قصة منعزل للعباده 2019

مجتمع رجيم / سفر سياحة فنادق منتجعات
كتبت : *امـيره بضحكتي*
-
منتدى الحياة الزوجية يقدم لكم : قصة منعزل للعباده 2019

سليمان رجل تخطى الأربعين من عمره عاش خلالها في فسق وفجــور بعد أن غرته الحياة بمغريتها الكثيرة , منغمسا في عالــم الرذيلة والجريمة والمعصية .. يرتكب أثـــم تلو خطيئة , لم يكن مهتما حينها بعالــم ما بعد الموت والبرزخ والقيامة .. بل كان متباهيً يتكبر بآثـــامه وخطاياه متجاهر بما يفعل .. ويتسلط على العباد بشتى الطــرق .. يتعاطى الخمــر والمخدرات .. يُقيمُ حفلات ماجنة .. يبتزُ الآخريــن والنساء .. يضرب الضعفاء ويسرق مالـــهم .. يصرخ على والدته .. ويتجبر على شقيقاتهِ .. ويظلم المساكين من ابناء حارته .

ذات ليلة كان جالــس في أحد حفلات رفاقه ثمـــلً لا يدري أين الطريق وأيــن السكة من الزقــاق , وبعد طلوع الفجــر القريب خرج الجميع من المكان بينما هو ظل وحيدا في ثمالته التي أذهبت عقله يقرقع الكؤوس لوحده يضحك تارة وتــارة أخرى يبكي على ما جرى له في حياتــه التي أنتهت بهذا الشكل المقرف المشمئز حيث ينام ويستيقظ وهــو ممسكا بكأس خمـــر .

وبينما هو كذلك يفكــر باكيا .. يصيح .. يندبُ حظه ويأنب ضميره الذي بدأ يستفيق قليلا تحت وطأة الخمــــر , راح يحسبُ ذنوبه التي لا تُعد .. يتذكــر خطايـــاه التي تفوق حبات الـــرمل .. يتوجع لكل الآثام التي أقترفهــا طوال حياتــه , بين هذه الخطيئة وتلك .. وبين تفكيره العميق وبكاءه سقط الكأس من يده .. بين حسرته ومحاولته التوبـــة راح يــئن ويئن .

خــرج من المكان النجــس الذي يجلس فيه .. ذهب إلى منزلــه ودخل غرفته وأغلق على نفسه ينشد التوبة والدموع لم تفارق عيناه قط .. يمسحها من فوق خديه ألا أنها لازالت تذرف وتذرف لسوء أفعالــــه وكثرة ذنوبه , كانت لحظات التوبة قد نزلت عليه أحس بأنه كان يعيش في عالــم قذر كله أوساخ .. أراد أن يُنظِف نفسه من ماضيه الذي لتو خرج منه , ذهب ليغتســل من معاصي والآثـــام .. ليُطهِر نفسه النجسة الدنيئة من الرجس الذي أصابها , خرج بعدها كـ يوم ولدته أمـــه طاهر مبجـــل نظيف .. رمى بكل القاذورات التي أعتلته وجسمه في أنابيب الصرف .

تغيرت حياته رأسً على عقب في الأسبوع الذي تلى ذلك .. يصلي ويصــوم ويقرأ ما تيسر من كتاب الله , كان يحاول تجنب المعاصي صغائــر الذنوب قبل كبائرها , ألا أنه ورغم كل ذاك لم يستطع لجم نفسه كثيرا فلقد كان يغضب على والدته بسرعة .. ويصرخ على شقيقاته لأتفه الأسباب وأبسطها .. ويتكلم مع ابناء حيه بكل صلافة .

لم يعجبــهُ ما كان يفعـــل .. فـ تأنيب الضمير أصابه بالأرق كل ليلة على فراشه قبل أن تغمض عينيه للنوم الذي يجافيه , فكـــر ويفكــر كثيرا في طريقة يتجنب بهـــا تلك المعاصي ويحاول جاهدا أن يبعُد نفسه عما يسوءها .. يخاطب ذاتـــه طوال الوقت ويحاكيها :
– كيف أتجنب الذنوب ؟
– لا أريد أن اخطأ في حق أحد ؟
– ولكن كيف ؟ حتى والدتي لم تسلم مني ؟
– تبــاً .. أنني أحاول ألا أرتكب أثــــم لكنني لا أقدر على ذاك ؟
– أنه الشيطان الرجيم اللعين .. يتلاعب بي ؟
– لا يوجد أمامي عدى طريقٌ واحد أفعله لكــي لا أرتكب أي خطيئة أو ذنب .!
– سأخرج من منزلــي .. وأسكن لوحدي .. وأنعــزل عن الجميع فهذه أفضل طريقة .. فلا أخالط أحدا وبذلك لن أقترف أي أثـــم .!

وبالفعل أنتقل للعيش وحيدا منعــزل عن كل أحد .. يجلس في شقته التي تقـــع بعيدا عن الأحياء المكتظة يقـــرء القرآن بخشوع وصوت شجي يبكي خلالهــا من تلك الآيات التي يُذكر فيها أسم الجحيم والنار والعذاب وسقــر وما أدراك ما سقـــر , يُقيم الليل والشفع والوتــر .. ويدعو في لحظات الغسق والشفق , زاهد ورع يصــوم كل يــوم ويفطر على تمرتيــن وكأسٌ من اللبن , لا يهتم لا أحد ولا يقترف أي ذنب ولا يفعل أصغر الآثام ولم يرتكب أية خطيئة قد تُلقي به في قعــر جهنم .

وعلى مدى أسبوعــين في عزلـــته لا يغادر شقته التي شهدت له ولتوبته كان يبكي وينــوح ويستغفر على ماضيه وكل شيئا فعل , ولكن ذات يــوم أشتد به الجوع والعطــش فهو قليل المأكل والمشرب كثير الصيــام وطعــامه لا يكاد يُشبعُ الطفــل , خــرج من شقته ينشد محل تجاري ليشتري بعض من أحتياجاته , وصل إلى المكان المنشود وأخذ ما يريد وما يغطي حاجاته .. وفي اثناء عودته سيرا على قدميه كان التسبيحُ وقراءة الدعاء والأذكار والمعوذات لم تفارق خياله قــط , عند ذاك مــر بجانب بعض الصبية الصغار الذين كانوا يلعبون مع بعضهم .. حينهــا أخذوا يرمونه بما في أيديهـــم من قطع أخشاب وبعض الأحجــار , فلم يدر لهم بال فهو منشغل بينه وبين ربـــه وكأنه لا يرى أحدا .

ألا أن الصبية كانوا أكثر شـــر مما يظن .. فأخذ أحدهم حجــر كبيرٌ من الأرض ورماهُ صوبــه بقوة شديدة أصابت رأسه التي ذرفت منها الدماء .. مما أغضبه كثيرا فرجـــع وأمسك الصبي وراح يوبخــه وأراد صفعه لكنه أستعاذ من الشيطان الذي لم يدعه وشأنه , ترك الصبي وهم مغادرا ألا أن الصغير شتمه وبصق عليه .. فرجــع له سليمان وأراد تأديبه بلطف فدفعهُ بيده قليلا ألا أن تلك الدفعة التي ظنها خفيفة كانت قويــة مدوية إذ سقط على أثرهــا الصبي فوق الرصيف وضُرِب رأسهُ في الحافة وخــر على أثرهـــا صريعا ميتـــا .

هرب سليمان إلى شقته بسرعة التي باتت مظلمة كظلمة يوم القيامة وهو في حالةً يرثى لــها خائفــا يرتجف لا يعرف ماذا يفعــل , يدعو .. يرجـــو .. يصيح .. يفكـــر , يصــرخ بداخله معاتبـــا :
– يا إلهــي .!
– ما الذي فعلت .!
– لقد أنعــزلت عن الجميع لإبتعد عن المعاصـــي . فماذا جرى .؟
– أهذا ما جــرى .!
– أهذا ما حدث .!
– فعلت أكبر الآثام وأعظمها .
– لم أكــن أريد أن أرتكب خطيئة , ولكنني فعلت أكبر الذنوب ….

…. وبينما هو كذلك يهلوس ويهــذي لوحده ويسأل ذاتــه اسئلة لم يعرف أجاباتها .. دخل عليه رجال الشرطة وأقتادوه إلى السجن وحُكــــم عليه بالأعدام .