معني الآية ( وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ )

مجتمع رجيم / القرآن الكريم وعلومه
كتبت : العفة تاجي
-
وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)
بسم الله الرحمن الرحيم

لم قال الله تعالى {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ}

(147) سورة الصافات
والله سبحانه عالمٌ أنهم يزيدون .. أو أنهم مئة ألف إن لم يزيدوا.

وقبل النظر في الآية ..

سنذكر سؤالاً آخر يرد في آية في سورة العنكبوت
في قول الله تعالى
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} (14) سورة العنكبوت


فلم قال الله تعالى " أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا "

ولم يقل "تسعمائة وخمسين سنة؟"

والجواب كما قال الزمخشري:

(لأنه لو قيل كما قلت لجاز أن يتوهم إطلاق هذا العدد على أكثره وهذا التوهم زائل مع مجيئه كذلك وكأنه قيل : تسعمائة وخمسين سنة وافية العدد إلا أن ذلك أخصر وأعذب لفظا وأملأ بالفائدة) أ.هـ.


ومراده أن نوحاً عليه السلام لبث فيهم تسعمائة وخمسين سنة كاملة وافية.
وأنه لو قال القرءان "تسعمائة وخمسين سنة" فربما توهم متوهم أن ذلك من باب التقريب وأنه لم يلبث هذه السنين كلها، وأنه ربما لبث تسعمائة وثلاثين أو بضعاً وثلاثين، أو أربعين أو بضعاً وأربعين .. فقربها القرءان إلى تسعمائة وخمسين عاماً.
لأن التسعمائة والخمسين يحتمل فيها إطلاق العدد على أكثره بخلاف مجيئه مع الاستثناء.


فماذا قال القرءان؟
قال: "أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا"

"إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا" استثناء.. والاستثناء استدراك على الجملة الأصلية، ورجوع عليها
(بالتنقيص تحريراً للعدد فلا يحتمل المبالغة ... كما قال ابن المنير في الانتصاف)
فأنت إذا قلت: جاء الناس كلهم إلا خمسة رجال.
فقولك خمسة رجال هذا العدد لا يحتمل المبالغة بل هم خمسة عدداً .. لا مبالغة فيه لأنه استثناء.


نعود إلى آية سورة الصافات .. وقول الله تعالى:
{وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} (147) سورة الصافات


قال ابن القيم في مدارج السالكين الجزء الأول ......
... قوله تعالى :
{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ... } (74) سورة البقرة
وقوله : {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} (147)
سورة الصافات


قال ابن القيم:
هو كالتنصيص على أن المراد بالأول الحقيقة لا المبالغة فإنها إن لم تزد قسوتها على الحجارة فهي كالحجارة فى القسوة لا دونها.
وأنه إن لم يزد عددهم على مئة ألف لم ينقص عنها فذكر "أو" ههنا كالتنصيص على حفظ المئة الألف وأنها ليست مما أريد بها المبالغة والله أعلم.

انتهى.


ومراد الشيخ يرحمه الله:
أن "أو" هنا بينت أن المذكور صفةً (قساوة مثل الحجارة)
أو عدداً (مئة ألف) في الآيتين لم يكن من قبيل المبالغة، وإنما هو على الحقيقة.


مثاله أن تقول: رأيت رجلاً كالأسد في قوته "أو" يزيد.
فإنك لو قلت: رأيت رجلاً كالأسد، ثم سكتَّ..
لظن السامع أنك تريد بيان شدة قوته، فشبهته بالأسد مبالغة في قوته، وأنه ليس في قوة الأسد على الحقيقة، فلما قلت (أو يزيد) علم السامع أن من رأيت حقاً في قوة الأسد على الحقيقة ليس مبالغة في الوصف، وهو إن لم يكن في قوة الأسد فهو لن ينقص عنها بل يزيد عليها... فأنت حفظت أصل الصفة بـ"أو" وهي قوته التي كقوة الأسد.
فجاءت "أو" تأكيداً للوصف الأول المذكور.


وفي الجزء الثالث من "مدارج السالكين"
قال:
...ما فائدة ذكر "أو" في قوله تعالى:
{فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} (9) سورة النجم


فيقال هي لتقرير المذكور قبلها .. وأن القرب إن لم ينقص عن قدر قوسين لم يزد عليهما وهذا كقوله
{وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ}
والمعنى أنهم إن لم يزيدوا على المائة الألف لم ينقصوا عنها فهو تقرير لنصية عدد المائة الألف فتأمله.
أ.هـ.
وهو كلام قيم جداً من الإمام رحمه الله، وهو نفس المعنى السابق الذي ذكره في الجزء الأول.


ومثله قاله في التبيان في أقسام القرآن
قال:
ثم ذكر استواء هذا المعلم (يعني جبريل) بالأفق الأعلى ودنوه وتدليه وقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإيحاء الله ما أوحى .. فصور سبحانه لأهل الإيمان صورة الحال من نزول جبريل من عنده إلى أن استوى بالأفق ثم دنى وتدلى وقرب من رسوله فأوحى إليه ما أمره الله بإيحائه حتى كأنهم يشاهدون صورة الحال ويعاينونها هابطا من السماء إلى أن صار بالأفق الأعلى مستويا عليه ثم نزل وقرب من محمد صلى الله عليه وسلم وخاطبه بما أمرع الله به قائلا : ربك يقول لك كذا وكذا وأخبر سبحانه عن مسافة هذا القرب بأن قدر قوسين أو أدنى من ذلك ...
وليس هذا على وجه الشك بل تحقيق لقدر المسافة وأنها لا تزيد عن قوسين ألبتة كما قال تعالى
{وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ}
تحقيق لهذا العدد، وأنهم لا ينقصون عن مائة ألف رجل واحداً ونظيره قوله
{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ... }
أي لا تنقص قسوتها عن قسوة الحجارة بل إن لم تزد على قسوة الحجارة لم تكن دونها وهذا المعنى أحسن وألطف وأدق من قول من جعل "أو" في هذه المواضع بمعنى "بل"
ومن قول من جعلها للشك بالنسبة إلى الرأي وقول من جعلها بمعنى "الواو" فتأمله.
انتهى.

هذا كلام ابن القيم .. وهو كلام قيم.
رأه الشيخ أنه أدق مما قاله الكوفيون، والبصريون ...

وإن كان ما قالوه له أيضاً مكانه ...


فالكوفيون قالوا إن "أو" التي في قوله تعالى
(وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون) قالوا هي بمعنى (بل) ويكون المعنى وأرسلناه إلى مائة ألف بل يزيدون.


واحتجوا على ذلك بأنه ..
(قد جاء ذلك كثيرا في كتاب الله تعالى وكلام العرب.
قال الله تعالى ( وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون)
فقيل في التفسير إنها بمعنى "بل" أي "بل يزيدون"
وقيل إنها بمعنى الواو أي "ويزيدون".

ثم قال الشاعر

( بَدتْ مثل قَرْنِ الشمس في رونق الضُّحى ... وصورتها أوْ أنْت في العْيًن أمْلَحُ )


أراد بل. (أي بل أنت في العين أملح)
وقال تعالى ( ولا تطع منهم آثما أو كفورا )
أي وكفوراً.

ثم قال النابغة
( قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا أو نصفه فقد )
إي "ونصفه"
والشواهد على هذا النحو من كتاب الله تعالى وكلام العرب أكثر من أن تحصى"
انتهى.


الإنصاف في مسائل الخلاف .. الجزء الثاني479 -480


واستدلوا أيضاً بقول الله تعالى
( حرَّمنا عليهم شحومهما إلاّ ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ) وهي بمعنى الواو و ( الحوايا )
عطفت على الشحوم أو الظهور.


اللباب علل البناء والإعراب.

ومثل الكوفيين قال أبو علي وأبو الفتح وابن برهان تأتي للإضراب مطلقاً (أي دون شرطي سيبويه .. تقدم نفي أو نهي وإعادة العامل) احتجاجاً بقول جرير
( ماذا ترى في عيال قد برمت بهم ... لم أحص عدتهم إلا بعداد )
( كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية ... لولا رجاؤك قد قتلت أولادي )
(أي كانوا ثمانية وثمانين)
مغني اللبيب .... الجزء الأول - 91

أما البصريون فرأوا غير ذلك .. رأوا "أو" على بابها، تفيد الشك


قال ابن جني في الخصائص:
(... لكنها عندنا على بابها في كونها شكاً. وذلك أن هذا كلام خرج حكاية من الله عز وجل لقول المخلوقين .
وتأويله عند أهل النظر : وأرسلناه إلى جمع لو رأيتموهم لقلتم أنتم فيهم: هؤلاء مائة ألف أو يزيدون.


ومثله مما مخرجه منه تعالى على الحكاية قوله
( ذُقْ إنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الكرِيمُ )
وإنما هو في الحقيقة الذليل المهان لكن معناه : ذق إنك أنت الذي كان يقال له: العزيز الكريم .

ومثله قوله - عز وجل -
( وقَاَلوُا يَأَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بما عَهِدَ عِنْدَكَ إنَّنَا لمُهتَدُونَ ) أي يا أيها الساحر عندهم لا عندنا ( وكيف ) يكون ساحراً عندهم وهم به مهتدون .

وكذلك قوله ( أينَ شُرَكَائي ) أي شركائي عندكم . وأنشدنا أبو علي لبعض اليمانية يهجو جريرا :
( أبلِغ كُلَيبا وأبلِغ عنك شاعرها ... أنِّى الأغرّ وأنّى زَهْرة اليمن )


قال : فأجابه جرير فقال :

( ألم تكن في وُسوم قد وَسَمتُ بها ... مَن حان موعظةٌ يا زهرة اليمن ! )

فسماه زهرة اليمن متابعة له وحكاية للفظه.
الخصائص لابن جني ج2 ص361


وقال برهان الدين الزركشي في "البرهان"

الخطاب بالشئ عن اعتقاد المخاطب دون مافي نفس الامر

كقوله سبحانه وتعالى "أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون"
وقعت إضافة الشريك إلى الله سبحانه على ما كانوا يقولون لأن القديم سبحانه أثبته.

وقوله: "ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً"

وقوله: "ذق إنك انت العزيز الكريم"

وقوله: "لأنت الحليم الرشيد" .. أي بزعمك ..

وقوله: ",وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون"

وقوله: "وأرسلناه إلى مائة الف أو يزيدون"

وقوله: "فهي كالحجارة او اشد قسوة"

وقوله: "وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب"
أي إنكم لو علمتم قساوة قلوبكم لقلتم إنها كالحجارة أو إنها فوقها في القسوة ولو علمتم سرعة الساعة لعلمتم أنه في سرعة الوقوع كلمح البصر أو هو أقرب عندكم.


وأرسلناه إلى قوم هم من الكثرة بحيث لو رأيتموهم لشككتم وقلتم مائة ألف أو يزيدون عليها


وجعل منه بعضهم قوله تعالى ...
"وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه"
أي بالنسبة إلى ما يعتاده المخلوقون في إن الإعادة عندهم أهون من البداءة لأنه أهون بالنسبة إليه سبحانه فيكون البعث أهون عليه عندكم من الإنشاء.

وحكى الإمام الرازي في مناقب الشافعي ..
قال معنى الآية في العبرة عندكم لأنه لما قال للعدم كن فخرج تاماً كاملا بعينيه وأذنيه وسمعه وبصره ومفاصله فهذا في العبرة أشد من إن يقول لشئ قد كان عد إلى ما كنت عليه فالمراد من الآية وهو أهون عليه بحسب عبرتكم لا إن شيئاً يكون على الله أهون من شئ أخر.
وقيل الضمير في عليه يعود للخلق لأنه يصاح بهم صيحة فيقومون وهو أهون من إن يكونوا نطفا ثم علقا ثم مضغا إلى إن يصيروا رجالا ونساءً.
.. إلى أخر ما قال.

فهذا بعض ما قيل في شأن الآية .. ربما كان كلام ابن القيم هو ما يحسبه المرء أليق بالآية وبأسلوب القرءان، لكن قول الآخرين أيضاً يعين في فهم بعض أساليب الخطاب في القرءان واللغة.
والله تعالى أعلم.

منقـــــــــــول للأمانة







كتبت : سنبلة الخير .
-
بارك الله فيكِ على هذا النقل الرائع

جعله الله في ميزان حسناتكِ

في انتظار جديدكِ
كتبت : العفة تاجي
-
[align=center]
غاليتي شرف لي ان احرفي لامست حرفك بكل ريحانيه ودفء
كم هي صفحتى تشرفت بردك الذي عطر اريحة المكان
لقلبك الحنان الذي يلامسه من حين لااخر
دمتي بروعتك وتالقك

[/align]
كتبت : بحر الجود
-
[align=center]
تسلمين حبيبتي على النقل جزاك الله خير الجزاء
[/align]
كتبت : mss!haifa
-
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
كتبت : العفة تاجي
-
class="quote">اقتباس : المشاركة التي أضيفت بواسطة بحر الجود:
[align=center]
تسلمين حبيبتي على النقل جزاك الله خير الجزاء
[/align]

أضأتي متصفحي بنور تواجدك
وعطرت صفحتي بأريج حرفك
مما زاد الموضوع جمالاً..
..//..
فكل الشكر لك
لروعه حضورك البراق .. وعطر قدومك الأخاذ
والله يعطيك العافية
ولايحرمنا من رقي تواصلك
..//..
الصفحات 1 2 

التالي

كيف نحيا بالقران؟

السابق

اسرار هذة الاية القرانية " فاعلم انه لااله الا الله"

كلمات ذات علاقة
أَلْفٍ , مَنْ , معنى , مِئَةِ , المية , يَزِيدُونَ , إِلَى , وَأَرْسَلْنَاهُ