الامامة
فالإمامة في اللغة: التقدم على الغير،
قال ابن منظور:
(وأمّ القوم وأمّ بهم: تقدمهم، وهي الإمامة...
والإمام: كل ما ائتُمّ به من رئيس وغيره، والجمع أئمة).
وفي التنزيل: ((فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ)) [التوبة:12]
الآية، أي اقتلوا رؤساء الكفر وقادتهم الذين ضعفاؤهم تبع لهم
([1]).
وأما في الاصطلاح: فقد عرفها علماء المسلمين بما يلي:
يقول الماوردي:
(الإمامة: موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا)([2]).
وقال العلامة ابن خلدون:
(فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا).
وقال عن وجه تسمية القائم بها إماماً وخليفة:
(وإذ قد بيّنا حقيقة هذا المنصب وأنه نيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين وسياسة الدنيا به تسمى خلافة وإمامة والقائم به خليفة وإماما.
فأما تسميته إماماً:
فتشبيهاً بإمامة الصلاة في اتباعه والاقتداء به، ولهذا يقال: الإمامة الكبرى، وأما تسميته خليفة: فلكونه يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته، فيقال: خليفة بإطلاق، وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم)([3]).
وعرفها الرافضة بمثل تعريف أهل السنة، وزادوا عليه كلمة:
بحق الأصالة بناء على أصلهم في الإمامة.
قال علي البحراني:
(عرفها المتكلمون وحدوها بأنها رياسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص إنساني خلافة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ونقل عن بعض الفضلاء: أنه عرف الإمامة بأنها رياسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص إنساني بحق الأصالة)([4]).
هذا هو تعريف الإمامة عند أهل السنة، وعند الرافضة.
وأما مكانتها:
فعند أهل السنة وغيرهم من الفرق الإسلامية أنها مصلحة من مصالح الأمة، فيجب عليهم أن ينصبوا لها واحدًا منهم يكون إماماً لهم ينظر في أمورهم الدينية والدنيوية، ويقيم فيها حدود الله وأوامره، ويتم اختياره عن طريق البيعة بأن يبايعه جميع من حضروا أو أكثرهم بمن فيهم أهل العقد والحل، أو يكون بالعهد من الإمام السابق عليه، فإذا تم ذلك وجب على الأمة طاعته ما أقام فيهم أمر الله تعالى، لقوله تعالى:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)) [النساء:59].
ولابد أن تتوفر فيمن يختار إماماً للمسلمين جملة من الشروط،
منها:
العدالة، والعلم المؤدي إلى الاجتهاد، والكفاية، وسداد الرأي، وسلامة الحواس والأعضاء مما يؤثر في الرأي والعمل، وأن يكون قرشي النسب على الصحيح، إلى غير ذلك مما ذكره العلماء من
الشروط المطلوب توفرها فيمن يتولى أمور المسلمين.
هذا هو نظر أهل السنة إلى الإمامة وهي أنها من المصالح العامة التي يفوض إلى الأمة القيام بها([5]).
وأما الرافضة فعندهم أن الإمامة
ركن من أركان الإيمان لا يتم الإيمان إلا بها، وأنها أهم مطالب الدين، فلا يجوز تفويضها إلى اختيار الأمة، ولا إغفالها، بل يجب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم تعيين الإمام، ويكون معصوماً من الكبائر والصغائر، ويكون أفضل الناس؛ لأنه لا تصح إمامة المفضول عندهم مع وجود الفاضل.
وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم
نص على علي بن أبي طالب، ووصى به من بعده ليكون إمام المسلمين، ونص علي بدوره على ابنه الحسن، والحسن على أخيه الحسين،
ثم جرت الإمامة في أبناء الحسين إلى اثني عشر إماماً،
كل إمام ينص على الإمام الذي يأتي بعده؛ لأن الإمامة عندهم لا تصح إلا بنص من الإمام السابق،
وأوّلوا نصوصاً من القرآن والسنة طبقاً لمزاعمهم هذه في الإمامة كما اختلقوا أخباراً ووضعوها على أئمتهم في ذلك،
هي مبسوطة في مواضعها،
وستأتي الإشارة إلى بعضها إن شاء الله تعالى.
هذا هو مجمل نظرتهم إلى الإمامة وهي مخالفة لما عليه جماهير المسلمين من أهل السنة وغيرهم من الفرق المنتمية إلى الإسلام،
وقد أدت بهم نظرتهم هذه إلى الإمامة إلى استحداث أمور كثيرة
في الإسلام؛
كالقول بوجوب النص على الإمامة والقول بالوصية،
والقول بعصمة الأئمة إلى غير ذلك من البلايا التي جلبوها
إلى المسلمين.
وفي ذلك يقول آية الله إبراهيم الزنجاني:
(تعتقد الإمامية الإثنا عشرية أن الإمامة رئاسة الدين والدنيا ومنصب إلهي يختار الله بسابق علمه، ويأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يدل الأمة عليه ويأمرهم باتباعه، والإمام حافظ للدين وتعاليمه من التغيير والتبديل والتحريف، وحيث إن الإسلام دين عام خالد كلف به جميع عناصر البشر، وتعاليمه فطرية أبدية أراد الله بقاءه إلى آخر الدنيا، فلابد أن ينصب الله إماماً لحفظه في كل عصر وزمان لكي لا يتوجه نقض الغرض المستحيل على الحكيم تعالى، ولأجل ذلك أمر نبيه بأن ينص على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بقوله:
((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)) [المائدة:67]،
وأن ينص على أحد عشر إمامًا من ولد علي ظاهراً مشهوراً أو غائباً مستوراً، وهذه سنة الله في جميع الأزمان وفي جميع الأنبياء من لدن آدم إلى خاتم الأنبياء صلى الله عليهم أجمعين...)([6]).
إلى غير ذلك من الأقوال الواردة في الإمامة عندهم، وقد تولى علماء المسلمين قديماً وحديثاً الرد على تخرصاتهم هذه في الإمامة وبيّنوا فساد استدلالهم بالكتاب والسنة على مذهبهم
وكشفوا عن زيف عقائدهم،
كما ستأتي الإشارة إلى بعضها في حينها
إن شاء الله تعالى.
(1) لسان العرب (12/ 24).
(2) الأحكام السلطانية (ص5).
(3) مقدمة ابن خلدون (ص191).
(4) منار الهدى في إثبات النص على أئمة الاثني عشر (ص6)، وانظر: الألفين للحلي (ص2).
(5) انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم (4/ 149، 150)، ومقدمة ابن خلدون (ص191- 193)، ومختصر التحفة الإثني عشرية للدهلوي (ص116).
(6) عقائد الإمامية الإثنا عشرية للزنجاني (3/ 5، 6)
وانظر: الألفين للحلي (ص11، 12، 19، 20)،
ومنار الهدى لعلي البحراني (ص9، 72، 73)،
والشيعة في الميزان لمحمد جواد مغنية (ص37- 78).