شخص مدى الحياة، على حرية الملاحة في المحيط الهادئ، كما كسرت روسيا حظر شن الحروب مثلما حدث في أوكرانيا وأماكن أخرى.

وتدل الأحداث المروعة في سوريا على تداعيات ذلك التراجع، حيث يستمر نظام الأسد في استخدام سلاح التجويع والحصار والبراميل المتفجرة والأسلحة غير القانونية ضد المدنيين.

وعجز المجتمع الدولي، أوربما لا تتوفر لديه الرغبة الكافية، عن وضع نهاية لهذه المذابح المؤلمة، وهذا يعني أن المكاسب الأخلاقية التي حققها النظام العالمي تتراجع بشدة.

ولم يُسفر إخفاق إدارة أوباما في الرد على تجاوز الأسد للخطوط الحمراء في عام 2013، أو حتى الانفصال الدبلوماسي لإدارة ترامب عن الصراع، عن مواجهة هذا التحدي.

عودة الصراع الإيديولوجي
وتكشف الحرب السورية، حسب الباحث، سمةً أخرى غير مستقرة للسياسة العالمية الراهنة وهي عودة الصراع الإيديولوجي، وهذا لا يعني أن الحرب الأهلية هي بين الديكتاتوريين والديمقراطيين.

ففي البداية أراد الكثير من السوريين الذين ثاروا ضد النظام في 2011 و2012 الانتقال إلى نظام أكثر تعددية، ولكن معظم هؤلاء المعتدلين قتلوا الآن أو أصبحوا متطرفين أو طردوا من الميدان.

ومع ذلك يعكس الصراع السوري عودة السلطوية الواسعة، إذ يجسد بقاء نظام الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة،رغم أنه الأكثر وحشية، تغلب الأنظمة الديكتاتورية في العالم على قوى الليبرالية، وبدل إزاحته بات أكثر صرامة ووحشية وتمسكاً بالسلطة.

ويلفت الباحث إلى أن الحرب السورية كشفت أيضاً أن الاختلافات الإيديولوجية لا تزال تقود السياسة العالمية، فعندما أصرت معظم الديمقراطيات الغربية، على الأقل على المستوى الخطابي، على وقف القتال ورحيل الأسد عن السلطة، رفضت الدول الاستبدادية الرائدة في العالم، الصين، وروسيا، وإيران، فكرة تغيير النظام التي فرضتها الدول الأجنبية، بل وقدمت أشكالاً مختلفة من المساعدة على بقاء بشار الأسد “الديكتاتور” في السلطة، ولذلك تجددت المنافسة في العالم بين السلطوية والديمقراطية، ويشتعل هذا التنافس تحديداً في سوريا.

سوريا ساحة للتنافس الجيوسياسي
ويرى الباحث أن المنافسة الجيوسياسية عادت من جديد، وسوريا هي “نقطة الصفر” أو الانطلاق.

وفي الوقت نفسه تناور إسرائيل وإيران من أجل الحصول على المكاسب في صراعهما الإقليمي الأوسع. واللافت فعلاً أن سوريا باتت ساحة لتجدد تنافس القوى العظمى بين الولايات المتحدة وروسيا.

ولا يختلف الخصوم الحاليون على مصير الأسد فحسب، وإنما يعمدون إلى استخدام قوتهم العسكرية لاقتناص مجالات النفوذ المتنافسة وتأكيد إدعاءاتهم الخاصة بالقيادة في سوريا والشرق الأوسط الأوسع.

وتستغل روسيا على وجه الخصوص سوريا لإثبات قدرات أنظمة أسلحتها المتطورة وتكتيكات الحرب المختلطة التي ربما تسخدمها في صراع مستقبلي مع الغرب، علاوةً على ترسيخ نفسها لاعباً رئيسياً في الشرق الأوسط.

حرب عسكرية كبرى
ويحذر الباحث من أن سوريا تجسد الأزمة المتفاقمة للنظام العالمي والتي تنذر بإندلاع حرب عسكرية كبرى. وخلال الشهر الماضي وحده، تسببت الحرب الأهلية السورية بحادثتين منفصلتين ربما تقودان إلى إشعال شرارة هذه الحرب، الأولى هي المناوشات الجوية بين القوات الإسرائيلية والإيرانية والسورية والتي من الممكن أن تتحول إلى قتال يضم قوات برية.

أما الثانية فهي المواجهة بين القوت الأمريكية والمرتزقة الروس، وهو أمر في غاية الخطورة، حيث يدل القرار الروسي، باستخدام قوات مختلطة لشن هجوم ضد قاعدة تضم قوات أمريكية، على جرأة موسكو، كما يعكس الرد الأمريكي، بالضربات الجوية التي أسفرت عن مقتل نحو 200 مقاتل روسي، أن التنافس بين القوى العظمى في سوريا يتصاعد بسرعة ليصبح أكثر فتكاً.

ويخلص الباحث إلى أن المناوشات بين الولايات المتحدة وروسيا التي تحدث الآن في سوريا تثبت أن السلام الدولي النسبي الذي اتسمت به حقبة ما بعد الحرب الباردة في طريقه إلى الانهيار.

وثمة حروب تكشف الأوضاع التي يشهدها العالم، فعلى سبيل المثال لم تكن الحرب الأهلية الأسبانية مجرد حلقة مأساوية في تاريخ أسبانيا فحسب، ولكنها أظهرت الضغوط التي كان يتعرض لها النظام الدولي آنذاك.

ويختم الباحث قائلاً: “اليوم يتلاشى النظام العالمي، وإذا استمرت هذه العملية، ربما يأتي اليوم الذي ننظر فيه إلى سوريا باعتبارها الأزمة التي أنذرت بحدوث الانهيار الأكبر”.