الناسخ و المنسوخ في القرآن الحكيم والسنة المطهرة

مجتمع رجيم / عــــام الإسلاميات
كتبت : مسلمة
-

الحلقة السابعة : أنواع النسخ باعتبار الناسخ


الحمد لله وبعد،

1-نسخ القران بالقران: الحكم الشرعي يثبت بآية من كتاب الله ثم تنزل بعد ذلك اية أخرى ناسخة(رافعة ومزيلة للحكم الأول ومثبتة حكما ثانٍ)

أمثلة :

المثال الأول: ثبتت إباحة الخمر بقوله تعالى" يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا"(البقرة 219) وقوله عز وجل" وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67)"(النحل)
ثم حُرم أن يأتي الأنسان الصلاة وهو سكران فكان المسلمون يجتنبون الخمر أوقات الصلاة فإذا صلوا العشاء شربوا الخمر بعدها، ثم حرمت تحريما كليا بقوله تعالى" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)"(المائدة)
ومثال التدرج في تحريم الخمر من أوضح الأمثلة على النسخ وقد شاقّ الله ورسوله ذاك الدعيُّ الزنديق وأنكر التدرج في تحريم الخمر، يقول:
" وإذا كان دعاة النسخ بمعنى الحذف والإلغاء فى التشريع يستدلون على مذهبهم بأن تشريع الخمر جاء متدرجاً يلغى اللاحق منه السابق فإننا نرى فى تشريع تحريم الخمر حجة لنا عليهم، فتحريم الخمر جاء على سبيل الإيجاز والإجمال فى الوحى المكى فى قوله تعالى ﴿قُلْ إِنّمَا حَرّمَ رَبّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقّ﴾ (الأعراف 33).فالخمر من ضمن الإثم المحرم. وجاء تحريمه على سبيل الإجمال فى مكة ضمن عموميات التشريع المكى، ثم جاءت التفصيلات فى المدينة حين سئل النبى عليه السلام عن حكم الخمر فنزل قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نّفْعِهِمَا﴾ (البقرة 219).
وطالما كان فى الخمر إثم كبير فهى محرمة فى مكة قبل المدينة، لأن الإثم القليل حرام فكيف بالإثم الكبير؟!! ثم يأتى تفصيل آخر يؤكد تحريم الخمر وذلك بالأمر باجتنابها ﴿يَـَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِنّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزْلاَمُ رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ الشّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (المائدة 90).
إذن لم تكن الخمر حلالاً ثم نزل تحريمها، ولم ينزل وحى بالسماح بالخمر ثم نزل تشريع آخر يلغى ذلك السماح.. وإنما نزل تحريمها اجمالا ضمن تحريم الإثم، ثم نزل التفصيل يؤكد ما سبق"أهـ


ولازم قوله ان المسلمين وقعوا في الحرام في مكة وبعد ذلك في المدينة الى أن نزلت آية المائدة وهذا يعني أن الله-حاشاه جل و علا- قد أضل المسلمين وما بين لهم في كتابه المحكم سنين طوال ويلزمه أيضا ان العرب الأقحاح قد أخطأوا في فهم الآية حيث ظنوا أنهم مخيرون في ذلك ويلزمه أيضا أن الرسول الكريم –بأبي هو وأمي-لم يقم بواجب البيان و الإيضاح الذي كلفه الله به وترك صحبه يخوضون في الحرام.
ولاحظ أن الرجل لجهله بكتاب الله قد فاتت عليه آية النحل ولم يتنبه لها وهي نص اخر في اباحة الخمر أول الأمر.

واستمع لهذا الهذيان، يقول" أما قوله تعالى ﴿يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىَ حَتّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ﴾ (النساء 43) فلا شأن لها بالخمر وسكرة الخمر، بل أن كلمة (سكر) و(سكارى) لم تأت فى القرآن عن الخمر.... وجاءت بمعنى الغفلة وعدم الخشوع وغلبة الكسل والانشغال عن الصلاة عند أداء الصلاة فى قوله تعالى ﴿يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىَ﴾"أهـ

العجيب هنا أن الرجل لم يستدل بعاميته والدارج اليوم من معنى سكارى كما فعل مع كلمة النسخ! وهذا يدلك على أن الرجل متبع لهواه يرجح من المعاني ما يعضد قوله.
ثم أن إسكار الخمر قد ذكر في آية النحل التي لم يسمع بها في حياته، قال تعالى" وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67)"
قال القرطبي رحمه الله: قوله تعالى : { سكرا } السكر ما يسكر هذا هو المشهور في اللغة قال ابن عباس : نزلت هذه الآية قبل تحريم الخمر وأراد بالسكر الخمر"، ولم أعرض الدكتور عن معاجم اللغة مرة أخرى ولم يعرض لنا شيئا من أقوالهم في معنى" سكارى"؟!!

المثال الثاني: قوله عز وجل" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)(المجادلة)
نسخ بقوله عز وجل" أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (13)"(المجادلة)
قال الإمام محمد الطاهر بن عاشور:" وتظافرت كلمات المتقدمين على أن حكم الأمر في قوله ( فقدموا بين نجواكم صدقة ) قد نسخه قوله ( فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم ) الآية ."(التحرير و التنوير)

المثال الثالث : نسخ الأمر بالوصية بآية المواريث.
آية الوصية: "كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)"(البقرة)
آية المواريث:" يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ..."(النساء 11).
قال الشيخ محمد الطاهر:
"ثم إن آية المواريث التي في سورة النساء نسخت هذه الآية نسخا مجملا فبينت ميراث كل قريب معين فلم يبق حقه موقوفا على إيصاء الميت له بل صار حقه ثابتا معينا رضى الميت أم كره فيكون تقرر حكم الوصية في أول الأمر استئناسا لمشروعية فرائض الميراث ولذلك صدر الله تعالى آية الفرائض بقوله ( يوصيكم الله في أولادكم ) فجعلها وصية نفسه سبحانه إبطالا للمنة التي كانت للموصى،وبالفرائض نسخ وجوب الوصية الذي اقتضته هذه الآية وبقيت الوصية مندوبة بناء على أن الوجوب إذا نسخ بقي الندب وإلى هذا ذهب جمهور أهل النظر من العلماء الحسن وقتادة والنخعي والشعبي ومالك وأبو حنيفة والأوزاعي والشافعي وأحمد وجابر بن زيد "(التحرير و التنوير)
ولما كانت آية المواريث محتملة لأخذ الأقربين الميرات مع الوصايا(الرسالة)، فقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم كلام الله فقال:" لا وصية لوارث"(رواه أبو داود والترمذي وغيرهم)، فعلمنا ان آية المواريث ناسخة لآية الوصية .


المثال الرابع: نسخ الأمر بكف الأيدي عن المشركين :
الايات واضحة في مسالة نسخ الامر بكف الايدي، ولعله من اوضح امثلة النسخ في هذا الدين، فالناسخ والمنسوخ في اية واحدة " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا" (النساء).

ومن عجائب هذا الزمان ترك بعض الناس للجهاد و نهيهم عن حمل السلاح بزعم أننا نعيش حالة شبيهة بما قبل الهجرة، وهذا من الجهل(أو لعله من الجبن و الخذلان) بأصول الشريعة وأحكام الناسخ و المنسوخ.

2- نسخ السنة بالسنة :

الأمثلة :
أ- النهي عن زيارة القبور ثم اباحة ذلك و استحبابه للرجال خاصة:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا "(مسلم)
أما النساء فلم ينسخ النهي في حقهن على الراجح لأن الأحاديث الواردة فيهن خاصة، قال شيخ الإسلام:
والعام لا يعارض الأدلة الخاصة المستفيضة فى نهى النساء كما سنذكره إن شاء الله تعالى بل ولا ينسخها عند جمهور العلماء وإن علم تقدم الخاص على العام(مجموع الفتاوى:344\24)

تنبيه:
زيارة قبور الأنبياء و الصالحين لأجل طلب الحاجات منهم أو دعائهم و الإقسام بهم على الله أو ظن أن الدعاء أو الصلاة عند قبورهم أفضل منه فى المساجد و البيوت فهذا ضلال و شرك و بدعة بإتفاق أئمة المسلمين و لم يكن أحد من الصحابة يفعل ذلك و لا كانوا إذا سلموا على النبى صلى الله عليه و سلم يقفون يدعون لأنفسهم و لهذا كره ذلك مالك و غيره من العلماء و قالوا إنه من البدع التى لم يفعلها السلف و إتفق العلماء الأربعة و غيرهم من السلف على أنه إذا أراد أن يدعو يستقبل القبلة و لا يستقبل قبر النبى صلى الله عليه و سلم و أما إذا سلم عليه فأكثرهم قالوا يستقبل القبر قاله مالك و الشافعي و أحمد و قال أبو حنيفة بل يستقبل القبلة أيضا و يكون القبر عن يساره و قيل بل يستدبر القبلة(مجموع الفتاوى:471\17)

ب- نكاح المتعة: وهو نكاح المرأة لأجل موقوت.
عن الزُّهْرِىَّ قال: أَخْبَرَنِى الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىٍّ وَأَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِمَا أَنَّ عَلِيًّا - رضى الله عنه - قَالَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ . (رواه البخاري).
قال سفيان بن عيينة : يعني أنه نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر لا عن نكاح المتعة ذكره أبو عمر وفي التمهيد : ثم قال : على هذا أكثر الناس انتهى فتوهم بعض الرواة أن يوم خيبر ظرف لتحريمهن فرواه : حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم المتعة زمن خيبر والحمر الأهلية واقتصر بعضهم على رواية بعض الحديث فقال : حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم المتعة زمن خيبر فجاء بالغلط البين(زاد المعاد:403\3)

وعن رَبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِىُّ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ قَدْ كُنْتُ اسْتَمْتَعْتُ فِى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةً مِنْ بَنِى عَامِرٍ بِبُرْدَيْنِ أَحْمَرَيْنِ ثُمَّ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُتْعَةِ . (مسلم)

وقد أبيح عام الفتح وحرم في نفس العام على الراجح من أقوال العلماء؛ قال ابن القيم رحمه الله:
والصحيح : أن المتعة إنما حرمت عام الفتح لأنه قد ثبت في صحيح مسلم أنهم استمتعوا عام الفتح مع النبي صلى الله عليه وسلم بإذنه ولو كان التحريم زمن خيبر لزم النسخ مرتين وهذا لا عهد بمثله في الشريعة البتة ولا يقع مثله فيها وأيضا : فإن خيبر لم يكن فيها مسلمات وإنما كن يهوديات وإباحة نساء أهل الكتاب لم تكن ثبتت بعد إنما أبحن بعد ذلك في سورة المائدة بقوله : { اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } ( المائدة : 5 ) وهذا متصل بقوله : { اليوم أكملت لكم دينكم } ( المائدة : 3 ) وبقوله : { اليوم يئس الذين كفروا من دينكم } ( المائدة : 3 ) وهذا كان في آخر الأمر بعد حجة الوداع أو فيها فلم تكن إباحة نساء أهل الكتاب ثابتة زمن خيبر ولا كان للمسلمين رغبة في الاستمتاع بنساء عدوهم قبل الفتح وبعد الفتح استرق من استرق منهن وصرن إماء للمسلمين.(زاد المعاد:3\403)
هذا وقد اشتهرت الرافضة المشركة بالقول بجواز المتعة وقد تابعهم الدكتور بعد أن كذب كل الأحاديث الشريفة وزعم أن القرآن يجوز المتعة، يقول :
"والقاعدة القرآنية الشرعية تجعل العقد شريعة المتعاقدين ؛ والله تعالى يقول (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُود ) المائدة1"
وعليه فإنه يمكن القياس هنا ؛ مع الأخذ فى الإعتبار أن عقد الزواج من أهم العقود التى يعقدها الانسان ؛ والله تعالى وصف عقد الزواج بأنه "ميثاق غليظ" النساء21" . فإذا تراضى الطرفان على شرط فى عقد الزواج اصبح ملزما للطرفين ؛ لأن ذلك فى إطار الزواج الشرعى وليس فيه تلك التجاوزات التى نهى عنها القرآن وليس فيه ايضا ذلك " السفاح" او" اتخاذ الاحذان " اى الزنا واتحاذ العشيقة .......
وعليه فإن اتفاق الزوجين على تحديد مدة للزواج لا يقدح فى صحة الزواج خصوصا وأن قوله تعالى " ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة" جاء عاما فيما يقع عليه التراضى ، سواء كان التراضى على جزء زائد على المهر او المؤخر او كان على تحديد مدة للزواج او على شىء اخر فى إطار الزواج الشرعى ."أهـ
هكذا وبكل بساطة أجاز الدكتور القياس بعد أن شنع على اهل السنة من قبل استعمالهم للقياس الصحيح!!
بل انه تطاول على النبي صلى الله عليه وسلم وسنته مراراً ، يقول:
"لأنه ليس من حقه أن يجتهد فى الإفتاء والتشريع ؛ وبالتالى ليس من حقه أن يحلل أو يحرم ؛ فتلك وظيفته كرسول حين يبلغ الرسالة . أى القرآن . وبالتالى أيضا فإن النبى لم يتحدث مطلقا فى أمور تشريعية . و أخيرا فإن تلك الآحاديث المتضارية فى موضوع زواج المتعة بين السنة والشيعة لم يعرفها عصر النبوة ؛ ولا شأن للنبى عليه السلام بها مطلقا ، انها خلافات فقهية ارتدث ثوب أحاديث منسوبة للنبى افتراءا وتزوير"أهـ

وقاحة وكذب ودجل...النبي لا حق له بالافتاء ولم يتكلم عن نكاح المتعة! و الدكتور له الحق في الاجتهاد و القياس و الإفتاء و تحليل نكاح المتعة!!!
هل خرجت هذه الكلمات من فم رجل يعقل ما يقول؟!!
لا أدري كيف تجتمع هذه الأوصاف" أهم العقود"،"الميثاق الغليظ" ،" الزواج الشرعي" في نكاح المتعة؟
ثم ان الدكتور لم يذكر لنا معنى السفاح في العربية؟ اليس هو اهراق الماء؟! وهل في المتعة غرض سوى إراقة الماء بثمن بخس يدفعه للمرأة؟
وبماذا يختلف مهر البغي عن مهر المتمتعة؟
وهل في نكاح المتعة ما أمتن الله به على بني آدم"وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)"(الروم)
قال شيخ الاسلام:" التأجيل يخل بمقصود النكاح من المودة والرحمة والسكن ويجعل الزوجة بمنزلة المستأجرة"(مجموع الفتاوى:108\32)
وليس هذا محل بحث نكاح المتعة ولكن ذكرته تنبيها على شذوذ هذا الرجل وتطاوله على النبي صلى الله عليه وسلم وكذبه على القرآن وقلة غيرته ولو رأيته لسألته : أترضاه لأختك؟ أترضاه لابنتك؟!

3- نسخ السنة بالقرآن: وقد تقدم لك قول الإمام الشافعي رحمه الله من أنه لا بد من سنة ناسخة تأتي مع الآيات الناسخة.
مثاله : نسخ التوجه الى بيت المقدس في الصلاة الثابت بالسنة المطهرة ، قال تعالى:" قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)"(البقرة)



4- نسخ القرآن بالسنة : قد تقدم الكلام عن هذا النوع مفصلا في الحلقة السادسة.

والله الموفق والى لقاء قريب..
وكتب
أبو مارية القرشي
كتبت : مسلمة
-

الحلقة الثامنة: أقسام النسخ في القرآن



الحمد لله وبعد،
القسم الأول: نسخ الحكم و التلاوة معاً
وقد تقدم لك أن النسخ يكون في الأحكام الشرعية دون العقائد و الأخبار.
ويشير بعض المفسرين الى أنّ هذا هو معنى قولها عزّ وجلّ " أو ننسها" ، وقد ساق ابن كثير رحمه الله أقوال الصحابة و التابعين في تفسيره فراجعها هناك ان شئت(التفسير:207\1)
الأمثلة :
1-روى الإمام مسلم في صحيحه أنّ أَبا مُوسَى الأَشْعَرِىُّ بعث إِلَى قُرَّاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ ثَلاَثُمِائَةِ رَجُلٍ قَدْ قَرَءُوا الْقُرْآنَ فَقَالَ:" أَنْتُمْ خِيَارُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَقُرَّاؤُهُمْ فَاتْلُوهُ وَلاَ يَطُولَنَّ عَلَيْكُمُ الأَمَدُ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ كَمَا قَسَتْ قُلُوبُ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَإِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً كُنَّا نُشَبِّهُهَا فِى الطُّولِ وَالشِّدَّةِ بِبَرَاءَةَ فَأُنْسِيتُهَا غَيْرَ أَنِّى قَدْ حَفِظْتُ مِنْهَا لَوْ كَانَ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لاَبْتَغَى وَادِياً ثَالِثاً وَلاَ يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ . وَكُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً كُنَّا نُشَبِّهُهَا بِإِحْدَى الْمُسَبِّحَاتِ فَأُنْسِيتُهَا غَيْرَ أَنِّى حَفِظْتُ مِنْهَا ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ ) فَتُكْتَبُ شَهَادَةً فِى أَعْنَاقِكُمْ فَتُسْأَلُونَ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ."
فهذه سورتان رفعهما الله من كتابه وأنساها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
2- عن زر قال قال لي أبي بن كعب : كأين تقرأ سورة الأحزاب أو كأين تعدها قال قلت له ثلاثا وسبعين آية فقال قط لقد رأيتها وإنها لتعادل سورة البقرة ولقد قرأنا فيها "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عليم حكيم"(رواه أحمد بإسناد ضعيف) وروي قريبا منه عن عائشة رضي الله عنها.
معنى هذا الأثر أن الجزء الأكبر من سورة الأحزاب قد رفع وأنساه اللهُ النبيَ وصحبَه حاشا آية الرجم فقد ثبت حكمها وبقي لفظها خارج المصحف فلا يتعبد به ولا يعد قرآنا.ً

3-عن أنس قال : أنزل الله في الذين قتلوا ببئر معونة قرآنا قرأناه حتى نسخ بعد أن بلغوا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا(رواه البخاري ومسلم)

4- عن عَائِشَة َ رضي اللهُ عنها قالت:" نَزَلَ فِى الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ ...الحديث"(رواه مسلم)
فهذه الآية منسوخة لفظاً وحكماً ويأتي الكلام على هذا الحديث في القسم الثالث إن شاء الله.



القسم الثاني: نسخ الحكم دون التلاوة، فتبقى الآيات في كتاب الله يتعبد بها خلقه ويتحدى أعداءه بإعجازها.
الأمثلة: أنظر الحلقة السابعة.

الحكمة منه:
تسجل تلك الظاهرة الحكيمة ظاهرة سياسة الإسلام للناس حتى يشهدوا أنه هو الدين الحق وأن نبيه نبي الصدق وأن الله هو الحق المبين العليم الحكيم الرحمن الرحيم يضاف إلى ذلك ما يكتبونه من الثواب على هذه التلاوة ومن الاستمتاع بما حوته تلك الآيات المنسوخة من بلاغة ومن قيام معجزات بيانية أو علمية أو سياسية بها(مناهل العرفان:141\2)

القسم الثالث: نسخ التلاوة وبقاء الحكم:
مثاله :
1- آية الرجم و قد تقدم كلام شيخ الاسلام عنها في الحلقة الثانية.
الحكمة منه:
يقول الزرقاني:
وأما نسخ التلاوة مع بقاء الحكم فحكمته تظهر في كل آية تناسبها وإنه لتبدو لنا حكمة رائعة في مثال مشهور من هذا النوع
ذلك أنه صح في الرواية عن عمر بن الخطاب وأبي بن كعب أنهما قالا كان فيما أنزل من القرآن الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموها ألبتة أي كان هذا النص آية تتلى ثم نسخت تلاوتها وبقي حكمها معمولا به إلى اليوم والسر في ذلك أنها كانت تتلى أولا لتقرير حكمها ردعا لمن تحدثه نفسه أنه يتلطخ بهذا العار الفاحش من شيوخ وشيخات حتى إذا ما تقرر هذا الحكم في النفوس نسخ الله تلاوته لحكمة أخرى هي الإشارة إلى شناعة هذه الفاحشة وبشاعة صدورها من شيخ وشيخة حيث سلكها مسلك ما لا يليق أن يذكر فضلا عن أن يفعل وسار بها في طريق يشبه طريق المستحيل الذي لا يقع كأنه قال نزهوا الأسماع عن سماعها والألسنة عن ذكرها فضلا عن الفرار منها ومن التلوث برجسها(مناهل العرفان:141\2)
2- عن عَائِشَة َ رضي اللهُ عنها قالت:" نَزَلَ فِى الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ ثُمَّ نَزَلَ أَيْضاً خَمْسٌ مَعْلُومَاتٌ"(رواه مسلم)
وآيات الرضاعة هذه منسوخ لفظها وباق حكمها الأخير وهو أنّ أحكام الرضاعة تثبت بخمس رضعاتٍ معلوماتٍ، ويصلح أن يكون قولها" نَزَلَ فِى الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ" مثالاً نسخ التلاوة و الحكم معاً.




شبهةٌ وردها


قال الشيخ الزرقاني:
يقولون إن نسخ التلاوة مع بقاء الحكم عبث لا يليق بالشارع الحكيم لأنه من التصرفات التي لا تعقل لها فائدة
وندفع هذه الشبهة بجوابين :
أحدهما: أن نسخ الآية مع بقاء الحكم، ليس مجردا من الحكمة ،ولا خاليا من الفائدة حتى يكون عبثا بل فيه فائدة أي فائدة؛ وهي حصر القرآن في دائرة محدودة تيسر على الأمة حفظه واستظهاره وتسهل على سواد الأمة التحقق فيه وعرفانه وذلك سور محكم وسياج منيع يحمي القرآن من أيدي المتلاعبين فيه بالزيادة أو النقص لأن الكلام إذا شاع وذاع وملأ البقاع ثم حاول أحد تحريفه سرعان ما يعرف وشد ما يقابل بالإنكار وبذلك يبقى الأصل سليما من التغيير والتبديل مصداقا لقوله سبحانه إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون
والخلاصة أن حكمة الله قضت أن تنزل بعض الآيات في أحكام شرعية عملية حتى إذا اشتهرت تلك الأحكام نسخ سبحانه هذه الآيات في تلاوتها فقط رجوعا بالقرآن إلى سيرته من الإجمال وطردا لعادته في عرض فروع الأحكام من الإقلال تيسيرا لحفظه وضمانا لصونه والله يعلم وأنتم لا تعلمون

ثانيهما: أنه على فرض عدم علمنا بحكمة ولا فائدة في هذا النوع من النسخ، فإن عدم العلم بالشيء لا يصلح حجة على العلم بعدم ذلك الشيء وإلا فمتى كان الجهل طريقا من طرق العلم ؟! ثم إن الشان في كل ما يصدر عن العليم الحكيم الرحمن الرحيم؛ أن يصدر لحكمة أو لفائدة نؤمن بها وإن كنا لا نعلمها على التعيين وكم في الإسلام من أمور تعبدية استأثر الله بعلم حكمتها أو أطلع عليها بعض خاصته من المقربين منه والمحبوبين لديه "وفوق كل ذي علم عليم"" وما أوتيتم من العلم إلا قليلا".
ولا بدع في هذا فرب البيت قد يأمر أطفاله بما لا يدركون فائدته لنقص عقولهم، على حين أنه في الواقع مفيد وهم يأتمرون بأمره وإن كانوا لا يدركون فائدته، والرئيس قد أمر مرؤوسيه بما يعجزون عن إدراك سره وحكمته على حين أن له في الواقع سرا وحكمة وهم ينفذون أمره وإن كانوا لا يفهمون سره وحكمته.
كذلك شأن الله مع خلقه فيما خفي عليهم من أسرار تشريعه وفيما لم يدركوا من فائدة نسخ التلاوة دون الحكم ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم(مناهل العرفان:157\2)


ولله الحمد أولا و أخراً، والى لقاء قريب إن شاء المولى عزّ وجلّ
وكتب
أبو مارية القرشي
كتبت : مسلمة
-

الحلقة التاسعة: النسخ في لسان السلف رضي الله عنهم


الحمد لله حده و الصلاة السلام على من لا نبي بعده وآله وصحبه وجنده وبعد،
فقد تقدم لكم في ثاني حلقات هذه السلسة أن النسخ في لسان السلف أعم من الاصطلاح المتأخر ، قال شيخ الإسلام رحمه الله: ولم يكن السلف يقبلون معارضة الآية إلا بآية أخرى تفسرها وتنسخها أو بسنة الرسول تفسرها فإن سنة رسول الله تبين القرآن وتدل عليه وتعبر عنه وكانوا يسمون ما عارض الآية ناسخا لها يرد بها وإن كان لا يدل عليه ظاهر الآية بل قد لا يفهم منها وقد فهمه منها قوم فيسمون ما رفع ذلك الإبهام والإافهام نسخاً و هذه التسمية لا تؤخذ عن كل واحد منهم فالنسخ عندهم اسم عام لكل ما يرفع دلالة الآية على معنى باطل وإن كان ذلك المعنى لم يرد بها وإن كان لا يدل عليه ظاهر الآية بل قد لا يفهم منها وقد فهمه منها قوم فيسمون ما رفع ذلك الابهام والافهام نسخا و هذه التسمية لا تؤخذ عن كل واحد منهم (مجموع الفتاوى:13\30)

نفهم من كلام شيخ الإسلام أن الآيات المخصصة للعام والمبينة للمجمل والمقيدة للمطلق بل الآيات التي تزيل الإشكالات البعيدة الباطلة قد يسميها بعض السلف نسخاً لإن فيها معنى الرفع و الإزالة .

قال ابن القيم :
ومراد عامة السلف بالناسخ والمنسوخ رفع الحكم بجملته تارة وهو اصطلاح المتأخرين ورفع دلالة العام والمطلق والظاهر وغيرها تارة إما بتخصيص أو تقييد أو حمل مطلق على مقيد وتفسيره وتبيينه حتى إنهم يسمون الاستثناء والشرط والصفة نسخا لتضمن ذلك رفع دلالة الظاهر وبيان المراد فالنسخ عندهم وفي لسانهم هو بيان المراد بغير ذلك اللفظ بل بأمر خارج عنه ومن تأمل كلامهم رأى من ذلك فيه ما لا يحصى وزال عنه به إشكالات أوجبها حمل كلامهم على الاصطلاح الحادث المتأخر(اعلام الموقعين:1\35)

وقال الإمام الشاطبي رحمه الله:
الذي يظهر من كلام المتقدمين؛ أن النسخ عندهم في الإطلاق أعم منه في كلام الأصوليين، فقد يطلقون على تقييد المطلق نسخاً، وعلى تخصيص العموم بدليل متصل أو منفصل نسخا وعلى بيان المبهم والمجمل نسخاً، كما يطلقون على رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر نسخاً(الموافقات:105\3)

وسيتضح هذا المعنى و يتجلى بأحسن صورة في الأمثلة التالية إن شاء الله عزَّ وجل:

1- قوله عز وجل" لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ"(البقرة 256)
قال بعض السلف هذه الآية منسوخة بآية السيف و لا يريدون بذلك أن ّ الحربيين وأهل الذمة يجبرون على الإسلام، بل مرادهم أن آية السيف بينت وقيدت الحرية المطلقة في اختيار الدين ودفعت توهما خاطئا ربما يفهمه البعض من هذه الآية وهو أن الجهاد للدفع فقط ،قال ابن كثير رحمه الله:
قال آخرون : بل هي منسوخة بآية القتال وإنه يجب أن يدعى جميع الأمم إلى الدخول في الدين الحنيف دين الإسلام فإن أبى أحد منهم الدخول فيه ولم ينقد له أو يبذل الجزية قوتل حتى يقتل وهذا معنى الإكراه(التفسير:426\1)

فالحربي يخير بين أمور ثلاث وهي الإسلام أو الجزية أو السيف، قال شيخ الإسلام:
ولهذا لم يكن عندنا نزاع في أن الأقوال لا يثبت حكمها في حق المكره بغير حق ،فلا يصح كفر المكره بغير حق، ولا ايمان المكره بغير حق كالذمي الموفى بذمته كما قال تعالى فيه" لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"
بخلاف المكره بحق كالمقاتلين من اهل الحرب حتى يسلموا إن كان قتالهم الى الإسلام او اعطاء الجزية ان كان القتال على احدهما كما قال تعالى" فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" الى قوله "فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم"
وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله وان محمداً رسول الله فاذا قالوها عصموا منى دماءهم واموالهم الا بحقها وحسابهم على الله(الإستقامة:320\2)

2- قوله عز وجل" لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284) "(البقرة)
قال السلف نسختها هذه الآية"لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)" (البقرة)

ويبين لنا الإمام ابن القيم معنى كلام السلف رضي الله عنهم :
وللنسخ معنى آخر هو النسخ من إفهام المخاطبين ما فهموه؛ مما لم يرده ولا دل اللفظ عليه وإن اوهمه ،كما أطلق الصحابة النسخ على قوله "وإن تبدوا ما في انفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء"، قالوا: نسختها قوله" ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" الآية ؛ فهذا نسخ من الفهم لا نسخ للحكم الثابت فإن المحاسبة لا تستلزم العقاب في الآخرة ولا في الدنيا أيضا ولهذا عمهم بالمحاسبة ثم أخبر بعدها أنه يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ففهم لمؤاخذة التي هي المعاقبة من الآية تحميل لها فوق وسعها فرفع هذا المعنى من فهمه بقوله ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا إلى آخرها فهذا رفع لفهم غير المراد من إلقاء الملك وذاك رفع لما ألقاه غير الملك في أسماعهم أو في التمني وللنسخ(شفاء العليل:192-193)

3- قوله سبحانه وتعالى " وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ"(البقرة221) وقوله عزَّ وجلَّ" وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ"(المائدة5)
قال الإمام الجليل محمد بن نصر المروزي رحمه الله:
اختلف أهل العلم في تأويل ذلك فقال جماعة منهم كان نكاح المشركات جميعا الكتابيات وغيرهن محرما في الآية التي في البقرة ثم نسخ الله تحريم نساء أهل الكتاب فأحلهن في سورة المائدة وترك سائر المشركات محرمات على حالهن فبعض الآية الأولى في هذا القول منسوخ وباقيها محكم روي هذا القول عن جماعة من السلف
(السنة: 91)
فمعنى النسخ هنا أنّ الآية الثانية مخصصة لعموم الآية الأولى ، ولهذا قال الامام محمد: ومذهب الشافعي في هاتين الآيتين على ما أعلمتك أنه ليس في واحدة منها ناسخ و لا منسوخ إلا أن الآية التي في سورة البقرة من العام الذي أريد به الخاص ومن المجمل الذي دل عليه المفسر) (المصدر السابق:92).

4-قال الإمام الشاطبي:
روى عن ابن عباس أنه قال: في قوله تعالى" من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد" أنه ناسخ لقوله تعالى :"من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها" و هذا على التحقيق تقييد لمطلق إذا كان قوله نؤته منها مطلقا ومعناه مقيد بالمشيئة وهو قوله في الأخرى "لمن نريد" وإلا فهو إخبار والأخبار لا يدخلها النسخ(الموافقات:109\3)

والأمثلة التالية كلها من كلام الإمام الشاطبي رحمه الله في الموافقات:
5- قال-أي ابن عباس رضي الله عنهما- في قوله تعالى قل الأنفال لله والرسول منسوخ بقوله واعلموا أنما غنمتم من شىء فأن لله خمسه وإنما ذلك بيان لمبهم في قوله" لله و الرسول"(الموافقات:110\3)

6-وقال في قوله "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها" أنه منسوخ بقوله: "والقواعد من النساء "الآية، وليس بنسخ إنما هو تخصيص لما تقدم من العموم(الموافقات:113\3)

7-وعن أبي الدرداء وعبادة بن الصامت في قوله تعالى "وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم" أنه ناسخ لقوله "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه" فإن كان المراد أن طعام أهل الكتاب حلال وإن لم يذكر اسم الله عليه ، فهو تخصيص للعموم، وإن كان المراد أن طعامهم حلال بشرط التسمية فهو أيضا من باب التخصيص لكن آية الأنعام هي آية العموم المخصوص في الوجه الأول وفي الثاني بالعكس(الموافقات:113\3)

8-وقال وهب بن منبه في قوله "ويستغفرون لمن في الأرض" نسختها الآية التي في غافر:" ويستغفرون للذين آمنوا "وهذا معناه أن آية غافر مبينة لآية الشورى إذ هو خبر محض والأخبار لا نسخ فيها(الموافقات:114\3)

9-عن عراك بن مالك وعمر بن عبد العزيز وابن شهاب أن قوله والذين يكنزون الذهب والفضة الآية منسوخ بقوله خذ من أموالهم صدقة وإنما هو بيان لما يسمى كنزاً(الموافقات:115\3)
قال أبو مارية : معناه أنّ المال إذا بلغ النصاب ولم يزكى صار كنزاً.

10-وقيل في قوله إن الله يغفر الذنوب جميعا منسوخ بقوله إن الله لا يغفر أن يشرك به الآية وهذا من باب تخصيص العموم لا من باب النسخ(الموافقات:116\3)

وفي هذه الأمثلة كفاية لمن ألقى السمع وهو شهيد ، ولعله قد تبين للقارئ ظلم كثير من المعاصرين للسلف الكرام لمّا حاكموهم لمصطلحات المتأخرين ولله درُّ الشيخ المجاهد ناصر الفهد فك الله أسره إذ يقول:
فإن كثيراً من الأخطاء قد تحصل بسبب حمل كلام المتقدمين وتفسيره على حسب مصطلحات المتأخرين وترتيب الأحكام بناءا على ذلك مع كونها مخالفة لها ، وهذا عام يشمل تفسير نصوص الكتاب والسنة وكلام السلف وغير ذلك ، وأمثلة ذلك كثيرة جداً .(منهج المتقدمين في التدليس)

والله الموفق ويهدي من يشاء الى صراط مستقيم.
وكتب
أبو مارية القرشي
كتبت : مسلمة
-

الحلقة العاشرة والأخيرة:ما لا يدخل عليه النسخ


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
1- كليّات الشريعة لا تُنسَخ و إنما النسخ محصور بجزئياتها ، وقد علم الأصوليون هذا عن طريق الاستقراء التام لنصوص الشريعة الغراء ، يقول الإمام الشاطبي:
لأن النسخ لا يكون في الكليات وقوعا وإن أمكن عقلا ويدل على ذلك الاستقراء التام وأن الشريعة مبنية على حفظ الضروريات والحاجيات والتحسينيات وجميع ذلك لم ينسخ منه شئ بل إنما أتى بالمدينة ما يقويها ويحكمها ويحصنها وإذا كان كذلك لم يثبت نسخ لكلي ألبتة ومن استقرى كتب الناسخ والمنسوخ تحقق هذا المعنى فإنما يكون النسخ في الجزئيات منها (الموافقات:105\3)
ويبين لنا الإمام الشاطبي رحمه الله معنى كليات الشريعة فيقول:
إعلم أن القواعد الكلية ؛هي الموضوعة أولاً والذي نزل بها القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، ثم تبعها أشياء بالمدينة كملت بها تلك القواعد التي وضع أصلها بمكة، وكان أولها: الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر ثم تبعه ما هو من الأصول العامة كالصلاة وإنفاق المال وغير ذلك ونهى عن كل ما هو كفر أو تابع للكفر كالافتراءآت التي افتروها من الذبح لغير الله وللشركاء الذين ادعوهم افتراء على الله وسائر ما حرموه على أنفسهم أو أوجبوه من غيرصل مما يخدم أصل عبادة غير الله وأمر مع ذلك بمكارم الأخلاق كلها كالعدل والإحسان والوفاء بالعهد وأخذ العفو والإعراض عن الجاهل والدفع بالتي هي أحسن والخوف من الله وحده والصبر والشكر ونحوها ونهى عن مساوى الأخلاق من الفحشاء والمنكر والبغي والقول بغير علم والتطفيف في المكيال والميزان والفساد في الأرض والزنى والقتل والوأد وغير ذلك مما كان سائرا في دين الجاهلية وإنما كانت الجزئيات المشروعات بمكة قليلة والأصول الكلية كانت في النزول والتشريع أكثر ، ثم لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة واتسعت خطة الإسلام كملت هنالك الأصول الكلية على تدريج كإصلاح ذات البين والوفاء بالعقود وتحريم المسكرات وتحديد الحدود التي تحفظ الأمور الضرورية وما يكملها ويحسنها ورفع الحرج بالتخفيفات والرخص وما أشبه ذلك كله تكميل للأصول الكلية(الموافقات102-103\3)
2- الأخبار لا يدخلها النسخ وقد تقدم التنبيه على هذا مراراً.
3- الآيات والأحاديث الخاصة في مسألة معينة لا تُنسخ بنصوص عامة متأخرة، قال الإمام ابن رجب:
الخاص لا ينسخ بالعام ولو كان العام متأخراً عنه في الصحيح الذي عليه جمهور العلماء لأن دلالة الخاص على معناه بالنص ودلالة العام عليه بالظاهر عند الأكثرين فلا يبطل الظاهر حكم النص(جامع العلوم والحكم:131)
وهذا اذا لم تقم قرينة تبين إرادة العموم والإطلاق(المسودة:123\1)
قال أبو مارية: ومعنى" النص" هو الكلام الذي لا يحتمل الا معنىً واحداً ، أمّا" الظاهر" فهو الكلام المحتمل لمعنيين ولكن أحدهما أظهر في الدلالة من الأخر. فمراد الامام ابن رجب؛ أن الخاص لا يحتمل الا معنىً واحداً دل عليه بخلاف العام الذي يحتمل العموم ظاهراً وقد يراد به الخصوص،" وما عن عموم إلا وقد تطرق إليه تخصيص الا اليسير"(المذكرة)

4-الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به ، قال الإمام الشوكاني رحمه الله:
إما كونه لا يُنسخ فلأن الإجماع لا يكون إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والنسخ لا يكون بعد موته ، وأما في حياته فالإجماع لا ينعقد بدونه بل يكون قولهم المخالف لقوله لغوا باطلا لا يعتد به ولا يلتفت إليه. وقولهم الموافق بعد لا اعتبار به بل الاعتبار بقوله وحده والحجة فيه لا في غيره ، فإذا عرفت هذا علمت أن الإجماع لا ينعقد إلا بعد أيام النبوة، وبعد أيام النبوة قد انقطع الكتاب والسنة فلا يمكن أن يكون الناسخ منهما ولا يمكن أن يكون الناسخ للإجماع إجماعا آخر لأن هذا الإجماع الثاني إن كان لا عن دليل فهو خطأ وإن كان عن دليل فذلك يستلزم أن يكون الإجماع الأول خطأ والإجماع لا يكون خطأ فبهذا يستحيل أن يكون الإجماع ناسخا أو منسوخا ولا يصلح أيضا أن يكون الإجماع منسوخا بالقياس لأن من شرط العمل به أن لا يكون مخالفا للإجماع(إرشاد الفحول:287)
5- جمهور العلماء على أن القياس لا ينسخ به ولا ينسخ لأنه انما يعتبر فيما لا نص فيه والقياس مع وجود النص المخالف له فاسد الاعتبار لا يعتد به(المذكرة)
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وصلى الله على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتب
أبو مارية القرشي
غفر الله له ولوالديه ولمشائخه
كتبت : سحر هنو
-
كتبت : موعظة
-
بوركتِ مسلمة حبيبتي وسلمت يداك ولكن معليش من هو صاحب المقال ( الاخ القرشي ) ؟؟ معذرة فانا لم أسمع به من قبل فلذلك أستفسر ليس إلا
الصفحات 1  2

التالي

اسباب رفض الدعاء أو مايكرة فى الدعاء

السابق

لفظ الجلالة يوضع بالحمام بدون قصد

كلمات ذات علاقة
المنشود , المطهرة , الحكيم , الناسخ , القرآن , والسنة