عاشقة المطر

مجتمع رجيم / مسجات الجوال
كتبت : تايجر
-



عاشقة المطر



ليس رذاذ المطر الناعم هو ما يستهويها فقط، فعاشقة المطر مهووسة بأحجام بَرَكَةِ السماء وأنواعها كلها؛ الناعم والغاضب والغزير من حَبّه العزيز النازل على الأرض وناسها وبيوتها وشوارعها وحاراتها وبلادها كأنه بلورات القدر المبين.

منذ طفولتها الكركية الواعدة تعشق المطر، ودائماً، على اختلاف الظروف والأحوال، تنتهز مناسبة هطوله الخيّر المبارك، لتركض بين حباته العزيزات، وترخي جدائلها للريح والابتلال الجميل.
وفي المسافة الممتدة بين أحلام ساحة الصبا وواقع الحياة المتقلب على مختلف الاحتمالات، أيقظها من رومانسيتها جواب صديقتها بَسْمة «المطر للأغنياء بَرَكة وعلى الفقراء طامة ووبال كبير».
سرحتْ بفكرها في جملة الصديقة (الزاكية)، هكذا تصفها وهكذا تراها، وبسؤالها عن الفرق بين جمال المرأة وزكاوتها، تبيّنَ أن صديقتها تحمل من المعنيين ما يكفيها لكي تظل تنعم بالعنفوان.
وفي خضم تأملها عبارة الصديقة، دقّت جارتها باب بيتها لتخبرها أن (الكراج) مليء بالماء، وتعطّلت سيارة ابنتها، وامتلأ مصعد عمارتها بالماء، وسمعت في قلب هذه الفوضى عبارات متباينة من مثل «يجب أن نوقف الكهرباء عن المصعد لئلا يصعقنا جميعاً»، وغابت موظفة مختبرها عن الدوام بسبب المطر، واشترت لخادمتها حذاءً بلاستيكياً خاصاً بالمطر، وهو بالمناسبة يشبه الجزمة إياها التي تشبه رفيق الطفولة والصبا لسكان المخيمات والأحياء العمّانية الشعبية، وغيّرت (جراباتها) وحذاءها مرات عديدة تتطابق مع عدد نزولها لمخزنها الذي داهمته مياه المطر، وبالكاد أنقذتْ لوحاتها المنتظرات زهواً متوقعاً في زمن قد يجيء، لوحات نساء حالمات، وإفريقيات متمردات، وأطفال يحملون الدمع كأنه قدر لا فكاك منه، وأحصنة جامحة، ورجال ذوو بشرات سمر وزنود مفتولة وصدور واسعة ومناكب عريضة، وعيون سوداء واسعة الطيف والكيف والجحوظ.


ليستْ تلك صورة المطر المرسومة داخل آفاق خيالها الجامح، اضطرابات عدم توقعه، مخاوف آثاره المدمرة، تغوّل سيوله الكاسحة، فوضى تدفقه غير المدروس، وقوف الفقراء أمام جبروته بلا حول لهم ولا قوة، ربكة أولياء الأمر، عجز الرجال أمام حقيقة ضرورة تبديل اسطوانة الغاز، قلة الأغطية، وتعطل جهاز التلفزيون والخلوي والمذياع، كمستلزمات لا بد منها في كل مرة يقرر فيها الطقس أن يكون أميناً على متوالية الفصول وناموس الحياة السرمدي.
تركض وحدها تحت الرذاذ المجنون، تداعب حباته خصلات شعرها المعجونة من شقرة الأصل وبياض العمر، تفتح ذراعيها لاحتمالات اللحظة جميعها، يراقبها الشرطي المختبئ في الكشك بانتباهٍ مبتسم، تلحق بها خادمتها، الأخبار من العمارة غير مطمئنة، إذا كان هذا حال حيها الراقي في فكيف هي أحوال الناس في بباقي جهات الوطن. تعود أدراجها، وتستقل سيارتها عاشقة المطر، وتقوم بجولة طوعية على أحياء سرق منها المطر بهجة الليل وهدوءه، وحولها إلى أمكنة آيلة للسقوط.



align="left">اتمنى ان ينال اعجابكم اختكم الجديدة تايجر
كتبت : hana98
-
كتبت : hana98
-
كتبت : سحر هنو
-
موضوع رائع وطرح اروع
سلمت يداكِ يااختي الغالية
رزقكِ الله من حيث لاتحتسبين
وفـقـك ربـي لـكـل خـيـر وأبـعـد عـنـك كـل شـر
ورزقـك ربـي الـفـردوس الأعـلـى ووالـديـك ووالديـنـا والمـسـلـمـيـن أجـمـعـيـن
كتبت : عذوب بنت الجنوب
-
كتبت : نجمة المساء
-
الصفحات 1 2  3 

التالي

بالصور .. العثور على كنز "علي بابا والأربعين حرامي" في تركيا

السابق

فوائد الملفوف

كلمات ذات علاقة
المطر , عاشقة