مادة الحديث مستوى اول

مجتمع رجيم / أرشيف معهد رجيم
كتبت : جويرية33
-







حبيباتي واخواتي اخوات منتدى ريجيم



اهلا بكم ومرحبا في معهد ريجيم للعلوم الشرعية



ومرحبا بكم في ساحة الحديث



وهي من المواد المهمة جدااااااااااااا
دراستها



وسيتم مدارسة مايتيسر من الاربعون النووية باذن الله تعالى

وباذن الله كل اسبوع سيتم انزال درس هنا في هذه الصفحة في الخميس من كل اسبوع
وسيتم تسميع الحديث المتدارس و كتابة الواجب وسيتم ذلك في الصفحة الخاصة بكل طالبة مع تحديد اسم المادة ورقم الدرس


وجزاكم الله كل خير

td1douc63dwrywebu4iv
كتبت : جويرية33
-

الدرس الاول :
1- مقدمة الكتاب:


بسم الله الرحمن الرحيم


العلامة / الشيخ صالح آل الشيخ ـ حفظه الله تعالى ـ الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيمًا لمجده، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.


أما بعد: فأسأل الله الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا، أن يجعلني وإياكم ممن يتحرّك لله، ويعمل لله، ويطلب العلم لله، ويتكلم ويعمل لله جل جلاله فـ«إِنّما الأعْمَالُ بالنّيات, وإِنّمَا لِامْرِىءٍ ما نَوَى » وما من شك أن « طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلّ مُسْلِمٍ » كما ثبت ذلك عن المصطفى [ صلى الله عليه وسلم ].

وطلب العلم له أصوله، وله رتبُه، فمن فاته طلب العلم على رتبِه وأصوله، فإنه يحرم الوصول، وهذه مسألة كثيرًا ما نكررها رغبة في أن تَقَرَّ في قلوب طلبة العلم ومحبِّي العلم، ألا وهي: أنْ يُطلب العلم شيئًا فشيئًا على مر الأيام والليالي، كما قال ذلك ابن شهاب الزهري الإمام المعروف إذ قال: ” من رام العلم جملة ذهب عنه جملة، وإنما يُطلب العلم على مر الأيام والليالي“، وهذا كما تُدَرِّس صغيرًا أصول الكتابة، أو أصول نُطق الكلمات، فإنه لا بد أن يأخذه شيئًا فشيئًا، ثم إذا استمرّ على ذلك أحكم الكتابة، وأحكم النطق حتى تمكّن من ذلك، والعلم كذلك، فالعلم منه صِغار ومنه كِبار باعتبار الفهم وباعتبار العمل وباعتبار كون العلم من الله جل جلاله وعن رسوله [صلى الله عليه وسلم ]، فإنه ليس في العلم شيء سهل، كما قال مالك رحمه الله تعالى إذ قيل له: هذا من العلم السهل، قال: ليس في علم القرآن والسنة شيء سهل، وإنما كما قال الله جل وعلاإِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا[المزمل:5]، فالعلم من أخذه على أنه ثقيل صعب أدركه، وأما من أخذ المسائل على أنها سهلة، وهذه سهلة، وهذه مُتصوّرة، وهذه مفهومة، ويمرّ عليها مرور السريع، فإن هذا يفوته شيء كثير.
فإذًا لا بد لنا في طلب العلم من تدرج فيه، على أصوله، وعلى منهجية واضحة، ولا بد لنا أن نأخذ العلم على أنه ليس فيه شيء سهل؛ بل كلُّه ثقيل من حيث فهمُه، ومن حيثُ تثبيتُه، ومن حيث استمرارُه مع طالب العلم، فهو ثقيل لا بد له من مواصلة ومتابعة، فالعلم يُنسى إذا تُرِك، وإذا تواصل معه طالب العلم فإنه يبقى، وهذا يُعظِّم التبعة على طالب العلم في ألا يتساهل في طلبه للعلم، فلا يقولن قائل مثلا: هذا الكتاب سهل، وهذا المتن لما يشرح لأنه سهل واضح، أحاديث معروفة، فإن هذا يُؤتى من هذه الجهة، حيث استسهل الأصول وعُقَد العلم، وقد قال طائفة من أهل العلم: "العلم عُقَد وملح، فمن أحكم العقد سهل عليه العلم، ومن فاته حل العقد فاته العلم" وهذا إنما يكون بإحكام أصول العلوم.
وإذا ضبط طالب العلم المتون المعروفة في الحديث، وفي العلوم المختلفة، فإنه يكون مهيئًا للانتقال إلى درجات أعلى بفهمٍ وتأسيس لما سبق، فلهذا أحض جميع الإخوة وجميع طلاب العلم ممن يسمعون كلامي هذا؛ أحضهم على أن يأخذوا العلم بحزم، وألا يأخذوه على أن هذه المسألة مفهومة، وهذه سهلة، وهذه واضحة؛ بل إنّه يكرّر الواضح ليزداد وضوحًا، ويكرر المعلوم ليزداد به علما وهكذا.
ونسأل الله جل وعلا أن يجعل هذا الشرح الذي نبتدؤه هذه الليلة، أسأله جل وعلا أن يجعله شرحًا تامًّا مكَمَّلًا، وأن ينفع به الملقي والسامع، وأن يجعلنا فيه من المتبصِّرين الذين يقولون بعلم لا برأي أو هوى، ثم إن هذا الكتاب الذي سنعاني شرحه هو الأحاديث المختارة المعروفة بـالأربعين النووية جمعها العلاّمةيحيى بن شرف النووي، ويُقال: النواوي أيضًا، وهو من علماء الشافعية البارزين وممن شرح كتبًا في الحديث، وكتبًا في الفقه، وأيضًا في لغة الفقهاء، وغير ذلك من العلوم، وأصل كتابه”الأربعون النووية“ أن ابن الصلاح رحمه الله تعالى جمع في مجالس من مجالس تدريسه للحديث، جمع الأحاديث الكلية التي يدور عليها علم الشريعة، فجعلها ستة وعشرين حديثًا، فنظر فيها العلاّمة النووي رحمه الله فزادها ستة عشر حديثًا، فصارت الأحاديث التي اختارها النووي ثنتين أو اثنين وأربعين حديثًا، فسُميت بالأربعين النووية تجوزًا، ثم زاد عليها الحافظ الإمام عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي ثمانية أحاديث كُلِّيَّة أيضًا وعليها مدار فهم بعض الشريعة، فصارت خمسين حديثًا، وهي التي شرحها في كتابه المسمى ”جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثًا من جوامع الكلم“.
وأصل هذه الأحاديث في اختيارها على أنها جوامع كلِم تدور عليها أمور الدين، فمنها ما يتصل بالإخلاص، ومنها ما هو في بيان الإسلام وأركانه، والإيمان وأركانه، ومنها ما هو في بيان الحلال والحرام، ومنها ما هو في بيان الآداب العامة، ومنها ما هو في بيان بعض صفات الله جل وعلا، وهكذا في موضوعات الشريعة جميعًا.
فهذه الأحاديث الأربعين، وما يزيد عليها أيضًا، فيها علم الدّين كله، فما من مسألة من مسائل الدين إلا وهي موجودة في هذه الأحاديث؛ من العقيدة، أو من الفقه، وهذا يتبيَّن لمن طالع الشرح العجاب؛ شرح ابن رجب رحمه الله على الأربعين النووية، وعلى الأحاديث التي زادها ثم شرحها، فالعناية بها مهمّة؛ لأن في فهمها فهم أصول الشريعة بعامة، وقواعد الدين، فإن منها الأحاديث التي تدور عليها الأحكام كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى مفصلًا.

تمت المقدمة بفضل الله جل جلاله
وسنشرع باذن الله في الحديث الاول ايضا
كتبت : جويرية33
-


:

الحــديـث الأول
الشيخ / صالح آل الشيخ


وعن أميرِ المؤمنين أبي حَفْصٍ عمرَ بنِ الخطاب [ رضي الله عنه </B>] قال: سمعت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم </B>] يقول: « إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ، وإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجرَتُهُ إلى الله وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ اِمْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلى مَا هَاجَرَ إلَيْه ِ».[رواه إماما المحدثين أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النَّيسابوري في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب المصنفة</B>].



الشـــرح

هذا هو الحديث الأول، حديث عمر [ رضي الله عنه </B>] أنه سمع النبي [ صلى الله عليه وسلم </B>] يقول: ( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ، وإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى وهذا الحديث حديث عظيم، حتى قال طائفة من السلف ومن علماء الملة: "ينبغي أن يكون هذا الحديث في أول كل كتاب من كتب العلم". ولهذا بدأ به البخاري رحمه الله صحيحَه، فجعله أوّل حديث فيه حديث « إِنّما الأعْمَالُ بالنّيات, وإِنّمَا لكلِ امرئٍ مَا نَوَى » بحسب اللفظ الذي أورده في أوله.


وهذا الحديث أصل من أصول الدين، وقد قال الإمام أحمد: " ثلاثة أحاديث يدور عليها الإسلام: حديث عمر« إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ »، وحديث عائشة « مَنْ أَحْـدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْـسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ »، وحديث النعمان بن بشير: « الْحَلاَلَ بَيِّنٌ، والْحَرَامَ بَيِّنٌ »".




وهذا الكلام من إمام أهل السنة متين للغاية؛ وذلك: "أنّ عمل المكلف دائر على امتثال الأمر، واجتناب النهي. وامتثال الأمر، واجتناب النهي هذا هو الحلال والحرام، وهناك بين الحلال والحرام مشبَّهات، وهو القسم الثالث. وهذه الثلاث هي التي وردت في حديث النعمان بن بشير [ رضي الله عنه </B>] « الْحَلاَلَ بَيِّنٌ، والْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ » وفي رواية: « مشبّهات » والعمل لمن أراد أن يعمل، أو فِعل الأمر واجتناب النهي لا بد أن يكون بنية حتى يكون صالحًا. فرجع تصحيح ذلك العمل - وهو الإتيان بما فرض الله، أو الانتهاء عما حرّم الله- إلى وجود النية التي تجعل هذا العمل صالحًا مقبولًا، ثم إنّ ما فَرض الله جل وعلا من الواجبات، أو ما شرع من المستحبات، لا بد فيه من ميزان ظاهر حتى يصلح العمل، وهذا يحكمه حديث « مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدّ ٌ» كما في رواية مسلم للحديث.



فإذًا هذا الحديث؛ حديث ( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ ) يُحتاج إليه في كل شيء، يحتاج إليه في امتثال الأوامر، وفي اجتناب النواهي، وفي ترك المشتبِهات، وبهذا يَعْظُم وَقْعُ هذا الحديث؛ لأن المرء المكلَّف في أي حالة يكون عليها ما بين أمر يأتيه؛ إما أمر إيجاب أو استحباب، وما بين نهي ينتهي عنه؛ نهي تحريم أو نهي كراهة، أو يكون الأمر مشتبهًا فيتركه، وكل ذلك لا يكون صالحًا إلا بإرادة وجه الله جل وعلا به وهي النية.

قوله عليه الصلاة والسلام ( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ ) روي أيضًا في الصحيح « إِنَّمَا العَمَلُ بالنِّيَّة »، ورُوي « إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّة »
بألفاظ مختلفة والمعنى واحد، فإنه إذا أُفرد العمل أو النية أريدَ بها الجنس، تتفق رواية الإفراد مع رواية الجمع.




وقوله عليه الصلاة والسلام ( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ، وإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ) هذا فيه حصر؛ لأنّ لفظ ( إِنَّمَا ) من ألفاظ الحصر عند علماء المعاني، والحصر يقتضي أن تكون الأعمال محصورة في النيات، ولهذا نظر العلماء ما المقصود بقوله ( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ )
لأنه حصر الأعمال بالنيات؟:

1 ـ فقال طائفة من أهل العلم وهو القول الأول: إن قوله عليه الصلاة والسلام ( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ ) يعني إنما الأعمال، وقوعُها مقبولة، أو صحيحة بالنية. و( وإِنّمَا لِكل امرئٍ مَا نَوَى )
يعني وإنما يثاب المرء على العمل الذي عمله بما نواه. فتكون الجملة الأولى متعلقة بصحة العمل، والجملة الثانية يراد بها الثواب على العمل:
( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ ) الباء
هنا للسببية، يعني إنما الأعمال تُقبل، أو تقع صحيحة بسبب النية، فيكون تأصيلًا لقاعدة عامة.
قال( وإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ) اللام هذه لام الملكية، يعني مثل التي جاءت في قوله تعالى ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴾ [النجم:39</B>]، ( وإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى )
يعني من ثواب عمله ما نواه.
هذا قول طائفة من أهل العلم.

2 ـ والقول الثاني: أن قوله عليه الصلاة والسلام ( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ ) هذا راجع إلى أن الباء سببية أيضًا، والمقصود بها سبب العمل لا سبب قَبوله، قالوا: لأننا لا نحتاج مع هذا إلى تقدير، فقوله: ( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ )
يعني: إنما الأعمال بسبب النيات، فما من عمل يعمله أحد إلا وله إرادة وقصد فيه وهي النية. فمنشأ الأعمال -سواء كانت صالحة أو فاسدة، طاعة أو غير طاعة- إنما منشؤها إرادة القلب لهذا العمل، وإذا أراد القلب عملًا، وكانت القدرة على إنفاذه تامّة، فإن العمل يقع، فيكون قوله عليه الصلاة والسلام على هذا:
( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ )
يعني إنما الأعمال صُدورها وحصولها بسبب نية من أصدرها؛ بسبب إرادة قلبه وقصده لهذا العمل.
( وإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ) هذا فيه أن ما يحصل للمرء من عمله ما نواه نية صحيحة، يعني إذا كانت النية صالحة صار ذلك العمل صالحًا، فصار له ذلك العمل.




والقول الأول أصح؛ وذلك لأنّ تقرير مبعث الأعمال، وأنها راجعة لعمل القلب، هذا ليس هو المراد بالحديث، كما هو ظاهر من سياقه، وإنما المراد اشتراط النية للعمل، وأن النية هي المصححة للعمل، وهذا فيه وضوح؛ لأن قوله عليه الصلاة والسلام ( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ، وإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ) بيان
لما تطلبه الشريعة، لا لما هو موجود في الواقع.

فلهذا نقول: الراجح من التفسيرين أن قوله عليه الصلاة والسلام ( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ ) يعني إنما الأعمال صحّة وقَبولًا أو فسادًا بسبب النيات، وإنما لامرئ من عمله ثوابًا وأجرًا ما نواه.

إذا تقرر هذا، فالأعمال ما هي؟ الأعمال جمع عمل والمقصود به هنا ما يصدر عن المكلف، ويدخل فيه الأقوال، فليس المقصود بالعمل قسيم القول والاعتقاد، وإنما الأعمال هنا كل ما يصدر عن المكلف من أقوال وأعمال، قول القلب، وعمل القلب، وقول اللسان، وعمل الجوارح. فيدخل في قوله ( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ ) كل ما يتعلق بالإيمان؛ لأن الإيمان قول وعمل؛ قول اللسان، وقول القلب وعمل القلب وعمل الجوارح، فقوله ( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ )
يدخل فيها جميع أنواع ما يصدر من المكلف.
طبعًا هذا العموم عموم مراد به الخصوص؛ لأن العموم عند الأصوليين على ثلاثة أقسام:

¨ عام
باقٍ على عمومه.
¨ وعام دخله التخصيص.
¨ وعام مراد به الخصوص، يعني أن يكون اللفظ عامًا، ويراد به بعض الأفراد.




وهنا لا يدخل في الأعمال في قوله ( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ ) لا يدخل فيها الأعمال التي لا تشترط لها النية مثل أنواع التُّروك، وإرجاع المظالم، وأشباه ذلك، تطهير النجاسة، وأمثال ذلك، يعني مما لا يشترط له النية؛ لأنه ترك ونحوُه.

والنية التي عليها مدار هذا الحديث، النية: قصد القلب وإرادته. وإذا قلنا: النية قصد القلب وإرادته علقناها بالقلب، فالنية إذًا ليس محلها اللسان ولا الجوارح، وإنما محلها القلب، نَوَى يعني: قصد بقلبه وأراد بقلبه هذا الشيء. فالأعمال مشروطة بإرادة القلب وقصده، فأي إرادة وقصد هذه؟ المقصود بها إرادة وجه الله جل وعلا بذلك؛ ولهذا في القرآن يأتي معنى النية بلفظ الإرادة والابتغاء وأشباه ذلك.


كما في قوله ﴿ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّه ﴾ [الروم:38</B>] وكما في قوله ﴿ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ [ الأنعام: ـ52 </B>] ، ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ [الكهف:28</B>] ونحو ذلك ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ﴾[الشورى:20</B>] يريد يعني: ينوي يطلب ويقصد، هذه هي النية ﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ﴾ [الإسراء:19</B>] هذه النية.
أو لفظ الابتغاء كقوله جل وعلا ﴿ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى ﴾[الليل:20</B>] وكما في قوله جل وعلا ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمً ﴾[النساء:114</B>].




فإذًا في النصوص يكثر ورود النية بلفظ:

أولًا:
الإرادة؛ إرادة القلب.
ثانيًا:
بلفظ الابتغاء.
أو بلفظ الإسلام؛ إسلام القلب والوجه لله جل وعلا.

والنية في كلام الله جل وعلا أو في الشريعة بعامة يُراد بها أحد معنيين:

المعنى الأول: نية متجهة للعبادة.
والمعنى الثاني: نية متجهة للمعبود.

فالنية قسمان: نية متعلقة بالعبادة، ونية
متعلقة بالمعبود.

فأما المتعلقة بالعبادة: فهي التي يستعملها الفقهاء في الأحكام حين يأتون إلى الشروط. ( الشرط الأول: النية ) يقصدون بذلك النية المتوجهة للعبادة، وهي تمييز العبادات بعضها عن بعض؛ تمييز الصلاة عن الصيام، تمييز الصلاة المفروضة عن النفل، يعني أن يميز القلب فيما يأتي ما بين عبادة وعبادة، أتى المسجد وأراد أن يركع ركعتين، ميّز قلبه هاتين الركعتين؛ هل هي ركعتا تحية المسجد، أو هل هي ركعتا راتبة؟ أو هل هي ركعتا استخارة؟ إلى آخره، فتمييز القلب ما بين عبادة وعبادة هذه هي النية التي يتكلم عنها الفقهاء في الكتب الفقهية، وهي النية المتوجهة للعبادة.



القسم الثاني: النية المتوجهة للمعبود: وهذه هي التي يُتحدث عنها باسم الإخلاص؛ إخلاص القصد، إخلاص النية، إخلاص العمل لله جل وعلا وهي التي تستعمل كثيرًا بلفظ النية والإخلاص والقصد.
فإذًا هذا الحديث شمل نوعي النية: النية التي توجهت للمعبود، والنية التي توجهت للعبادة.





فـ ( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّات ِ ) يعني: إنما العبادات تقع صحيحة، أو مقبولة بسبب النية، يعني:

1. النية التي تميّز العبادة بعضها عن بعض أولا.
2. والنية التي هي إخلاص العبادة للمعبود وهو الله جل جلاله.



فلهذا لا يصلح أن نقول: النية هنا هي النية التي بمعنى الإخلاص، ونقول: إن كلام الفقهاء في النيات لم يدخل فيه الإخلاص، ولا القسم الثاني، فإن تحقيق المقام انقسام النية إلى هذين النوعين كما أوضحتُ لك.


قال عليه الصلاة والسلام ( وإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ) هذا حصر أيضًا، وإنما لكل امرئ من عمله ثوابًا وأجرًا لما نواه بعمله، فإن كان نوى بعمله الله والدار الآخرة - يعني أخلص لله جل وعلا مريدا وجه الله جل وعلا - فعمله صالح، وإن كان عمله للدنيا فعمله فاسد؛ لأنه للدنيا. وهذا كما جاء في آيات كثيرة إخلاص الدين لله جل علا ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [البينة:5</B>] يعني: الدين يقع على نية الإخلاص، كما في قوله جل وعلا ﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ﴾ [الزمر:03</B>]. وقد جاء في أحاديث كثيرة بيان إخلاص العمل لله جل وعلا كقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلم في الصحيح: « أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه » وفي لفظ آخر قال عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث القدسي: « فهو للذي أشرك، وأنا منه بريء ».
وهذا يدل على أنّ العمل لا بد أن يكون خالصًا لله جل وعلا حتى يكون مقبولًا، ويؤجر عليه العبد، إذا وصلنا إلى هذا فمعناه أن من عمل عمَلًا، ودخل في ذلك العمل نية غير الله جل وعلا بذلك العمل، فإن العمل باطل لقوله: « من عمل عملًا أشرك فيه معيَ غيري تركته وشركه» « فهو للذي أشرك » « إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ، وإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ».

وهذا يحتمل أن يكون المراد بذلك العملِ العملَ الذي يكون في أصل العبادة، أو في أثناء العبادة، أو غيَّر نيته بعد العبادة، يحتمل هذا، أو تكون العبادة أيضا في بعضها لله، وفي بعضها لغير الله،
فما المراد؟

قال العلماء:
تحقيق هذا المقام أن:

العمل إذا خالتطه نية فاسدة، يعني رياء؛ نوى للخلق، أو سُمعة:
فإنّه إنْ أنشأ العبادة للخلق فهي باطلة، يعني صلّى؛ دخل في الصلاة، لا لإرادة الصلاة؛ ولكن يريد أن يراه فلان، فهذه الصلاة باطلة مشرك كما جاء في الحديث: « من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك » يعني حين أنشأ الصلاة الواحدة أنشأها يرائي، وإلا فإن إنشاء المسلم عباداته جميعًا على الرياء هذا غير متصور، وإنما يقع الرياء ربما في بعض عبادات المسلم؛ إما في أولها، وإما في أثنائها، وأما الرياء التام في جميع الأعمال فإنّ هذا لا يُتصور من مسلم، وإنما يكون من الكفار والمنافقين، كما قال جل وعلا في وصفهم ﴿ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء:142</B>] وقوله في وصف الكفار ﴿ رِئَاءَ النَّاسِ ﴾ [البقرة: 264</B>] يعني بهذا أن القسم الأول نية ابتدأ بها العبادة لغير الله، فهذه العبادة تكون باطلة؛ صلاته باطلة، صيامه باطل، وصدقته باطلة، نوى بالعمل غير وجه الله جل وعلا.

القسم الثاني: أن يحدث تغيير النية في أثناء العبادة، وهذا له حالان:

الحال الأولى: أن يُبطل نيته الأصلية، ويجعل العبادة لهذا المخلوق، فهذا حكمه كالأول من أن العبادة فسدت؛ لأنه أبطل نيتها، وجعلها للمخلوق، فنوى في أثناء الصلاة أن الصلاة هذه لفلان، فتبطل الصلاة.

الحال الثانية: من هذا القسم: أن يزيد في الصلاة لأجل رؤية أحد الناس، يعني: يراه أحد طلبة العلم، أو يراه والده، أو يراه كبير القوم، أو يراه إمام المسجد، فبدل أن يسبح ثلاث تسبيحات أطال في الركوع -والركوع عبادة لله جل وعلا- فأطال على خلاف عادته لأجل رؤية هذا الرائي. فهذا العمل الزائد الذي نوى به المخلوق يبطل؛ لأن نيته فيه لغير الله، و( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ ) لكن أصل العمل صالح؛ لأن هذه النية ما عرضت لأصل العمل، وإنما عرضت لزيادة في بعضه؛ أطال الصلاة، أو إمام أطال القراءة؛ لأنه حسَّن صوته لرؤية إلى الخلق، أو لأن وراءه فلان، أو نحو ذلك من الأعمال، فلا يبطل أصل العمل، وإنما ما زاد فيه لأجل الخلق يكون فيه مشركًا الشرك الأصغر، وهو الرياء والعياذ بالله، هذه الحالة الثانية من القسم الثاني.

والحال الثالثة: أن يعرض له حب الثناء، وحب الذكر بعد تمام العبادة، عمِل العبادة لله، صلى لله، حفظ القرآن لله، وصام لله، صام النوافل لله جل وعلا مخلصًا، وبعد ذلك رأى من يُثني عليه، فسرّه ذلك، ورغب في المزيد في داخله، فهذا لا يَخْرِمُ أصل العمل؛ لأنه نواه لله، ولم يكن في أثنائه فيكون شركا، إنما وقع بعد تمامه، فهذا كما جاء في الحديث « تلك عاجل بشرى المؤمن أن يسمع ثناء الناس عليه لعبادته » وهو لم يقصد في العمل الذي عمله أن يثني عليه الناس.
هذه ثلاثة أحوال.



وإذا تقرر هذا فالأعمال التي يتعلق بها نية مع نيتها لله جل وعلا على قسمين أيضا:

الأول:
أعمال يجب ألا يريد بها، وألا يعرض لقلبه فيها ثواب الدنيا أصلا، وهذه أكثر العبادات، وأكثر الأعمال الشرعية.

والقسم الثاني: عبادات حض عليها الشارع بذكر ثوابها في الدنيا، مثل صلة الرحم حضّ عليها الشارع بذكر ثواب الدنيا، فقال عليه الصلاة والسلام « من سره أن يُبْسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه » فحضّ على صلة الرحم بذكر ثواب الدنيا: النسأ في الأثر، والبسط في الرزق، أو كقوله في الجهاد « من قتل قتيلا فله سَلَبُه » يعني ما عليه من السلاح، وما معه من المال أو كذا، يسلبه ويكون لهذا القاتل، فهذا حض على القتل بذكر ثواب دنيوي، فمن أراد الثواب الدنيوي هنا -في هذا القسم- مستحضرا ما حضَّ الشارع من العمل -يعني من هذه العبادة- وذكر فيه الثواب الدنيوي فإنه جائز له ذلك؛ لأن الشارع ما حضَّ بذكر الدنيا إلا إذْنٌ منه بأن يكون ذلك مطلوبا.


فإذًا من وصل الرحم يريد وجه الله جل وعلا ولكن يريد أيضا أن يُثاب في الدنيا بكثرة الأرزاق، وبالنسأ في الأثر، يعني: طول العمر، فهذا له ذلك، ولأجل أن الشارع حض على ذلك.

جاهد في سبيل الله يريد أيضا مغنما، ونيته خالصة لله جل وعلا لتكون كلمة الله هي العليا؛ ولكن يريد شيئا حض عليه أو ذكره الشارع في ذلك، فهذا قصده ليس من الشرك في النية؛ لأن الشارع هو الذي ذكر الثواب الدنيوي في ذلك.



فإذًا تنقسم الأعمال إلى عبادات ذكر الشارع الثواب الدنيوي عليها، وإلى عبادات لم يذكر الشارع الثواب الدنيوي عليها، وهذا كما جاء في قول الله جل وعل﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ﴾[هود:15</B>] الآية. فهذه المسألة مهمة. فإذا تقرر أنه لا يكون مشركًا بذلك، فهل من نوى الدنيا بصلة الرحم مثلا مع نيته لله مساوٍ لمن لم يَنْوِ الدنيا إنما جعلها خالصة لله؟ لا، يختلف الأجر، لكن لا يكون مرائيًا، ولا مشركًا بذلك، فمن كانت نيته خالصة لله جل وعلا فأجره أعظم، لهذا لما سئل عدد من الأئمة من السلف والإمام أحمد وجماعة عَمَن جاهد للمغنم ونيته خالصة لله؟ قال: أجره على قدر نيته، لم يبطل عمله أصلًا، لم يبطل السلف العمل أصلًا، وإنما جعلوا التفاوت بقدر النيات. فكلما عظمت النية لله في الأعمال التي فيها ذِكر الدنيا، وذَكر الشارع عليه ثواب الدنيا، فإنه كلما عظمت النية الخالصة كلما عظم أجره[3</B>]، وكلما نوى الدنيا مع صحة أصل نيته قل أجره يعني: عن غيره.

هنا قال عليه الصلاة والسلام ( فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجرَتُهُ إلى الله وَرَسُولِهِ )
طبعًا الحديث: تفاصيل الكلام في النية، ودخول النية في أبواب كثيرة من العبادات، هذا يطول عليه الكلام جدًّا، وصنفت مصنفات في هذا، وشروح كتب الأحاديث أطالت في شرح هذا الحديث، وإنما نذكر في شرحنا لهذه الأربعين النووية قواعد وتأصيلات متعلقة بشرح الحديث، كما هي العادة في مثل هذه الشروح المختصرة لهذه الكتب المهمّة.

قال ( فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ ) الفاء هذه تفصيلية؛ تفصيل لمثال من الأعمال التي تكون لله وتكون لغير الله، ذكر مثالاً ( الهجرة ) قال ( فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجرَتُهُ إلى الله وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ اِمْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلى مَا هَاجَرَ إلَيْه ِ ). الهجرة معناها: التّرك، هَجَرَ يعني تَرَكَ، وأصل الهجرة هجرة إلى الله جل وعلا وإلى رسوله [ صلى الله عليه وسلم </B>]؛ هجرة إلى الله جل وعلا بالإخلاص وابتغاء ما عنده، والهجرة إلى النبي [ صلى الله عليه وسلم </B>] باتباعه عليه الصلاة والسلام والرغبة فيما جاء به عليه الصلاة والسلام.

ومن آثار ذلك، الهجرة الخاصة التي هي ترك بلد الشرك إلى بلد الإسلام، فقال عليه الصلاة والسلام ( فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ ) يعني من كان ترْكه لبلد الشرك إلى بلد الإسلام ( إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجرَتُهُ إلى الله وَرَسُولِهِ )، هذا فيه تكرير للجملة ( فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجرَتُهُ إلى الله وَرَسُولِه ِ )، والمتقرر في علوم العربية أن الجمل إذا تكررت في تَرَتُّب الفعل والجزاء فإن شرط الفعل يختلف عن شرط الجزاء؛ فلهذا نقول: فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ نية وقصدا، فَهِجرَتُهُ إلى الله وَرَسُولِه ثوابًا وأجرًا، فما تعلق بالفعل النية والقصد، وما تعلق بالجواب الأجر والثواب، وهذا فيه نوع من أنواع البلاغة، وهو أنّ عمله جليل عظيم بحيث يُستغنى لبيان جلالته وعظمه عن ذكره؛ لأنه من الوضوح والبيان بحيث لا يحتاج إلى ذكره، فقال عليه الصلاة والسلام ( فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجرَتُهُ إلى الله وَرَسُولِهِ ) هذا تعظيم، ورفع لهذا العمل، وهو أن تكون الهجرة إلى الله ورسوله، يعني نية وقصدًا وتعظيما للثواب والأجر بقوله ( فَهِجرَتُهُ إلى الله وَرَسُولِهِ ) ثوابًا وأجرًا، يعني حدِّث عن ثوابه وعظِّم ذلك.



ثم بين الصنف الثاني فقال: ( وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ اِمْرَأَةٍ يتزوجه )، ( لِدُنْيَا يُصِيبُهَا ) هذا حال التاجر الذي هاجر لكي يكسب مالًا، أو هاجر ليكسب زوجة أو امرأة، فهذا ( هِجْرَتُهُ إلى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ ). وقوله عليه الصلاة والسلام ( وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا ) هذه النية يعني هاجر؛ العمل الظاهر يشارك فيه من هاجر إلى الله ورسوله لكن نيته أنّه في هجرته يريد التجارة، أو يريد أن يتزوج امرأة فنيته فاسدة، قال ( فَهِجْرَتُهُ إلى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ ) يعني من حيث أنّه لا ثواب له فيها ولا أجر، وقد يكون عليه فيها وزر.
والهجرة:-كما ذكرتُ لك- ترك بلد الشرك إلى بلد الإسلام، أو ترْك بلد تظهر فيه البدعة إلى بلد لا تظهر فيه البدعة وإنما تظهر فيه السّنة, أو -القسم الثالث- ترك بلد تظهر فيه الفواحش والمنكرات إلى بلد تقل فيه الفواحش والمنكرات ظهورا. وهذه كل واحدة منها لها أحكام مذكورة في كتب الفقه بالتفصيل.


الواجب:
1- اكتبي الحديث الاول من الاربعون النووية
مع كتابة السند (وهو ما نكتبه قبل الحديث مثل قال فلان عن فلان عن فلان عن الرسول صلى الله عليه وسلم)
2- قد يحدث تغير للنية اثناء القيام بالعمل وضح انواع ذلك مع ذكر حكم كل منها
كتبت : جويرية33
-


[glow=33FF33]

الحديث الثاني

[/glow]


عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ أَيضاً قَال : بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوْسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلمذَاتَ يَوْمٍ إَذْ طَلَعَ عَلَيْناَ رَجُلٌ شَدِيْدُ بَيَاضِ الثّياب شَدِيْدُ سَوَادِ الشَّعْرِ لاَ يُرَى عَلَيهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنا أحَدٌ حَتى جَلَسَ إلَى النبِي صلى الله عليه وسلمفَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفيْهِ عَلَى فَخِذِيْهِ وَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَم ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إلَه إلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ الله ، وَتُقِيْمَ الصَّلاَة ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ ، وَتَصُوْمَ رَمَضَانَ ، وَتَحُجَّ البيْتَ إِنِ اِسْتَطَعتَ إِليْهِ سَبِيْلاً "

قَالَ : صَدَقْتَ . فَعجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ ، قَالَ : فَأَخْبِرِنيْ عَنِ الإِيْمَانِ ، قَالَ : " أَنْ تُؤمِنَ بِالله ، وَمَلاِئكَتِه ، وَكُتُبِهِ ، وَرُسُلِهِ ، وَالْيَومِ الآَخِر ، وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ "
قَالَ : صَدَقْتَ ، قَالَ فَأخْبِرْنِيْ عَنِ الإِحْسَانِ ، قَالَ : " أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ " .
قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ ، قَالَ : " مَا الْمَسئُوُلُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ " قَالَ : فَأخْبِرْنِيْ عَنْ أَمَارَاتِها ، قَالَ :" أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا ، وَأَنْ تَرى الحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُوْنَ فِي البُنْيَانِ " ثْمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثتُ مَلِيَّاً ثُمَّ قَالَ : " يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ " قُلْتُ اللهُ وَرَسُوله أَعْلَمُ قَالَ :" فَإِنَّهُ جِبْرِيْلُ أَتَاكُمْ يُعَلَّمُكُمْ دِيْنَكُمْ " رواه مسلم .



[glow1=FF6600]

الشرح
[/glow1]


قوله : "بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوْسٌ " "بَيْنَمَا " هي " بينا" ولكن زيدت (مَا) فيها والأصل : بين نحن ، (مَا) زيدت للتوكيد .

" جُلُوْسٌ " مبتدأ ، وخبره : " عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم"
" ذَاتَ يَوْمٍ " ذات هنا تفيد النكرة ، أي في يوم من الأيام ،وتستعمل في اللغة على وجوه متعددة: تارة تكون بمعنى النكرة الدالة على العموم : كما في جملة الحديث " ذَاتَ يَوْمٍ " وهذا أغلب ما تستعمل .
" شَدِيْدُ بَيَاضِ الثّياب " أي عليه ثياب .
" شَدِيْدُ سَوَادِ الشَّعْرِ " أي أنه شاب .
" لاَ يُرَى عَلَيهِ أَثَرُ السَّفَرِ " لأن ثيابه بيضاء وشعره أسود ليس فيه غبار ولا شعث السفر ، ولأن المسافر في ذلك الوقت يُرى عليه أثر السفر .
" وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنا أحَدٌ " أي وليس من أهل المدينة المعروفين ، فهو غريب .
" حَتى جَلَسَ إلَى النبِي صلى الله عليه وسلم" ولم يقل عنده ليفيد الغاية ، أي أن جلوسه كان ملاصقاً للنبي صلى الله عليه وسلم.
ولهذا قال : " فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفيْهِ " أي كفي هذا الرجل " عَلَى فَخِذِيْهِ " أي فخذي هذا الرجل ، وليس على فخذي النبي صلى الله عليه وسلموهذا من شدة الاحترام .
" وَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ " ولم يقل : يا رسول الله ليوهم أنه أعرابي ، لأن الأعراب ينادون النبي صلى الله عليه وسلمباسمه العلم ، وأما أهل الحضر فينادونه بوصف النبوة أو الرسالة عليه الصلاة والسلام .
" أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَم " أي ما هو الإسلام ؟ أخبرني عنه .
" الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إلَه إلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ الله " تشهد أي تقر وتعترف بلسانك وقلبك ، فلا يكفي اللسان ، بل لا بد من اللسان والقلب قال الله U:]إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ[ [1].
" وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ الله " أي وتشهد أن محمداً رسول الله ، ولم يقل : أني رسول الله مع أن السياق يقتضيه لأنه يخاطبه ، لكن إظهاره باسمه العلم أوكد وأشد تعظيماً .
وقوله :" مُحَمَّدَاً" هو محمد بن عبدالله الهاشمي القرشي من ذرية إسماعيل ، وليس من ذرية إسماعيل رسول سواه .
"رَسُولُ الله " رسول بمعنى مرسل ، والرسول هو من أوحى الله بشرع وأمر بتبليغه والعمل به .
" وَتُقِيْمَ الصَّلاَة " أي تأتي بها قائمة تامة معتدلة .
وكلمة : " الصَّلاَة" تشمل الفريضة والنافلة .
" وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ " تؤتي بمعنى تعطي ، والزكاة هي المال الواجب بذله لمستحقه من الأموال الزكوية تعبداً لله ، وهي الذهب والفضة والماشية والخارج من الأرض وعروض التجارة .
" وَتَصُوْمَ رَمَضَانَ " أي تمسك عن المفطرات تعبداً لله تعالى من طلوع الفجر إلى غروب الشمس .
وأصل الصيام في اللغة : الإمساك .
" وَتَحُجَّ البيْتَ " أي تقصد البيت لأداء النسك في وقت مخصوص تعبداً لله تعالى .
" إِنِ اِسْتَطَعتَ إِليْهِ سَبِيْلاً " .
" صَدَقْتَ " القائل صدقت : جبريل عليه السلام وهو السائل ، فكيف يقول : صدقت وهو السائل ؟
لأن الذي يقول : صدقت للمتكلم يعني أن عنده علماً سابقاً علم بأن هذا الرجل أصابه ، وهو محل عجب، ولهذا تعجب الصحابة كيف يسأله ويصدقه ، لكن سيأتي إن شاء الله بيان هذا .
* شرح هذه الأركان الخمسة :
- الركن الأول : شهادة أن لا إله إلا الله وإن محمداً رسول الله .
هنا مسألة : لماذا جُعِلَ هذان الركنان ركناً واحداً ، ولم يجعل ركنين ؟
الجواب : أن الشهادة بهذين تبنى عليها صحة الأعمال كلها ، لأن شهادة ألا إله إلا الله تستلزم الإخلاص ، وشهادة أن محمداً رسول الله تستلزم الإتباع ، وكل عمل يتقرب له إلى الله لا يقبل إلا بهذين الشرطين : الإخلاص لله ، والمتابعة لرسول الله r .
ومعنى أن تشهد أن لا إله إلا الله ، أي : أن يعتبر الإنسان بلسانه وقلبه بأنه لا معبود حق إلا الله عز وجل .
و" أَشْهَدُ" بمعنى أقر بقلبي ناطقاً بلسانس ؛ لأن الشهادة نطق وإخبار عما في القلب .
وإذا كان الشاهد بقلبه أخرس لا يستطيع النطق فإنه يكفي إقراره بقلبه للعجز .
والشهادة باللسان لا تكفي بدليل أن المنافقين يشهدون لله عز وجل بالوحدانية ولكنهم يشهدون بألسنتهم ، فيقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، فلا ينفعهم .
و " لاَ إلَه إلاَّ اللهُ " أي لا معبود بحق إلا الله وبتقديرنا الخبر بهذه الكلمة " حق " يتبين الجواب عن الأشكال التالي : وهو كيف يُقال :" لاَ إلَه إلاَّ اللهُ " مع أن هناك آلهة تعبد من دون الله ، وقد سماها الله آلهة وسماها عابدوها آلهة ، قال الله تعالى : ]فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ[[2] فبتقدير الخبر في " لاَ إلَه إِلاَّ اللهُ " نقول : هذه الآلهة التي تعبد من دون الله هي آلهة لكنها باطلة ، وليست آلهة حقّة ، وليس لها حق الألوهية من شيء .
" إِلاَّ اللهُ " الله : علم على الرب تبارك وتعالى لا يسمى به غيره ، وها أصل من أسماء الله عز وجل ولهذا تأتي الأسماء تابعة له ، ولا يأتي تابعاً للأسماء إلا في آية واحدة ، وهي قول الله تعالى : ]إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ 1 اللّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [[3] لكن لفظ الاسم الكريم هنا بدل من العزيز ، وليست صفة ، لأن جميع الأسماء إنما تكون تابعة لهذا الاسم العظيم .
مسألة : هل هذه الشهادة تُدِل الإنسان في الإسلام ؟
الجواب : نعم تدخله في الإسلام حتى لو ظننا أنه قالها تعوّذاً، فإننا نعصم دمه وماله؛ ولو ظننا أنه قالها كاذباً.
إذاً نحن ليس لنا إلا الظاهر حتى لو غلب على ظننا أنه قالها تعوذاً فإنها تعصمه ، نعم لو ارتد بعد ذلك قتلناه، وهذا يوجود من جنود الكفر إذا أسرهم المسلمون قالوا : أسلمنا من أجل أن يعصموا أنفسهم من القتل، فيسأل المجاهدون ويقولون : هل نقتل هؤلاء بعد أن قالوا : لا إله إلا الله أم لا ؟
نقول : حديث أسامة يدلّ على أنهم لا يقتلون ولكن يراقبون ، فإذا ظهر منهم ردة قتلوا، لأنهم بشهادة أن لا إله إلا الله تَلزمهم أحكام الإسلام .
وقوله : " وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ الله " أي أن تشهد أنه رسول الله ، أي مرسلِة إلى الخلق، والرسول هو من أوحى الله إليه بشرع وأمره بتبليغه ، وكان الناس قبل نوح على ملة واحدة لم يحتاجوا إلى رسول ، ثم كثروا واختلفوا ، فكانت حاجتهم إلى الرسل ، فأرسل الله تعالى الرسل .
ولهذا كان أول الرسل نوحاً عليه السلام ، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم.
فلابد من الإيمان بأن محمدأ رسول الله ، ولا بد أن نؤمن بأنه خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم.
* شهادة أن محمداً رسول الله تستلزم أموراً منها :
صلى الله عليه وسلم الثاني : امتثال أمره صلى الله عليه وسلمولا نتردد فيه لقول الله تعالى : ]وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ[5][ولهذا أقول : من الخطأ أنَّ بعضهم إذا جاءه الأمر من الله ورسوله بدأ يتسأل فيقول : هل للوجوب أو للاستحباب ؟ كما يقوله كثير من الناس اليوم .
وهذا السؤال وأن لا يورد ؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم إذا أمرهم النبي كانوا يمتثلون ويصدقون بدون أن يسألوا .
نقول : في حالة ما إذا وقع الإنسان في مسألة وخالف الأمر ، فهنا له الحق أن يسأل هل هو للوجوب أو لغير الوجوب .
الثالث : أن يتجنب ما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه بدون تردد ، لا يَقُلْ : هذا ليس في القرآن فيهلك ، لأننا نقول : ما جاء في السنة فقد أمر القرآن بإتباعه .
الرابع : أن لا يقدم قول أحدٍ من البشر على قول النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذا لا يجوز أن تقدم قول فلان –الإمام من أئمة المسلمين – على قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأنك أنت والإمام يلزمكما إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم .
الخامس : أن لا يبتدع في دين الله ما لم يأت الرسول صلى الله عليه وسلم ، سواء عقيدة ، أو قولاً ، أو فعلاً ، وعلى هذا فجميع المبتدعين لم يحققوا شهادة أ، محمداً رسول الله ، لأنهم زادوا في شرعه ما ليس منه ، ولم يتأدبوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم .
السادس : أن لا يبتدع في حقه ما ليس منه ، وعلى هذا فالذين يبتدعون الاحتفال بالمولد النبوي ناقصون في تحقيق شهادة أن محمداً رسول الله ، لأن تحقيقها يستلزم أن لا تزيد في شريعته ما ليس منها .
السابع : أن تعتقد بأن النبي r ليس له شيء من الربوبية ، أي أنه لا يُدعى ، ولا يُستغاث به إلا في حياته فيما يقدر عليه ، فهو عبدالله ورسوله ] قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ[[6]
الثامن : احترام أقواله ، بمعنى أن يحترم أقوال النبي صلى الله عليه وسلم فلا تضع أحاديثه عليه الصلاة والسلام في أماكن غير لائقة ، لأن هذا نوع من الامتهان .
" وَتُقِيْمَ الصَّلاَة " أي تأتي بها قويمة ، ولا تكون قويمة إلا بفعل شروطها وأركانها وواجباتها – وهذا لا بد منه – وبمكملاتها ، تكون أكمل .
ولا حاجة لشرح هذه لأنها معروفة في كتب الفقه .
وقوله : " الصَّلاَة " يشمل كل الصلاة : الفريضة والنافلة ، وهل تدخل في صلاة الجنازة أو لا ؟
يحتمل هذا وهذا ، لكن تدخل في عموم الأمر بالإحسان .
" وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ " تؤتي بمعنى تعطي ، والزكاة هي : المال الواجب ف الأموال الزكوية ، فيعطيه الإنسان مستحقه تعبداً لله U ورجاء لثوابه .
وقد بيّن الله عز وجل أهل الزكاة في سورة التوبة أنهم ثمانية أصناف فقال عز وجل ]إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ[ أي فرضها الله علينا أن نعطيها هؤلاء ولا نعطي غيرهم ]وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ[[7] وتفاصيل ذلك مذكورة في كتب الفقه ولا حاجة إلى تفصيله هنا .
" وَتَصُوْمَ رَمَضَانَ " بأن تمسك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس تعبداً لله تعالى .
والمفطرات أيضاً معروفة لا حاجة إلى ذكرها ولكن ننبّه على شيء مهم فيها :
أن المفطرات لا تفطر الصائم إلا بثلاثة شروط :
1- أن يكون عالماً .
2- أن يكون ذاكراً .
3- أن يكون مريداً .
" وَتَحُجَّ البيْتَ " أي تقصد لأداء المناسك في وقت مخصوص تعبداً لله تعالى .
وهل يدخل في ذلك العمرة أو لا ؟
فيه خلاف بين العلماء :
والصحيح أن العمرة دون الحج ، أي ليست من أركان الإسلام لكنها واجبة يأثم الإنسان بتركها إذا تمت شروط الوجوب .
" إِنِ اِسْتَطَعتَ إِليْهِ سَبِيْلاً " مؤخوذ من قوله تعالى :]وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً[[8] قد يقول قائل : هذا الشرط ف جميع العبادات لقول الله تعالى : ]فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ[[9] فلماذا خص الحج ؟
نقول : خص الحج لأن الغالب فيه المشقة والتعب وعدم القدرة ، فلذلك نص عليه وإلا فجميع العبادات لا بد فيها من الاستطاعة .
" قَالَ : صَدَقْتَ " أي أخبرت بالحق ، والقائل هو جبريل عليه السلام .
" فَعجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ " ووجه العجب أن السائل عادة يكون جاهلاً ، والمصدق يكون عالماً فكيف يجتمع هذا وهذا .
" قَالَ : فَأَخْبِرِنيْ عَنِ الإِيْمَانِ " قال : أي جبريل ، فأخبرني : أي يا محمد عن الإيمان ؟
والإيمان في اللغة : هو الإقرار بالقلب والاعتراف المستلزم للقبول والإذعان وهو مطابق للشرع .
وأما قولهم : الإيمان في اللغة التصديق ففيه نظر .
" قَالَ : " أَنْ تُؤمِنَ بِالله ، وَمَلاِئكَتِه ، وَكُتُبِهِ ، وَرُسُلِهِ ، وَالْيَومِ الآَخِر ، وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ " هذه ستة أشياء :
" أَنْ تُؤمِنَ بِالله " الإيمان بالله يتضمن أربعة أشياء :
الأول : الإيمان بوجوده سبحانه وتعالى .
الثاني : الإيمان بانفراده بالرّبوبية ، أي تؤمن بأنه وحده الرّب ، والرب هو الخالق المالك المدبر .
الثالث: الإيمان بانفراده بالألوهية، وأنه وحده الذي لا إله إلا هو لا شريك له.
الرابع: أن تعطي بالأسماء والصفات على الوجه اللائق به من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكيف، ولا تمثيل، فمن حرّف آيات الصفات أو أحاديث الصفات فإنه لم يحقق الإيمان بالله.
وعلى هذا فجميع المبتدعة في الأسماء والصفات، المخالفين لما عليه السلف الصالح ، ولم يحققوا الإيمان بالله، والذي فاتهم من الأمور الأربعة هو الرابع : الإيمان بأسماء الله وصفاته ، ولم يحققوا الإيمان به ، ولا نقول : إنهم غير مؤمنين ، فهم مؤمنون لا شك، لكنهم لم يحققوا الإيمان بالله ، وهم مخطئون مخالفون لطريق السلف ، وطريقتهم ضلا بلا شكّ ، ولكن لا يحكم على صاحبه بالضلال حتى تقوم عليه الحجة، فإذا قامت عليه الحجة ، وأصر على خطئه وضلاله ، كان مبتدعاً فيما خالف فيه من الحق ، وإن كان سلفيّ على وجه الإطلاق ، بل يوصف بأنه سلفي فيما وافق السلف ، مبتدع فيما خالفهم .
وقوله : " وَمَلاِئكَتِه" بدأ بالملائكة قبل الرسل والكتب لأنهم عالم غيبي ، أما الرسل والكتب فعالم محسوس ، فالملائكة لا يظهرون بالحس إلا بإذن الله تعالى ، وقد خلق الله الملائكة من نورٍ ، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهم لا يحتاجون إلى أكل وشرب ، فنؤمن إن هناك عالماً غيبياً هم الملائكة .
وهم أصناف، ووظائفهم أيضاً حسب حكمة الله عز وجل كالبشر أصناف ووظائفهم أصناف.
والإيمان بالملائكة يتضمّن :
أولاً : الإيمان بأسماء من علمنا أسماءهم ، مثل أن نؤمن بأن هناك ملكاً اسمه جبريل .
ثانيا : أن نؤمن بما لهم من أعمال مثلاً :
جبريل: موكل بالوحي، ينزل به من عند الله إلى رسله.
كذلك يجب الإيمان بما لبعض الملائكة من أعمال خاصة، فمثلاً: هناك ملائكة وظائفهم أن يكتبوا أعمال العباد.
" وَكُتُبِهِ" جمع كتاب بمعنى : مكتوب والمراد بها الكتب التي أنزلها الله U على رسله لأنه ما من رسول إلا أنزل الله عليه كتاباً كما قال U :]كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ[[10] وقال U عن نوح وإبراهيم : ]وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ[[11] واعلم أن جميع الكتب السابقة منسوخة بما له هيمنة علها وهو القرآن ، قال الله U : ]وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ[[12] كل الكتب منسوخة بالقرآن ، فلا يُعمل بها شرعاً .
واختلف العلماء – رحمهم الله – فيما ثبت في شرائع من قبلنا، هل نعمل به إلا أن يرد شرعنا بخلافه، أو لا نعمل به ؟
من العلماء من قال : إن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه ، وذلك أن ما سبق من الشرائع :
إما أن توافقه شريعتنا.
وإما أن تخالفه شريعتنا.
وإما أن لا ترد شريعتنا بخلافه ، ولا وفاقه فيكون مسكوتاً عنه .
فما وافقته شريعتنا فهو حق ونتبعه ، وهذا بالإجماع ، واتباعنا إياه لا لأجل وروده في الكتاب السابق ولكن لشريعتنا .
وما خالف شريعتنا فلا تعمل به بالاتفاق ، لأنه منسوخ .
وما لم يرد شرعنا بخلافه ولا وفاقه فهذا محل الخلاف: وتفصيل ذلك في أصول الفقه.
* والإيمان بالكتب يتضمن أربعة أمور :
أولاً : أن نؤمن بأن الله تعالى أنزل على الرسل كتباً ، وأنها من عند الله ولكن لا نؤمن بأن الكتب الموجودة في أيدي هذه الأمم هي الكتب التي من عند الله لأنها محّرفه ومبدلة ، لكن أصل الكتاب المنزل على الرسول نؤمن بأنه حق من عند الله .
ثانياً : أن نؤمن بصحة ما فيها من أخبار كأخبار القرآن وأخبار ما لم يبدل أو يحرف من الكتب السابقة .
ثالثاً : أن نؤمن بما فيها من أحكام إذا لم تخالف شريعتنا على القول بأن شرع من قبلنا شرع لنا – وهو الحق- .
رابعاً : أن نؤمن بما علمنا من أسمائها ، مثل القرآن و التوارة والإنجيل و الزبور وصحف إبراهيم وصحف موسى .
فلو قال رجل : أنا لا أومن بأن هناك كتاباً ، فإنه كافر ، لأن الإيمان بالله يتضمن الإيمان بالكتب .
" وَرُسُلِهِ" أي أن تؤمن برسل الله عز وجل ، والمراد بالرسل من البشر ، وليُعلم بأنه يعبر برسول ويعبّر بنبي ، فهل معناهما واحد ؟
الجواب : أما في القرآن فكل من ذكر من الأنبياء فهو رسول ، فكلما وجدت في القرآن من نبي فهو رسول، لكن معنى النبي والرسول يختلف .
والصواب فيه: أن النبي: هو من أوحي إليه بشرع وأمر بالعمل به ولكن لم يؤمر بتبليغه، فهو نبي بمعنى مُخْبَر، مثاله: أدم عليه السلام أبو البشر نبي مكلف لكنه ليس برسول.
فإذا قال قائل: لماذا لم يرسل ؟
فالجواب : لأن الناس في ذلك الوقت كانوا أمة واحدة ، قليلين وليس بينهم اختلاف، لم تتسع الدنيا ولم ينتشر البشر فكانوا متفقين فكفاهم أن يروا أباهم على عبادة ويتبعوه، ثم لما حصل الخلاف وانتشر الناس احتيج إلى الرسل ، كما قال الله U : ]كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ[[13].
فإذا قال قائل: ما الفائدة من النبي بعد آدم عليه السلام إذا كان لم يؤمر بالتبليغ ؟
قلنا الفائدة : تذكير الناس بالشريعة التي نسوها ، وفي هذا لا يكون الإعراض من الناس تاماً فلا يحتاجون إلى رسول ، ويكفي النبي الذي يذكرهم بالشريعة ، قال الله تعالى : ] إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ[[14]
- وأول الرسل نوح عليه السلام ، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم .
والرسل عليهم الصلاة والسلام هم أعلى طبقات البشر الذين أنعم الله عليهم، قال الله تعالى: ] وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ[[15] هذه أربعة أصناف .
فالنبيون يدخل فيهم الرسل وهو أفضل من الأنبياء ، ثم الرسل أفضلهم خمسة هم أُوُلوا العزم ، ذكروا في القرآن في موضعين في سورة الأحزاب وفي سورة الشورى : ففي الأحزاب قال تعالى : ]وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى [[16] وفي سورة الشورى قال الله تعالى : ]شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ[[17] .
وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ " ولما التقى بهم في الإسراء أَمَّهم في الصلاة ، فإبراهيم إمام الحنفاء صلى وراء محمد صلى الله عليه وسلم ، ومعلوم أنه لا يقدم في الإمامة إلا الأفضل ، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو أفضل أولي العزم .
وإبراهيم الخليل عليه السلام يلي مرتبة النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال الله فيه : ]وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً[[18] .
والخلة : هي أعظم أنواع المحبة .
* و لا نعلم من البشر خليلاً لله إلا اثنان : إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللهَ اِتَّخَذَنِيْ خَلِيْلاً كَمَا اِتَّخَذَ إِبْرَاهِيِمَ خَلِيْلا ، وَلَوْ كُنْتُ مُتخِذَاً مِنْ أُمَتِيْ خَلِيِِِِِْلاً لاَتَّخَذْتُ أَبَا بكْر خليلاً " .
وقوله : " وَالْيَومِ الآَخِر " هو يوم القيامة ، وسمي آخراً لأنه أخر مراحل بني آدم وغيرهم أيضاً ، فالإنسان له أربع دور ، في بطن أمه ، وفي الدنيا ، وفي البرزخ ، ويوم القيامة وهو آخرها .
* الإيمان باليوم الآخر يتضمّن :
أولاً : الإيمان بوقوعه ، وأن الله يبعث من في القبور ، وهو إحياؤهم حين ينفخ في الصور ، ويقوم الناس لرب العالمين ، قال تعالى :] ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُون[[19]وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيِامَةِحُفَاةً عُراةً غُرْلاً " وأنه واقع لا محالة ، لأن الله تعالى أخبر به في كتابه وكذلك في السنة .
ثانياً : الإيمان بكل ما ذكره الله في كتابه وما صح عن النبي r مما يكون في ذلك اليوم الآخر .
ثالثاً : الإيمان بما ذكر في اليوم الآخر من الحوض والشفاعة والصراط والجنة والنار فالجنة دار النعيم ، والنار دار العذاب الشديد .
رابعاً : الإيمان بنعيم القبر وعذابه ، لأن ذلك ثابت بالقرآن والسنة وإجماع السلف .
" وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ " وهنا أعاد r الفعل : ( تؤمن ) لأهمية الإيمان بالقدر ، لأن الإيمان بالقدر ، لأن الإيمان بالقدر مهم جداً ، وخطير جداً .
* والإيمان بالقدر يتضمّن أربعة أمور :
الأول : أن تؤمن بعلم الله المحيط بكل شيء جملة وتفصيلاً .
ثانياً : الإيمان بأن الله تعالى كتب في اللحوح المحفوظ ، مقادير كل شيء إلى يوم القيامة ، قال الله : ]وَ كُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ[[20] أي في كتاب وقال عز وجل :]وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ[ وهو اللحوح المحفوظ ]أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ[[21] والآيات في هذا متعددة .
ثالثاً : أن تؤمن بأن كل ما حدث في الكون فهو بمشيئة الله تعالى ، فلا يخرج شيء عن مشيئته أبداً .
ولهذا أجمع المسلمون على هذه الكلمة : ( ما شاء الله كان وما لم يشاء لا يكن ) فأي شيء يحدث فهو بمشية الله .
وهذا عام ، لما يفعله الله بنفسه وما يفعله العباد ، فكله بمشيئة الله ، ودليل ذلك قول الله : ] وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [[22] وقال : ]وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ[[23] وقال : ]وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا فَعَلُوهُ[[24] فكل ما حدث في الكون فهو بمشيئة الله .
رابعاً : الخلق ومعناه : الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى خلق كل شيء ، فنؤمن بعموم خلق الله تعالى لكل شيء ، قال تعالى :]لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ 28 وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ[[25] فكل ما حدث في الكون فهو بمشيئة الله .
رابعاً : الخلق ومعناه : الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى خلق كل شيء ، فنومن بعموم خلق الله تعالى لكل شيء ، قال تعالى : ]وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا[[26] فكل شيء مخلوق لله : السموات ، والأرضون ، والبحار ، والأنهار ، والكواكب ، والشمس ، والقمر ، والإنسان ، الكل مخلوق لله عز وجل وحركات الإنسان مخلوقة لله ، وإذا كان هو مخلوقاً فصفاته وأفعاله مخلوقه ولا شك ، فأفعال العباد مخلوقة لرب العباد عز وجل .
وهل صفات الله مخلوقة ؟
الجواب : لا ، لأن صفاته سبحانه وتعالى كذاته كما أن صفات الإنسان كذات الإنسان مخلوقة .
" قَالَ : صَدَقْتَ " القائل جبريل عليه السلام .
ثم قال: " فَأخْبِرْنِيْ عَنِ الإِحْسَانِ" الإحسان: مصدر أحسن يحسن، وهو بذل الخير والإحسان في حق الخالق، بأن تبني عبادتك على الإخلاص لله تعالى والمتابعة لرسول الله، وأما الإحسان للخلق، فهو بذل الخير لهم من مال أو جاه أو غير ذلك.
فقال النبي r : "الإِحْسَانِ أَنْتَعْبُدَ اللهَ" وعبادة الله لا تتحقق إلا بأمرين وهما : الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله r ، أي عبادة الإنسان ربه سبحانه كأنه يراه ، عبادة طلب وشوق ، وعبادة الطلب والشوق يجد الإنسان من نفسه حاثاً عليها ، لأنه يطلب هذا الذي يحبه ، فهو يعبده كأنه يراه ، فيقصده وينيب إليه ويتقرّب إليه سبحانه وتعالى .
" فَإِنْ لمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ " أي : اعبده على وجه الخوف ولا تخالفه ، لأنك إن خالفته فإنه يراك ، فتعبده عبادة خائف منه ، هارب من عذابه وعقابه ، وهذه الدرجة عند أهل العبادة أدنى من الدرجة الأولى.
فصار للإحسان مرتبتان: مرتبة الطلب، ومرتبة الهرب.
مرتبة الطلب: أن تعبد الله كأنك تراه.
ومرتبة الهرب : أن تعبد الله وهو يراك عز وجل فاحذره ، كما قال عز وجل : ]وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ[ .
" فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ" لم يُعِد قوله "صدقت " اكتفاءً بالأولى.
والساعة هي : قيام الناس من قبورهم لرب العالمين ، يعني البعث ، وسميت ساعة لأنها داهية عظيمة ، قال الله U:]يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ[[27] فقال النبي r :"مَا الْمَسئُوُلُ عَنْهَا" يعني نفسه r" بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ " يعني جبريل عليه السلام ، والمعنى إذا كنت تجهلها فأنا أجهلها ولا أستطيع أن أخبرك بها ، لأن علم الساعة مما اختص الله به U قال الله تعالى :]يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِالسَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا[ وقال U: ]يَسْأَلُونَكَ عَنِالسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ[ ولهذا يجب علينا أن نكذب كل من حدد عمر الدنيا في المستقبل ، ومن قال به أو صدق به فهو كافر .
ولما قال النبي r :" مَا الْمَسئُوُلُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ " أي علامات قربها ، لأن الأمارة بمعنى العلامة ، والمراد أمارات قربها وهو ما يعرف بالأشراط ، قال الله U : ]فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا[[28]
* وأشراط الساعة قسّمها العلماء إلى ثلاثة أقسام :
1- أشراط مضت وانتهت .
2- أشراط لم تزل تتجدد وهي الوسطى .
3- أشراط كبرى تكون عند قرب قيام الساعة .
ومن علامات الساعة ما ذكره r في هذا الحديث بقوله : " أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا" وفي لفظ " رَبَّهَا " والمعنى : " أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ " أي الرقيقة المملوكة " رَبَّهَا " أي سيدها ، أو " رَبَّتَهَا " .
وهل المراد العين أو الجنس؟
والجواب : اختلف في هذا العلماء ، فمنهم من قال : المراد أن تلد الأمة ربها ، يعني أن تلد الأمة من يكون سيداً لغيرها لا لها ، فيكون المراد بالأمة : الأمة بالجنس .
وهذا المعنى أقوى ، لأن الإماء يلدن من يكونون أسياداً مالكين ، فهي كانت مملوكة في الأول ، وتلد من يكونون أسياداً مالكين ,وهو كناية عن تغير الحال بسرعة ، ويدل
لهذا ما ذكره بعدْ ذلك حيث قال :
" وَأَنْ تَرى الحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ " الحفاة: يعني: ليس لهم نعال .
والعراة : أي ليس لهم ثياب تكسوهم وتكفيهم .
العالة : أي ليس عندهم ما يأكلون من النفقة أو السكنى أو ما أشبه ذلك ، عالة أي فقراء .
" يَتَطَاوَلُوْنَ فِي البُنْيَانِ " أي يكونون أغنياء حتى يتطاولون في البنيان أيهم أطول .
وهل المراد بالتطاول ارتفاعاً ، أو جمالاً ، أو كلاهما ؟
الجواب : كلاهما ، أي يتطاولون في البنيان أيهم أعلى ، ويتطاولون في البنيان أيهم أحسن ، وهو في الأول فقراء لا يجدون شيئاً ، لكن تغير الحال بسرعة مما يدل على قرب قيام الساعة .
وهنا مسألة : هل وجد التطاول في البينان أم لا ؟
والجواب : الله أعلم ، فإنه قد يوجد ما هو أعظم مما في هذا الزمان ، لأن كل أناس وكل جيل يحدث فيه من التطاول والتعالي في البينان ، وكل زمن يقول أهله : هذا من أشراط الساعة ، والله أعلم ، لكن هذه علامة واضحة .
" ثْمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثتُ مَلِيَّاً " يعني بقيت ملياً أي مدة طويلة كما في قوله تعالى: ]وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا [29][أي مدة طويلة .
" ثُمَّ قَالَ : " يَا عُمَرُ " والقائل النبي r:" أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ " قُلْتُ اللهُ وَرَسُوله أَعْلَمُ قَالَ:" فَإِنَّهُجِبْرِيْلُ أَتَاكُمْ يُعَلَّمُكُمْ دِيْنَكُمْ" ولعل النبي r وجده فيما بعد وسأله : أتدري من السائل ؟ أي أتعلم من هو ؟ " فَقَالَ عُمَرُ: اللهُ وَرَسُوله أَعْلَمُ " وهذا يدل على أن عمر t لا علم له من هذا السائل .
فقال النبي r :" فَإِنَّهُ جِبْرِيْلُ " الإشارة هنا إلى شيء معلوم بالذهن ، أي هذا جبريل؟ " أَتَاكُمْ يُعَلَّمُكُمْ دِيْنَكُمْ " لكنه جاء بهذه الصيغة أي صيغة السؤال والجواب لأنه أمكن في النفس وأقوى في التأثير .

[glow=33FF33]
يتبع باذن الله
[/glow]
كتبت : جويرية33
-
[glow1=CCCC00]
* من فوائد الحديث :
[/glow1]
هذا الحديث فيه فوائد كثيرة ، فلو أراد الإنسان أن يستنبط ما فيه من الفوائد منطوقاً ومفهوماً وإشارة لكتب مجلداً، لكن نشير إشارة قليلة إلى ما يحضرنا إن شاء الله تعالى ، فمنها :
1- بيان حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يجلس مع أصحابه ويجلسون إليه، وليس ينفرد ويرى نفسه فوقهم .
2- جواز جلوس الأصحاب إلى شيخهم ومن يفوقهم، لكن هذا بشرط : إذا لم يكن فيه إضاعة وقت على الشيخ ومن يفوقه علماً .
3- أن الملائكة عليهم السلام يمكن أن يتشكلوا بأشكال غير أشكال الملائكة، لأن جبريل أتى بصورة رجل كما جاء في الحديث .
* فإن قال قائل : وهل هذا إليهم، أو إلى الله عز وجل؟
فالجواب : هذا إلى الله عز وجل بمعنى : أنه لا يستطيع الملك أن يتزيَّى بزيّ الغير إلا بأذن اللهالله عز وجل .
4- الأدب مع المعلم كما فعل جبريل عليه السلام، حيث جلس أمام النبي r جلسة المتأدب ليأخذ منه .
5- جواز التورية لقوله:" يا مُحَمَّد " وهذه العبارة عبارة الأعراب، فيوري بها كأنه أعرابي،وإلا فأهل المدن المتخلفون بالأخلاق الفاضلة لا ينادون الرسول r بمثل هذا.
6- فضيلة الإسلام، وأنه ينبغي أن يكون أول ما يسأل عنه .
7- أن أركان الإسلام هي هذه الخمسة، ويؤده حديث عبدالله بن عمر y أن النبيr قال : " بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى خَمْس " وسيأتي شرحه – إن شاء الله - .
8- فضل الصلاة وإنها مقدمة على غيرها بعد الشهادتين .
9- الحث على أقامة الصلاة، وفعلها قويمة مستقيمة، وأنها ركن من أركان الإسلام.
10- أن إيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من أركان الإسلام .
* ولو قال قائل : [glow1=660099]إذا ترك الإنسان واحداً من هذه الأركان هل يكفر أم لا ؟[/glow1]
[glow1=0066CC]
فالجواب : أن نقول : إذا لم يشهد أن لا إله إلا الله ، وإن محمداً رسول الله فهو كافر بالإجماع، لا خلاف في هذا .
[/glow1]
[glow1=0066FF]وأما إذا ترك الصلاة والزكاة والصيام والحج أو واحداً منها ففي ذلك خلاف [/glow1].
[glow1=0066FF]
والصواب : أن هذه الأربعة لا يكفر تاركها إلا الصلاة، لقول عبدالله بن شقيق رحمه الله: " كان أصحاب النبي r لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفرٌ إلا الصلاة " ولذلك أدلة معروفة .
وكذا لو أنكر وجوبها وهو كافر وهو يفعلها فإنه يكفر، لأن وجوبها أمرٌ معلوم بالضرورة من دين الإسلام .
[/glow1]
[glow1=FF0066]* وإذا تركها عمداً فهل يقضيها أو لا ؟[/glow1]نقول : [glow1=9966CC]الموقت لا يقضى، فلو ترك الصلاة حتى خرج وقتها بلا عذر قلنا لا تقضها، لأنه لو قضاها لم تنفعه لقول الله تعالى[/glow1] : ]وَمَنيَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[[30] [glow1=9933CC]والظالم لا يمكن أن يقبل منه، ومن أخرج الصلاة عن وقتها بلا عذر فهو ظالم [/glow1].
ولقول النبي r :" مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فهُوَ رَدّ" .
وكذلك يقال في الصوم : فلو ترك الإنسان صوم عمداً بلا عذر ثم ندم بعد أن دخل شوال وأراد أن يقضيه، فإننا نقول له : لا تقضه ، لأنك لو قضينه لم ينفعك .
وعلى من ترك الصلاة بلا عذر حتى خرج الوقت ، أو ترك الصوم بلا عذر حتى خرج الوقت أن يكثر من الطاعات والاستغفار والعمل الصالح والتوبة إلى الله توبة نصوحاً .
أما الزكاة : إذا تركها الإنسان ثم تاب فإنه يزكي ، نقول : زكَّ لأنه ليس للزكاة وقت محدد يقال فيه لا تزكي إلا في الشهر الفلاني .


* ومن مات ولم لم يزك تهاوناً، فهل تخرج الزكاة من ماله ، أم لا ؟
الجواب : الأحوط – والله أعلم – أن الزكاة تخرج ، لأنه يتعلق بها حق أهل الزكاة فلا تسقط ، لكن لا تبرأ ذمته ، لأن الرجل مات على عدم الزكاة .
والحج كذلك ، لو تركه الإنسان القادر المستطيع تفريطاً حتى مات ، فإنه لا يحج عنه.


[glow1=660000]* وهنا مسألة :هل يجب على ورثته أن يخرجوا الحج عنه من تركته ؟[/glow1]
[glow1=006666]
والجواب : لا ، لأنه لا ينفعه ولم يتعلق به حق الغير كالزكاة ، قال ابن القيم في تهذيب السنن :" هذا هو الذي ندين الله به " أو كلمة نحوها ، وهو الذي تدل عليه الأدلة .
[/glow1]
يجب على الإنسان أن يتقي الله عز وجل لأنه إذا مات ولم يحج مع قدرته على الحج فإنه لو حُجَّ عنه ألف مرة لم تبرأ ذمته .
11- الانتقال من الأدنى إلى الأعلى ، فالإسلام بالنسبة للإيمان أدنى ، لأن كل إنسان يمكن أن يسلم ظاهراً ، كما قال تعالى : ]قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا[[31] لكن الإيمان ليس بالأمر الهين فمحله القلب والاتصاف به صعب .
12- أن الإسلام غير الإيمان ، لأن جبريل عليه السلام قال : "أخبرني عن الإسلام" وقال :" أخبرني عنالإيمان " وهذا يدل على التغاير .
وهذه المسألة نقول فيها ما قال السلف :
إن ذكر الإيمان وحده دخل يفيه الإسلام ، وإن ذكر الإسلام وحده دخل الإيمان، فقوله تعالى : ]وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا[[32] يشمل الإيمان .
كذلك الإيمان إذا ذكره وحده دخل فيه الإسلام ، قال تعالى : ]وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ[[33] .
إما إذا ذكرا جميعاً فيفترقان ، فيفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة من أقوال اللسان وعمل الجوارح ، والإيمان بالأعمال الباطنة من اعتقادات القلوب وأعمالها.
[glow1=33CC33]فإن قال قائل : في قولنا إذا اجتمعا افترقا إشكال ، وهو قول الله تعالى في قوم لوط [/glow1]: ]فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ 35 فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ [[34] [glow1=33CC66]فعبر بالإسلام عن الإيمان ؟[/glow1]فالجواب : أن هذا الفهم خطأ،وأن قوله:]فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ[3
يخص المؤمنين وقوله: ] فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِين[3 يعم كل من كان في بيت لوط ، وفي بيت لوط من ليس بمؤمن ، وهي امرأته التي خانته وأظهرت أنها معه وليست كذلك ، فالبيت بيت مسلمين ، لأن المرأة لم تظهر العداوة والفرقة ، لكن الناجي هم المؤمنين خاصة، ولهذا قال:]فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ[3 وهم ماعدا هذه المرأة ، أما البيت فهو بيت مسلم .
ويؤخذ من هذه الآية فائدة هي : أن البلد إذا كان المسيطر عليه هم السلمون فهو بلد إسلامي حتى وإن كان فيه نصارى أو يهود أو مشركون أو شيوعيون ، لأن الله تعالى جعل بيت لوط بيت إسلام مع أن امرأته كافرة ، هذا هو التفصيل في مسألة الإيمان والإسلام ، فصار الأمر كما قال بعضهم : " إن اجتمعا افترقا ، وإن افترقا اجتمعا "
13- أن أركان الإيمان ستة كما سبق ، وهذه الأركان تروث للإنسان قوة الطلب في الطاعة والخوف من الله عز وجل .
14- أن من أنكر واحداً من هذه الأركان الستة فهو كافر ، لأنه مكذب لما أخبر به رسول اللهr.
15- إثبات الملائكة وأنه يجب الإيمان بهم .
وهنا مسألة: هل الملائكة أجسام ، أم أرواح ، أم قوى؟
والجواب : الملائكة أجسام بلا شك ، قال الله عز وجل : ]جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى[35][ وقال النبي r " أطت السماء" والأطيط : صرير الرحل ، أي إذا كان على البعير حمل ثقيل ، تسمع له صريراً من ثقل الحمل ، فيقول عليه الصلاة والسلام "وحق لها أن تئط ، ما من موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك قائم لله أو راكع أو ساجد " ويدل لهذا حديث جبريل عليه السلام : أنه له ستمائة جناح قد سد الأفق، والأدلة على هذا كثيرة.
16_أنه لابد من الإيمان بجميع الرسل ، فلو آمن أحد برسوله وأنكر من سواه فإنه لم يؤمن برسوله ، بل هو كافر ، واقرأ قول الله U : ]كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ[[36] مع أنهم إنما كذبوا نوحاً ولم يكن قلبه رسول، لكن تكذيب واحد من الرسل تكذيب للجميع .
17- إثبات اليوم الآخر الذي هو يوم القيامة الذي يبعث الناس فيه للحساب والجزاء، حيث يستقر أهل الجنة في منازلهم، وأهل النار في منازلهم .
18- أن تؤمن بالقدر خيره وشره، والإيمان بالقدر معترك عظيم من زمن الصحابة إلى زماننا هذا، وسبق لنا أن له مراتب أربع وهي: العلم والكتابة، والمشيئة، والخلق.
19- أن القدر ليس فيه شر، وإنما الشر في المقدور، وتوضيح ذلك بأن القدر بالنسبة لفعل الله كله خير، ويدل لهذا: قول النبي r :" وَالشَرَّ لَيْسَ إِلَيْكَ " أي لا ينسب إليك، فنفس قضاء الله تعالى ليس فيه شرٌ أبداً، لأنه صادر عن رحمة وحكمة، لأن الشر المحض لا يقع إلا من الشرير، والله تعالى خير وأبقى .
إذاً كيف نوجّه "وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ " ؟
الجواب : أن نقول : المفعولات والمخلوقات هي التي فيها الخير والشر ، أما أصل فعل الله تعالى وهو القدر فلا شر فيه ، مثال ذلك قول الله عز وجل : ]ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ[[37] هذا بيان سبب فساد الأرض، وأما الحكمة فقال:]لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ[3 إذن هذه مصائب،من جدب الأرض ومرض أو فقر،ولكن مآلها إلى خير، فصار الشر لا يضاف إلى الرب ، لكن يضاف إلى المفعولات والمخلوقات مع أنها شر من وجه وخير من وجه آخر ، فتكون شراً بالنظر إلى مايحصل منها من الأذية ، ولكنها خير بما يحصل منها من العاقبة الحميدة ]لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ[[38] .


ومن الحكمة أن يكون في المخلوق خير وشر ،لأنه لولا الشر ما عرف الخير ، كما قيل((وبضدها تتبين الأشياء)) فلو كان الناس كلهم على خير ما عرفنا الشر، ولو كانوا كلهم على الشر ماعرفنا الخير، إذا إيجاد الشر لنعرف به الخير ، لكن كون الله تعالى يوجد هذا الشر ليس شراً ،فهنا فرق بين الفعل والمفعول , ففعل الله الذي هو تقديره لاشر فيه ، ومفعوله الذي هو مقدره ينقسم إلى خير وشر ، وهذا الشر الموجود في المخلوق لحكمة عظيمة.
فإذا قال قائل:[glow1=CC6666] لماذا قدر الله الشر؟[/glow1]
[glow1=996600]
فالجواب:[glow1=CC0099]اولا[/glow1]: ليعرف به الخير.
[/glow1]
[glow1=CC0066]ثانياً: [/glow1]من اجل أن يلجأ الناس إلى الله عز وجل.
[glow1=CC0099]ثالثاً:[/glow1] من اجل أن يتوبوا إلى الله.
فكم من إنسان لايحمله على الورد ليلاً أو نهاراً إلا مخافة شرور الخلق ، فتجده يحافظ على الأوراد لتحفظه من الشرور ، فهذه الشرور في المخلوقات لتحمل الإنسان على الأذكار والأوراد وما أشبهها ، فهي خير.
فالمهم أن الشر لاينسب إلى الله تعالى ، لأن النبي r قال :" وَالشَرَّ لَيْسَ إِلَيْكَ "
فالشر ينسب إلى المخلوقات قال الله تعالى :]قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ 1 مِن شَرِّ مَا خَلَقَ[[39].
وهنا مسألة: هل في تقدير إيجاد المخلوقات الشريرة حكمة؟
والجواب: نعم ،حكمة عظيمة ولولا هذه المخلوقات الشريرة ماعرفنا قدر المخلوقات الخيرة..
20- أن الساعة لا يعلمها احد إلا الله عز وجل ،لان أفضل الرسل من الملائكة سأل أفضل الرسل من البشر عنها، فقال: " مَا الْمَسئُوُلُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ"
21- عظم الساعة ،ولهذا جاءت لها أمارات حتى يستعد الناس لها- رزقنا الله وإياكم الاستعداد لها..
أننا إذا كنا لانعلم الشيء فأننا نطلب مايكون من علاماته ، لان جبريل عليه السلام قال:" " فَأخْبِرْنِيْ عَنْأَمَارَاتِها "
23- ضرب المثل بما ذكره النبي r:" أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا"وفي لفظ:((ربَّهَا))والعلامة الثانية:" ، وَأَنْ تَرىالحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُوْنَ فِي البُنْيَانِ"فان قال قائل: لم يذكر النبي r أمارات أخرى أوضح من هذا ؟
فالجواب: أن العلامات بينة واضحة لايحتاج السؤال عنها ، ولذلك عدل النبي عنها إلى ذكر هذه الصورة .
24- أن الملائكة يمشون إذا تحولوا إلى البشر، لقوله r :"ثْمَّ انْطَلَقَ"
وهل يمشون إذا كانوا على صفة الخلق الذي خلقوا عليه؟
الجواب :قال الله U :]قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً 95[[40]
ولهم أجنحة يطيرون بها , كما قال تعالى :]الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ[[41]
25- إلقاء العالم على طلبته ما يخفى عليهم ، لقول النبي r :" أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟"
26- أن السائل عن العلم يكون معلماً لمن سمع الجواب, لان النبي r قال" " فَإِنَّهُ جِبْرِيْلُ أَتَاكُمْيُعَلَّمُكُمْ دِيْنَكُمْ " .
مع أن الذي علمهم النبي r لكن لما كان جبريل هو السبب جعله هو المعلم .
ويتفرغ على هذا انه ينبغي لطالب العلم إذا كان يعلم المسألة وكان من المهم معرفتها أن يسأل عنها وان كان يعلمها ، وإذا سأل عنها وأجيب صار هو المعلم.
27- أن السبب إذا بني عليه الحكم صار الحكم للسبب ،ولهذا ذكر العلماء لهذه القاعدة مسائل كثيرة منها :
لو شهد رجلان على الشخص بما يوجب قتله من ردة أو حرابة , ثم حكم القاضي بذلك وقتل هذا الشخص ثم رجعوا وقالوا: تعمدنا قتله ، فان هؤلاء الشهود يقتلون، لان الحكم مبني على شهادتهم وهم السبب.
ولكن إذا اجتمع متسبب ومباشر إلا إذا تعذرت إحالة الضمان عليه فيكون على المتسبب مثال ذلك :
رجل حفر حفرة في الطريق فوقف عليها رجل فجاء رجل ثالث فدفع الرجل وسقط في الحفرة ومات، فالضمان على الدفع، لأنه هو المباشر.
أن ما ذكر في هذا الحديث هو الدين ، لقوله صلى الله عليه وسلم:"يُعَلَّمُكُمْ دِيْنَكُمْ" ولكن ليس على سبيل الإجمال.
فإن قال قائل :أليس النبيصلى الله عليه وسلم قال :" الدَّيْنُ النَّصِيْحَةُ" ثلاث مرات: " للهِ وَلِكتَابِهِ، وَلِرَسُوله ، ولأَئمَّةِالمُسْلِمِيْنَ , وَعَامَّتِهِمْ " ؟
فالجواب:بلى، لكن هذه النصيحة لاتخرج عما في حديث جبريل،لأنها من الإسلام .








(الزخرف : 86) .[1]


(هود : 101 )[2]


.(إبراهيم : 2 )[3]

(الذاريات : 23 )[4]

(الذاريات : 23 )[5]

(الأعراف : 188 )[6]

(التوبة : 60 )[7]

(آل عمران : 97 )[8]

(التغابن : 16 )[9]

(البقرة : 213 )[10]

(الحديد : 26 )[11]

(المائدة : 48 )[12]

(البقرة : 213 )[13]

(المائدة : 44 )[14]

(النساء : 69 )[15]

(الأحزاب : 7 )[16]

(الشورى : 13 )[17]

(النساء : 125 )[18]

(المؤمنون : 16 )[19]

(يس : 12 )[20]

(الأنبياء : 105 )[21]

(البقرة : 253 )[22]

(الأنعام : 112 )[23]

(الأنعام : 137 )[24]

(التكوير : 29 )[25]

(الفرقان : 2 )[26]

(الحج : 1 )[27]

(محمد : 18 )[28]

(مريم : 46 )[29]

(البقرة : 229 )[30]

(الحجرات : 14 )[31]

(المائدة : 3 )[32]

(التوبة : 112 )[33]

(الذاريات : 35 )[34]

(فاطر : 1 )[35]

(الشعراء : 105 )[36]

(الروم : 41 )[37]

(الروم : 41 )[38]

(الفلق : 1 )[39]

(الإسراء : 95 )[40]

(فاطر : 1 )[41]

[glow=33CC33]

الواجب :



[/glow] align="right"> 1-اكتبي الحديث الشريف



2- اذكري خمس فوائد من الحديث
كتبت : جويرية33
-



[glow=CCFF00]
الدرس الثالث
[/glow]



الحديث الثالث
عَنْ أَبِيْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْن الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ:" بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُوْلُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيْتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البِيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ "

الشرح " عَنْ أَبِيْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ " هذه كنية، عبد الله بن عمر هذا اسم علم.والكنية: كل ما صدر بأبٍ، أو أم، أو أخ، أو خالٍ، أو ما أشبه ذلك. والعلم : اسم يعين المسمى مطلقاً.
رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال العلماء: إذا كان الصحابي وأبوه مسلمين فقل: رضي الله عنهما، وإذا كان الصحابي مسلماً وأبوه كافراً فقل: رضي الله عنه .
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ يَقُوْلُ: " بُنِيَ الإِسْلامُ" الذي بناه هو الله عزّ وجل، وأبهم الفاعل للعلم به، كما أُبهم الفاعل في قوله تعالى: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً }[1] فلم يبين من الخالق، لكنه معلوم، فما عُلم شرعاً أو قدراً جاز أن يبنى فعله لما لم يسم فاعله.


"عَلَى خَمْسٍ " أي على خمسِ دعائم.


" شَهَادَة أنْ لا إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُوْلُ اللهِ "
وقد سبق الكلام على الشهادتين في شرح حديث جبريل عليه السلام .


"وَإِقَامِ الصّلاةِ، وَإِيْتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البّيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَان " وهذا سبق الكلام عليه في شرح حديث جبريل عليه السلام
وفي هذا الحديث إشكال وهو:تقديم الحج على الصوم.
والجواب عليه أن يقال: هذا ترتيب ذكري، والترتيب الذكري يجوز فيه أن يقدم المؤخر كقول الشاعر:
إن من ساد ثم ساد أبوه ثم ساد من بعد ذلك جده
فالترتيب هنا ترتيب ذكري.

وقد سبق في حديث جبريل تقديم الصيام على الحج، ونقول في شرح الحديث:
إن الله عزّ وجل حكيم، حيث بنى الإسلام العظيم على هذه الدعائم الخمس من أجل امتحان العباد.
-
الشهادتان : نطق باللسان، واعتقاد بالجنان.

-إقام الصلاة: عمل بدني يشتمل على قول وفعل، وما قد يجب من المال لإكمال الصلاة فإنه لا يعد منها، وهو خارج عن العبادة، ولذلك نقول:إن الصلاة عبادة بدنية محضة.

-إيتاء الزكاة: عبادة مالية لا بدنية، وكون الغني يجب أن يوصلها للفقير، وربما يمشي وربما يستأجر سيارة، هذا أمر خارج عن العبادة،

-صوم رمضان: عبادة بدنية لكن من نوع آخر، الصلاة بدنية لكنها فعل، والصيام بدني لكنه كف وترك، لأنه قد يسهل على الإنسان أن يفعل،ويصعب عليه أن يكف، وقد يسهل عليه الكف ويصعب عليه الفعل، فنوعت العبادات ليكمل بذلك الامتحان، فسبحان الله العظيم.
-
حج البيت: هل يتوقف الحج على بذل المال؟
فيه تفصيل: إذا كان الإنسان يحتاج إلى شد رحل احتاج إلى المال، لكن هذا خارج العبادة،
وإذا قدرنا أن الرجل في مكة فهل يحتاج إلى بذل المال؟
الجواب: إذا كان يستطيع أن يمشي على رجليه فلا يحتاج إلى بذل المال، والنفقة من الأكل والشرب لابد منها حتى وإن لم يحج.
لذلك الحج - عندي- متردد بين أن يكون عبادة مالية، أو عبادة بدنية مالية، وعلى كل حال إن كان عبادة مالية بدنية فهو امتحان.
فصارت هذه الحكمة العظيمة في أركان الإسلام أنها:
بذل المحبوب، والكف عن المحبوب، وإجهاد البدن، كل هذا امتحان.
فتنوعت هذه الدعائم الخمس على هذه الوجوه تكميلاً للامتحان، لأن بعض الناس يسهل عليه أن يصوم، ولكن لا يسهل عليه أن يبذل قرشاً واحداً، وبعض الناس يسهل عليه أن يصلي،ولكن يصعب عليه أن يصوم.




align="right"> (النساء:الآية28) [1] align="right"> [glow=00FF00]الواجب[/glow]: align="right"> 1- تسميع الحديث كتابة
الصفحات 1 2 

التالي

صفحة الاخت ام طاهر

السابق

مادة الفقه الاسلامي مستوى اول

كلمات ذات علاقة
مادة , مستوى , الحديث , اول