كيف تعرفين ان قلبك سليم؟
مجتمع رجيم / عــــام الإسلاميات
كتبت :
ام ناصر**
-
عَلَامَاتُ القَلْبِ السَّلِيمِ
قَالَ اللّه تَعَالَى: ? يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ? [الشعراء:88-89].
العَلَامَةُ الأُولَى: أَنْ يَكُونَ سَالِمًا مِنْ مَحَبَّةِ مَا يَكْرَهُهُ اللّهُ، فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ سَلَامَتُهُ مِنَ الشِّرْكِ الَجلِيِّ وَالخَفِيِّ، وَمِنَ الأَهْوَاءِ وَالبِدَعِ، وَمِنَ الفُسُوقِ وَالمَعَاصِي - كَبَائِرِهَا وَصَغَائِرِهَا - الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ، كَالرِّيَاءِ، وَالعُجْبِ، وَالغِلِّ، وَالغِشِّ، وَالحِقْدِ، وَالحَسَدِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أفْضَلُ؟
قَالَ: «كُلُّ مَخْمُومِ القَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ».
قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ القَلْبِ؟
قَالَ: «هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ وَلَا غِلَّ وَلَا حَسَدَ»
(رواه ابن ماجه (4216)، وصححه الألباني رحمه الله فِي "صحيح سنن ابن ماجه" (3397).).
هذا القلبُ أحبُّ القلوبِ إِلَى اللّاهِ وأكثَرُهَا "خيراً، تنبعُ منهُ عيونُ الخيرِ، وتتفجرُ منهُ ينابيعُ البرِّ، ومبارُّ اللّاهِ ونِعَمُهُ تغشاهُ عَلَى الدَّوَامِ".
العَلَامَةُ الثَّانِيَةُ:أَنْ يَرْتَحِلَ عَنِ الدُّنيَا حَتَّى يَنْزِلَ بِالآخِرَةِ، وَيَحِلَّ فِيهَا، حَتَّى يَبْقَى كَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا وَأَبْنَائِهَا، جَاءَ إِلَى هَذِهِ الدَّارِ غَرِيبًا يَأْخُذُ مِنْهَا حَاجَتَهُ، وَيَعُودُ إِلَى وَطَنِهِ
كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: «كُنْ فِي الدُّنيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ، وَعُدَّ نَفْسَكَ مِنْ أَهْلِ القُبُورِ»
(رواه الترمذي (2333)، وصححه الألباني رحمه الله في «صحيح سنن الترمذي» (1902).)
وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ: ارْتَحَلَتِ الدُّنيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ اليَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابٌ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَل
ٌ(رواه البخاري (11/239) معلقاً مجزوماً به. وانظر الكلام عَلَى هذا الأثر فِي «الفتح» (11/240-241).)
وَكُلَّمَا صَحَّ القَلْبُ مِنْ مَرَضِهِ؛ تَرَحَّلَ إِلَى الآخِرَةِ، وَقَرُبَ مِنْهَا، حَتَّى يَصِيرَ مِنْ أَهْلِهَا، وَكُلَّمَا مَرِضَ القَلْبُ وَاعْتَلَّ، آثَرَ الدُّنْيَا وَاسْتَوْطَنَهَا، حَتَّى يَصِيرَ مِنْ أَهْلِهَا.
وَالنَّاسُ فِي هَذَا الزَّمَانِ سَافَرُوا فِي طَلَبِ الدُّنيَا وَهِيَ عَنْهُم زَائِلَةٌ، وَقَعَدُوا عَنِ السَّفَرِ إِلَى الآخِرَةِ وَهُمْ إِلَيْهَا رَاحِلُونَ.
«يَسْعَونَ لِمَا يُدْرِكُونَ، وَيَتْرُكُونَ مَا هُمْ بِهِ مُطَالَبُونَ، وَيَعْمُرُونَ مَا هُمْ عَنْهُ مُنْتَقِلُونَ، وَيُخَرِّبُونَ مَا هُمْ إِلَيْهِ صَائِرُونَ، وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ»
العَلَامَةُ الثالثةُ: أَنَّهُ لَا يَزَالُ يَضْرِبُ عَلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يُنِيبَ إِلَى اللّهِ، وَيُخْبِتَ إِلَيْهِ، وَيَتَعَلَّقَ بِهِ تَعَلُّقَ المُحِبِّ المُضْطَرِّ إِلَى مَحْبُوبِهِ، الَّذِي لَا حَيَاةَ لَهُ، وَلَا فَلَاحَ، وَلَا نَعِيمَ، وَلَا سُرُورَ؛ إِلَّا بِرِضَاهُ وَقُرْبِهِ وَالأُنْسِ بِهِ، فَبِهِ يَطْمَئِنُّ، وَإِلَيْهِ يَسْكُنُ، وَإِلَيْهِ يَأْوِي، وَبِهِ يَفْرَحُ، وَعَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ، وَبِهِ يَثِقُ، وَإِيَّاهُ يَرْجُو، وَلَهُ يَخَافُ.
«فَيَا لَهُ مِنْ قَلْبٍ، مِنْ رَبِّهِ مَا أَدْنَاهُ، وَمِنْ قُرْبِهِ مَا أَحْظَاهُ»قَدْ نَالَ غِذَاءَهُ وَدَوَاءَهُ، وَشِفَاءَهُ وَحَيَاتَهُ، وَنُورَهُ وَقُوَّتَهُ، وَلَذَّتَهُ وَنَعِيمَهُ، مَا هُوَ أَجَلُّ أَنْوَاعِ النَّعِيمِ، وَأَطْيَبُ الطَّيِّبَاتِ، وَأَعْظَمُ اللَّذَّاتِ،
قَالَ اللّهُ تَعَالَى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون) [النحل: 97]
العَلَامَةُ الرابعةُ: أَنَّهُ لَا يَفْتُرُ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ، وَلَا يَسْأَمُ مِنْ خِدْمَتِهِ، وَلَا يَأْنَسُ بِغَيْرِهِ، إِلَّا بِمَنْ يَدُلُّهُ عَلَيْهِ، وَيُذَكِّرُهُ بِهِ، وَيُذَاكِرُهُ بِهَذَا الأَمْرِ.
فَذِكْرُ اللّهِ عِنْدَهُ أَحْلَى مِنَ العَسَلِ، وَأَشْهَى مِنَ المَاءِ العَذْبِ الصَّافِي عِنْدَ العَطْشَانِ فِي اليَوْمِ الصَّائِفِ.
العَلَامَةُ الخامسةُ: أَنَّهُ «إِذَا عُرِضَتْ عَلَيْهِ القَبَائِحُ؛ نَفَرَ مِنْهَا بِطَبْعِهِ، وَأَبْغَضَهَا، وَلَمْ يَلْتَفِتَ إِلَيْهَا»، حَيَاؤُهُ يَمْنَعُهُ عَنِ القَبَائِحِ،
وَالحَيَاءُ «هُوَ مَادَّةُ حَيَاةِ القَلْبِ، وَهُوَ أَصْلُ كُلِّ خَيْرٍ، وَذَهَابُهُ ذَهَابُ الخَيْرِ أَجْمَعِهِ».
فَإِنَّ حَيَاةَ القَلْبِ هِيَ المَانِعَةُ مِنَ القَبَائِحِ الَّتِي تُفْسِدُ القَلْبَ. فَإِنَّ الحَيَّ يَظْهَرُ عَلَيْهِ التَّأَثُّرُ بِالقَبِيحِ، وَلَهُ إِرَادَةٌ تَمْنَعُهُ عَنْ فِعْلِ القَبِيحِ، بِخِلَافِ الوَقِحِ الَّذِي لَيْسَ بِحَيِيٍّ فَلَا حَيَاءَ مَعَهُ، وَلَا إِيمَانَ يَزْجُرُهُ عَنْ ذَلِكَ. فَلَا يَحُسُّ بِمَا يُؤْلِمُهُ مِنَ القَبَائِحِ.
لِذَلِكَ تَرَاهُ يَرْضَى بِتَبَرُّجِ زَوْجَتِهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ، وَمُخَالَطَتِهَا لِلرِّجَالِ، وَدُخُولِهَا عَلَيْهِم وَدُخُولِهِم عَلَيْهَا، حَتَّى عَظُمَ الشَّرُّ وَعَظُمَ البَلَاءُ. وَمِنْ تِلْكَ البَلايَا: الأَجْهِزَةُ الخَبِيثَةُ الَّتِي يُدْخِلُهَا المُسْلِمُ بَيْتَهُ، فَإِنَّهَا تُرَبِّي زَوجَتَهُ وَبَنَاتَهُ عَلَى ذَهَابِ الحَيَاءِ.
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَع مَا شِئْتَ»
(رواه البخاري (3483و3484و6120).
العَلَامَةُ السادسةُ: أَنَّهُ إِذَا فَاتَتْهُ طَاعَةٌ مِنَ الطَّاعَاتِ، وَجَدَ لِفَوَاتِهَا أَلَمًا أَعْظَمَ مِنْ تَأَلُّمِ الحَرِيصِ بِفَوَاتِ مَالِهِ وَفَقدِهِ كَمَنْ يَحْزَنُ عَلَى فَوتِ الجَمَاعَةِ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَو تُقُبِّلَت مِنْهُ صَلَاتُهُ مُنْفَرِدًا، فَإِنَّهُ قَدْ فَاتَهُ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ ضِعْفًا
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا يُعَانِي البَيْعَ وَالشِّرَاءَ يَفُوتُهُ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ فِي بَلَدِهِ - مِنْ غَيْرِ سَفَرٍ وَلَا مَشَقَّةٍ - قِيمَتُهَا سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ دِينَارًا، لأَكَلَ يَدَيْهِ نَدَمًا وَأَسَفًا. فَكَيْفَ وَكُلُّ ضِعْفٍ مِمَّا تُضَاعَفُ بِهِ صَلَاةُ الجَمَاعَةِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفٍ، وَأَلْفِ أَلْفٍ، وَمَا شَاءَ اللهُ تَعَالَى؟!
فَإِذَا فَوَّتَ العَبْدُ عَلَيْهِ هَذَا الرِّبحَ، وَهُوَ بَارِدُ القَلْبِ، فَارِغٌ مِنْ هَذِهِ المُصِيبَةِ، فَهَذَا مِنْ عَدَمِ تَعْظِيمِ أَمْرِ اللّهِ تَعَالَى فِي قَلْبِهِ
وَكُلَّمَا «كَانَ وُجُودُ الشَّيءِ أَنْفَعَ لِلْعَبْدِ وَهُوَ إِلَيْهِ أَحْوَجُ، كَانَ تَأَلُّمُهُ بِفَقْدِهِ أَشَدَّ، وَكُلَّمَا كَانَ عَدَمُهُ أَنْفَعَ لَهُ، كَانَ تَأَلُّمُهُ بِوجُودِهِ أَشَدَّ، وَلَا شَيءَ عَلَى الإِطْلَاقِ، أَنْفَعُ لِلعَبْدِ مِنْ إِقْبَالِهِ عَلَى اللّهِ، وَاشْتِغَالِهِ بِذِكْرِهِ، وَتَنَعُّمِهِ بِحُبِّهِ، وَإِيثَارِهِ لِمَرضَاتِهِ، بَلْ لَا حَيَاةَ لَهُ وَلَا نَعِيمَ وَلَا سُرُورَ وَلَا بَهْجَةَ إِلَّا بِذَلِكَ، فَعَدَمُهُ آلَمُ شَيءٍ لَهُ وَأَشَدُّهُ عَلَيْهِ»وَهَذا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ وَعَلَى حَيَاتِهِ
العَلَامَةُ السَّابعةُ: أَنَّهُ يَشْتَاقُ إِلَى طَاعَةِ رَبِّهِ، كَمَا يَشْتَاقُ الجَائِعُ إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ.
فَلَوْ عَطَّلَ «الطَّاعَاتِ لَضَاقَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ، وَضَاقَتْ عَلَيْهِ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، وَأَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ كَأَنَّهُ الحُوتُ إِذَا فَارَقَ المَاءَ حَتَّى يُعاوِدَهَا، فَتَسْكُنُ نَفْسُهُ وَتَقَرُّ عَيْنُهُ»
العَلَامَةُ الثَّامِنَةُ: أَنَّهُ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ ذَهَبَ عَنْهُ هَمُّهُ وَغَمُّهُ بِالدُّنْيَا، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ خُرُوجُهُ مِنْهَا، وَوَجَدَ فِيهَا رَاحَتَهُ وَنَعِيمَهُ، وَقُرَّةَ عَيْنِهِ وَسُرُورَ قَلْبِهِ. كَمَا قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَا بِلالُ أَقِمِ الصَّلاةَ، أَرِحْنا بِهَا
"(رواه أبو داود (4985)، وصححه الألباني رحمه الله في "صحيح سنن أبي داود" (4171).
وَلَمْ يَقُلْ: أَرِحْنَا مِنْهَا، كَمَا يَقُولُ المُبْطِلُونَ الغَافِلونَ
وَقَال صَلَّى اللّاهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ "حُبِّبَ إِلَيَّ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَت قُرَّةُ عَينِي في الصَّلاةِ
"( رواه النسائي (3940)، وصححه الألباني رحمه الله في "صحيح سنن النسائي" (3681).
«وَمَنْ كَانَتْ قُرَّةُ عَيْنِهِ فِي شِيءٍ فَإِنَّهُ يَوَدُّ أَلَّا يُفَارِقَهُ وَلَا يَخْرُجَ مِنْهُ، فَإِنَّ قُرَّةَ عَيْنِ العَبْدِ نَعِيمُهُ وَطِيبُ حَياتِهِ بِهِ»
وَالغَافِلُ المُعْرِضُ لَيسَ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ ذَلِكَ، بَلِ الصَّلاةُ كَبِيرَةٌ شَاقَّةٌ عَلَيهِ، إِذَا قَامَ فِيهَا كَأَنَّهُ عَلَى الجَمْرِ حَتَّى يَتَخَلَّصَ مِنْهَا، وَأَحَبُّ الصَّلاةِ إِلَيهِ أَعْجَلُهَا وَأَسْرَعُهَا، فَإِنَّهُ لَيسَ لَهُ قُرَّةُ عَينٍ فِيهَا، وَلا لِقَلْبِهِ رَاحَةٌ بِهَا فَهِيَ كَبِيرَةٌ عَلَى هَذَا، وَقُرَّةُ عَينٍ وَرَاحَةٌ لِذَلِكَ
فَسُبحَانَ مَنْ فَاضَلَ بَينَ النُّفُوسِ، وَفَاوَتَ بَينَهَا هَذَا التَّفَاوُتَ العَظِيمَ.
العَلَامَةُ التَّاسِعَةُ: أَنْ يَكُونَ هَمُّهُ وَاحِدًا، وَأَنْ يَكُونَ فِي اللّهِ تَعَالَى. فَيصْبِحُ وَيُمْسِي وَلَيْسَ لَهُ هَمٌّ غَيْرُ رِضَا رَبِّهِ، «قَدْ قَطَعَ هَمُّهُ بِرَبِّهِ عَنْهُ جَمِيعَ الهُمُومِ» فَهَذَا غَايَةُ سَعَادَةِ العَبْدِ فَمَا أَطْيَبَ عَيشَهُ! وَمَا أَنْعَمَ قَلْبَهُ وَأَعْظَمَ سُرُورَهُ وَفَرَحَهُ!
وَأَيُّ حَيَاةٍ أَطْيَبُ مِنْ حَيَاةِ مَنِ اجْتَمَعَتْ هُمُومُهُ كُلُّهَا وَصَارَتْ هَمًّا وَاحِدًا فِي مَرْضاةِ اللّهِ؟ وَلَمْ يَتَشَعَّب قَلْبُهُ، بَلْ أَقْبَلَ عَلَى اللّهِ وَاجْتَمَعَتْ إِرَادَتُهُ وَأَفْكَارُهُ عَلَى اللّهِ ،وَأَيُّ عَيْشٍ أَنْكَدُ مِنْ عَيْشِ مَنْ قَلْبُهُ مُشَتَّتٌ، وَهَمُّهُ مُفَرَّقٌ، فَلَيْسَ لِقَلْبِهِ مُسْتَقَرٌّ.
العَلَامَةُ العَاشِرَةُ: أَنْ يَكُونَ أَشَحَّ بِوَقْتِهِ أَنْ يَذْهَبَ ضَائِعًا مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ شُحًّا بِمَالِهِ. فَإِنَّ الفَلَاحَ كُلَّ الفَلَاحِ فِي الشُّحِّ بِالوَقْتِ.
فَهُوَ «يَرَى عِزَّةَ وَقْتِهِ وَخَطَرَهُ وَشَرَفَهُ وَأَنَّهُ رَأْسُ مَالِ سَعَادَتِهِ، فَيَبْخَلُ بِهِ أَنْ يُضَيِّعَهُ فِيمَا لَا يُقَرِّبُهُ إِلَى رَبِّهِ؛ فَإِنَّ فِي إِضَاعَتِهِ الخُسْرَانَ وَالحَسْرَةَ وَالنَّدَامَةَ، وَفِي حِفْظِهِ وَعِمَارَتِهِ الرِّبْحَ وَالسَّعَادَةَ، فَيَشُحُّ بِأَنْفَاسِهِ أَنْ يُضَيِّعَهَا فِيمَا لَا يَنْفَعُهُ يَوْمَ مَعَادِهِ».
فَيَرَى «أَشَدَّ الأَشْيَاءِ عَلَيْهِ ضَيَاعَ شَيءٍ مِنْ وَقْتِهِ وَوقُوفَهُ عَنْ سَيْرِهِ» إِلَى رَبِّهِ؛ لأَنَّ إِضَاعَةَ الوَقْتِ تَقْطَعُهُ عَنِ الخَالِقِ وَالدَّارِ الآخِرَةِ.