التناسق الهرموني في أوائل سورة مريم
مجتمع رجيم / الاعجاز العلمى الدينى
كتبت :
جويرية33
-
المجلة - العدد الثالث إن معجزة القران هي كونه كتابا يتضمن بين دفتيه كلاما بلغة عربية فصيحة، وهذا الكلام ذو خصائص معينة لا يمكن لأحد مهما كانت عبقريته أن يأتي بمثله: { قُل لّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنّ عَلَىَ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} "سورة الإسراء،آية 88"
فخاصيته الأولى إذن هي قوته اللغوية بتعابيره الدقيقة وألفاظه العذبة وتصويره الرائع لتموجات النفوس في مشاعرها، وتقلبات أحوال الناس في حياتهم، وذلك دون أدنى اختلاف مع قواعد اللغة العربية والنحو والصرف والبلاغة وغيرها. هذا من ناحية اللفظ.
والخاصية الثانية هي مضمون هذا اللفظ الذي تناول بالبحث كل فرع من فروع العلم البشري،مبرهنا على إحاطة عميقة بكل فرع على حدة، ولئن اقتصر الحديث عن بعض التفاصيل الدقيقة للعلوم الكونية، فلأن المقصود هو تقديم الدليل بان مصدر هذا الحديث هو عَالِم محيط بكل العلوم، وعارف بأدق حقائقها،ولا يهدف بالحديث عن هذه العلوم، تعليم الناس كل ما اشتملت عليه هذه العلوم من معرفة،ولكن إعلام الناس بان هذا الحديث الذي وصل إليهم هو من عنده وحده،الخالق الواضع للعلوم كلها، بدليل استعراضه لتـفاصيل خـفية على كل الناس بمن فيهم الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم، وذلك في العصر الذي انزل فيه هذا الكلام الرباني المعجز، وفي العصور المتقدمة عنه، وكذلك في فترة طويلة من العصور المتأخرة عن زمن نزول كلام الله المقدس الذي هو القرآن العظيم،الذي لا تنقضي عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد كما قال الرسول صلوات الله و عليه سلامه.
ونستعرض في هذا المقال، إحدى روائع التعبير القرآني اللفظي إلى جانب جمال اللغة مع الدقة العلمية المتناهية المتعلقة بموضوع طبي حساس جدا، وحديث الاكتشاف وهو: النظام الهرموني العصبي في جسم الإنسان،كما ورد في تناسق بديع في أوائل سورة مريم. ولنتأمل هذه الآيات الكريمة:
{كَهيعَصَ(1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيّآ(2) إِذْ نَادَىَ رَبّهُ نِدَآءً خَفِيّاً(3) قَالَ رَبّ إِنّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنّي وَاشْتَعَلَ الرّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبّ شَقِيّاً(4) وَإِنّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَآئِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لّدُنْكَ وَلِيّاً(5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبّ رَضِيّاً(6) يَزَكَرِيّآ إِنّا نُبَشّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَىَ لَمْ نَجْعَل لّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً(7) قَالَ رَبّ أَنّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً(8)}.
لقد ذكرت هذه الآيات الثمانية الأولى خمسة أعراض طبية مجتمعة لدى رجل واحد وتتعلق بعدة تخصصات كما يلي:
- وهن العظم: وهذا يختص بعلم العظام.
- شيب الرأس: وهذا يختص بعلم الجلد.
- الخوف: وهذا يختص بعلم الأعصاب.
- ضعف الخصوبة: وهذا يختص بعلم الخصوبة.
- الكبر الشديد: وهذا يختص بعلم الشيخوخة.
ويتبادر السؤال إزاء اجتماع هذه الأعراض معا في أوائل سوره مريم:لماذا ذكرت تلك الأعراض بالذات دون عدد كبير أخر من أعراض الشيخوخة؟ وهل يوجد رابط علمي يجمع هذه الأعراض في وحدة طبية متناسقة؟
أجل إن هذه الأعراض إنما ذكرت مجتمعة دون غيرها لحكمة علمها الخالق سبحانه وتعالى، ويسر لنا الاطلاع عليها في هذا الزمن كما قال تعالى: {وَيَرَى الّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ الّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رّبّكَ هُوَ الْحَقّ وَيَهْدِيَ إِلَىَ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}.
"سبأ، آية 6".
دراسة الأعراض الطبية في أوائل سورة مريم:
إن الأعراض الطبية المذكورة في أوائل سورة مريم قد تعتري أي إنسان، وليست مقصورة على النبي زكريا عليه السلام، فكل إنسان تقدم به العمر يشكو من ضعف عظامه وشيب رأسه، وتتضاءل قدرته على الإنجاب، كما تعتريه فترات خوف من الموت - على اختلاف مصادر هذا الخوف وأنواعه - حيث نرى إن من الأسباب هنا أن سيدنا زكريا كان حريصا على استمرار مسيرة الدعوة، واستقرار شؤون أهله، مما يستلزم أن يكون له ولد، حيث إن وجود الولد مظنة تحقيق ذلك المراد. وإن تسمية ما تفضل الله به على سيدنا زكريا من حصول إنجاب الولد معجزة لأنه كان مع الكبر الشديد،وعقم زوجته(انظر تفسير ابن كثير 3/180، 181، وتفسير في ظلال القرآن4/ 2302) فكان حصول الإنجاب منه مخالفا لما جرت به العادة،إذ أن حصول إنجاب الولد مع وجود الأعراض التي وردت الإشارة إليها يتعذر عادة.وهذه الأعراض هي: وهن العظام، شيب الرأس، وضعف الخصوبة، والخوف، والكبر الشديد، وهي أعراض لا تقتصر على الأنبياء فحسب،بل تعتري غيرهم من بني البشر، ولهذا السبب سنتطرق إلى الأعراض الخمسة المذكورة كأعراض طبية عامة لا ترتبط بحالة شخص بعينه وإنما هي قوانين وتفاعلات تسير وفق نظام أودعه الله كل الأجسام البشرية، ونشرع الآن في تفصيل هذه الأعراض والبحث عن العلاقة التي تربط بعضها ببعض.
1 - الشيخوخة
أ - البحث العلمي:
يمر الإنسان بعدة أطوار في حياته كما قال تعالى {
سورة غافر/ آية 67، وتمثل الشيخوخة آخر هذه المراحل، وهي فترة التراجع في أغلب وظائف الجسم، وتظهر فيها أعراض النقص في كفاءة الأجزاء المختلفة في البدن، وان لم تتضح الأسباب المباشرة لهذه الظاهرة، إلا أن من التفسيرات المقبولة: تراكم العيوب على مستوى الأحماض النووية في نواة الخلية،مما يؤدي إلى عجز الخلية عن إنتاج البروتينيات السليمة،وبذلك تتراجع فاعلية هذه البروتينات في أداء وظيفتها في الجسم فتظهر أعراض الشيخوخة المختلفة.
وتوصلت الأبحاث إلى أن الجذور الحرة هي المسؤولة عن الأضرار التي تحصل في الخلية،لأنها مواد سامة للخلية، هذا إلى جانب تصلب وكثافة جدار الأوعية الدموية بسبب تسرب الدهون فيها،مما يؤدي إلى نقص في إمداد الأكسيجين والغذاء للخلايا في مختلف أجزاء الجسم، كما ربط الباحثون بين ظهور الشيخوخة وقصور في الساعة البيولوجية الموجودة في المهاد السفلي.( منطقة ما تحت المهاد: هي المنطقة تحت الغدة النخامية في الجمجمة).
ب - أعراض الشيخوخة:
كما رأينا أن الشيخوخة هي مرحلة طبيعية تتراجع فيها أجهزة الجسم عن أداء وظائفها بكفاءة وتختلف الشيخوخة عن الأمراض التي تحدث فيها.
ومن أعراض الشيخوخة ضعف البصر والسمع والذاكرة والعضلات،وقلة النوم والارتعاش وانكماش الجلد، وضعف العظام وشيب الشعر،وسنركز على الجملتين الأخيرتين، ومدى ارتباطهما بعلامة ثالثة هي ضعف القدرة على الإنجاب عند الشيوخ، كما سندرس علاقة ضعف العظام والشيب والكبر والخوف بضعف الخصوبة.
2 - وهن العظام