الطهاره (3)

مجتمع رجيم / عــــام الإسلاميات
كتبت : زهره الاسلام
-
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

أحكام إزالة النجاسة


فكما أنه مطلوب من المسلم أن يكون طاهرا من الحدث إذا أراد الصلاة؛ فكذلك مطلوب منه طهارة البدن والثوب والبقعة من النجاسة، قال تعالى‏: ‏{‏وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ‏}‏‏ وأمر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة بغسل دم الحيض من ثوبها‏.‏

لما كان الأمر كذلك، تطلب منا أن نلقي الضوء على هذا الموضوع، وهو موضوع إزالة النجاسة، عارضين لأهم أحكامه، رجاء أن ينتفع بذلك من يقرؤه من إخواننا المسلمين، ولقد كان الفقهاء رحمهم الله يعقدون لهذا الموضوع بابا خاصا، يسمونه‏:‏ باب إزالة النجاسة؛ أي‏:‏ تطهير موارد النجاسة، التي تطرأ على محل طاهر من الثياب والأواني والفرش والبقاع ونحوها‏.‏

والأصل الذي تزال به النجاسة هو الماء؛ فهو الأصل في التطهير؛ لأن الله وصفه بذلك؛ كما في قوله تعالى‏:{‏وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ‏}‏ ‏‏ والنجاسة التي تجب إزالتها - إما أن تكون على وجه الأرض وما اتصل بها من الحيطان والأحواض والصخور‏:‏ فهذه يكفي في تطهيرها غسلة واحدة تذهب بعين النجاسة؛ بمعنى أنها تغمر بالماء بصبه عليها مرة واحدة؛ لأمره صلى الله عليه وسلم بصب الماء على بول الأعرابي الذي بال في المسجد، وكذا إذا غمرت بماء المطر والسيول، فإذا زالت بصب الماء عليها أو بماء المطر النازل أو الجاري عليها؛ كفى ذلك في تطهيرها‏.‏

- وإن كانت النجاسة على غير الأرض وما اتصل بها‏:‏ فإن كانت من كلب أو خنزير وما تولد منهما؛ فتطهيرها بسبع غسلات، إحداهن بالتراب؛ بأن يجعل التراب مع إحدى الغسلات؛ لقوله صلى الله عليه وسلم‏(‏إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم؛ فليغسله سبعا أولاهن بالتراب‏)‏ رواه مسلم وغيره، وهذا الحكم عام في الإناء وغيره؛ كالثياب والفرش‏.‏

وإن كانت نجاسة غير كلب أو خنزير؛ كالبول والغائط والدم ونحوها؛ فإنها تغسل بالماء مع الفرك والعصر، حتى تزول؛ فلا يبقى لها عين ولا لون‏.‏

فالمغسولات على ثلاثة أنواع‏:‏

النوع الأول‏:‏ ما يمكن عصره، مثل الثوب؛ فلا بد من عصره‏.‏

النوع الثاني‏:‏ ما لا يمكن عصره، ويمكن تقليبه؛ كالجلود ونحوها؛ فلا بد من تقليبه‏.‏

النوع الثالث‏:‏ ما لا يمكن عصره ولا تقليبه؛ فلا بد من دقه وتثقيله؛ بأن يضع عليه شيئا ثقيلا، حتى يذهب أكثر ما فيه من الماء‏.‏

- وإن خفي موضع نجاسة في بدن أو ثوب أو بقعة صغيرة كمصلى صغير؛ وجب غسل ما احتمل وجود النجاسة فيه، حتى يجزم بزوالها، وإن لم يدر في أي جهة منه؛ غسله جميعه‏.‏

- ويكفي في تطهير بول الغلام الذي لم يأكل الطعام رشه بالماء؛ لحديث أم قيس؛ أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسه في حجره، فبال على ثوبه، فدعا بماء، فنضحه ولم يغسله‏.‏ متفق عليه‏.‏

وإن كان يأكل الطعام لشهوة واختيار؛ فبوله مثل بول الكبير، وكذا بول الأنثى الصغيرة مثل بول الكبيرة، وفي جميع هذه الأحوال يغسل كغسل سائر النجاسات‏.‏

فالنجاسات على ثلاثة أنواع‏:‏ نجاسة مغلظة، وهي نجاسة الكلب ونحوه‏.‏ ونجاسة مخففة، وهي نجاسة الغلام الذي لا يأكل الطعام‏.‏ ونجاسة بين ذلك، وهي بقية النجاسات‏.‏

ويجب أن نعرف ما هو طاهر وما هو نجس من أرواث وأبوال الحيوانات فما كان يحل أكل لحمه منها؛ فبوله وروثه طاهر؛ كالإبل والبقر والغنم ونحوها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العرنين أن يلحقوا بإبل الصدقة، فيشربوا من أبوالها وألبانها‏.‏ متفق عليه‏.‏ فدل على طهارة بولها؛ لأن النجس لا يباح التداوي به وشربه، فإن قيل‏:‏ إنما أبيح للضرورة؛ قلنا‏:‏ لم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بغسل أثره إذا أرادوا الصلاة‏.‏

وفي ‏"‏ الصحيح ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏كان يصلي في مرابض الغنم وأمر بالصلاة فيها‏)‏ وهي لا شك تبول فيها‏.‏

قال شيخ الإسلام ابن تيمية‏:‏ ‏"‏ الأصل في الأرواث الطهارة، إلا ما استثنى‏.‏‏.‏‏.‏ ‏"‏ انتهى‏.‏

وسؤر ما يؤكل لحمه طاهر وهو بقية طعامه وشرابه‏.‏ وسؤر الهرة طاهر؛ لحديث أبي قتادة في الهرة؛ قال‏:‏ ‏(‏إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات‏)‏ رواه الترمذي وغيره وصححه، شبهها بالمماليك من خدم البيت الذين يطوفون على أهله للخدمة ولعدم التحرز منها؛ ففي ذلك رفع للحرج والمشقة‏.‏

وألحق بعض العلماء بالهرة ما كان دونها في الخلقة من طير وغيره؛ فسؤره طاهر كسؤر الهرة؛ بجامع الطواف‏.‏ وما عدا الهرة وما ألحق بها مما لا يؤكل لحمه؛ فروثه وبوله وسؤره نجس‏.‏

أيها المسلم‏!‏ عليك أن تهتم بالطهارة ظاهرا وباطنا‏:‏ باطنا بالتوحيد والإخلاص لله في القول والعمل، وظاهرا بالطهارة من الحدث والأنجاس؛ فإن ديننا دين الطهارة والنظافة والنزاهة من الأقذار الحسية والمعنوية؛ فالمسلم طاهر نزيه ملازم للطهارة، وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الطهور شطر الإيمان‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏

فعليك يا عبد الله بالاهتمام بالطهارة، والابتعاد عن الأنجاس؛ فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عامة عذاب القبر من البول حينما لا يتحرز منه الإنسان، فإذا أصابك نجاسة؛ فبادر إلى تطهيرها ما أمكنك؛ لتبقى طاهرا، لا سيما عندما تريد الصلاة؛ فتفقد حالك من جهة الطهارة، وعندها تريد الدخول في المسجد؛ فانظر في نعليك، فإن وجدت فيهما أذى؛ فامسحهما ونقهما ولا تدخل بهما أو تدخلهما في المسجد وفيهما نجاسة‏.‏‏.‏‏.‏ وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه من القول والعمل‏.‏





أحكام المسح على الخفين وغيرهما من الحوائل

إن ديننا دين يسر لا دين مشقة وحرج، يضع لكل حالة ما يناسبها من الأحكام مما به تتحقق المصلحة وتنتفي المشقة، ومن ذلك ما شرعه الله في حالة الوضوء، إذا كان على شيء من أعضاء المتوضئ حائل يشق نزعه ويحتاج إلى بقائه‏:‏ إما لوقاية الرجلين كالخفين ونحوهما، أو لوقاية الرأس كالعمامة، وإما لوقاية جرح ونحوه كالجبيرة ونحوها؛ فإن الشارع رخص للمتوضئ أن يمسح على هذه الحوائل، ويكتفي بذلك عن نزعها وغسل ما تحتها؛ تخفيفا منه سبحانه وتعالى على عباده، ودفعا للحرج عنهم‏.‏

فأما مسح الخفين أو ما يقوم مقامهما من الجوربين والاكتفاء به عن غسل الرجلين؛ فهو ثابت بالأحاديث الصحيحة المستفيضة المتواترة في مسحه صلى الله عليه وسلم في الحضر والسفر، وأمره بذلك، وترخيصه فيه‏.‏

قال الحسن‏:‏ ‏(‏حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفين‏)‏ وقال النووي‏:‏ ‏(‏روى المسح على الخفين خلائق لا يحصون من الصحابة‏)‏ وقال الإمام أحمد‏:‏ ‏(‏ليس في نفسي من المسح شيء، فيه أربعون حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم‏) وقال ابن المبارك وغيره‏:‏ ‏(‏ليس في المسح على الخفين بين الصحابة اختلاف، هو جائز‏)‏ ونقل ابن المنذر وغيره إجماع العلماء على جوازه، واتفق عليه أهل السنة والجماعة؛ بخلاف المبتدعة الذين لا يرون جوازه‏.‏ وحكم المسح على الخفين‏:‏ أنه رخصة، فعله أفضل من نزع الخفين وغسل الرجلين؛ أخذا برخصة الله عز وجل، واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومخالفة للمبتدعة، والمسح يرفع الحدث عما تحت الممسوح، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يتكلف ضد حاله التي عليها قدره، بل إن كانتا في الخفين؛ مسح على الخفين، وإن كانتا مكشوفتين؛ غسل القدمين؛ فلا يشرع لبس الخف ليمسح عليه‏.‏
ومدة المسح على الخفين بالنسبة للمقيم ومن سفره لا يبيح له القصر يوم وليلة، وبالنسبة لمسافر سفرا يبيح له القصر ثلاثة أيام بلياليها؛ رواه مسلم؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏للمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، وللمقيم يوم وليلة‏)‏

وابتداء المدة في الحالتين يكون من الحدث بعد اللبس؛ لأن الحدث هو الموجب للوضوء، ولأن جواز المسح يبتدئ من الحدث، فيكون ابتداء المدة من أول جواز المسح، ومن العلماء من يرى أن ابتداء المدة يكون من المسح بعد الحدث‏.‏

شروط المسح على الخفين ونحوهما‏:‏

1- يشترط للمسح على الخفين وما يقوم مقامهما من الجوارب ونحوها أن يكون الإنسان حال لبسهما على طهارة من الحدث؛ لما في ‏"‏ الصحيحين ‏"‏ وغيرهما؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما أراد نزع خفيه وهو يتوضأ‏:‏ ‏(‏دعهما؛ فإني أدخلتهما طاهرتين‏)‏ وحديث‏:‏ ‏(‏أمرنا أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر‏)‏ وهذا واضح الدلالة على اشتراط الطهارة عند اللبس للخفين، فلو كان حال لبسهما محدثا؛ لم يجز المسح عليهما‏.‏

2- ويشترط أن يكون الخف ونحوه مباحا، فإن كان مغصوبا أو حريرا بالنسبة للرجل؛ لم يجز المسح عليه؛ لأن المحرم لا تستباح به الرخصة‏.‏

3- ويشترط أن يكون الخف ونحوه ساترا للرجل؛ فلا يمسح عليه إذا لم يكن ضافيا مغطيا لما يجب غسله؛ بأن كان نازلا عن الكعب أو كان ضافيا لكنه لا يستر الرجل؛ لصفائه أو خفته؛ كجورب غير صفيق؛ فلا يمسح على ذلك كله؛ لعدم ستره‏.‏

ويمسح على ما يقوم مقام الخفين؛ فيجوز المسح على الجورب الصفيق الذي يستر الرجل من صوف أو غيره، لأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين، رواه أحمد وغيره وصححه الترمذي، ويستمر المسح عليه إلى تمام المدة؛ دون ما يلبس فوقه من خف أو نعل ونحوه، ولا تأثير لتكرار خلعه ولبسه إذا كان قد بدأ المسح على الجورب‏.‏

ويجوز المسح على العمامة بشرطين‏:‏

أحدهما‏:‏ تكون ساترة لما لم تجر العادة بكشفه من الرأس‏.‏

الشرط الثاني‏:‏ أن تكون العمامة محنكة، وهي التي يدار منها تحت الحنك دور فأكثر، أو تكون ذات ذؤابة، وهي التي يرخى طرفها من الخلف؛ فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم المسح على العمامة بأحاديث أخرجها غير واحد من الأئمة، وقال عمر‏:‏ ‏(‏من لم يطهره المسح على العمامة، فلا طهره الله‏)‏

وإنما يجوز المسح على الخفين والعمامة في الطهارة من الحدث الأصغر، وأما الحدث الأكبر؛ فلا يمسح على شيء من ذلك فيه، بل يجب غسل ما تحتهما‏.‏ ويمسح على الجبيرة، وهي أعواد ونحوها تربط على الكسر، ويمسح على الضماد الذي يكون على الجرح، وكذلك يمسح على اللصوق الذي يجعل على القروح، كل هذه الأشياء يمسح عليها؛ بشرط أن تكون على قدر الحاجة؛ بحيث تكون على الكسر أو الجرح وما قرب هنه مما لا بد من وضعها عليه لتؤدي مهمتها، فإن تجاوزت قدر الحاجة؛ لزمه نزع ما زاد عن الحاجة‏.‏

ويجوز المسح على الجبيرة ونحوها في الحدث الأصغر والأكبر، وليس للمسح عليها وقت محدد، بل يمسح عليها إلى نزعها أو برء ما تحتها؛ لأن مسحها لأجل الضرورة إليها، فيتقدر بقدر الضرورة‏.‏

والدليل على مسح الجبيرة حديث جابر رضي الله عنه؛ قال‏:‏ خرجنا في سفر، فأصاب رجلا منا حجر، فشجه في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه‏:‏ هل تجدون لي رخصة في التيمم ‏؟‏ قالوا‏:‏ ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء‏.‏ فاغتسل، فمات، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أخبر بذلك، فقال‏:‏ ‏(‏قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذا لم يعلموا؛ فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها‏)‏ رواه أبو داود وابن ماجه، وصححها ابن السكن‏.‏

محل المسح من هذه الحوائل‏:‏

يمسح ظاهر الخف والجورب، ويمسح أكثر العمامة، ويختص ذلك بدوائرها، ويمسح على جميعا لجبيرة‏.‏ وصفة المسح على الخفين أن يضع أصابع يديه مبلولتين بالماء على أصابع رجليه ثم يمرهما إلى ساقه، يمسح الرجل اليمنى باليد اليمنى، والرجل اليسرى باليد اليسرى، ويفرج أصابعه إذا مسح، ولا يكرر المسح‏.‏وفقنا الله جميعا للعلم النافع والعمل الصالح‏.‏





صلاة أهل الأعذار

صلاة المريض
إن الصلاة لا تترك أبدا؛ فالمريض يلزمه أن يؤدي الصلاة قائما، وإن احتاج إلى الاعتماد على عصا ونحوه في قيامه؛ فلا بأس بذلك؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب‏.‏
فإن لم يستطع المريض القيام في الصلاة؛ بأن عجز عنه أو شق عليه أو خيف من قيامه زيادة مرض أو تأخر برء؛ فإنه - والحالة ما ذكر - يصلي قاعدا‏.‏
ولا يشترط لإباحة القعود في الصلاة تعذر القيام، ولا يكفي لذلك أدنى مشقة، بل المعتبر المشقة الظاهرة‏.‏
وقد أجمع العلماء على أن من عجز عن القيام في الفريضة؛ صلاها قاعدا، ولا إعادة عليه، ولا ينقص ثوابه، وتكون هيئة قعوده حسب ما يسهل عليه، لأن الشارع لم يطلب منه قعدة خاصة؛ فكيف قعد؛ جاز‏.‏
فإن لم يستطع المريض الصلاة قاعدا، بأن شق عليه الجلوس مشقة ظاهرة، أو عجز عنه، فإنه يصلي على جنبه، ويكون وجهه إلى القبلة، والأفضل أن يكون على جنبه الأيمن، وإن لم يكن عنده من يوجهه إلى القبلة، ولم يستطع التوجه إليها بنفسه؛ صلى على حسب حاله، إلى أي جهة تسهل عليه‏.‏
فإذا لم يقدر المريض أن يصلي على جنبه؛ تعين عليه أن يصلي على ظهره، وتكون رجلاه إلى القبلة مع الإمكان‏.‏
وإذا صلى المريض قاعدا، ولا يستطيع السجود على الأرض، أو صلى على جنبه أو على ظهره كما سبق؛ فإنه يومئ برأسه للركوع والسجود، ويجعل الإيماء للسجود أخفض من الإيماء للركوع‏.‏ وإذا صلى المريض جالسا وهو يستطيع السجود على الأرض؛ وجب عليه ذلك، ولا يكفيه الإيماء‏.‏
والدليل على جواز صلاة المريض على هذه الكيفية المفصلة ما أخرجه البخاري وأهل السنن من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه؛ قال‏:‏ ‏(‏كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم ‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏ صل قائما، فإن لم تستطع؛ فصل قاعدا، فإن لم تستطع؛ فعلى جنبك زاد النسائي‏:‏ ‏"‏ فإن لم تستطع، فمستلقيا‏{‏لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا‏}
وهنا يجب التنبيه على أن ما يفعله بعض المرضى ومن تجرى لهم عمليات جراحية، فيتركون الصلاة بحجة أنهم لا يقدرون على أداء الصلاة بصفة كاملة، أو لا يقدرون على الوضوء، أو لأن ملابسهم نجسة، أو غير ذلك من الأعذار، وهذا خطأ كبير؛ لأن المسلم لا يجوز له ترك الصلاة‏.‏ إذا عجر عن بعض شروطها أو أركانها وواجباتها، بل يصليها على حسب حاله، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏
وبعض المرضى يقول‏:‏ إذا شفيت؛ قضيت الصلوات التي تركتها، وهذا جهل منهم أو تساهل؛ فالصلاة تصلى في وقتها حسب الإمكان، ولا يجوز تأخيرها عن وقتها، فينبغي الانتباه لهذا، والتنبيه عليه، ويجب أن يكون في المستشفيات توعية دينية، وتفقد لأحوال المرضى من ناحية الصلاة وغيرها من الواجبات الشرعية التي هم بحاجة إلى بيانها‏.‏
وما سبق بيانه هو في حق من ابتدأ الصلاة معذورا، واستمر به العذر إلى الفراغ منها، وأما من ابتدأها وهو يقدر على القيام، ثم طرأ عليه العجز عنه، أو ابتدأها وهو لا يستطيع القيام، ثم قدر عليه في أثنائها، أو ابتدأها قاعدا، ثم عجز عن القعود في أثنائها، أو ابتدأها على جنب، ثم قدر على القعود؛ فإنه في تلك الأحوال ينتقل إلى الحالة المناسبة له شرعا، ويتمها عليها وجوبا؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏ فينتقل إلى القيام من قدر عليه، وينتقل إلى الجلوس من عجز عن القيام في أثناء الصلاة‏.‏‏.‏‏.‏ وهكذا‏.‏
وأن قدر على القيام والقعود، ولم يقدر على الركوع والسجود، فإنه يومئ برأسه بالركوع قائما، ويومئ بالسجود قاعدا؛ ليحصل الفرق بين الإيماءين حسب الإمكان‏.‏
وللمريض أن يصلي مستلقيا مع قدرته على القيام إذا قال له طبيب مسلم ثقة‏:‏ لا يمكن مداواتك إلا إذا صليت مستلقيا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جالسا حين جحش شقه،وأم سلمة تركت السجود لرمد بها‏.‏
ومقام الصلاة في الإسلام‏.‏ عظيم؛ فيطلب من المسلم، بل يحتم عليه أن يقيمها في حال الصحة وحال الأرض؛ فلا تسقط عن المريض، لكنه يصليها على حسب حاله؛ فيجب على المسلم أن يحافظ عليها كما أمره الله‏.‏
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه‏.‏




صلاة الراكب
ومن أهل الأعذار الراكب إذا كان يتأذى بنزوله للصلاة على الأرض بوحل أو مطر، أو يعجز عن الركوب وإذا نزل، أو يخشى فوات رفقته إذا نزل، أو يخاف على نفسه إذا نزل من عدو أو سبع، ففي هذه الأحوال يصلي على مركوبه؛ من دابة وغيرها، ولا ينزل إلى الأرض؛ لحديث يعلى بن مرة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى إلى مضيق هو وأصحابه، وهو على راحلته، والسماء من فوقهم، والبلة من أسفل منهم، فحضرت الصلاة، فأمر المؤذن فأذن وأقام، ثم تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، فصلى بهم يومئ إيماء؛ يجعل السجود أخفض من الركوع‏)‏ رواه أحمد والترمذي‏.‏
ويجب على من يصلي الفريضة على مركوبه لعذر مما سبق أن يستقبل القبلة إن استطاع؛ لقوله تعالى‏:‏ {‏وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ‏}‏ويجب عليه فعل ما يقدر عليه من ركوع وسجود وإيماء بهما وطمأنينة؛ لقوله تعالى‏ {‏فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏} .‏‏‏وما لا يقدر عليه لا يكلف به‏.‏ وإن لم يقدر على استقبال القبلة؛ لم يجب عليه استقبالها، وصلى على حسب حاله، وكذلك راكب الطائرة يصلي فيها بحسب استطاعته من قيام أو قعود وركوع وسجود أو إيماء بهما؛ بحسب استطاعته، مع استقبال القبلة؛ لأنه ممكن‏.‏




صلاة المسافر

ومن أهل الأعذار المسافر، فيشرع له قصر الصلاة الرباعية من أربع إلى ركعتين؛ كمـا دل على ذلك الكتـاب والسنة والإجمـاع، قال الله تعالى‏:‏{‏وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ‏}‏ ‏ والنبي صلى الله عليـه وسلم لم يصل في السفر إلا قصرا،والقصر أفضل من الإتمام في قول جمهور العلمـاء، وفي ‏"‏ الصحيحين ‏"‏‏:‏ ‏(‏فرضت الصلاة ركعتين ركعتين؛ فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر‏)‏ وقال ابن عمر‏:‏ ‏(‏صلاة السفر ركعتان، تمام غير قصر‏)‏‏.‏

ويبدأ القصر بخروج المسافر من عامر بلده؛ لأن الله أباح القصر لمن ضرب في الأرض، وقبل خروجه من بلده لا يكون ضاربا في الأرض ولا مسافرا، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يقصر إذا ارتحل، ولأن لفظ السفر معناه الإسفار؛ أي‏:‏ الخروج إلى الصحراء، يقال‏:‏ سفرت المرأة عن وجهها‏:‏ إذا كشفته، فإذا لم يبرز إلى الصحراء التي ينكشف فيها من بين المساكن؛ لم يكن مسافرا‏.‏

ويقصر المسافر الصلاة، ولو كان يتكرر سفره، كصاحب البريد وسيارة الأجرة ممن يتردد أكثر وقته في الطريق بين البلدان‏.‏

ويجوز للمسافر الجمع بين الظهر والعصر، والجمع بين المغرب والعشاء؛ في وقت أحدهما؛ فكل مسافر يجوز له القصر، فإنه يجوز له الجمع، وهو رخصة عارضة، يفعله عند الحاجة، كما إذا جد به السير؛ لما روى معاذ رضي الله عنه؛ ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك‏:‏ إذا ارتحل قبل زيغ الشمس؛ أخر الظهر حتى يجمعه إلى العصر ويصليهما جميعا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس؛ صلى الظهر والعصر جميعا ثم سار، وكان يفعل مثل ذلك في المغرب والعشاء‏)‏ رواه أبو داود والترمذي‏.‏ وإذا نزل المسافر في أثناء سفره للراحة؛ فالأفضل له أن يصلي كل صلاة في وقتها قصرا بلا جمع‏.‏ ويباح الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء للمريض الذي يلحقه بترك الجمع مشقة‏.‏ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله‏:‏ ‏"‏وإنما كان الجمع لرفع الحرج عن الأمة، فإذا احتاجوا الجمع، جمعوا، والأحاديث كلها تدل على أنه يجمع في الوقت الواحد لرفع الحرج عن أمته، فيباح الجمع إذا كان في تركه حرج قد رفعه الله عن الأمة، وذلك يدل على الجمع للمرض الذي يحرج صاحبه بتفريق الصلاة بطريق الأولى والأحرى‏"‏ اه‏.وقال أيضا‏:‏ ‏"‏يجمع المرضى كما جاءت بذلك السنة في جمع المستحاضة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالجمع في حديثين، ويباح الجمع لمن يعجز عن الطهارة لكل صلاة؛ كمن به سلس بول، أو جرح لا يرقأ دمه، أو رعاف دائم؛ قياسا على المستحاضة؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام لحمنة حين استفتته في الاستحاضة‏:‏ ‏(‏وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر، فتغتسلين، ثم تصلين الظهر والعصر جمعا، ثم تؤخري المغرب وتعجلي العشاء، ثم تغتسلين، وتجمعين بين الصلاتين؛ فافعلي‏)‏ رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه‏.‏ ويباح الجمع بين المغرب والعشاء خاصة لحصول مطر يبل الثياب، وتوجد معه مشقة؛ لأنه عليه الصلاة والسلام جمع بين المغرب والعشاء في ليلة مطيرة، وفعله أبو بكر وعمر‏. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله‏:‏ ‏"‏ يجوز الجمع للوحل الشديد والريح الشديدة الباردة في الليلة الظلماء ونحو ذلك، وإن لم يكن المطر نازلا في أصح قولي العلماء، وذلك أولى من أن يصلوا في بيوتهم، بل ترك الجمع مع الصلاة في البيوت بدعة مخالفة للسنة؛ إذ السنة أن تصلى الصلوات الخمس في المساجد جماعة، وذلك أولى من الصلاة في البيوت باتفاق المسلمين، والصلاة جمعا في المساجد أولى من الصلاة في البيوت مفرقة باتفاق الأئمة الذين يجوزون الجمع، كمالك والشافعي وأحمد ‏"‏ انتهى‏.‏

ومن يباح له الجمع؛ فالأفضل له أن يفعل الأرفق به من جمع تأخير أو جمع تقديم، والأفضل بعرفة جمع التقديم بين الظهر والعصر، وبمزدلفة الأفضل جمع التأخير بين المغرب والعشاء، لفعله عليه الصلاة والسلام، وجمع التقديم بعرفة لأجل اتصال الوقوف، وجمع التأخير بمزدلفة من أجل مواصلة السير إليها‏.‏

وبالجملة، فالجمع بين الصلاتين في عرفة ومزدلفة سنة، وفي غيرهما مباح يفعل عند الحاجة، وإذا لم تدع إليه حاجة، فالأفضل للمسافر أداء كل صلاة في وقتها؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع في أيام الحج إلا بعرفة ومزدلفة، ولم يجمع بمنى؛ لأنه نازل، وإنما كان يجمع إذا جد به السير‏.‏

كتبت : jannah1
-
كتبت : سنبلة الخير .
-
كتبت : بحر الجود
-
[align=center]
موووووووووووضوع اكثررررررمن رااااااااائع
جزاكِ الله خير الجزاء
أختي زهرة الإسلام
[/align]
كتبت : white rose
-
[align=center][/align]
كتبت : إيثار
-
[align=center]
[align=center]
مشرفتي الغالية
وجعله الله في ميزان حسناتكِ
ووفقكِ الى كل عمل يحبه الله ويرضاه

[/align]
[/align]
الصفحات 1 2 

التالي

ثمرات الفقه في دين الله

السابق

رساله الى الفتيات المسلمات

كلمات ذات علاقة
الطهاره