بَرْبَشْتر بشاعة الصليبيين وتخاذل المسلمين

مجتمع رجيم / قسم التاريخ الاسلامى
كتبت : زهره الاسلام
-
بَرْبَشْتر الصليبيين ovckgz5nd3zk01sqkb4.




تدهورت أوضاع المسلمين في الأندلس إبان القرن الخامس الهجري / الحادي عشر الميلادي ، وكان مسلسل التدهور قد ابتدأ بالفتنة بين بني أمية ( حكام البلاد ) أنفسهم من جانب وبينهم وبين غيرهم من جانب آخر . ثم انقسمت البلاد الأندلسية شيعاً وأحزاباً ، فصارت السلطة فيها تتوزع بين أكثر من عشرين دويلة صغارها لم يكن سلطانها يتجاوز بعض الحصون أو القرى . وقد أًطلق على هذا العصر من التاريخ الأندلسي عصر دول الطوائف . والمتأمل في أحوال تلك الدويلات يجد بين حكامها ـ رغم كثرة أعدادهم ـ سمات مشتركة ، من أبرزها افتقاد أكثريتهم إلى الشرعية في حكم الأراضي التي يسيطرون عليها ، والاقتتال العنيف بينهم في سبيل بسط النفوذ على أكبر قدر ممكن من البلاد ، كذلك التناحر على الحكم في داخل الدويلة الواحدة بين أفراد الأسر الحاكمة ، ومنها الاستعانة باليهود والنصارى سواء في شؤون الحكم والإدارة ، أو في ضرب إخوانهم المسلمين . وقد عم أرجاء الأندلس في ظل سيطرة هؤلاء الحكام فساد عريض على كافة المستويات السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية .



بينما كان المسلمون في الأندلس يعيشون هذه الأوضاع المؤسية إذ تعرضت بلادهم في طرفها الشمالي الشرقي المسمى الثغر الأعلى الأندلسي لحملة صليبية غاشمة شارك فيها عدد من القوى النصرانية ، وكان ذلك في منتصف القرن الخامس الهجري . حيث أن النورمان الذين اعتنقوا النصرانية حديثاً انطلقوا من موطنهم الجديد نورماندي ـ الواقع في الشمال الغربي من فرنسا ـ نحو الأندلس بقيادة زعيمهم جيوم دي مونري ، وذلك بنصيحة ثم تشجيع من بابا روما في ذلك الوقت أسكندر الثاني الذي كان يعرف هذا القائد النورماني جيداً قبل هذه الحملة بسبب قدومه إلى إيطاليا وخدمته للبابوية حيناً من الزمن . وفي طريق الحملة إلى الأندلس التحقت بها جموع من الفرسان الفرنسيين ، ثم نزل الجميع في مملكة قطلونيا النصرانية الكائنة في أقصى الشمال الشرقي من بلاد الأندلس ، ولا يُعلم إن كانوا اخترقوا البلاد الفرنسية ودخلوا قطلونيا من جبال البرتات الفاصلة بين فرنسا وإسبانيا أم أنهم قدموا عن طريق البحر المتوسط ، وسواء كان هذا أو ذاك فالحاصل أن قطلونيا النصرانية أذنت لهم بالنزول في أرضيها ، ثم سمحت لهم بالعبور من خلالها للهجوم على بلاد المسلمين ، ولا يستبعد أن يكون بعض القطلونيين انضموا إليهم .



وواضح مما سبق الصبغة الصليبية التي اكتست هذه الحملة ، فهي انطلقت من قاعدة نصرانية ، وشارك فيها أكثر من بلد نصراني سواء بالجنود أو بالسماح لها بالعبور من خلال أراضيه ، وفوق ذلك دور بابا روما في الإشارة بها وتشجيع قادتها .



تحرك هؤلاء النصارى الصليبيون الذين بلغ تعدادهم زهاء أربعين ألفاً من قطلونيا غرباً بجنوب صوب بلاد المسلمين فحلوا في الثغر الأعلى الأندلسي ، وقصدوا أولاً مدينة وَشْقَة فنازلوها أياماً ، ولما لم ينالوا منها مأرباً بارحوها وساروا شرقاً حتى نزلوا على مدينة بَرْبَشْتر الواقعة إلى الشمال الشرقي من مدينة سرقسطة قاعدة الثغر الأعلى ، وكانت يومئذ من أمنع القواعد الإسلامية في الشمال الأندلسي ، فضربوا حولها الحصار وذلك في جمادى الآخرة سنة 456 هـ / 1046 م .


ولقد كان من المنتظر أن يهب ملوك الطوائف جميعاً لدفع هذا الحصار الصليبي عن بربشتر ، دع عنك حكام الثغر الأعلى الذين تقع عليهم مسؤولية الدفاع عنها بالدرجة الأولى . لكن ـ ياللأسف ـ لم يتحرك هؤلاء ولا أولئك فتركوا المدينة تواجه الهجوم الصليبي لوحدها ، ومن المحزن أن هذه المدينة كانت تابعة للمظفر يوسف بن سليمان بن هود ، وكان على عداء صارخ مع أخيه المقتدر أحمد بن سليمان بن هود منذ وفاة والدهما سليمان ، فلم يستطع المظفر انجادهما ، ولم يتحرك أخوه المقتدر لنجدتها مع قدرته على ذلك ، ولم يكن من سبب يمنعه من نجدتها سوى أنها كانت من أملاك أخيه .

بَرْبَشْتر الصليبيين 6-31.jpg

حاصر العدو المدينة ، وصمد المسلمون فيها ، وكان بعض المقاتلين منهم يخرجون من آن لآخر ويشتبكون معه في معارك شديدة ثم يرتدون إلى الداخل كرة أخرى . إلا أن استمرار الحصار أربعين يوماً أحدث في المدينة ضيقاً شديداً ، وقلت الأقوات فيها ، ثم حدث من جراء ذلك تنازع وخلاف بين أهلها ، فعلم النصارى بما جرى فشددوا قبضتهم ، وضاعفوا عدوانهم عليها حتى تمكنوا بعد قتال عنيف من اقتحام الأسوار الخارجية للمدينة ، وقد دافع المسلمون عن أنفسهم أشد دفاع ، وقتلوا من المهاجمين نحو خمسمائة ، ثم انحازوا إلى المدينة الداخلية للتحصن بها ، والدفاع عن أنفسهم ، وبينما كانوا معتصمين فيها وقد عقدوا العزم على المقاومة لآخر رمق إذ قدّم أحد الخونة المنافقين للأعداء معلومة في غاية الأهمية تتعلق بأحد أسرار المدينة الذي بمعرفته يستطيعون إنهاء المقاومة الإسلامية فيها بأقصر زمن ، حيث دلهم على مجرى ( سرب ) الماء الأرضي الذي يمدها بالماء ، فقاموا على الفور بهدمه ، فانقطع الماء عن المحصورين . وهذا المنافق الذي قدم تلك المعلومة للعدو يكثر وجوده حين تحل بالأمة الإسلامية أزمات ، أو تصاب بمحن ، فمثل هذا الصنف مذبذب في ولائه دائماً بين المسلمين وعدوهم ، فإن كانت الدائرة للمسلمين كان في صفهم ، وادعى أنه مخلص لقضيتهم ، وإن رأى الأعداء في سبيلهم إلى النصر والغلبة انحاز في ولائه وهواه إليهم لما يمني نفسه من السلامة من القتل ، والمكافأة على ما بذله من خدمة لهم .

بَرْبَشْتر الصليبيين 449px-anthonis-van-d

على أي حال اشتد الظمأ بالمسلمين المحاصرين ، وبدا شبح الموت قريباً منهم ، فبعثوا إلى قائد الجحافل الصليبية جيوم دي مونري يطلبون منه الأمان على أنفسهم وأولادهم مقابل تسليم المدينة وترك ما بها من أموال وأمتعة ، فرفض طلبهم ، وتابع هؤلاء المعتدون الحصار حتى تمكنوا من اقتحام المدينة عنوة بعد مواجهات عنيفة مع المسلمين ، فدخلوها دخول الوحوش المفترسة ، فاستباحوا المدينة بمن فيها وبما فيها ، وقتلوا وسبوا الألوف من أهلها . ثم أعلن القائد الصليبي الأمان ، ولما رأى كثرة الجموع الخارجة من المدينة في ظل الأمان الذي قطعه لهم هاله ذلك فأمر بالتخفيف منهم ، فأطيح أرضاً بستة آلاف منهم . وقد مات كثير من الشيوخ والنساء والأطفال بسبب العطش ثم الزحام عند الخروج من المدينة ، كما امتنع نحو سبعمائة في قصبة المدينة ( قلعتها ) فمات معظمهم عطشاً .


أن اقتحام مدينة بربشتر وذبح أهلها بهذه الكيفية يقدم صورة جلية لما تعتمل به قلوب النصارى المتعصبين من تعطش لدماء المسلمين ، فهم لم يقبلوا منهم تسليم المدينة وكل ما يملكون من أموال ومتاع حين عرضوا عليهم ذلك مقابل خروجهم فقط بأنفسهم وأولادهم بل أصروا أن يعملوا السيف في رقابهم حتى بعد إعطائهم الأمان ، فدماء المسلمين عندهم أرخص الدماء . وهم كإخوانهم من الكفار إذا ظهروا على المسلمين لا يرقبون فيهم إلاً ولا ذمة . ومثل هذه الصورة نراها تكرر عبر التاريخ في حقل الصراع بين المسلمين والنصارى حتى عصرنا الشاهد ، وليس ببعيد عنا ما قام ويقوم به النصارى وإخوانهم اليهود في البوسنة والهرسك وكوسوفا وفلسطين والشيشان وغيرها من بلاد المسلمين الممتحنة .


بَرْبَشْتر الصليبيين Inquisition565768678

على أن هؤلاء الصليبيين الذين اقتحموا مدينة بربشتر لم يكتفوا بالقتل والسلب والأسر والتعذيب فحسب بل ارتكبوا في حق أهلها المسلمين عملاً شنيعاً لا يقدم عليها إلا أخس الجنود وأنذلهم ، حين قاموا بهتك الأعراض بطرق فضيعة ومؤذية . وندع المؤرخ ابن حيان الأندلسي ( ت 469 هـ ) الذي عاصر الحدث وعايشه ـ يصف طرفاً مما جرى لأهل بربشتر المسلمين ، حيث يقول (( ولما برز من بقي من أهل المدينة عنها إلى فناء بابها بعد من خفف منهم بالقتل ، وهلك بالزحمة ، ظلوا قياماً ذاهلين منتظرين لنـزول القضاء بهم ، نودي فيهم بأن يرجع كل ذي دار إلى داره ووطنه بأهله وولده ، وأزعجوا لذلك ، فنالهم من الازدحام قريباً مما نالهم في خروجهم عنها ، فلما استقروا فيها مع عيالهم وذرياتهم اقتسمهم المشركون بأمر سلطانهم قسمة قرروها بينهم ، فكل من صارت في حصته دار حازها ، وحاز ما فيها من أهل وولد ومال ، يحكم كل علج منهم في من سُلط عليه من أرباب الدور بحسب ما يبتليه الله به منهم ، يأخذ كل ما أظهره عليه من نشب ، ويقرره على ما أخفاه عنه ، يعذبه أنواعاً من العذاب حتى يبلغ نفسه عذرها منه ، فربما زهقت نفس المسلم دون ذلك فاستراح ، وربما أنظره أجله إلى أسوأ من ذلك ، فإن عداة الله كانوا يومئذ يتولعون بهتك حُرم أَسْراهم وبناتهم بحضرتهم وعلى أعينهم إبلاغاً في تعذيب قلوبهم ، يغشون الثيب ، ويفتضون البكر ، وزوج تلك وأبو هذه موثق بقيد إساره ، ناظر إلى سُخنة عينه ، فعينه تدمع ، ونفسه تقطع 000 فبلغ الكفرة فيهم يومئذ ما لا تلحقه الصفة على الحقيقة )) (1) .


ولنا أن نتساءل عن موقف الأمة خاصة في بلاد الأندلس مما حصل لأهل هذه المدينة الأندلسية البائسة . لعل أصدق من يعبر عن ذلك ابن حيان الآنف الذكر الذي عايش الحدث ، وتجرع آلامه ، وعاش في غضون تلك الأيام ، فخبر واقعها ، ودقق في أحداثها ، واطلع على حال أهلها من حكام ومحكومين ، يقول ابن حيان واصفاً حال الأمة تلك الأيام الذي وقع فيها ذلك الحدث (( فمثل دهرنا هذا : فرس بهيم الشية ، ما أن يباهى بقرحة فضلاً عن شدوخ غُرة ، قد غربل أهليه أشد غربلة ، فسفسف أخلاقهم ، واجتث أعراقهم ، وسفه أحلامهم ، وخبّث ضمائرهم ، فاحتوى عليهم الجهل ، واقتطعهم الزَّيف ، وأركستهم الذنوب ، ووصمتهم العيوب ، فليسوا في سبيل الرشد بأتقياء ، ولا على معاني الغي بأقوياء ، شاءُُ من الناس هامل ، يعللون أنفسهم بالباطل . من أدل الدلائل على جهلهم بشانهم اغترارهم بزمانهم ، وبعادهم عن طاعة خالقهم ، ورفضهم وصية رسوله نبيهم عليه السلام ، وذهولهم عن النظر في عاقبة أمرهم ، وغفلتهم عن سد ثغرهم )) . ثم يوضح أثر هذا الواقع الذي كانت الأمة الأندلسية تعيشه في ضعفها أمام أعدائها النصارى بقوله (( حتى لظل عدوهم الساعي لإطفاء نورهم يتبجح عراص ديارهم ، ويستقرىء بسائط بقاعهم ، يقطع كل يوم طرفاً منهم ، ويبيد أمة )) .


وأخيراً يرسم بقلمه البليغ رد الفعل المباشر لمن بأيديهم السلطة والتأثير في الأندلس ـ وقتذاك ـ على أحداث الاعتداء النصراني الصليبي على أهل مدينة بربشتر فيقول (( ومن لدينا وحوالينا من أهل كلمتنا صموت عن ذكرهم ، لهاة عن بثهم . ما إن يُسمع عندنا بمسجد من مساجدنا ، أو محفل من محافلنا مذكر بهم ، أو داع لهم فضلاً عن نافر إليهم ، أو مواس لهم ، حتى كأنهم ليسوا منا ، أو كأن فتقهم ليس بمفض إلينا ، وقد بخلنا عليهم بالدعاء بخلنا عليهم بالغَناء ، عجائب مغربة ، فاتت التقدير ، وعرضت للتغيير ، فلله عاقبة الأمور ، وإليه المصير )) .


على أن الأمة الإسلامية في كل زمان ومكان مهما بلغ بها الضعف والهوان فإن روح الجهاد والفداء ، ومعاني الخير والصلاح باقية فيها ، ما أن تهزها الأحداث والدواهي حتى تسري في كيانها تلك الروح والمعاني وإن اختلفت درجة الاستجابة من بلد إلى بلد ، ومن قوم إلى آخرين . وفي مأساة بربشتر السالفة الذكر لما حدث لها ما حدث هب رجال من طلبة العلم والعلماء في الأندلس ينكرون على الناس وحكامهم تبلد إحساسهم تجاه محنة إخوانهم في تلك المدينة البائسة ، ويقرعونهم على موقفهم المتخاذل أمام النصارى الصليبيين ، ويطالبونهم بالقيام بمسؤوليتهم في إزالة ذلك العدوان الغاشم كل بحسب ه وطاقته . فبجانب ما سقناه آنفاً من كلام ابن حيان السابق الذكر الذي كان يتضمن في وقته إنكاراً للتخاذل الإسلامي ، واستنهاضاً للهمم ـ فقد كتب أبو محمد عبد الله بن عبد البر ( ت 458 هـ ) [ وهو ولد أبي عمر بن عبد البر : المحدث والفقيه الأندلسي المشهور المتوفى 463 هـ ] رسالة إلى الأمة جعلها على ألسنة أهل بربشتر يصفون ما جرى لهم من محنة وكرب وشدة ووحشية على أيدي المهاجمين الصليبيين ، ثم ضمنها تحذيراً للمسلمين في الأندلس حكاماً ومحكومين أن يكون الدور عليهم بعد ذلك إن لم يقوموا بواجبهم من النجدة والنصرة ، فمما قاله على لسان البربشتريين بعد شرحه للمعاناة التي عاشوها ، (( فلو شهدتم ـ معشر المسلمين ـ ذلك لطارت أكبادكم جزعاً ، وتقطعت قلوبكم قطعاً ، واستعذبتم طعم المنايا لموضع تلك الرزايا ، ولهجرتْ أسيافكم أغمادها ، وجفت أجفانكم رقادها ، امتعاضاً لعبدة الرحمن ، وحفظة القرآن ، وضعفة النساء والولدان ، وانتقاماً من عبدة الطغيان ، وحملة الصلبان 000 وقد ندب الله مسلمي عباده إلى الجهاد في غير ما آية من الكتاب 000 والرواية عنه عليه السلام في فضل الجهاد 000 أشهر من أن تذكر 000 فالله الله في إجابة داعينا ، وتلبية منادينا ، قبل أن تُصدع صفاتنا كصدع الزجاج ، فهناك لا ينفع العلاج )) . وبعد التأكيد على أن سبب ضعف المسلمين أمام العدو هو اقتراف الذنوب والبعد عن دين الله يعود إلى القول (( فالحذر الحذر ! فإنه رأس النظر من بركان تطاير منه شرر ملهب ، وطوفان تساقط من قَطر مرهب ، قلما يؤمن من هذا إحراق ، ومن ذلك إغراق ، فتنبهوا قبل أن تُنبهوا ، وقاتلوا في أطرافهم قبل أن يقاتلوكم في أكنافكم ، وجاهدوهم في ثغورهم قبل أن يجاهدوكم في دوركم ، ففينا متعظ لمن اتعظ ، وعبرة لمن اعتبر ، فانظروا إلى ثغورنا كيف تهتضم ، وإلى أطرافنا كيف تخترم 000 ودماؤنا مطلولة ، وحدودنا مفلولة ، وأنتم عنا لاهون ، في غمرة ساهون ، وكأنا لسنا منكم ، ولا نحن سداد دونكم مضروبة ، وجُنن نحوكم منصوبة 000 وأنه إن استلبت الأطراف لم تتعذر الأنصاف ، والبعض للبعض سبب ، والرأس من الذنب ، غير أنا دنونا وبعدتم ، وشقينا وسعدتم ، ورأينا وسمعتم ، وليس الخبر كالعيان ، ولا الظن كالعرفان ، ولقد آن أن يبصر الأعمى ، وينشط الكسلان ، ويستيقظ النومان ، ويشجع الجبان )) .


وهناك من المفكرين الأندلسيين من وجه اللوم إلى حكام بأعيانهم على تقصيرهم في حق المسلمين المضطهدين في مدينة بربشتر المنكوبة ، لكونهم أقوى حكام ذلك الزمان في بلدهم ، ومن هؤلاء أبو حفص عمر بن الحسن الهوزني ( ت 460 هـ ) الذي كتب رسالة خاصة إلى المعتضد عباد بن محمد بن عباد الذي كان يحكم غربي الأندلس ، وكان من أكابر حكام الطوائف ، فمما جاء في رسالته تلك قوله عن وقع الحادثة البربشترية في النفوس (( كأن الجميع في رقدة أهل الكهف ، أو على وعد صادق من الصرف والكشف ، وأنى لمثلها بالدفاع عن الحريم )) . وبعد أن يشير إلى عجز المسلمين وخورهم ، وقعودهم عن الجهاد ، يصف طريقة مسلمي الأندلس في تعاملهم مع مخططات العدو التي راح ينفذها في بلادهم ، فيقول (( إن حاربوا موضعاً أرسلناه ، أو انتسفوا قطراً سوغناه ، وإن هذا الأمر له ما بعده )) .
ثم إنه نبه المعتضد إلى حقيقة بينة لمن نظر وتدبر في شأن الأندلس فقال في شعر :
أعباد ضاق الذرع واتسع الخَرق ولا غرب للدنيا إذا لم يكن شرق
فهو يلفت الأنظار إلى أن احتلال العدو أرض المسلمين في شرقي البلاد ، إنما هو في حقيقة الأمر فقدان لغربي البلاد أيضاً التي يحكمها المعتضد ، لأن بلاد المسلمين واحدة ،ولأن العدو لن يهدأ له بال ، أو يقر له قرار حتى يلحق غربي البلاد بشرقيها .

ولقد أثمرت الدعوة إلى الجهاد بعد تسعة أشهر من العدوان الصليبي على المسلمين في بربشتر ، فتداعى لها كثيرون ، حيث قدرت بعض المصادر أعدادهم بنحو ستة آلاف مجاهد ، وقد تقدمهم المقتدر بن هود الذي كان من قبل قد تخاذل عن نجدة بربشتر والدفاع عنها ، كما شاركهم المعتضد بن عباد أيضاً الذي يعد من كبار ملوك دويلات الطوائف ، وقد تمخضت هذه الحملة الجهادية عن هزيمة لبقايا النصارى المعتدين ، ومحو أثرهم من مدينة بربشتر .

ـــــــــــــــــــــ أهم المصادر والمراجع
ابن بسام : الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة .

البكري : جغرافية الأندلس ( من كتابه المسالك والممالك ) .

المقري : نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب .

محمد عبد الله عنان : دول الطوائف في الأندلس .

عبد الرحمن الحجي : التاريخ الأندلسي .
align="right">
بَرْبَشْتر الصليبيين grqqnlizw9bt0ody94wa
كتبت : ~helwa~
-



معلومات مفيدة جزاك الله خيرا
كتبت : بنتـ ابوها
-
حسبي الله ونعم الوكيل



كتبت : بنت الكروم
-
كتبت : طيور النورس
-
مشكورة ياغالية مواضيعك مميزة
كتبت : سنبلة الخير .
-

التالي

الوجه القبيح للحضارة الغربية بقلم د. راغب السرجاني

السابق

جوهر الصقلي ... الشيطان الخبيث

كلمات ذات علاقة
المسلمين , الصليبيين , بشاعة , بَرْبَشْتر , وتخاذل