رواية (ماتحت الأرض)(الفصلين الأول والثاني)

مجتمع رجيم / النقاش العام
كتبت : جذور
-
بعيدا عن أنظار الجميع،وتحديدا في صحراء(سيناء)

بمصر،وجدت عائلة مختلفة ليست كباقي العائلات،و

لا تعيش حتى في البيوت كباقي الناس،بل تحت

الأرض بعمق ٢٠٠ كيلو متر ،ومن أعجب مافي الأمر

أنه كان يوجد بقربهم جدولا صغيرا للماء،حيث كانت

عندما تهطل الأمطار،تمتص الأرض مياه الأمطار

فتتجمع في باطن الأرض لربما يسمونها!(المياه

الجوفية)،وأما بالنسبة لطعامهم فكانوا يخرجون في

ساعات الصباح الأولى ليصطادوا،الضباء وغيرها

ويقومون بشويها وأكلها،وهكذا هم يعيشون حياتهم

وجميع أفراد القبيلة لا يجيدون القراءة ولا الكتابة

واعتزلوا العالم المعاصر والمتقدم تكنولوجيا،ليعيشوا

حياة بدائية جدا جدا،والسبب في هذا أنهم أتوا لهذه

الحياة وقد كان أجدادهم يعيشون بهذه الطريقة ،و

أيضا قد رزقهم الله عز وجل بمجوهرات نفيسة،حيث

أنه في يوم من الأيام،كان هناك شخص ما منهم

يبحث عن المياه اللي تحت الأرض عندهم،وعندما

وجد القليل من المياه،لمح بالقرب منها شيء زاهي

الألوان،شديد البريق واللمعان،كان قد جذبه إليه

بشدة وعندما اقترب عندها،وجدها مجوهرات شديدة

الجمال،والأعجب من كل هذا بأنها كانت بأعداد كبيرة

جدا،ولشدة تعجبه قال:أرى بأن الرزق قد أصبح رزقين!

المياه وهذه المجوهرات.

قام بجمعها وملأ منها جيوبه،وركض مسرعا نحو

أفراد قبيلته ليساعدوه في جمعها،وفعلا قد ذهب وعاد

بعدد من الرجال قاموا بجمعها كلها،حتى شعروا بأنها

لن تنفذ،واستفادوا منها كثيرا،حيث أنهم زينوا

بها أثاث منزلهم المتواضع المصنوع من الخشب

والحجر،وبعض النساء حاولن أيضا التزين بها،فكانت

تلك المجوهرات تكفيهم،بل تكفي سكان مدينة كاملة

حيث أنهم أصبحوا يرونها في كل مكان تتلألأ تحت

الأرض،ولأنهم لم يختلطوا بالعالم الحديث،لم يفكروا

في عقد صفقات تجارية مع العالم الذي يعتبر عالما

خارجيا،وكان هناك رجلا رحالة،يحب السفر،والتجوال

والترحال،وبينما كان يمشي في وسط الصحراء

بحثا عما يطفئ غضب العطش،لمح أحدا منهم قد

دخل تحت الأرض عبر حفرة كبيرة جدا،كانت حوافها

مزينة بتلك المجوهرات،دفع الفضول الشديد ذاك

الرجل إلى دخول تلك الحفرة واتباع ذلك الرجل،وفعلا

دون أي تفكير منه قام باتباعه،وظل خلفه حتى تعجب،

من كثرة المجوهرات المنثورة هنا وهناك ،بدء من تلك

الحفرة العميقة وإلى مكان ماهو يقف فيه،تغلغل الطمع

في نفس ذلك الرجل،وبدأت أحلام الثراء تداعب محياه

حتى ارتسمت على وجهه ابتسامة خبيثة،تبين من

خلال تلك الابتسامة مايبغيه ويرجوه،وبما شجعته

عليه نفسه.

هذا الخبيث يدعى (سمير)وهو محب جدا للسفر

والترحال في كل زمان ومكان،وأما حبه للمال “حدث

ولا حرج”،فأراد أن يسرق المجوهرات من أصحابها

ويشق بها طريقه للثراء،ولكي يفعل ذلك لابد من أن

يستعين بصديقه (وسيم)فهو صاحب مصانع ضخمة

ولديه أيضا العديد والعديد من محال المجوهرات،إذا!

ستكون صفقة ربحية ضخمة،وفرصة بكل تأكيد لن

يفوتها،ولكن هذه الفكرة تحتاج إلى التأجيل،لأنه

الآن يوجد ماهو أولى ،يريد أن يروي ظمأه،ولأجل ذلك

يجب أن يذهب إلى ساكني هذه الحفرة الضخمة،و

يطلب منهم ولو شربة من الماء ليبقى على قيد

الحياة ،وإلا سوف يموت و تطير روحه وتطير معها

أحلامه،فاقتحم عليهم هدوءهم وهو يصرخ:الماء!،الماء!

سوف أموت،أرجوكم ساعدوني سأموت من شدة

العطش.

وفعلا لم يترددوا ولو للحظة لمساعدته،وقد ساعدوه

من فورهم،حتى شرب من الماء،فتعجب من عذوبة

الماء،ففكر في الاستفادة من الماء وليس من

المجوهرات فقط،وبينما هذه الأفكار تجول في عقله

وخاطره،فكر في أن يقوم بجولة في ممتلكاتهم

فتعجب من طريقة بناءهم لأشياء بسيطة وكيف هي

مرصعة بالجواهر،فزادتها جمالا وجلالا،فأراد أن يعرف

عنهم أكثر،حتى يرى إن كان بإمكانه خداعهم بسهولة

أم لا،فحاول أن يتجاذب معهم أطراف الحديث،فلمس

فيهم الطيبة الزائدة،والجهل الذي أعتم على حياتهم

لدرجة أنهم ،لم يكن لهم حديث معه سوى في الأكل،

والشرب،ومهامهم اليومية،حينها أدرك أنه يستطيع

استغلالهم جميعهم،لأجل نهب كل مايملكوه،وبالتالي

قتلهم الواحد تلو الآخر،وبالتالي لن يعلم أحد ماذا جرى

لهم ،لأنهم في الأساس مخفيين عن أنظار الجميع،ولا

أحد يعلم بوجودهم أصلا.

قام سمير بتوديعهم،وابتسامته الخبيثة تشق وجهه،و

بينه وبين نفسه يقول لهم:الوداع يا أغبياء.

عاد إلى القاهرة من فوره،في حين أنه كان ينوي متابعة

أسفاره ورحلاته،وقبل العودة بكل تأكيد اتصل بصديقه

وسيم وطلب منه أن يقابله،وفور وصوله إلى القاهرة

في تمام الساعة ٦:٣٠صباحا نام واستراح،والتقيا

ببعضهما في تمام الساعة٨:٠٠مساء،رحبا ببعضهما

البعض أيما ترحيب،وسرا كثيرا بتجدد اللقاء،أخبر

سمير وسيم بما رآه من جنة المجوهرات لدى

سكان تلك الحفرة الكبيرة تحت الأرض،وأخبره بأنه

إذا تم مصادرة كل مايملكونه فإنهما سيصبحان ثريين

جدا،وبإمكانه أن يوسع محال المجوهرات،فيجعل لها

عدة فروع في أنحاء مصر،فينافس بذلك كل الأثرياء

بدأ الطمع يكبر ويكبر بداخلهما،وطار في الفضاء الوسيع

بأنهما كيف سيلعبان بأموالهم،ويمرحان،ويعيشان

حياتهما،ففكر وسيم في خطة خبيثة لم يسبقه إليها

حتى إبليس نفسه،حيث قال لسمير:لدي صديق هو

صيدلاني،ويجيد صنع الأدوية بكل مهارة،فإلى جانب

أنه يبيعها،فهو يجيد صناعتها بشكل عجيب،بحيث

عندما يتناولها المريض يشعر بأن الدواء قد أعطى

نتيجة إيجابية سريعة المفعول،وبأنه تماثل للشفاء

بسرعة البرق،ولكن هذه المرة سنجعله يصنع لنا أدوية

ليست لشفاء المريض،بل لجعل الصحيح يمرض،و

إلى جانب ذلك يكون المرض معد،يتنقل بينهم

كالجرثومة التي تتنقل في جسد الإنسان،وهو شخص

أشد طمعا منا،وهو على استعداد لفعل كل شيء حتى

وإن كان يضر بالإنسانية مقابل المال،سنذهب إليه

ونقابله غدا بإذن الله تعالى في تمام الساعة ١٠:٠٠

مساء،وبعدما يصنع لنا الدواء ونشتريه،سنجعلهم

يتناولون الدواء على أساس أنهم سيصبحون بصحة

أفضل وأقوى،وهكذا يموتون جميعا دون أن نقترب

منهم.

وفعلا تم اللقاء مع ذاك المجرم الذي كان يدعى

(رماح) ،وهو لم يكن أقل إجراما

منهما الاثنين،فقط طلب خمسة ألف دولار مقابل كل

حبة وعلبة قاتلة،كاد أن يطير عقلهما بسبب المبلغ

المبالغ فيه

فحاولا أن يخفضا سعر الحبة التي سيصنعها ،ولكنه

رفض وبشدة،فاضطرا للموافقة وبدأ الصيدلي عمله.

كانت له في منزلة غرفة زجاجية ضخمة،يقوم فيها

بزرع الأعشاب السامة المختلفة،وكما كان يزرع التبغ،و

البانقو،وغيرها ليبيعها ويستفيد من هذه الاعشاب

الضارة،ولم يكن يعرف أحد عن كل هذا ،لأن منزله

وهذه الغرفة الزجاجية بعيدة كل البعد عن المدينة،وفي

وسط الجبال،فمن كان يريد أن يقابل رماح لأجل

شراء الأعشاب الضارة أو شراء أدوية يصنعها هو

وجب عليه حجز موعد مسبق مع سكرتيره في

شركته الكبرى بالمدينة،ولا أحد يقوم بالطلب إلا

الأثرياء من تجار المخدرات وغيرهم،فبدأ عمله

وقام بدمج الفطر الأسود السام،مع بقايا فضلات

الحشرات كالذباب،وقام بوضع الأمونيا،والكلور،والكثير

من الأشياء الأخرى الضارة،فصنع منها حبات كالمضاد

الحيوي،وأخرى كريمات ادعى بأنها كريمات عشبية

برائحة النعناع لتزيل رائحة الأشياء القذرة التي خلطها

فيها، وأيضا بودرة مثيرة للحكة ، وقد استغرق في

صناعتها شهرين فقط.

بعدها اتفقا سمير ووسيم على الذهاب إليهما،وبكل

تأكيد سيعرفهم سمير على صديقه وسيم،وقاما بأخذ

بعض السموم المصنوعة على شكل بودرة والتي

قام بصناعتها صديقهم رماح،ليقوم أحدهما برشها في

المياه العذبة،وتكون بداية الخطة لتخلص منهم.

وصلا إليهم،استقبلوهما أيما استقبال،وسروا كثيرا

لعودة سمير الذي لم يتوقع أحد منهم عودته،وبينما

جالسون يتبادلون أطراف الحديث،غمز وسيم لسمير

وكان المقصد من الغمزة :هيا قم بعملك .

استأذنهم سمير للحظة،وذهب إلى مياههم العذبة وهو

على حذر،يتلفت يمنة ويسرى لكي لا يراه أحد،وأخرج

من جيبه الكيس الذي يحوي على السموم بشكل بودرة

فقام برشها في المياه العذبة،وتوقف لوهلة وتذكر بأنه

يحتاج حتى للمياه في صفقته التجارية،ولكنه سرعان

ماتنازل وقال :تلك المجوهرات تكفيني لأكون ثريا.

فقام برش البودرة المسببة للحكة في أنحاء المياه

العذبة و،

عاد إليهم وجلس ليكمل حديثه وكأن شيئا لم يكن.

قاموا من بعدها بتجهيز الطعام،وتناول الجميع الطعام

والذي كان يحتوي على الضباء المشوية،وأيضا الطيور

المشوية فقط،وبعد أن أكلوا وشبعوا بكل تأكيد شربوا

من المياه،وبعدها بربع ساعة فقط،حسوا بحكة شديدة

في جلودهم،لم تكن حكة عادية بل كانت ترسم شكل

الصدفة،شديدة السواد،شوهت لهم جلودهم،فكانوا

يستمرون في الحك ولا يتوقفون أبدا،فاستغلا

سمير ووسيم الموقف حالا،وعرضا عليهم شراء

المضادات الحيوية لتوقف هذا المرض،والدهانات التي

تمسح على الجلد لإزالة الحكة،وعلاج التشوهات التي

سببتها على الجلد،مقابل كل تلك المجوهرات،فطبعا

قاموا برفض العرض،فاشتدت عليهم الحكة،وشعروا

بأنها ستقتلهم،فقبلوا بالعرض رغما عنهم،وأعطوهما

كل المجوهرات وأخذوا المضادات الحيوية والدهانات

ولاذا الاثنين بالفرار،و قاما بتعبئة السيارة الكبيرة

التي أتيا بها بكل تلك المجوهرات،والتي لا يزال الكثير

منها تحت الأرض،فقررا الرحيل بما لديهم والعودة

في اليوم التالي لأخذ ماتبقى من المجوهرات،وأما

بالنسبة لسكان تلك الحفرة،فبمجرد ما قاموا ببلع

المضاد شعروا به وكأنه نارا تحرق أمعاءهم،فسببت

لهم آلاما حادة في المعدة،وعندما قاموا بمسح الدهان

على أجسادهم تسببت في زيادة الحكة،وانتشار تلك

الدمامل في كل مكان في الجسد واتساعها بشكل أكبر،

ووصل الحد بالوباء أنه أصبح يعادي كل صحيح لم

يشرب من الماء بمجرد ما أن يلامس الآخر،فانتشر

كالنار في الهشيم حتى أصبح يقتل العشرات منهم

الواحد تلو الآخر.

الفصل الثاني:

فر الاثنين وتركا سكان تلك الحفرة يصارعون الموت،و

لم يبق إلا شخصا واحدا فقط هو مابين الحياة والموت،

يحمل طفله الرضيع بين كلتا يديه،وهو يأن من شدة

الألم،كان المرض قد تمكن من الجميع إلا هو لأن

الله كان قد وهبه جسدا قويا،تمكن من مقاومة المرض

لفترة طويلة،وهو أيضا لم يعط الطفل من تلك الأدوية

أي لم يمسح على جسمه الصغير ذاك الدهان،وفي

أثناء ماشربوا من الماء المسموم لم يكن طفله الرضيع

قد شرب بعد،فكانت إرادة الله قبل كل شيء،أن لا

يصيب ذلك الطفل أي مرض كما أصاب غيره،وبينما

أبوه يكافح المرض،حاول الخروج من الحفرة لكي

ينقذ ابنه وبعدها لن يفرق معه الموت أو الحياة،فخرج

من الحفرة في الصحراء يمشي،وأشعة الشمس الحارقة

تزيده وجعا وألما،وكان بقميصه يحاول تغطية طفله

من حرارة الشمس المحرقة،وظل يمشي ويمشي وهو

يجر قدمه على الأرض جرا لشدة الارهاق والتعب،و

كان يدعوا الله عز وجل أن ينقذ طفله الرضيع ،وبعدها

لن يهمه أمر إن ظل حيا أو ميتا،وبينما هو كذلك ظهر

من بعيد رجالا من البادية على جمالهم راكبون،أخذ

يصرخ قائلا: أرجوكم ساعدوا طفلي!

أرجوكم ساعدوه!.

ولكن سرعان مااختفى صوته لأن المرض بدأ يغلبه،

فسقط على الأرض منهارا تماما،ولحسن الحظ كانوا

قد سمعوه وجاءوا إليه مسرعين،فأخذوا الطفل الرضيع

وحاولوا حمله ولكن كان الأوان قد فات،وكانت آخر

وصية أوصى به هي” أرجوكم اعتنوا بطفلي هذا،فهو

ابني الوحيد واسمه حمزة،لقد كنا عائلة كبيرة جدا

نسكن تحت الأرض إلى أن تم خداعنا وقتلنا جميعا

بواسطة مكيدة مدبرة من اثنين خبيثين،ولم ينجوا

أحد إلا إنا وصغيري هذا أرجوكم اعتنوا به”.

ولم تمض دقيقة إلا وقد فارق من بعدها الحياة.

مرت سنوات على الحادثة المأساوية لسكان تلك الحفرة

،وحينها كان قد كبر حمزة وأصبح رجلا في العشرين

من عمره،وبما أنه قد تربى في البادية أصبح شابا ،

باسلا،ناضر الشباب،وبأتم الصحة والعافية،فقد كانت

التربية في البادية أكبر سبب من أسباب أن يكون

بصحة ممتازة،وفي نفس الوقت وللأسف الشديد

لم يكن يجيد القراءة ولا الكتابة فحرم من حق

التعليم،ولكنه كان يسأل نفسه دائما أين أبواه

الحقيقيان ،لأنه يعلم بأن من ربوه منذ الصغر ليس

لهم به أي صلة قرابة تذكر،وقد تعمدوا أن يعلم بهذا

الشيء حتى عندما يكبر وتحين الفرصة لكي

يخبروه الحقيقة فيخبروه،وفعلا ذهب لمن ربياه

منذ الصغر،ولم يترددا في سرد الحكاية كاملة

بتفاصيلها عليه،وهو يستمع إليهم شعر بالحزن يعتصر

قلبه،وقرر أن لا يسكت عما حدث ويبدأ رحلته لكي

يثأر لهم،وفي الليل وبينما الناس نيام كان حمزة يفكر

في ما حدث ولم يستطع النوم أبدا،كيف لحدث مثل

هذا أن يحدث،العشرات يموتون هكذا ولا أحد يتحرك

لأخذ حقهم ممن قتلهم،وفي صباح اليوم التالي قرر

أن يحزم أمتعته ويبدأ رحلته ،رحلة البحث عن أولئك

المجرمين،والبحث عن ذلك المكان الذي تمت فيه

الجريمة،ترجياه اللذان قاما بتربيته بالبقاء،ولكنه أبى

إلا أن يرحل عنهم ليبدأ رحلته،فودعهم والحزن يعتصر

قلبه وفي نفس الوقت الأمل في اللقاء من جديد يسكن

أعماقه.

فقرر أن يبدأ بوجهته إلى القاهرة،حيث أول شيء يجب

عليه أن يحصل عليه هو أي عمل حتى يتمكن من

العيش،وهو يدرك تماما صعوبة هذا القرار وبالأخص

أنه لوحده ولا يعرف أحدا هناك،ولكنه بسط الأمر

فقرر أن ينام في الطرقات كلما تعب من البحث عن

وظيفة وسكن متواضع يؤمنه له أي شخص طيب،و

من ربياه لم يتمكنا من إعطائه سوى جملا يعينه

على قطع طريق الصحراء القاحلة وصولا إلى القاهرة،و

بعد ٥أيام من طول الطريق ،ومشقة السفر،وقلة النوم،

وصل حمزة إلى القاهرة،فوجدها مدينة جميلة وكبيرة

وفيها سكانها النشيطين،فوجد بالقرب منه مطعم صغير

ومن النظرة فقط،عرف أنه مكانا مخصصا للطعام

فقرر الدخول عسى ولعل يشفق عليه من في المطعم

فيجعلونه يعمل مقابل لقمة يأكلها،وما أن دخل وجلس

على الطاولة ،فسأله النادل: ماطلبك.

قال:أريد أن آكل أي شيء أنا جائع جدا،وأنا على

الاستعداد بأن أعمل مقابل الأكل.

قال له النادل:تعال معي إلى المدير.

طق طق!.

طرقا الباب ودخلا على المدير،كان قصير القامة،قاسي

الملامح،ومتسلط،وعندما رأى حمزة نظر إليه من

الأعلى إلى الأسفل،ومن الأسفل إلى الأعلى بكل احتقار

فقال: أيها النادل!

بدلا من أن تتابع عملك تدخل علي شخصا مثل هذا

وبكل جرأة!،مابك!،أتريد أن أعاقبك بالخصم من راتبك!.

قال النادل وهو يتلعثم في الكلام من شدة الخوف:

لا والله لم أهمل عملي،ولم أتجرأ عليك،ولكنه طلب مني

إذا توفر لدينا أي عمل له ندعه يعمل،فأحببت أن

أساعده فأحضرته إلى هنا.

فقال المدير:حسنا!.

أتركه هنا وانقلع لمتابعة عملك.

قام المدير من مكانه وهو يدور حول حمزة ناظرا إليه

باشمئزاز،فسأله:ما العمل الذي تجيده؟.

قال حمزة:أي شيء يمكنني فعله إلا الطبخ،فيمكنني

أن أغسل الصحون،وأنظف أي شيء.

قال المدير:إذا ستكون مع عاملي النظافة هنا،تكنس

وتمسح،وما إلى ذلك.

وافق حمزة ورافق المدير،وطلب من المدير أن يجد له

مكانا لينام فيه على الأقل حتى وإن كان قريبا من

حاوية القمامة،وافق المدير مستغلا هذه الفرصة

واشترط عليه قائلا:بشرط أن تحرس لنا المطعم

من أي دخيل،ومن دون أي مقابل.

وافق حمزة المسكين،ورافق المدير ليتعرف أكثر

على طريقة العمل،وأيضا المكان الذي سينام فيه،

فوجد بأن هذا المكان كحاوية القمامة فعلا،فقد وجد

فيها الأشياء القديمة التي كان يستخدمها المطعم

وتخلى عنها،ووضع له المدير فيها فراش مهترئ جدا

كما أن المكان لا يخلو من الحشرات،والفئران،بسبب

قذارته،فتقبل حمزة كل هذا رغما عنه.

وفي اليوم التالي بدأ حمزة أول ساعات من عمله،وكان

مرتاحا نفسيا لأنه أخيرا سوف يكسب الرزق الحلال من

عرق جبينه،ومثله مثل غيره من المبتدئين في العمل لا

يعلم شيئا ومع الوقت سيتعلم،وفي كل مرة يقوم فيها

بالتنظيف كان يسمع الكلام الجارح والقاسي،كان

يتحمل كل شيء من أجل لقمة عيش كريمة،وفي أيام

العطلة وتحديدا في يوم الخميس،كان المطعم

مزدحماجدا بالزبائن،وضغط العمل كبير رغم أن المطعم

صغير وليس بشهير،وبينما هو في كل مرة ينظف

المكان بعد خروج الزبائن ودخول آخرين،جاء رجل

يحكي التشوه الذي بدا على وجهه وجسده آلام السنين

وأنه مر بمرحلة ما من حياته ،جعلته ماهو عليه الآن،

وفوق ذلك كله،كان متكبرا سليط اللسان،نظر إلى حمزة

بدونوية وقال:تحرك وأحضر لي طعاما،أسرع إن الوقت

ضيق جدا.

رد حمزة وهو يبتسم ابتسامة المجاملين الغاضبين:و

لكن،أنا مجرد عامل نظافة هنا فقط لا غير،ولكن

سأنادي النادل ليرى ماطلبك.

فتح الزبون عينيه حتى جحظتا،وقام من مكانه متعجبا

وغاضبا،قال :ماخطبك يافتى؟!.

أنا قلت أنت لم أقل غيرك،فالتذهب أنت وتحضر لي

طلبي،وإلا سوف أجعلك تعلم من هو سمير،هيا تحرك.

جاء هذا الرد المستفز كالرعد على مسامع حمزة،وأبت

نفسه العزيزة أن تقوم بخدمة هذا الرجل المتكبر،وكاد

أن يدخل معه في عراك لولا حضور المدير شخصيا،و

من دون أي مقدمات قام بدفع حمزة قائلا:أتعلم من هذا

الذي تتحدث معه،إنه سمير صاحب أكبر شركات في

العالم،وصاحب أكبر محال للمجوهرات في العالم

(مجوهرات سمير)،ومع هذا هو لا يأكل إلا في مطعمنا

المتواضع رغم ثرائه ورغم وجود الكثير من المطاعم

الراقية،والآن تحرك وقدم له طلبه.

قال حمزة:ولكن!

أنسيت بأني عامل نظافة ولست بنادل؟!.

قام المدير بصفع حمزة بقوة حتى من شدة قوتها سقط

على الأرض،فضحك سمير وضحك مدير المطعم،بينما

تقطع قلب حمزة من الغيظ حتى وصل إلى درجة

البث،فاضطر إلى إن يقوم ويقدم الطعام للزبون سمير

دونما أي نقاش.

فقال والغيظ يشتعل نارا بداخله:حسنا!

هو لم يطلب فما طلبه؟

قال سمير:أريد بيتزا حارة ومليئة بالجبنة،مع الببسي

البارد.

قال حمزة:هذا فقط.

قال سمير بسخرية:هذا الإنسان كثير الأسئلة.

تحرك حمزة من فوره ليحضر الطلب ولكي لا يتعرض

لكلام آخر جارح وأسلوب مستفز،فتوجه نحو المطبخ

وفي خلال لحظات جاء بالطلب،وكان المدير لا يزال

يتحدث معه،وفي تلك اللحظة سقط على مسمعه كلمة

مجوهرات،وأيضا حديث دار حول سكان مجهولين

وجدوا جميعا مقتولين غدرا في حفرة عميقة كانوا

يسكنوها،فتجمد حينها حمزة في مكانه،ونظر بكل

غضب إلى سمير،لأنه شعر بأن سمير له علاقة فيما

حدث بالماضي،فلاحظ سمير تلك النظرات الغاضبة،

والتي ظن بأنها بسبب أنه صرخ عليه لأجل خدمته،

فقال بكل سخرية وابتسامة خبيثة:أظن بأن البعض

هنا لم يعجبهم كلامي وماشابه ذلك!.

فكاد أن يرد عليه بقوة ولكنه تمالك نفسه في اللحظة

الأخيرة،وقال له المدير غاضبا:أظن بأنك أطلت الوقوف

هنا يا حمزة،انقلع من هنا!.

ذهب حمزة ولكن إلى غرفته الصغيرة ،وأغلق الباب على

نفسه لأنه شعر بالاختناق ،وظل يبكي ويبكي من دون

توقف بسبب تلك الحادثة المأساوية التي حلت بعائلته

الكبيرة،بالرغم من أنه لم يشاهدها وقد كان طفلا

رضيعا،وبعد أن انتهى من بكائه فكر في سمير كثيرا

وابتسم بعد ذلك البكاء،لأنه قد أمسك بطرف الخيط

كيف لا؟!،فهو في نفسه يقول :ربما هو الدليل الأول و

الأخير ليعرف كل ما حدث أكثر وينتقم لأهله الذين لم

يراهم من قبل،ولكن يجب عليه في الأول أن يجد

عذرا ليتملص من العمل ويتبع سمير قبل أن يغادر،

ليبدأ بجمع المعلومات عنه،وظل يفكر ويفكر في عذر

ما وسمير على وشك أن يغادر المطعم خصوصا بأنه

قد أنهى حديثه مع المدير،وبعد تفكير طويل فكر في

العذر وقال للمدير:بأن هناك أحد الأصدقاء تعرض

لحادث ،وحالة هذا الصديق حرجة جدا،وأنه يجب

عليه زيارته لأنخ قلق جدا.

وتحت الضغط والاصرار من قبل حمزة على

المدير،وافق المدير واشترط عليه أن لا يتأخر أكثر من

ساعتين،وفي الوقت المناسب كان قد غادر سمير

فاتبعه حمزة دون أن يلاحظه أحد ولا حتى سمير

نفسه،وقد كان سمير يقود سيارته الدودج الفاخرة

التي تتحدث عن ثرائه الفاحش،بينما حمزة ركب

التاكسي ليتبع سمير،حتى وصلوا في منتصف القاهرة

ودخل إلى محل كبير جدا،فنزل سمير من سيارته و

دخل إلى هذا المحل،فنزل أيضا حمزة يتبعه ونظر من

خلال زجاج المحل،فوجد المجوهرات زاهية الألوان

براقة المنظر،تعمي ببريقها وجمالها عين من يطيل النظر

إليها،فظل حمزة ينظر متأملا ومنبهرا ناسيا ماجاء

لأجله،فكر بأن يدخل إلى المحل ويسأل البائع في

المحل ليجمع بعض المعلومات،ولكن كيف السبيل

وسمير بالداخل فربما يلمحه؟!

فقرر قرارا صعبا وهو أن ينتظر إلى أن يخرج سمير،و

هو يتوقع بأنه لن يطيل البقاء،وفعلا ماهي إلا دقائق

معدودة فيخرج سمير،ويركب سيارته الفارهة ويغادر

من فوره،ليسرع من بعده حمزة إلى البائع،وأول سؤاله:

مرحبا ياصديقي!

إن هذا المحل كبير وجميل،ملك من هذا المحل؟.

رد البائع قائلا:إنه ملك ذلك الرجل الذي خرج منذ قليل.

صدم حمزة أكثر ،وحامت غمامة سوداء من الحزن

حول قلبه،وفي نفس الوقت كان قد فرح فرحا شديدا

لأنه بدأت الأمور تتضح له.

تابع أسألته قائلا:آه!

أخبرني من سمير هذا؟ومن أين له كل هذه

المجوهرات؟

قال البائع:يا أخي!

على مايبدو لي بأنك كثير الأسئلة،وأنا لا أعلم الكثير

عن هذا الرجل،فأنا هنا لأجل العمل لا لأجل أن أفصح

عن حياته الخاصة،ولكن سأخبرك بالقليل الذي أعلمه

لأشبع فضولك قليلا،هو يملك هذا المحل وله فروع

أخرى في مدن شتى:كالاسكندرية،والجيزة،ودمياط و

ووو…إلخ.

وكان هو وصديق له يدعى وسيم شريكان مع بعضهما

البعض في هذه المحلات،وقيل بأن سمير اغتال

صديقه وسيم ليحتفظ بكل هذه الثروة لنفسه،وقد

كان صديقه وسيم يريد هو الآخر قتله ،حيث أرسل

له من يرش البنزين على أرجاء منزله ويحرقه له حرقا،

فخرج سمير من ذلك الحريق الضخم حيا مشوها،و

باقي أهله كانوا قد ماتوا جميعا،فكبر الحقد في نفس

سمير وكبر الطمع،فرد الصاع صاعين لوسيم وقتله

فقط هذا كل ما أعرفه أخي،آه صحيح تذكرت!

وقد كان لوسيم أخ يدعى (قاسم) وهو أخاه الوحيد

وهو الآن في النمسا،ولا أدري إذا كان قد سمع بما

حل بأخاه أم لا!.

شكر حمزة الرجل،وتذكر بأنه قد تأخر كثيرا عن عمله،و

ركض مسرعا يحاول اللحاق بالعمل حتى لا يغضب

المدير،وما إن وصل كان المدير ولسوء الحظ بجانب

الباب،يتابع العمال لديه ماذا يصنعون؟

حاول حمزة أن يدخل خفية،ولكن سرعان مااصطاده

المدير،وبدأ ينهال عليه بالكلام القاسي،واللوم،والعتاب

على تقصيره،وكل هذا بسبب تأخره عن العمل،ولكن

سرعان ما اعتذر له حمزة،وحاول أن يراضيه،حتى

أطفأ نيران الغضب المشتعلة فيه،وعاد لعمله وهو

مرتاح قليلا،ولكن سرعان ماعادت الأصوات بالضجيج

في عقله،وبأنه نوعا ما قد وصل للمجرم الذي أجرم

في حق عائلته،ولكن هذا ما إلا محظى شك،وفجأة

لمعت في عقلة فكرة جهنمية ،وهي محاولة التقرب

من سمير،كيف ذلك؟

بكل بساطة فكر بأن يذهب ويترجاه للعمل لديه،شاكيا

سوء الأحوال وبكل تأكيد الشكوى لله،ولكن هكذا هو

المخطط الذي خطط له حمزة،حيث كلما كان أقرب

كلما تعمق في معرفة الحقيقة. رواية (ماتحت الأرض)(الفصلين الأول والثاني)