استفسار من زوجه

مجتمع رجيم / النقاش العام
كتبت : جذور
-
استفسار من زوجة

في احد المواقع الألكترونية المخصصة لأستقبال اسئلة الزوار واستفساراتهم سواءً كانت نفسية أو أجتماعية أو أسرية وزوجية لحل تلك المشكلات وتوجيه النصائح لـمن يسألون ويبحثون عن العلاج والخلاص على أيدي الخبراء والأساتذة في هذه التخصصات .

كانت قد وصلت الموقع رسالة استفسار من زوجة عن حالة زوجهــا الذي بدى ميؤوسً منه يعاني معضلةً مــا , وبدأت رسالتـها بعد التحية والســلام :
– (في الحقيقة لا أعرف كيف أشرحُ لكم مشكلة زوجــي .. فـ لقد تزوجنا قبل سنتين ولم أرى منه الا كل خـير .. فـ هو رجلٌ بسيطٌ على خُلق .. أغرقــني بالحب والحنان .. رجلٌ لا يُعــاب .. يقوم بكامل واجباته معي .. طيبٌ جداً لا يغضب .. هادئً ويتجنب المشاكل دائمــاً .. ممتع في أحاديثه والجلوس معه .. كان زوجاً أكثر مما حلمت به , لكن ما يُحزنُني أنني أشعر بأنه يتألــم بداخله جداً .. أشعر بأنه مهــزوزاً ومحطــم ومُحبط .. أشعر بأنه مهــمومً والغم يجثم على صدره .. أشعر أنه يعاني ويعـــاني بقسوة ,

فـ حينما أستيقظ من النوم منتصف الليل لا أجده بجانبي بل يذهب للجلوس في الغرفة المجاورة وحيداً ..يتكلم وحيداً ..يبكي وحيداً .. يصرخ على الا أحد وحيداً ..يُعاتب لا أحد .. يشتكي يبدو من أحد .. دائم البكاء والشكوى والألــم في تلك الغرفة المجاورة وحينما افاجئهُ بالدخول عليه يتصرف كما لو كان على طبيعته وكأن شيئاً لم يحدث ,

شارد الذهــن دائمـاً .. يفكر كثيراً .. خلف عينيه أرى أحزانً كثيرة .. يميل في أحاديثه عن الندمِ ولــوم الآخريـــن والأحساس بالذنب .. يتحدث وفي صوته حشرجةٌ حزينه .. في صوته نبرةٌ كأنهــا ألحانً من البكاء مدوية ,

لقد واجهته بذلك وعن سبب حزنه وحالته وتصرفاته الا أنه أخبرني بأنني أتــوهم الأمـــر وأبالغ به وبأنه لا يعاني من شيء , تساءلت في نفسي بأنه ربما حدث له شيئاً في طفولته , لذا سألت شقيقاته عن ذلك لكنهم أخبروني بأن طفولته كانت بسيطة جداً كما كل الأطفـــال وليس فيها شيئاً قاسياً يستحق الوقوف عليه , لكنهم أخبروني أنه مذ كان صغيراً وحينما يكون متألمــاً أو دخل في مشكلةً مــا في المدرسة أو الشارع أو تعرض لموقفً محــرج فـ هو لا يبوح لا أحد ويفضل السكوت ويميلُ إلى الجلوس وحيداً ويقسو على ذاته , وأخبروني كذلك بأنه بالفعل ربمــا يعاني من خطبــاً ما لكنه لا يقول مما يعاني كعادته .. هو فقط يبوح بها بينه وبين نفسه ,

أنا لا أدري في الحقيقة ..فـ أحيانــاً أحاول الا أهتم كثيراً بهذا الأمــر وأقول في نفسي ربما أنني أقوم بتهويل ما يحدث , ولكن حالته جداً مثيرة للشفقة .. والألــم ظاهراً عليه في عينيه وصوته وملامحه وتصرفاته ووحدته وأنا لا أستطيع النسيان أو التجاهل أو رؤيته هكذا , شئياً مؤلمً ما يعانيه .. شيئاً قاسياً .. حسرة أو ندم أو جرح أو حتى دمعة .. هناك خطباً مــا أشعر بذلك ..هناك وجع ..هناك عتب .. هناك ضياع بداخله.. هناك ظلم قد وقع عليه ..هناك شيئاً ما بداخله ويجب أن أجعله يتخلص منه لأنني أشعر بإنه سينهار يومــا ما ..سينهار ولن يستطيع التماسك أو الصمود أكثر .. سينهار قريبــاً لو لم أجد حلً له , فـ أرجو منكم أن تخبرونني ما الحل وما طريقة أخراجه من هذه الحالة , أفيدونــي ماذا أفعل ؟)

وبعد أسبوعين من استفسارها تم الأجابة عن سؤالــها بإنها ربمــا قد تكون بالغت في الأمــر كثيراً وأن زوجها بالفعل لا يُعاني من خطبــاً ما لأن هناك بعض الرجال يفضلون الجلوس لوحدهم أحيانـــاً ويتحدثون مع أنفسهم عن أمورهم اليومية بشكل عادي جداً وروتيني وهذا الأمـــر لا يُعد مرضاً أو حالة تستحق الخوف منها , ولكن للأطمئنان عليه يجب أن يذهب لطبيبً نفسي وأن يتحدث معه ويخبره بما يعانيه لو كان يعاني من خطباً مـــا وهذه المهمة شبه مستحيلة نظــراً لعناد الزوج في هذه النقطة وأنعزاليته وغموض حالتـــه .

لم تقتنع الزوجة كثيراً بكلام الخبراء الذين أجابوها بأن زوجها قد لا يعاني من شيء لأن ما تراه عكس ما يقولونه , وكذلك لم تنصحه بالذهاب لطبيبً نفسي لأنها تعرف رأيه مسبقاً بالأمــر لذا حاولت تجاهل حالة زوجها ومحاولة النسيان وعدم التركيز كثيراً في تصرفاته .

مرت ليالً عدة بعدها .. وذات منتصف ليــــل أستيقظت من نومهـــا ولم تجده بجانبهــا كما هي عادته .. فـ ذهبت إلى الغرفة المجاورة ورأت شيئــاً يجعلُ أصحاب القلوب المتحجرة يتعاطفون ..شيئاً لم تتمنى أن تراه في أقرب الناس إليها .. شيئاً لم تحلم برؤيته حتى في الكوابيس .. شيئاً مؤلمــاً أو موجعــاً ربمــا , إذ شاهدت زوجها جالساً على الأرض يضع رأسه بين ركبتيه منغمســاً في بكاءه وحسرته وعلى لسانه يردد بصوتاً خافت : لقد دمــروني تلك الليلة .. لقد قتلوني .. آذوني ..دمروني ..لقد دمــروني هناك !

وما أن تنبه لــزوجته حتى راح يحاول التصرف كما لو كان على طبيعته ويمسح دموعه من عينيه خشيةُ أن تفضحه .. لكي لا تراها زوجته ..لكي لا يكتشف أحدٌ ألمـــه ..لكي لا يكشتفون سرها , الا أن الزوجة التي صُدمت من كل الموقف وتأثرت بحالة زوجها الذي بدى كـ طفلً ضائعا وسط صحراء قاحلة يبحث عن أحداً ليحتمي به , فقالت له تسابقها دموعها :
– يجب أن تخبرني ما بك ؟ يجب أن تتحدث ؟ يجب أن تقول ؟ هناك خطأ , هناك خطبــاً مــا ؟ أخبرني ؟ أرجوك , أجعلني أعانــي معك ؟ لا تكــن وحدك من يعاني ؟ أخبرني لعلِ أستطيع التخفيف من ألمـــك ؟ فقط أخبرني , أرجوك ؟

الا أن الزوج وقف من جلوسه وهــم مغادراً المنزل دون أن يقول كلمة , فـ أستوقفته زوجته تناديه :
– توقف أرجوك , أنتظـــر , يجب أن ينتهي كل شيئاً الآن , يجب أن ينتهـــي كل هذا الألـــم !

أكمل الزوج خطواته التي بدت مثقلة كمن يحمل صخراً فوق صخــــر وظل صامتاً حتى وصل الباب ..وقبل خروجه توقف فجأةً كأن شيئــاً أوقفه مجبراً , لحظات على صمته وحالته ثم سألـهـا بعدما اغرورقت عيناه بالدموع وطغت على نبرته الحــزن :
– هل تعرفين لما لا أتحدث بالأمـــر ؟

الزوجة التي تشتت اشياءها بين تفاصيل زوجها :
– ولمـــا ؟

الــزوج الذي راح يطالع الأرض منكســـراً قال :
– لأنني أعلم لو أخبرتك بالأمــــر سأنهــار , أعلم بأن البنيان بداخلي سيتهدم .. أعلم بأن الذي أعانيه لا يُقال .. أعلم الألــم لا يُطاق .. أعلم الجرح لا يُحتمل .. أعلم الندم لن يُفيد .. أعلم الصراخ لن يُسمع .. أعلم لو أخبرتك فـ لن أعود ذلك الشخص الذي تعرفينه .. أعلم هناك اشياء الأفضلُ الا يعلم بها أحد.. أعلم هناك اشياء الأفضلُ أن تظل طي الكتمان .. أعلم بأنني وحيداً سأتحمل ذلك , لذا دفنت كل شيئاً بداخلي , لأنني أعلم وأعـلم وأعلـــم .. والله وحده يعلـــــم !

انسان بسيط استفسار من زوجه