مـراثي النسـاء فـي شعر عصري ما قبل الإسـلام وصدر الإسـلام دراســـة موازنــــة كتب *محمد عباس عرابي*

مجتمع رجيم / التربية و التعليم
كتبت : جذور
-
مـراثي النسـاء فـي شعر عصري ما قبل الإسـلام وصدر الإسـلام دراســـة موازنــــة
كتب محمد عباس عرابي ? بتاريخ 0

العدد 85 مجلة الأدب اللإسلامي
6/11/2018 17:03 ? الإسـلام الإسـلام دراســـة موازنــــة comments.pngتعليقات (0) ? الإسـلام الإسـلام دراســـة موازنــــة print.png طباعة الإسـلام الإسـلام دراســـة موازنــــة send.png أرسل لصديق
الإسـلام الإسـلام دراســـة موازنــــة 579_335_473_90.jpg

الحمد لله رَبِّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف الخلق والمرسلين، وعلى آل بيتهِ الطيبين الطاهرين، وَصَحبهِ الغُرِّ المُحَجَّلِين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:

فمـراثي النسـاء فـي شعر عصري ما قبل الإسـلام وصدر الإسـلام (دراســـة موازنــــة) رسالة تقدم بها الطالب قاســم محمـــد عبــد إلى مجلس كلية الآداب في الجامعة الإسلامية بغداد وهي جزء من متطلبات نيل درجة الماجستير في آداب اللغة العربية تخصص (أدب إسلامي) بإشراف أ.م.د. إيمـان كمـال المهـــداوي 1430هـ/2009م.

وفيها بين أن الحبيب عندما يفقد حبيبهُ يسكُبُ من الدُّموع أغزرها، ومن العبرات أشجاها، ومن الهموم أشدَّها خطباً، وأعمقها حَسرةً وتَفَجُّعَاً. فكيفَ به وهو قادرٌ على نظم إحساساته أبياتاً شعرية؟ ستكون أشعارُهُ بلاشك أشدَّ وقعاً على المتلقين من نزع النبال لاسيما وإنّ الشعر في عموميات تعريفهِ إدراك عاطفيٌ للحقيقة.

من هنا جاءت رغبة الباحث في دراسة مراثي النساء في شعر عصري ما قبل الإسلام و صدر الإسلام؛ ذلك لأنَّ الرثاء أصدق فنون الشعر العربي قاطبةً؛ فهو خطابٌ لحبيبٍ قد فارق الحياة.

وقد سُئل أعرابيُ يوماً: ما أجود الشعر عندكم؟ قال: ما رثينا بهِ آباءنا، وأولادنا؛ وذلك إنّا نقولها، وأكبادنا تحترق([1]).

وإذاً وَقْفَتُنَا عندَ مراثي النِّساءِ، إِنّمَا وَقْفةٌ عندَ فَيضٍ مِنَ المشاعرِ والعواطف الصادقة؛ فقصيدةُ الرثاء في أسلوبيةِ بنائِها تحملُ ذلكَ الفيض المعبِّرُ عنِ التجربةِ الشعورية؛ فهي قصيدة الرثاء تُرسِّخ بأنماطها وسياقاتِها التعبيرية واقعَاً فنِّيَاً يرسمُ ملامح الواقع الاجتماعي/ الثقافي؛ فهي والحالُ هذه أكثر النصوص الشعرية على قلة عدد مقاطعها وأبياتها تعبيراً عن الماضي والحاضر وتطلّعاً إلى المستقبل.

وقد سبقت دراسة دراسات جامعية عدّة درست الرثاء عند المرأة من أهمها رسالة الدكتور شاكر السعدي الموسومة بـ(شعر المرأة في القرن الأول الهجري، أغراضه، ومميزاته الفنية)، وهي رسالة (ماجستير) مطبوعة في كتاب تناول فيها الدكتور أغراض المرأة ومن ضمنها الرثاء، وكذلك من الدراسات المهمة أيضا دراسة الباحث (يوسف زيدان ناصر) الموسومة بـ(الرثاء في شعر المرأة إلى نهاية عصر صدر الإسلام)، لكن وقفتنا عند مراثي النساء في العصرين عصر ما قبل الإسلام وعصر صدر الإسلام مختلفة في منهجيتها عن تلك الدراسات، وإن التقت معها في نواحٍ منهجية فنية ثابتة؛ فدراستنا تهدف إلى تشكيل موازنة نقدية لإسلوبية تلك المراثي؛ إذ تتشكل تلك الموازنة بحسب رؤيتنا في ثلاثة مستويات؛ انطلاقاً من بيئة الراثية، ومجتمعها؛ وأثرها في بناء شخصيتها وثقافتها؛ وانعكاس ذلك كلّهُ على فنية نصها الشعري ودلالاتهِ المعبرة مع الوقوف عند قدرة الراثية من خلال نصوصها الشعرية على نقل تجربتها الخاصّة، وفتح افقها، لتكون تجارب مطروحة ذات مضمون اجتماعي عام.

ولا يمكن تحقيق ذلك إلا عن طريق بيان لغة الراثية، وأسلوبها الفني الذي يُعد الوعاء الثقافي الذي يضُمْ حقائق أفكارها، وشدّة عاطفتها.

فالموازنة التي نقصدها تُعْنَى بِمَسْكِ أَوْجُه التشابه والاختلاف؛ إذ إنّ العقائد والبيئات أضفت ملامح جديدة جعلت المرثية الإسلامية مختلفةً عن المرثية الجاهلية في مضامينها الدينية/ الثقافية مع الحفاظ على الإطار الشكلي للمرثية.

ومن هنا تظهر لنا الموازنة ضرورة فنيّة يجبُ الوقوف عندها؛ لبيان المسار الفني الذي اتخذته الراثية في التعبير عن حزنها الدفين صياغةً وأسلوباً.

لقد جاءت الدراسة على وفق خطة علمية اعتمدت المنهج الوصفي التحليلي منهجاً رئيساً في بناء هيكلها، وعلى النحو الآتي:

التمهيد: وقد وقف الباحث فيه عند أمرين رئيسن أحدهما: الرثاء مصطلحاً وفناً والآخر اثر الرثاء في نفوس النساء.

الفصل الأول: وسمنا هذا الفصل بـ(مراثي النساء في شعر ما قبل الإسلام)، وقد قَدَّمْنّا لَهُ بتوطئة تحدثنا فيها عن أهمية الوقوف عند مراثي النساء في عصر ما قبل الإسلام بالإشارة إلى أهم الشواعر الراثيات، وأهم أيام العرب؛ فالرثاء في أصل فنيته بوصفه باباً من أبواب الشعر العربي يقوم على الحزن؛ تفجعاً للفراق الأبدي الذي يسببهُ الموت.

قُسم هذا الفصل على ثلاثة مباحث على النحو الآتي:

المبحث الأول: وسم بـ(الرثاء الأسري)، وقد تضمَّن ثلاثة مطالب هي: (رثاء الأبناء)، و (رثاء الآباء)، و (رثاء الأزواج).

المبحث الثاني: وسم بـ(مراثي الإخوة)، وقد تضمن مطلبين احدهما (مراثي الخنساء)، والآخر (مراثي شواعر أُخر).

المبحث الثالث: وُسمَ بـ(الرثاء القبلي)، وقد تضمن مطلبين أحدهما (مراثي القبيلة)، والآخر (التوثيب والتحميس).

ولابد لنا أن نُشير إلى أنّنا أفردنا (مراثي الإخوة)، على نحو مبحث منفصلٍ عن (الرثاء الأسري)؛ ذلك لأنَّ أكثر الشواعر الراثيات إنتاجاً شعرياً هي (الخنساء)، وأغلب نمطية نصوصها الشعرية تمثلت في رثاء أخويها (معاوية وصخر)، وهو الأمر الذي دفعنا للوقوف عند هذه الشاعرة وعند بعض الشواعر الراثيات وقفة منفصلة، فالخنساء على ما لها من مكانة شعرية لم تفرد في ضوء اطلاعنا لنصوصها دراسةً جامعيّة مختصةً تكتنف الملامح الأسلوبية الفنيّة لبنية نصها الشعري.

الفصل الثاني: وسم الباحث هذا الفصل بـ(مراثي النساء في شعر صدر الإسلام) مُقَسِّمينَ إيّاهُ على ثلاثة مباحث هي:

المبحث الأول: وسمَ بـ(الرثاء الأسري)، وقد تضمن أربعة مطالب هي: (رثاء الأبناء)، و(رثاء الآباء)، و(رثاء الإخوة)، و(رثاء الأزواج).

والمبحث الثاني: وسم بـ(الرثاء الديني والسياسي)، وقد تَضَمَّنَ مطلبين أحدهما: (مراثي الرسول (r))، والآخر (مراثي الخلفاء(t)).

المبحث الثالث: وسم بـ(رثاء شهداء المسلمين ورثاء قتلى المشركين)، وقد تَضَمَّنَ مَطلبين أحدهما (رثاء شهداء المسلمين)، والآخر (رثاء قتلى المشركين).

الفصل الثالث: وسمنا هذا الفصل (بالموازنة الفنيّة) وقد قسمناه على ثلاثة مباحث هي:

المبحث الأول: وسم بـ(البيئة والمجتمع)، وقد تَضَمَّنَ مطلبين احدهما (البيئة)، والآخر (المجتمع).

المبحث الثاني: وسم بـ(التجربة الشعرية)، وقد تَضَمَّنَ ثلاثة مطالب هي: (وحدة الموضوع)، و (صدق التجربة)، و(صدق العاطفة).

والمبحث الثالث وسم بـ(اللغة والأسلوب)، وقد تَضَمَّنَ مطلبين أحدهما: (اللغة والألفاظ)، والآخر (الأسلوب). وفي منتهى الدراسة وضع الباحث خاتمة تَضَمَّنَتْ أهمّ النتائج التي يَسَّرَ الله التوصل إليها.

الخاتمــة:

بعد هذا التطواف في مشاعر الحزن والأسى، وبعد سِبر أغوار المراثي الصَّادقة؛ كان لابُدَّ من تسجلَ أهم ما توصلت الدراسة إليه من نتائج بفضل الله تعالى، ولاسيما نتائج الموازنة الفنية، وعلى النحو الآتي:

1 إن التداعي الصّوري الذي تميزت به البنى التركيبية لنصوص المراثي الشعرية عند النساء ولاسيما في عصر ما قبل الإسلام؛ جاء نتيجة جودة وسبك في اعتماد الأساليب الفنية في تشكيل النص الشعري، وهو قائم على مبدأ تداخل المعاني للتعبير عن الوحدة الموضوعية للمرثية من جهة شخصية المرثي وشدة العاطفة والحق أنَّ سبب هذا التداعي راجع إلى بيئة الراثية الصحراوية فالصحراء كما لا يخفى على أحد ذات موسيقى متكررة النغمة إذ تبث في نفوس ساكنيها صوتاً واحداً متكرراً.

2 لقد تكررت صورة السيف في مراثي النساء في عصر ما قبل الإسلام، وهو أمر منطقي؛ ذلك لأن السيف لا يمثل سلاحا حسب بل له دلالة خاصة تضمنت رمزية رفعت من شانه حتى يومنا هذا ولعل تكرار صورة السيف لها صلة وثيقة بنفسية الراثية بوصفه جزء مهم من شخصية البطل الفقيد أخاً أو ابناً أو أباً أو زوجاً.

3 البيئة الصحراوية المفتوحة جعلت للراثية في عصر ما قبل الإسلام حرية تعبيرية خاصة ميزت أسلوب مرثيتها عن مراثي عصر صدر الإسلام فضلاً عن تمسك الأخيرة بتعاليم الدين الحنيف وقد تمثلت تلك الحرية في الإفادة من تشبيهات قد تبدو للوهلة الأولى مبتذلة لكنها نتيجة منطقية لتأثيرات البيئة على نسق تفكير الراثية وأسلوبية تقديم صورها والتعبير عن إحساساتها.

4 لقد صورت مراثي النساء عصر ما قبل الإسلام العادات والتقاليد التي تقوم بها النساء في المآتم من شقٍ للجيب وضرب للخد في حين رفض الإسلام هذه الأفعال، لأنّها أفعال أقرب ما تكون للجنون، وإهانة النفس، فقد أضفى الإسلام على الرثاء النسوي قيماً جمالية موافقة للعقل والفطرة السليمة ويعد هذا تطوراً فكرياً مهماً.

5 إنَّ الإسلام عقيدةً وسلوكاً أثر في نفوس الناس بشكل جذري فالتطور الحاصل في نفسية الراثية الجاهلية جعلها مطمئنةَ النفسِ؛ فلم تعد تفكر إلاَّ في الله "عزَّ وجل"؛ فلا تدعو غيره، ولا تشكو إلاّ إليه بعد أنْ كانت مصابة بنوع من الاضطراب النفسي زاد من حرقتها ولوعتها حتى وصلت بها الحالة إلى الشتم والسب والإرباك الفكري.

6 لقد اشتركت الراثيات في الأعم الأغلب وفي العصرين في اعتماد أسلوب المقايسة؛ للتعبير عن العاطفة الحزينة التي حرقّت أكبادهن لوعةً وجوى ولطالما كان ذلك الانفعال العميق يترجم على شكل صور شعرية متلاحقة تجسيداً للتجربة الشعورية الصادقة.

7 إنًّ الوحدة الموضوعية في مراثي الشواعر ناتجة من الوحدة النفسية التي تحس بها الشاعرة حال فقدها لأحد ذويها؛ لذا نجد توافقاً كبيراً بين مراثي العصرين في هذه الخاصية؛ إذ جاءت مراثي النساء في عصر صدر الإسلام على منوال المراثي في عصر ما قبل الإسلام إلا أننا نلحظ أنَّ المراثي في عصر صدر الإسلام قد اتجهت نحو وحدة الموضوع بشكل أكبر؛ استجابة لواقع الجديد الذي أختطه القرآن الكريم وهذا ما جسدته مراثي النساء للرسول (r).

8 إنَّ المراثي الشعرية في عصر صدر الإسلام لا ترقَ إلى درجة مراثي النساء في عصر ما قبل الإسلام في الكشف عن حقيقة تجربتها، وعمق تلك التجربة؛ وذلك راجع فيما يبدو إلى القدرة التعبيرية التي تميزت بها الراثية الجاهلية عن الراثية المسلمة بسبب تمسك الأخيرة بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف.

9 نلحظ أن أكثر مراثي النساء لأولادهن الصغار عبارة عن مقطوعة شعرية قصيرةُ الَّنفَسِ يتجلى فيها الحزن واضحاً؛ لقرب عهد الراثية بموت من ترثيه.

10 المتأمل في مراثي النساء في العصرين يلحظ أن التنوع العاطفي يكثر في مراثي النساء في عصر ما قبل الإسلام؛ فقد سخرت الشاعرة الجاهلية جميع الأغراض الشعرية لخدمة غرض الرثاء.

11 لقد حفلت مراثي النساء في العصرين بكثير من الألفاظ التي جاءت متوافقة وموضوع الرثاء؛ فالبكاء ؛ والدموع، والأرق، والموت، والمصيبة، والحزن ألفاظ عامة لا يمتاز بها عصر دون غيره علماً أنَّ لفظة (البكاء) ومشتقاتها تكاد تطغى على سائر المراثي النسائية في العصرين.

12 أن مراثي النساء في عصر صدر الإسلام تميزت بألفاظ سهلة واضحة لينة بعيدة عن الأغراب والتعقيد بعكس لغة مراثي النساء في عصر ما قبل الإسلام ويعود ذلك إلى تأخر لغة العصر صدر الإسلام بأسلوب القرآن الكريم.

13 انمازت مراثي عصر ما قبل الإسلام عن تلك في عصر صدر الإسلام في القدرة على أبراز المعاني والأفكار ذات الصلة بالموت والخسارة والفجيعة ووصف الأحزان بأسلوب تعبيري تمتعت به الشاعرة.

14 لقد أكسبت المضامين الجديدة المعانقة للمفاهيم الإسلامية مراثي النساء تطوراً كبيراً في الشكل والمضمون وعمق الوحدة بينهما؛فصارت صورة تعبيرية عن القصيدة الدعوية أي: انّها دخلت في ضمن إطار مفهوم الالتزام بالمبدأ.

15 لقد شهدت مراثي النساء لشهداء المسلمين حالة جديدة كانت قليلة جداً قبل الإسلام وتمثلت في الرثاء من دون صلة القربى بل قد يكون الذي يرثونه اليوم عدواً بالأمس فضلاً عن انتقال الرثاء عن المنظور الفردي إلى المنظور الجماعي.

([1]) المحاسنُ والمساوئ، تصنيف الشيخ إبراهيم بن محمد البيهقي: 346، دار صادر، بيروت، 1970م.