طموحي ابتسامة / بقلمي : أيلول

مجتمع رجيم / النقاش العام
كتبت : جذور
-
” آمان ليس آمناً “

اليوم السابع بعد زفافي ..
أمي تتصل قرب الرابعة عصراً ..
– أيلول ..لقد اشتقت إليك كثيرا يا صغيرتي .
– ليس بمقدار شوقِ ..أفتقدكم بشدة .
– أخبريني يا ابنتي ..كيف هو حالك ؟هل هو حسن التصرف ؟!
سأكذب لأجعلها تطمئن .
– جيدة ..إنه لطيف نوعا ما ، ويعاملني باحترام أيضاً ..كما أنه مراعٍ لمشاعري ولحالتي النفسية .
– صدقاً ؟!!
– لماذا سأكذب إذن ؟ أنا بإيدي مطمئنة لا تقلقي .
– أود أن أعتذر عما بدر من جدك تلك الليلة
– أمي ؟! ..لا تقدمي اعتذرات بالنيابة عن أحد ..لقد ضحيت واكتمل الحال .

– كوني زوجة مطيعة إلى حين أن ينتهي الأمر، اتفقنا ؟؟
– اتفقنا .
– اعتني بنفسك .

أقفلت من جهة ومن جهة أخرى أراه متصنماً أمامي ..
– هل انتهيتِ من الكذب عليها ؟!
أسقطت نظري عنه ونظرت للهاتف بقهر وضيقة تحتل قلبي الصغير لأنني لم أستطيع إخبار أي أحد عما يحدث .
– أمان ؟!
– ماذا ؟! هل جرحتك بالصميم ؟!
– أود أن أخرج من هنا .. صدقاً أشعر بالاختناق .
– فكرة جيدة ..لنذهب إلى جزر اليونان .
– لست أمازحك ، حسناً !
– تودين الخروج أليس كذلك ؟ مختنقة !!
رفعت صوتي لأنني لا أطيق أحداً حينما أُقهر

– اخـــرج .
دفن يديه الكبيرة بين خصلات شعري ثم سحبها للأسفل بقوة ويده الأخرى أمسك بها ذقني وأخذ يرج ويهز بها …
– لا ترفعي صوتك أمامي ..وإن كررتها أقسم لك بأنكِ لن تستطعي أن تنطقي بحرف ..يمكنك أن تعتبري بأنني مجنوناً وأفعل ما يحلو لي .

“حنان ام شفقة ؟! “

أشعر فعلا بالاختناق ..حالتي النفسية تتدهور ..لم أستطع النوم
بكاء استقبلته ..وما زالت الرغبة به متاحة ، لم أضع في فمي شيئاً منذ يومين …خمول وكسل يسيطير على حركتي بالكامل ..ويبدو أيضاً أصابني الزكام ..زيارات متبادلة يتخللها غيبة ..نوم طويل وغفلات ظاهرة .
خرجت من تلك الحجرة متجهة للشرفة ..لعل وعسى أجد هواء أنظف ولربما استرخي قليلاً ..

استيقظت ..عيون ذابلة تقفل وتفتح قليلاً
على سرير أبيض ..حقنة قد زارت إحدى شريان جسدي ، حركة انعدمت وصداع مَر كسحابة ..
ممرضة بملامح أجنبية ..
– حمداً لله على سلامتك ؟
– عفواً ؟!

خرجت الممرضة واستطعت رؤية ملامح ذلك الشخص ..
– آمـان ؟!
– ولأحترق ..ماذا تريدين ؟!
– ماذا حصل ؟!
– لقد فقدتِ وعيك فحسب .
– إذن خرج الطفل الحنون من داخلك .
– لقد أشفقت على حالتك ليس أكثر .

” ذنب وتضحية لمن ؟! “
كيف كان الزفاف ؟!!
لقد أدركت أن زفافي سيكون مع ذلك الشخص قبل عشر دقائق ..
وبسبب من ؟! ..
وكيف حدث ذلك لا أملك أي معلومة ..
لقد حضرت ذلك الزفاف كمدعوة ..ولم أعلم بأنني العروس .
اضطريت وقدمت تضحية لأجل شرف وسمعة عائلتنا …
بل أجبرتني تلك الشجرة المنسدل منها بابنسياب كبار العائلة وأولهم ” جدي ” ..
لماذا أنا تحديداً ؟!!
كان بإمكانهم اختيار بنات العائلة الأكبر مني .. “زوي ، نورس ، بنان”
لماذا وقع الاختيار عليكِ يا أيلول؟!!
فما ذنبي أنا إن كانت عروسته السابقة قد تخلت عنه قبل زفافهما ،،،
كيف سأتحمل أن أعيش مع شخص قذر ومتوحش .!؟؟
وإن استطاع ضربي من أول مرة ..يستطيع أن يهشم عظامي بالمرة المقبلة ..
لطالما كنت متعلقة بعائلتي ..كيف سأنام الآن وأنا لا أشعر بالأمان ..
آثار الكدمات هل ستزول ؟!
وتلك الحقنة ..أيعقل أنني سأبقى مريضة وأنا بقربه هكذا !!
سامحك الله يا جدي ..

” أنت لا تستحق أن أكرهك حتى ” ..

أنا اتابع أحد البرامج التلفزيونية..بالرغم أنني لست أعشق هذا الجهاز الكئيب ،، فقط الملل أجبرني على هذا ..
أمامي وعاء من الفشار ..كوب زجاجي من كوكولا ..أثر لأكياس المقرمشات وحبوب الأدوية ترافق كل هذا ..
– أنتي ؟!
– انطق بأسمي رجاء لأستطيع التحدث معك ..
– أيلول !
– نعم ؟!!
– سنذهب لزيارة بيت العائلة ..
– أنت تطلب مني مرافقتك ؟!
– لست أطلب ..أنا أأمرك فقط بما عليكِ فعله .

لا يهمني إلى أين سأذهب ..ولا برفقة من ، الهدف المهم أن تتعدى قدماي بوابة ذلك المنزل لأطلق كل ما بداخلي من ألم .

وصلنا لذلك المنزل الضخم ..سيارات تصطف على طول الشارع ..وكما يبدو بأن الجميع هنا اليوم
فرحة هكذا قد طرقت بابها اليوم ..ولمعة أظهرتها بلا مغزى ..وضعت يدي لأفتح ذلك الباب وأنطلق
أمسك بيدي ..وكهرباء صاقعة سرت عبر جسدي
– أعطني هاتفك .
– لماذا ؟!!
– سأخذ صورة تذكارية معه ..ناوليني إياه .
– كيف تتجرأ على أن تسحبه مني.
– كلمة السر ..وبلا أسئلة .
كلمة السر ؟!…لم تصل الحروف إلى اللسان ، تلاشت بين قلب وعقل ووريد ..نبض غير منتظم
– لا يحق لك أن تتدخل بشيء يخصني .
سحبت الهاتف منه ..دمعة قد اخفقت في رؤيتي لإضاءة الهاتف
عبرت حاجز عن كلمة قد زرعتها بنفسي منذ الطفولة ..
– أسرع رجاءاً .
أظهر نافذة ” تم تخزين الرقم ” .
– أنت لا تستحق أن أحمل لك أي شعور ..حتى الكره خسارة بك .
– انتظري ..سأبدو وكأنني مفطور القلب .
– بل أنت كذلك .
ندماً يحتل هذه الأجواء ..وعلمت بأنني جرحته حينما بقي صامتا ينظر للأمام ، ينتظرني أن أترجل لكي يستيطع البكاء مع نفسه ..

” إلى حيث لا أعلم “

صدور من الحنان والرقة والجمال قد رحبت بي ” أمي ..زوجات أعمامي ..أخواتي ..بنات العم ..جدي “
أقسمت أن أسحق الملل بداخلي .
حديقة كبيرة تجمع شمل عائلتنا من جديد ..
رائحة الشواء تخلق روحاً مرحة ..لتعود ابتسامتي ، شمساً جميلة ترسل لنا القليل من الحب ، أزهار تعبق المكان بألوان زاهية
وقد اتضح لي أن أمي قامت بتحذير الفتيات عن سؤال ” كيف أصبحت حياتك الجديدة ؟ ” .
وحاول الجميع أن يتفادى قصة زواجي ..
ولكن صديقتي ..عشق حياتي ” ساندرا ” ، قد استطاعت تخطي حدود الألم لتسحبني جانباً …
التفت يدها حول عنقي على تلك الأرجوحة التي تهتز ببطئ ..
– كيف تشعرين أيلول ؟!
– شعوراً عادياُ للغاية ..ممل طوال الوقت وبكاء وض..
صمت للحظة وحركة لا إرداية جعلتني ألمس آثر الكدمة ..
– و ماذا ؟! أكملي ..

– وضربني بوسادته أثر مزحة فكاهية .
– أنتي تكذبين صحيح ؟!
– شجار بسيط..
دمعة قد خرجت بلا أي معنى وأنا أنظر إلى ذلك الخاتم الذهبي ، يلتف حول إصبعي وأشعر بحبل مشنقة يشتد على رقبتي ..لا زلت أكذب وأجعله بطلاً امام عائلته .
– أيلول ..أنتي لست مجبرة على إكمال هذا الطريق .
– كيف لا ؟ إنها أوامر من المحكمة العليا ” جدي” .
– يا لجدك يا فتاة ..اعذريني ولكنه قد أخرج عقلي عن السيطرة .

مسحت هذه الدموع وتقدمت لمساعدة الفتيات ..في حين أطلقت نورس ” أنتي عروس جديدة لا يجدر بكـ وضع يدك بشيء ” ..
هنا عم صمت ونظرات تتناقل بين أمي ..نورس ..زوجة عمي . ..وأنا ؟!

ساندرا ابتسمت وعانقتني من الخلف ..
– وأجمل عروس أيضاً ..لذا سنهرب أنا وأيلول وأكملي عملك أيتها النعجة ، اتفقنا ؟!

لم أتحرك سوى عشرة سنتميترات ..خطوة ونصف فقط ، صوت أخي ” ربيع ” و ” جدي ” وصوت قد اعتدت على سماعه ” آمـان ” ..أبي يجري سريعاً والعم الأصغر لقد وصل للتو للتخلص من نزاع خٌلق من العدم …ملامح الغضب تحتل ملامح جدي وعلامات استفهام تقفز أمامـي..حتى انسحب ” آمـان ” بغضب وخرج ..لا أعـلم ماذا الذي دفعني للجري خلفه ..
– إلى أين ؟!
– إلى الجحـيم …
لست خائفة عليه …بل كنت أتصدى مصيبة جديدة ، ماذا لو ذهب للشرب وقاد سيارته وتسبب بـ حادثة ..
لحقت به للخارج ولحسن الحظ لم يذهب ..

– غادرِ من هنا أيلول .
– لن أغادر
إلى أين نحن ذاهبين ..لست أعلم ؟!

” خيانة على شاشة الهاتف “
على تلك المقاعد الأمامية ..شخصاً يجلس بجواري ..يختلف عن كل مرة آراه فيها ، دموع تنساب بهدوء لتصل إلى ذقنه
وما أن تصل حتى تلاحقها دمعة أخرى ، وكأن المشاعر تتعارك داخله لتخرج …
التفت إليه لأراقب حركاته لعل وعسى أفهم شيئاً ..
هو فقط ينظر أمامه ، يده اليمنى تلتقط المقود والأخرى متكأة على نافذة مفتوحة ..هواءبسيط يمر عبر خصلات شعره وبالوقت ذاته تجفف دموعه ..
مر على ذلك وقت طويل ولقد تعبت من هذا الصمت المميت ..
ورنين الهاتف قطع هذا الهدوء ..
بإسـم ” ابنتي ” ..

صفنت بحروف الأسم ذلك ..بنظرات “آمـان ” الغاضبة
يرن للمرة الأولى ..
للمرة الثانية …
والثالثة …
أيعقل لديه ابنة ؟!! ، لا أصدق فعلاً .
الخيانة ظهرت عبر شاشة هاتفه …وعن أي خيانة اتحدث ؟!!!
لا يجمعنا شيء سوا اسم ” زوج و زوجة ” .
لا حب ..ولا احترام ..لا ثقة ..ولا أي شعور حول هذه العلاقة .

” نحو الهاوية “
– آمان..فقط أعطني موجزاً بما يحدث ، أشعر بأنني مجهولة بين هذه الأحداث ؟!!
– ستندمين على هذا الطلب ؟!
– لقد تعودت على الضرب ..لذا لا تكترث .
– ماذا يحدث هنا يا ابنة العم .. ضائع وتائه ، مفطور القلب كما ذكرتني قبل قليل ..لا أجيد التفكير بصمت ، وأعتقد بأن المشروب وتلك السجائر البائسة ستجعلني أنسى ..أفتقدها بكل ما أفعله من حياتي ، أرى ملامحها بكِ لذلك أنتقم وأسحقك ..ليس لأنني سأضربها هي ، أريدك ألاَ تشبهي تلك الساقطة .

كان يتلفظ بتلك الكلمات وهو يضع رأسه على المقود ..يتنفس بصعوبة ..بحة بكائه ونبراته التي تنخفض حينما ذكر اسمها ..
يا للمسكين ..يعيش واقعاً مؤلماً .

– وجدي ؟!!
– متأكدة تريدين سماع هذه القصة أيضاً .
عقدت حاجبي ..بنظرات تعجب ..
– بلا انحناءات الأحاديث السخيفة ..ماذا ؟!
– لا يريدنا أن نتطلق ..سنبقى هكذا .
أطلقت ضحكة غبية ..
– مزحة ..أليس كذلك ؟!
رمى تلك النظرة التي تخبرني بكل ما تعنيه الكلمة من
” أنا لست أمزح ” ..
بحثت عن هاتفي ..لا أود أن أصدق هذا الحديث
لقد نسيته ..ترجلت من تلك السيارة في صحراء عديمة المظهر
بكيت ..تكسرت داخلياً وخارجياً ،
أحلامي ؟!
والأسرة التي كنت أحلم بها ؟!!
تلك الحياة التي خططت لها ؟!!

لا أشعر بأطرافي ..فقدت حاسة الشعور .
بدات أصرخ ،لي الحق في ذلك ..جثوت على ركبتي
– لا يمكنه ذلك ….لا يفعلها بي .
ماذا أفعل بذاتـي ؟! لم أسمع عن تضحيات أكثر مما فعلته .
ماذا فعلت لأستحق ؟! وماذا فعلت لِـ ألا أستحق أن اتنفس كباقي الفتيات ؟!
أَيعقل أن يكون وعد أبي كرشفة الشاي ؟!
انغرس سهماً حاد في قلبي ..
تأذيت بجميع الأشكال ..وهل من قلب يشعر بالألم بعد كل هذا ؟!
لماذا لم أعش فترة خطوبة ؟! فستان زفاف ؟! عفشاً على ما يشتهي مزاجي ..حفل زفاف ، خاتم حٌفر عليه اسمي ..والأهم مع الشخص الذي أحببته .
لمـاذا حُرمت من هذا الحق ؟!؟!

” لا تسأل من أين تأتي الصواعق “..
انتظرت ساندرا بالخارج لتجلب لي حقيبتي والسترة ..بينما أنا أتقاتل مع نفسي ..خائفة أن أسأل جدي ، لا أود التأكد من خبر قد يجلب آخرتي
لا أعـلم إن كن آمـان يكذب ليستمتع بعذابي وبكائي ..أم أنه صادق .
ما أن لمحت ظل ساندرا ..ترجلت من السيارة ..

– أيلول ..ماذا بكِ ؟ لما كل هذا البكاء ؟!!
– لا تسألين من أين تأتي الصواعق ..
– أي صواعق ؟! ماذا حدث !!
– ساندرا ..لا أجد طاقة للحديث حينما أتقبل الأمر سأتصل بك .

أرغب بأن أمشي ..لربما حينما أجد حالة أسوء مني أهدء .
– ايلول ..اصعدي هيا !
ضربته بكفتي على صدره ..ودموعاً لا أعلم من أين اجلبها ..
– دعني وشأني ..فكل ما يحدث هو بسببك .
– لا تجعليني أفعلها مرة أخرى ..
– نعم نعم ..اضربني هيا ، جدي من جهة وأنت من جهة أخرى ..هيا اضرب ..وأخرج ما بداخلك ككل مرة ..
– أود أن أبرحك ضرباً ..ولكن ما يمنعني هو ذلك الذي يقف ورائك .
– أنت خائف من الذي خلفي ؟! …لا تقلق ، فأنا لم أعد أشعر بشيء .

أود أن ألتفت ، خوفاً مجهولاً ..
– هيا ماذا تنتظر ! ..اضربني ، أم انك خائف من أن تسقط رجولتك .
نظراته تتناقل بيني وبين ذلك الشخص الذي يقف خلفي ..وكأنها نظرات أسد سيقضي على فريسته بالكامل .
ومن حيث لا أعلم ..
– أيلول ..اهدئي وانسي ما سأفعل !
قٌبلة حارة على الجبين ..عناق ..أصابعاً تمحو دموعاً .
ليتني التفت لأرى ذلك الشخص الذي جعله يفعل هذا ..