سُنَّة صيام التاسع والعاشر من المحرم

مجتمع رجيم / النقاش العام
كتبت : جذور
-
.



{-8150}

كان من سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصوم العاشر من المحرم، وهو يوم كبير عظيم عند اليهود والنصارى، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم محافظًا على صيامه طوال الفترة المدنية من السيرة النبوية، ومع ذلك ففي آخر أعوام عمره أظهر بعض الصحابة حرجهم من مشابهة ما يفعله المسلمون بصيام اليوم العاشر من المحرم وما يقوم به اليهود والنصارى من صيام اليوم نفسه، فكان هذا الموقف الذي رواه مسلم عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عاشوراء وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ”. قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

فصارت هذه سُنَّة نبوية مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يَعِشْ حتى يفعلها؛ لكنه كان ينوي فعلها، وكان الهدف منها مخالفة اليهود والنصارى، وإظهار الهويَّة الإسلامية، وهو في النهاية يومُ صيامٍ في سبيل الله، وأجره كبير عظيم؛ فقد روى مسلم عَنْ أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: “مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ، بَاعَدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا”.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّ للمسلمين أن يتذكَّروا دومًا نهاية الظالمين؛ لأن هذا يبعث الأمل في النفوس، كما أنه يُذَكِّر الناس بقدرة ربِّ العالمين على المتكبِّرين؛ لذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيام اليوم العاشر من المحرم، وهو اليوم الذي أهلك اللهُ فيه عدوَّه فرعون؛ فقد روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عاشوراء، فَقَالَ: “مَا هَذَا؟”، قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى. قَالَ: “فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ”. فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.

وكان صيام هذا اليوم في بداية الأمر فريضة على المسلمين، ثم صار نافلة بعد فرض صيام رمضان؛ فقد روى البخاري عن معاوية بن أبي سفيان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أنَّه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: “هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يَكْتُبِ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، وَأَنَا صَائِمٌ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ”.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصًا على صيامه بشكل ملحوظ؛ فقد روى البخاري عَنِ ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: “مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلاَّ هَذَا اليَوْمَ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ”.
وعظَّم جدًّا من أجر صيامه؛ ففي رواية مسلم عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قال: قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: “… وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ”. فهذا يوم واحد يمسح الله به ذنوب سنة! فلا يتركنَّه أحدنا.

. سُنَّة صيام التاسع والعاشر من المحرم