[align=center]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الدرس الرابع والاخير باذن الله
هل يجوز تسميه أحد بملك الملوك ؟
نهانا النبى صلى الله عليه وسلمعن ذلك ، فقال " أخنع " أى : أذل و أوضع
" أخنع أسم عند الله رجلا تسمى بملك الأملاك أو شاهٍ شاه " و فى لفظ أخنع الأسماء عند الله
و فى لفظ عند مسلم شديد" أغيظ رجلٍ على الله يوم القيامه و أخبثه و أغيظه عليه رجلُُ سمى نفسه كذلك ," هذا من سمى نفسه كذلك فماذا عن الذى فعل الصفه و يظن نفسه هكذا فى الأرض كيف يكون شأنه عند الله يوم القيامه؟..
و قال النبى صلى الله عليه وسلم ( أشتد غضب الله على من زعم أنه ملك الأملاك لا ملك إلا الله) الحديث أخرجه الإمام أحمد فى مسنده
من الأمور ايضاً المتعلقه بهذا الأسم أن الله سبحانه و تعالى وصف نفسه بأنه (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4))الفاتحة مالكيوم الدين و مَلِكُهُ
فالمُلك فى ذلك اليوم العظيم لله وحده ، هنا يقول الله تعالى (لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ( 16))غافروقال الله جل و علا ( وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73)) الأنعاموقال (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ (56)) الحج
وساق هذا المعنى وجمع بينه وبين الرحمه فقال )الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ (26))الفرقان هو له الملك لكنه رحمن و قد قلنا ان الرحمه هنا عامة فهو سبحانه و تعالى رحمته فى هذا الموضع ستغلب غضبه,كأن الله عز و جل أراد ان يُطمئن قلوب عباده الصالحين, فإذا ملكت فارحم هذا هو المقصود بالضبط ان إذا ملكت شئ إرحم حتى تُرحَم, فإذا أردت يوم القيامه ان يُعاملك الله بالرحمة فارحم ما تحت مُلكِك و تحت تصرُفك,,
و عن عبد الله بن مسعود جاء حبر من أحبار اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلمفقال : يا محمد او قال يا ابا القاسم أن الله تعالى يمسك السموات يوم القيامه على إصبع والأراضين على إصبع والجبال والشجر على إصبع والماء والثرى على إصبع وسائر الخلق على إصبع ثم يهزن فيقول : أنا الملك أنا الملك فضحك رسول الله تعجبا مما قال الحبر وتصديقا له . ثم قرأ
( وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)الزمرو الحديث فى الصحيحين
و عن ابى هريره رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقبض الله تبارك وتعالى الأرض يوم القيامه ويطوى السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض؟)متفق عليه
ومن الرحمه للخلق أن الله سبحانه و تعالى هو المَلك الوحيد يوم القيامه لأن الذى يُحاسب بالعدل و لا يظلم و لا يجور هو الله.
*قيل لأحدهم أتُحب ان يُحاسبك ربُك يوم القيامه ام يُحاسبك ابوك و امُك؟ قال بل يُحاسبنى ربى اَلا تعلم ان ربى ارحم بى من أُمى و ابى, و ما ربُك بظلام للعبيد.
و من الأمور المتعلقه باسم الله الملك ، أنه ملك لا يشبه سائر الملوك لأنهم إن تصدقوا بشىء إنتقص ملكهم وقلّت خزائنهم أما الحق سبحانه وتعالى فملكه لا ينتقص بالعطاء والإحسان بل يزداد ، فالله تعالى كلما كان أكثر عطاءا كلما كان أوسع ملكا.
و من الأحكام فى كونه مَلِكاً أن ذلك يستوجب كمال الرحمه و الدليل عليه
(الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ(26))الفرقان وكذلك أنظر إلى قوله تعالى
( الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ(3)مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4))الفاتحه ..فبعد ان ذكر الرحمه ذكر صفة المُلك . فمِن الأحكام ان الله سبحانه و تعالى لتمام مُلكه فهو ايضا سبحانه و تعالى كامل الرحمه فهو فى مُلكه رحيم رحمن.
أنظر إلى اللطيفه المتعلقه بقول الله تعالى " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)مَلِكِ النَّاسِ (2)) الناس ..فذكر أولاً كونه ربا للناس ، ثم أردفه بكونه مَلِكاً للناس ،فما الفائدة فى ذلك ؟
علماء التوحيد يقولون : أن صفات الربوبيه خمس : الملك والرزق والإحياء والإماته و التدبير .
و إسم الله المليك لغة هو من صيغ المبالغه ، لأنه على وزن فعيل والمليك :هو المالك العظيم الملك يعنى يجمع بين الأمرين .
المالك : صاحب المِلك ولا يلزم أن يكون له المُلك .
الملك : أعم من المالك وهو من له الملك و لا يُشترط أن يكون له المِلكية للشئ .
المليك :هو صيغة مبالغه فى إثبات كمال الملكيه و الملك معاً فالمليك هو الصفتين معاً" المالك و الملك" مع دوامهما أزلا وأبدا , فاسم الله المليك يشمل الأمرين معاً الملكية والمُلك.
و اسم الله المليك يدل على ذات الله وعلى صفة المِلك والمُلك معاً بدِلالة المُطابقه .
فعندنا ثلاثة دلالات للمعاني و هي
:1 – دلالة المطابقه . 2 - دلالة التضمن . 3 - دلالة اللزوم .
فعندما أعبر عن الشىء كله بكل ما فيه يسمى دِلالة مطابقه للشىء و عندما أعبر عن جزء من الشئ يُسمّى بدلالة التضمن ,دِلالة اللزوم يلزم من و جود كذا و جود كذا يعنى مثلاً يلزم من وجود سقف وجود جُدران و الإشكال دائما فى دلالة اللزوم .
فإذا قلنا اسم الله المليك : فدلالة المطابقه هي ؟ ذاته سبحان وتعالى موصوفة بصفة المُلك والمِلكيه .
صفة الرحمه دلالة تضمن من صفة الرحيم, و صفة الملكيه تتضمنها صفة المليك.
يلزم من كونه ملك كونه مُهيمن فهو المالِك و المَلِك, المَلِك له المِلكيه و له المُلك فطالما له المِلكيه و له المُلك يلزم منها انه مُهيمن على كل شئ سبحانه و تعالى. قال الله تعالى عن وصف التملك و الملكية لله سبحانه و تعالى (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا(2)) الفرقان,و أشهر الآيات الوارده فى بيان هذه الصفه قول الله تعالى( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (28)) آل عمران
فهو مالك و له الملك فله الصفتان فهو المليك.
و ورد دعاء الله تعالى بهذا الاسم المليك مقيضا.و ذلك فيمارواه الترمذى و صححه الألبانى من حديث ابى هريره رضى الله عنه أن أبا بكر رضي الله عنه قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرني بشئ أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت قال قل اللهم عالم الغيب والشهادة فاطر السماوات والأرض رب كل شيءٍ ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي و من شر الشيطان وشركه
قال قُله إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك )
هذه و صية النبى صلى الله عليه وسلم لأبى بكر رضى الله عنه, فجمع بين اخطر شرين على بنى ادم
اولاً قدّم شر النفس لأنها الأخطر لا شك ثم ثنّى بشر الشيطانوشركه او وشَرَكِه على الروايتان,شِركه:يعنى ما يوقعه فى شركيات و يوقع الانسان فى أخطاء و زلل , و شَرَكِه:يعنى حِيَله و همزاته و نفخاته و حِيَله التى يتخطف بها ارجل الناس عن الصراط فيُضلهم عن سبيل الله تعالى.
ورد كذلك هذا الاسم فيما رواه ابو داوود و صححه الألبانى كذلك من حديث ابن عمر )ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اخذ مضجعه قال الحمد لله الذى كفانى و آوانى و أطعمنى و سقانى و الذى منّ علىَّ فأفضل و الذى أعطانى فأجزل الحمد لله على كل حال اللهم رب كل شئٍ و مَليكَهُ و إله كل شئ أعوذ بك من النار (
الحمد لله الذى كفانى و آوانى و أطعمنى و سقاني فجمع كل مجامع الحمد و إحساسه بهذه النعم, و نحن نحتاج الى ان نحفظه(الدعاء) و نتدارسه لأنه بالغ الثناء,أجزل:يعنى أكثر.
و لما كان المليك يدل على الكمال المطلق فى و صف المُلك و المِلكية معاً كان دعاء العباده متمثلاً فى كمال التوحيد و العبوديه و خضوع العبد لِمَليكه بالكلية فقلبه يطمئن بحبه و لسانه رطبُُ بذكره و بدنه يسعى لقربه لذلك كان النبى صلى الله عليه و سلم يُكثر من تسبيح الله باسمه الملك القدوس كما تقدم معنا.
وذكر أبو طالب المكى صاحب كتاب " قوت القلوب " أن النفس مبتلاه بأربعة أوصاف:
أولها : معانى صفات الربوبيه ولاشك ستكون هذه الأخطر لأنه ينازع الله تعالى فى صفه من صفاته
فأولها "الكبر " ، الثانى " حب المدح " ، الثالث : " العز والغنى " فهذه الصفات صفات ربوبيه , فمن أبتُلى بمثل هذا فقد نازع الله تعالى فى صفه من صفاته ولذلك شدد الشرع جدا فى مثل هذه الأمور .
فتجد فيمن يحب المدح و الإطراء يقول النبى صلى الله عليه وسلم: ( احثوا فى وجه المداحين التراب ) رواه ابو هريرة, صحيح
وتجد فى المتكبر هذا يقول النبىصلى الله عليه وسلم :( لا يدخل الجنة من كان في قلبهمثقال ذرة من كبر)رواة مسلم
ويقول الله جل و علا (العز إزارى والكبرياءُ رِدائى فمن نازعنى فى أحدٍ منهما عذبته )ورواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة
ثانيهما:أن تكون مبتلاه بأخلاق الشياطين مثل : الخداع و الحسد و الحيله ، والنبى صلى الله عليه و سلم ذكر فى الحديث أن المكر والخديعه فى النار.
ثالثهما :طبائع البدن ،و هى الآفات الحيوانيه مثل حب الأكل والشرب والنكاح , وهى مع ذلك كله مطالبه بأوصاف العبوديه مثل : الخوف والتواضع والذل .
*هذا الترتيب مهم: لا شك أن الكبر و الاستغناء عن الله و طلب المحمده أشد من الخداع و الخداع أشد من حب الأكل و الشرب و هكذا الامور بالتدرج.
ورابعهما :النفس خلقت متحركه إنها خلقت لتتحرك وأمرت بالسكوت وأنى لها ذلك إن لم يتداركها المليك وكيف تسكن بالأمر إن لم يسكنها محركها بالخير، فلا يكون العبد عبدا مخلصا حتى يكون للمعانى الثلاثه مخلصا فإذا تحققت اوصاف العبوديه كان خالصا من المعانى التى هى بلاؤه من صفات الربوبيه فإخلاص العبوديه للوحدانيه عند العلماء الموحدين اشد من الإخلاص فى المعامله عند العاملين فلاشك أن تخليص النفس من هذه الآفات يحتاج إلى جهاد ، ولذلك سُمى هذا الأمر الجهاد الأكبر,لأنك قد تعتريك نزعة شجاعه فى قتال العدو لكن لا تستطيع ان تجاهد نفسك التى بين جنبيك عن ان تغض البصر و عن ان تمسك اللسان وعن ان لا تخوض فيما لا يَعنيك هذا امر شديد لا شك...
يذكر ابن رجب فى جامع العلوم و الحكم فى شرحه على حديث من حسن إسلام المرء تركه ما لا يَعنيه قال جاهدت نفسى على القيام و الصيام و على كذا و كذا من دروب الخير فلانت معى و جاهدتها عشرات السنين على ان لا تدخل فيما لا يعنيها فأبت علَىّ ,الشاهد هذا يحتاج الى المجاهده.
الواجب:
النفس مبتلاه باربع صفات اذكريها
[/align]