ميداليات أولمبياد طوكيو 2020 من نفايات إلكترونية

مجتمع رجيم / سفر سياحة فنادق منتجعات
كتبت : *امـيره بضحكتي*
-
2020 إلكترونية 10734
تعمل طوكيو على إعادة تدوير أجهزتها الإلكترونية البالية لصنع ميداليات دورة الألعاب الأولمبية التي تستضيفها عام 2020، فهل تحمل اليابان مشعل إعادة استخدام النفايات الإلكترونية في العالم؟

ما الذي يمكن أن نتخيله عندما يتعلق الأمر بالفوز بميدالية أولمبية؟ قد يكون ذلك صورة رقمية لطفلة في التاسعة تبتسم في حوض السباحة بعد الفوز، أو رسالة نصية للاعبين للاستعداد للتدريب، أو مكالمة هاتفية لأب محب يقول لولده “أحسنت صنعا!”

فالنجاح يحمل كل تلك التعابير وأكثر قبل بلوغ الصدارة في مضمار الرياضة، أما بالنسبة لأبطال أولمبياد طوكيو 2020 فسوف تضم ميدالياتهم ذاكرة الملايين من اليابانيين.

وذلك لأن هناك مواد أعيد تدويرها من هواتف محمولة قديمة لليابانيين ستدخل في صناعة الميداليات التي سيتقلدها أبطال ذلك الأولمبياد، مع تعهد البلاد بأن يقتصر سبك تلك الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية التي تمنحها اللجنة المنظمة في طوكيو (وعددها خمسة آلاف ميدالية) على مواد معاد تدويرها من نفايات إلكترونية.

والحقيقة أن النفايات الإلكترونية وما تحويه من بطاريات وأسلاك وغيره، باتت الرافد الأسرع تضخما بين النفايات المنزلية في العالم، كما تعد النفايات الإلكترونية على شدة سميتها منجما مهملا يخفي ذهبا ومعادن أخرى نفيسة بانتظار من يكتشفها.

وقد انتبهت اللجنة المنظمة لأولمبياد طوكيو 2020 لهذا الكنز فدعت المواطنين للتبرع بأجهزتهم المحمولة القديمة لخدمة الأولمبياد لتضرب عصفورين بحجر واحد بالتخلص الآمن من النفايات الإلكترونية المهملة وتوفير الميداليات للعرس الرياضي المقبل.

فبعد مضي عام وأشهر منذ إطلاق المشروع في إبريل/نيسان الماضي، حصل المنظمون على 16,5 كيلوغرام من الذهب، أي ما يزيد عن نصف كمية الذهب المطلوبة لسبك الميداليات والتي تقدر بـ 30,3 كيلوغرام من الذهب، فضلا عن ألف و800 كيلوغرام من الفضة (أي نحو 43,9 في المئة من الفضة المطلوبة)، فضلا عن كامل كمية البرونز المطلوب ويبلغ ألفين و700 كيلوغرام.

ويقول ماسا تاكايا، المتحدث بلسان أولمبياد طوكيو 2020 في تصريح لبي بي سي فيوتشر بالبريد الإلكتروني، إن تلك المبادرة “فرصة للجميع في اليابان للمشاركة في الأولمبياد”.

كما يعطي المشروع بارقة أمل لجهود التخلص من النفايات الإلكترونية، إذ يهدد إدماننا للإلكترونيات بإغراق مجتمعاتنا بالأجهزة التي لم يعد لها نفع، بينما تشير بيانات الأمم المتحدة إلى إنتاج العالم عام 2016 ما يقدر بـ44,7 مليون طن من النفايات الإلكترونية، وهو الرقم المتنامي بنحو 3 و4 في المئة سنويا.

ولمعرفة مدى ضخامة تلك النفايات تخيل أنك تُحمّل شاحنات زنة الواحدة منها 40 طنا، من ذوات العجلات الثماني عشرة، لتمتد كأساطيل جرارة تناهز مليونا و230 ألف شاحنة، بطول طريق من حارتي سير من سنغافورة شرقا إلى باريس غربا. ومع ذلك يتوقع أن تربو النفايات على 52 مليون طن بحلول 2021.

ومعظم النفايات لا تجد طريقها إلى مراكز التجميع سواء في اليابان أو غيرها، ويقدر تقرير للأمم المتحدة أن 20 في المئة فقط منها يجري تدويره، والباقي إما يلقى في المكبات العامة أو ينقل من بلدان متقدمة لبلدان أفقر ليعاد استخدامه، أو يوارى التراب خلف أدراج مغلقة.

وناهيك عما يمثله ذلك الوضع من حُمق بيئي؛ فالمواد السامة داخل الإلكترونيات تلوث التربة والماء ما لم تعالج بشكل صحيح، وهذا أيضا إهدار لمعين ضخم لبلدان تفتقر إلى خامات طبيعية.

ويقول روديغر كير، خبير النفايات الإلكترونية بجامعة الأمم المتحدة والمشارك في تقرير الأمم المتحدة، إن اليابان من تلك البلدان “التي تفتقر للموارد الطبيعية وليس أمامها سبيل آخر للاستفادة من الموارد القيمة والنادرة غير استخلاصها من النفايات”.

وتقول ماريا هولشكو الأستاذة المساعدة بجامعة بريتيش كولومبيا إن قيمة الطن الواحد من من النفايات الإلكترونية يناهز أحيانا مئة ضعف من الطن الخام للمناجم.

فبينما لا يعطي طن خام المنجم إلا ما بين ثلاثة وأربعة غرامات ذهب فإن الطن من الهواتف المحمولة قد يعطي ما يصل إلى 350 غراما من الذهب.

ويعني هذا إلى جانب التخلص من النفايات الحاجة لعمليات تعدين أقل، وتقدر هولشكو إمكانية أن تفي النفايات الإلكترونية بما بين 25 و30 في المئة من الطلب العالمي على الذهب.

وتقول هولشكو، التي شاركت في تأسيس مركز للاستفادة من النفايات الإلكترونية بجامعة بريتيش كولومبيا، إن الإحصاءات “تشير بوضوح إلى وجود فرصة تجارية جيدة”.

وليست هذه المرة الأولى التي تحوي الميداليات الأولمبية معادن أعيد تدويرها، ففي أولمبياد ريو 2016 جاء قرابة 30 في المئة من الفضة المستخدمة من نفايات المرايا واللحام وصفائح أشعة إكس، و40 في المئة من النحاس الداخل في سبك البرونز من نفايات صك العملة.

وفي أولمبياد فانكوفر الشتوية عام 2010 كانت البداية رمزية بنسبة 1,5 في المئة من الميداليات من مواد أعيد تدويرها وكان مصدرها من بلجيكا.

لكن مبادرة طوكيو 2020 فريدة لسببين، أولا لأنها تهدف لأن تكون الميداليات من المواد المعاد تدويرها بنسبة 100 في المئة، وثانيها لاعتمادها بالكامل على النفايات الواردة من اليابان البلد المضيف.

وقد انطلق المشروع الياباني بنجاح، فحتى يونيو/حزيران 2018 جمعت محال الاتصالات 4,32 مليون محمول مستخدم تبرع بها الجمهور، وتلقت البلديات نحو 34 ألف طن من الأجهزة الإلكترونية الصغيرة.

وتقول امرأة يابانية مسنة في مقطع مصور لوزارة الخارجية اليابانية : “أسهمت بخمسة هواتف قديمة غير مستخدمة وأنا سعيدة بما قدمته للأولمبياد”.

ويمكن استخلاص غرام من الذهب من نحو 35 إلى 40 هاتفا محمولا أي سُدس الغرامات الستة التي تشترط اللجنة الأولمبية الدولية احتواء الميدالية الذهبية الواحدة عليها، والباقي من الفضة.

وتتعلق الأنظار بمساعي استخلاص الذهب، وقد تبرع أبطال سابقون بأجهزتهم القديمة، بل أسهم وزير الخارجية البريطاني السابق بوريس جونسون في المبادرة خلال زيارته لطوكيو عام 2017.

ورغم ذلك يبقى ثقل المشروع رمزيا بالأساس، إذ لن يعالج سوى إحدى التبعات الضخمة للأولمبياد.

فالأجهزة الإلكترونية المجمعة حتى الآن تمثل أقل من ثلاثة في المئة من ناتج اليابان سنويا من النفايات الإلكترونية، والذي تقدره الأمم المتحدة بنحو مليوني طن.

ومن المسائل الأخرى المطروحة للنقاش مصير المكونات الأخرى للأجهزة غير المعادن والتي تشمل كل شيء بخلاف القليل من الذهب والبلاديوم وغيرهما من المعادن القيمة.

وتقول هولشكو: “لو استخلصنا المعادن وألقينا الباقي في مكبات النفايات فسيظل التلوث ضخما”، وبين ما تتبناه الباحثة خلال عملها الجامعي هو إيجاد سبل لتدوير هاتف ذكي بالكامل.

ولا تقبل اللجنة المنظمة لأولمبياد طوكيو 2020 من جهات التدوير سوى الذهب والفضة والبرونز (المسبوك من النحاس والزنك)، ولا يسعها الجزم بما ينتهي إليه حال باقي المكونات.

ويقول المتحدث باسم ألعاب الأولمبياد: “سمعنا أن هناك شركات تعمل على تدوير المكونات الباقية باستخدام وسائل الفرز المعتادة “، لكنه لا يقدم ضمانات على ذلك.

وتتعدد الأسئلة بالنظر لمستقبل مجتمعاتنا مع شيوع الأجهزة الإلكترونية، ويقدر كير أن يتضاعف الناتج العالمي من النفايات الإلكترونية ليصل إلى 80 مليون طن خلال عقود قليلة.

ويقول إنه يتعين تغيير النظرة إلى الإلكترونيات وطريقة استخدامها، ومن ذلك الكف عن استبدال الأجهزة باستمرار دون أن يعني ذلك التخلف عن الركب الرقمي، ويتساءل قائلا: “لماذا لا نشتري الخدمات المقدمة بدلا من شراء الأجهزة؟”

ومن شأن ذلك اتباع نظام أشبه بالاستئجار بحيث لا يملك الفرد المنتج بل يتوافر له حق استخدام خدمات التواصل المحمول من آبل أو سامسونغ مقابل المال، وفي حالة تعطل الجهاز تقوم الشركة بتبديله لحين إصلاحه، وحين ينقضي أجل الجهاز يكون الحل الأمثل استرجاع الشركة المنتجة له لإعادة الاستفادة بمكوناته في خطوط إنتاجها مجددا.

وسيتطلب ذلك تخطي عشرات العقبات، ومنها نحو 80 مليون طن من النفايات التي تنتظر حلا، وربما بادرت اليابان بالحل، فهي مسقط رأس عمالقة الإلكترونيات مثل هيتاشي، وميتسوبيشي، وباناسونيك وسوني – هكذا يعتقد كير الذي استكمل دراساته لشهادة الدكتوراة في طوكيو.

لكن تلك الصورة تتخطى حدود مشروع ميداليات طوكيو 2020 وتتطلب استراتيجية دولية، أما في الوقت الراهن فإن خمسة آلاف ميدالية أولمبية من معادن مُدوَّرة فتعد بداية لا بأس بها.

وتقول هولشكو: “أنا سعيدة بما تفعله اليابان؛ إذ تبرهن على جدوى الاستفادة من الإلكترونيات بإعادة تدويرها”.