الطائر الأبيض قصة للأطفال

مجتمع رجيم / فيض القلم
كتبت : بنتـ ابوها
-
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
(( الطائر الأبيض ))

حريق مهول يلتهم الغابة..

أفاق الناس ذات صباح والعرق يتقاطر من أجسادهم، وارتفعت درجات الحرارة إلى أعلى مستوياتها، وأيقنوا أنهم هالكون لا محالة، خاصة لما رأوا ألسنة اللهب تلتهم غابات الجبال المحيطة بهم.



وأمام هذا الوضع الخطير، أعلن رجال الإطفاء أنهم غير قادرين على إخمادها وحدهم، وأنهم يبحثون عن متطوعين شباب يساعدونهم في إنجاز مهمتهم.



لم يجرؤ أحد من شباب المدينة على تسجيل اسمه في قائمة المتطوعين لإخماد الحريق، ولم يفكر أحدهم في ذلك؛ لأن المهمة ليست سهلة.



فكل واحد يذهب إلى هناك يعني أنه سيجازف بحياته، والاحتمال الأكبر أنه لن يعود إلى أهله وأصحابه وأحبابه.



وكان في المدينة شاب يدعى "نافع" يحبُّه كل سكانها؛ لأنه أحبهم بصدق، وأحب الخير للجميع كما يحبه لنفسه، ويحبه الشجر؛ لأنه هو من رعاه وسقاه، وتحبه الشوارع؛ لأنه هو من قاد حملات النظافة المتكررة، وغسل الشوارع من الملوثات.



وكانت له أخت تحبه حبًّا جمًّا، وتخاف عليه خوفًا شديدًا، فلما علمت بأمر التطوع مع رجال الإطفاء، سارعت إلى والدتها وقد اغرورقت عيناها بالدموع، ثم قالت:

• أرجوك يا أمي، لا تتركي أخي نافع يذهب معهم.



ردَّت الأم مستغربة:

• يذهب؟ مع من يذهب؟ وإلى أين يذهب؟

• أمي، رجال الإطفاء يبحثون عن شباب يتطوع لإطفاء...

• يتطوَّع لإطفاء النار، وأنا أول المتطوعين.



قال نافع هذا الكلام، ثم وزَّع ابتسامته على أمه وأخته، وقال لهما:

• ادعوَا لنا بالخير، وبالعودة سالمين.



• نافع في الغابة:

ودَّع نافع أمه وشقيقته، وخرج من منزله إلى شاحنة الإطفاء، ولَمَّا رآه شباب المدينة، تشجَّع بعضهم، فصعد عشرة منهم في الشاحنة مسلَّحين بالعزم والإرادة.



ابتعدت الشاحنة عن المدينة، وكانت كلما ابتعدت قليلًا زادت درجات الحرارة ارتفاعًا، وعندما اقتربت القافلة من المكان المحدد، أوقفها الضابط "خالد"، وراح يشرح للجميع خطته لإطفاء النيران، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بشر وحيوان، ثم ذكَّرهم بخطورة المهمة.



وهنا تسلل الرعب إلى قلوب بعض الشباب المتطوع، فانسحب ستة منهم، ولم يبق إلا نافع وأربعة من أصدقائه المخلصين.

ثلاثة أيام بلياليها قضتها قافلة الإطفاء في الغابة، وأبلى نافع وأصدقاؤه بلاءً حسنًا، وتمكَّنوا في اليوم الثالث من إطفاء أكبر جزء من النيران، ولم يبق إلا جزء يسير في قمة الجبل لا يمكن الوصول إليه بالشاحنة.



أعلن الضابط خالد عن انتهاء المهمة، فشرع الجنود في جمع أغراضهم استعدادًا لمغادرة الغابة، والعودة إلى المدينة، ولكن نافع سمع صوتًا ينبعث من قمة الجبل، فأخبر بذلك الضابط خالد، فرد عليه بقوله:

• نافع لا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نصل إلى قمة الجبل.



نافع: لكن سيدي سمعت صوتًا منبعثًا من هناك، وأظنه لطفل صغير، فكيف نغادر ونتركه هناك.

الضابط خالد: لا أستطيع أن أُجازف بجنودي يا نافع، والمهمة بالنسبة إليَّ قد انتهت.



نافع: إذًا انتظرني هنا حتى أعود بالولد حضرةَ الضابط.

الضابط خالد: لا يُمكنك الوصول إلى هناك بمفردك يا نافع، فإن سلمت من النيران، فسيخنقك الدخان.



الأصدقاء: أنا أذهب معك يا نافع.

• وأنا كذلك..



لما رأى الضابط إصرار نافع وشجاعة صديقيه، قال:

• حسنًا، سأنتظركم هنا يومًا آخر، وإن لم تعودوا غدًا صباحًا، عدت بشاحنتي إلى المدينة، ونعيتكم إلى أهاليكم.



انطلق الثلاثة إلى قمة الجبل يحملون في صدورهم قلوبًا من فولاذ، وفي أياديهم دِلاء من الماء، حتى إذا وصلوا إلى دائرة النار الأخيرة، بلَّلوا قمصانهم ووضعوها على رؤوسهم، واقتحموا المكان، فوجدوا كوخًا حاصرته النيران من كل جانب، ووقعت شجرة كبيرة خلف بابه فأغلقتْه، ولم تكن للكوخ نوافذ كبيرة، كان له نافذتان وحيدتان صغيرتان بحجم رأس إنسان.



تعاون نافع وصديقاه، فأزالوا تلك الشجرة عن الباب، ولَمَّا فتحوه وجدوا الرضيع يبكي ووالديه قد أُغمي عليهما.



قطرات الماء الأخيرة وضعها نافع في فم والدَي الرضيع المغمى عليهما، فما إن أحسَّا بالماء يبلل شفتيهما حتى استفاقا مذعورين يبحثان عن رضيعهما، فلما سمعا بكاءه، وأبصراه بين ذراعي نافع، اطمأن قلبهما، واتجها مع الجماعة إلى الباب للخروج من ذلك الكوخ.



• آه يا للهول.

نافع:ما بكما؟ ماذا هناك؟

الصديقان:انظر يا نافع، قد أغلقت النار تلك الفتحة التي دخلنا منها.

نظر نافع في كل الجهات، فوجد النار قد أحاطت بهم كما يحيط السوار بالمعصم، فقال والحسرة تغشى وجهه:

• لقد علقنا.

♦♦♦♦



أشرقت شمس يوم جديد، فنظر الضابط خالد إلى ساعته، ثم نظر مرة أخرى إلى قمة الجبل عساه يراهم قادمين، ولكنه لم ير إلا ألسنة اللهب تأكل ما تبقى من أشجار وحشائش، ولما تأكد من هلاكهم، ركب شاحنته وشغَّل محركها، وذرفت عيناه دمعًا غزيرًا على فِقدان أحبَّته، وفي تلك اللحظة لم يكن يدور في رأسه سوى هذه العبارة:

• ماذا سأقول لأهاليهم؟! وكيف سأخبرهم بالأمر؟!

مشى بالشاحنة بضعة أمتار، فإذا به يسمع صوتًا غريبًا لم يسمعه من قبلُ، نظر من خلال زجاج الشاحنة، فإذا به يرى طائرًا ضخمًا يتَّجه صوب الشاحنة بسرعة مجنونة، وما إن أغمض عيناه ثم فتحهما، حتى وجد الطائر الأبيض أمامه وقد بسط جناحه؛ لينزل منها نزول الأبطال نافع وصديقاه والرضيع تامر ووالداه.



حكَّ الضابط عينيه، ثم قال والدهشة تملأ محيَّاه:

• ولكن، ما هذا هذا يا نافع؟



التفت الجميع إلى الطائر الأبيض، فقال:

• أنا، أنا التطوع.

قال ذلك وطار بعيدًا.



رابط الموضوع: https://www.alukah.net/literature_**...#ixzz5bjiG8A2i
************

التالي
السابق