أسلوب الحياة كيف أحب لضرتي ما أحب لنفسي ؟

مجتمع رجيم / الحياة الأسرية
كتبت : نور الفرح
-
كيف أحب لضرتي ما أحب لنفسي ؟











مشكلتي باختصار: أني أحب زوجي جدًّا؛ فهو إنسان على خلق ودِين، ويحسن معاملتي - يجزيه ربي عني كلَّ خير - وقد أراد زوجي الزواجَ بغيري لظروفٍ خاصَّة به، وبعد زواجه ربَط ربي على قلبي، ورزقني الرضا بقَضائه؛ فله الحمدُ سبحانه، ولكن مشكلتي: أنِّي أتمنَّى من قلبي أنْ أكون أنا الأحب لزوجي من الأخرى، وأنْ يكون سعيدًا معي أكثر منها، وأنْ يرتاح في بيتي أكثر من بيتها، فأنا في صِراع نفسي، وأقول: لو أني مؤمنة صادقة لتمنَّيتُ لها السعادة كما أتمناها لنفسي، ولتمنَّيتُ أنْ يرضى عنها زوجي مثلي، ولكن لا أستطيع، وأحاول أنْ أُهوِّن على نفسي بأنَّ أمَّ المؤمنين عائشة لما رأتْ أمَّنا جويرية، كرِهَتْها، ولكنِّي لا أستطيع أن أوفِّق بين هذه المشاعر، وبين حديث النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه))، وأخشى ألاَّ ألقى الله بقلب سليم.[/color]

وجزاكم الله خيرًا.


الجواب
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومَن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فجزاكِ الله خيرًا على صبركِ ورضاكِ الذي أعقبكِ الله به ثَباتًا في القلب، وترقية في الإيمان تَظهَر بجلاءٍ من سؤال الرسالة، وواللهِ إنَّ هذا ممَّا تَقَرُّ به العين، وينشرحُ له الصدر، وتطيب به النفس، ويَظهَرُ به الحق ويتَّضح، وتزول به كثائف الرين والغين الذي ملأ قلوب نساءٍ تَلَقَّوْا رخصة التعدُّد بالصدود، بل لم يُطِقْنَهُ بُغضًا، فكان جَزاؤهن من جِنس عملهن أنْ خذلهنَّ الله عن الصبر على مشقَّته، فنقضنَ غزلهن من بعد التعب عليه، وخرَّبن بيوتهن بأيديهن، ولم يحصدن سِوى الخيبة والعناء، وسَفاهةِ العقل، ونقصِ الرأي، أو التعسيرِ على الزوج وإعناتِه، إنْ كان بحاجةٍ لزوجةٍ أخرى؛ لحاجاته الفطرية.
وكم كنت أترقَّب رسالةً كهذه، لنقول للنساء المسلمات ما ذكرناه في أكثر من جواب: إنَّ المشقَّة التي تلحق الزوجةَ الأولى من جرَّاء قضية التعدُّد مشقةٌ متَحَمَّلة، إنْ بَذَلَتِ الزوجة المؤمنة العاقلة وسعًا، ولم تستسلم للنفس والشيطان والهوى، والإعلام المأجور، وأنها كغيرها من المشقَّات التي تلحق من سائر التكاليف الشرعية؛ كالصيام، والصلاة، والحج، وغيرِها، ومع ذلك شُرِعَتْ؛ لما فيها من المصالح العائدة على العباد، والتي تَفُوق ما يُصيب من مشقَّة ونَصَب، فكذلك التعدُّدُ.
أمَّا معنى قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الصحيحين: ((لا يؤمن أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه))؛ فالمعنى عند أكثر شُرَّاح الحديث يدورُ حول أنه لا يتمُّ إيمان أحدٍ الإيمانَ التام الكامل حتى يَضُمَّ إلى إسلامه سلامةَ الناس منه، وإرادة الخير للجميع، والنُّصح لجميعهم فيما يحاوله معهم، وأنَّ شأن المؤمن كامل الإيمان، أنْ ينصف أخيه المسلم من نفسه، فإنْ كانت لأخيه عنده مظلمة أو حق بادر بردِّها وآثَر الحق، وإنْ كان عليه فيه بعض المشقَّة.
قال الإمام النووي: "المراد: يحبُّ لأخيه من الطاعات والأشياء المباحات؛ ويدلُّ عليه ما جاء في رواية النسائي في هذا الحديث: ((حتى يحبَّ لأخيه من الخير ما يحبُّ لنفسه))، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: وهذا قد يُعَدُّ من الصعب الممتنع، وليس كذلك؛ إذ معناه: لا يكمل إيمان أحدكم حتى يحبَّ لأخيه في الإسلام مثل ما يحب لنفسه، والقيام بذلك يحصل بأنْ يحبَّ له حصول مثل ذلك من جهةٍ لا يُزاحِمه فيها، بحيث لا تنقص النعمة على أخيه شيئًا من النعمة عليه، وذلك سهلٌ على القلب السليم، إنما يعسر على القلب الدَّغِل؛ عافانا الله وإخواننا أجمعين". اهـ من "شرح النووي على مسلم" (1 /126).
وقال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم": "والمقصود أنَّ من جملة خِصال الإيمان الواجبة أنْ يحبَّ المرء لأخيه المؤمن ما يحبُّ لنفسه، ويكره له ما يكرهه لنفسه، فإذا زالَ ذلك عنه فقد نقص إيمانه بذلك، وقد رُوِيَ أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال لأبي هريرة: ((أَحِبَّ للناس ما تحبُّ لنفسك تكن مسلمًا))؛ خرَّجه الترمذي وابن ماجه، وخرج الإمام أحمد من حديث معاذٍ - رضِي الله عنه - أنَّه سأل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن أفضل الإيمان، فقال: ((أفضل الإيمان أنْ تحبَّ لله وتُبغِضَ لله، وتُعمِل لسانك في ذكر الله))، قال: وماذا يا رسول الله؟ قال: ((أنْ تحبَّ للناس ما تحبُّ لنفسك، وتكرهَ لهم ما تكرهُ لنفسك، وأنْ تقول خيرًا أو تصمت)).
وقد رتَّب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - دُخولَ الجنة على هذه الخَصلة؛ ففي "مسند الإمام أحمد" - رحمه الله - عن يزيد بن أسدٍ القسري قال: قال لي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أتحبُّ الجنة؟)) قلت: نعم، قال: ((فأَحِبَّ لأخيك ما تحبُّ لنفسك)).
وفي "صحيح مسلم" من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص، عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن أحبَّ أنْ يُزحزَح عن النار ويَدخُل الجنة، فلتُدرِكه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، ويأتي إلى الناس الذي يحبُّ أنْ يُؤتَى إليه))، وفيه أيضًا عن أبي ذرٍّ - رضِي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا أبا ذر، إنِّي أراك ضعيفًا، وإني أحبُّ لك ما أحبُّ لنفسي، لا تَأَمَّرَنَّ على اثنين، ولا تَوَلَّيَنَّ مال يتيم)).
وإنما نهاه عن ذلك لما رأى من ضَعفِه، وهو - صلَّى الله عليه وسلَّم - يحبُّ هذا لكلِّ ضعيف، وإنما كان يتولَّى أمور الناس لأن الله قوَّاه على ذلك، وأمره بدعاء الخلق كلهم إلى طاعته، وأنْ يتولى سياسة دِينهم ودُنياهم.
وكان محمد بن واسع يَبِيع حمارًا له، فقال له رجلٌ: أترضاه لي؟ قال: لو رضيتُه لم أبِعْه، وهذه إشارةٌ منه إلى أنَّه لا يَرضَى لأخيه إلا ما يَرضَى لنفسه، وهذا كله من جملة النصيحة لعامَّة المسلمين، التي هي من جملة الدِّين.
وقد ذكرنا - فيما تقدَّمَ - حديثَ النعمان بن بشير، عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مثل المؤمنين في توادِّهم وتعاطُفهم وتراحُمهم مَثَلُ الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ، تَداعَى له سائرُ الجسد بالحمَّى والسهر))؛ خرَّجاه في الصحيحين، وهذا يدلُّ على أنَّ المؤمن يَسُوءُه ما يَسُوء أخاه المؤمن، ويحزنه ما يحزنه.
وحديث أنس الذي نتكلَّم الآن فيه يدلُّ على أنَّ المؤمن يسرُّه ما يسرُّ أخاه المؤمن، ويُرِيد لأخيه المؤمن ما يُرِيده لنفسه من الخير، وهذا كلُّه إنما يأتي من كمال سلامة الصدر من الغلِّ والغشِّ والحسد؛ فإنَّ الحسد يقتضي أنْ يكره الحاسد أنْ يَفُوقه أحدٌ في خير، أو يُساويَه فيه؛ لأنَّه يحبُّ أنْ يمتاز على الناس بفضائله، وينفَرِد بها عنهم، والإيمان يقتَضِي خلافَ ذلك، وهو أنْ يَشْرَكَهُ المؤمنون كلُّهم فيما أعطاه الله من الخير، من غير أنْ يَنقُص عليه منه شيء.
وقد مدح الله تعالى في كتابه مَن لا يريدُ العلوَّ في الأرض ولا الفساد، فقالتِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص: 83].
وفي الجملة: ينبغي للمؤمن أنْ يحبَّ للمؤمنين ما يحبُّ لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، فإنْ رأى في أخيه المسلم نقصًا في دِينه، اجتهد في إصلاحه؛ قال بعض الصالحين من السلف: "أهل المحبَّة لله، نظروا بنور الله، وعطفوا على أهل معاصي الله، مقتوا أعمالهم، وعطفوا عليهم ليزيلوهم بالمواعظ عن فعالهم، وأشفَقُوا على أبدانهم من النار، لا يكون المؤمن مؤمنًا حقًّا حتى يَرضَى للناس ما يَرضاه لنفسه، وإنْ رأى في غيره فضيلةً فاقَ بها عليه، فيتمنَّى لنفسه مثلها، فإنْ كانت تلك الفضيلة دِينيَّة كان حسنًا، وقد تمنَّى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لنفسه منزلة الشهادة". اهـ موضع الشاهد مختصرًا.
ولعلَّه قد ظهر لكِ من تلك النقولِ أنَّ إيمانكِ بالله واليوم الآخر يُملِي عليكِ أنْ تتمنَّيْ لأختكِ المسلمة أيضًا ما تَتَمَنَّيْنَه لنفسك، أنْ يكون زوجُكِ سعيدًا معها أيضًا ومرتاحًا من غير أنْ يَنقُص عليك شيءٌ من الهناء والسعادة، ولا شيءٌ من النعمة، وهذا سيَعُود بالخير عليكم جميعًا - إن شاء الله


التالي
السابق