دقائق الليل الغالية
مجتمع رجيم / عــــام الإسلاميات
كتبت :
نادرة بـ هالوجوود
-
[CENTER] دقائق الليل الغالية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد:
فإن الليل مدرسة الزاهدين.. وخلوة العابدين .. وشرف الصالحين.. وسلوان المؤمنين ..
يجددون فيه الإيمان.. ويحيون فيه الجنان.. ويقمعون به الشيطان ..
فساعاته مباركة.. ولحظاته طيبة.. ونسماته تتدفق بالرحمة والسكينة واللذة والطمأنينة.
فهو دأب الصالحين .. ووقت تضرع المحتاجين .. واستغفار التائبين .. وقضاء حوائج الراغبين.
فطوبى لمن أحياه بالقيام.. وآثره على المنام.. فحاز به شرف الدنيا وحسن الختام!
فتعالي – أخــتي – نطلع على فوائد القيام وفضائله..
ونتنسم من عبير السلف نسمات تحيي في النفوس همة التبتل والعبادة.. والطاعة والزهادة..
فضائل قيام الليل
لحظات السحر .. لحظات خير وفضيلة.. ومغفرة ووسيلة.. وعبادة جليلة.
ففيها تتنزل البركات.. وتتغشى العابدين الرحمات.. وتستجاب السؤالات.. ويتجاوز فيه الله سبحانه
عن الزلات والخطيئات.
بل وينزل سبحانه إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلال وجهه وعظيم ذاته، إكرامًا للسائلين.. وإيقاظًا
لهمم العارفين.. وتسلية لعباده المؤمنين.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قــال:
ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول:
من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟
[ رواه بخاري و مسلم ]
فيا لها من لحظات ساكنة.. ويا له من جود عريض .. وكرم سخي .. وإحسان وفيّ!
فأين من يستثمر تلك اللحظات في دعوة صادقة، وتوبة ناصحة ، يصلح الله له بها أمر دينه؛
فلا ينثلم، وأمر رزقه فلا ينعدم، وأمر مآله فلا يخيب أبدًا.
فيا أيها الإنسان ما أجهلك.. وما أعجلك تؤثر نوم ساعة على نيل راحة خالدة..!
ويا أيها الإنسان ما أظلمك... تعصي ويعرض عليك الغفران فتأبى!
وسبحانك ربي ما أرحمك وأحلمك .. تبسط يدك بالليل ليتوب مسيء النهار وتبسط يدك بالنهار ليتوب
مسيء الليل!
يا نائم الليل كم ترقد؟
قم يا صديقي قد دنا الموعد
وخذ من الليل وأوقاته
وردًا إذا ما هجع الرقد
من نام حتى ينقضي ليله
متى يبلغ المنزل أو يسعد
ومن أجلّ فوائد القيام:
1- خلوة السحر:
فخلوة السحر سكينة النفوس .. وطمأنينة القلوب .. تنساب فيها دموع المخلصين على خدودهم تترى ..
قبل دخولهم على الله بالصلاة.. ويحصل بها هدوء الطبع .. وسمت الخلُق .. وسكون الأعضاء منسجمة
في سكونها مع سبات الليل الهاديء.. وصماته الهامد..!
وإن المستيقظ من فراش المنام.. إلى رحاب القيام.. ليستيقظ يقظة ليس من نومه فقط وإنما من غفلة طالما
حجبت قلبه عن الله.. وحرمته من لذة لقاه.. فهو بقومته الليلة يجلو ظلمات نهارية تخللته في يومه.. ولازمته
في يقظته ونومه.. فاستيقظ يغسل قلبه.. ويذهب ذنبه.. ويستغفر ربه.. ليحيى حياة من جديد
وهذه الخلوة هي – والله – مدرسة الإخلاص.. فيها ينشأ وينمو.. وفيها يكبر ويزهو..
وبها يحفظ ويربو.. لأنها عبادة غائبة عن أعين الناس.. وعن مديح الناس.. فلا يقدم عليها إلا مخلص يبتغي بها وجه
الله والدار الآخرة.
ولذا فإن لها حلاوة أيما حلاوة! ولذاذة أيما لذاذة!
فالخالي في الأسحار.. بالتبتل والأذكار.. والدعوات
والاستغفار.. لا يشعر بغربة في نفسه ولا بوحدة في حسه.. بل هو في أنس الله يرتعي.. وفي اجتماعه
به ينعم.. وبقربه يتسلى.. وبحبه يتلذذ.. وبمعيته يسعد.. وبالخضوع الصادق يتعبد.
اطلبوا لأنفسكم
مثل ما وجدت أنا
قد وجدت لي سكنا
ليس في هواه عنا
إن بعدت قربني
وإن قربت منه دنا
ومن عظيم حب المخلص في القيام للقيام؛ أنه يشتاق لليل إذا حل النهار.. ويظل ينتظر من النهار أفوله..
ومن الليل حلوله.. لما يجده في تلك الخلوات من متعة العبادة ونشوة وسعادة.. بل إنه يستثقل في نفسه
كثرة المخالطة بالناس.. ولا يحصل له الأنس ولا السكينة إلا في خلوة السحر السكينة!
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي
متأخر عنكم ولا متقدم
أجد الملامة في هواك لذيذة
حبًا لذكرك فليلمني اللوَّم
ولا تزال تلك الخلوة تؤتي أكلها حتى تدفع المؤمن إلى العزوف عن الدنيا وأوحالها.. وترك الاشتغال بأزبالها..
فإنما هي جيفة مستحيلة
عليها كلاب همهن اجتذابها
فإن تجتنبها كنت سلمًا لأهلها
وإن تجتذبها نافستك كلابها
ولا تزال تلك الخلوة بالمؤمن حتى تهذب لسانه وتقوم مقاله وتزين فعاله.. وتطهر نفسه وترقق حسه..
فإذا به حيي كريم رفيق رحيم.
ولا تزال به حتى تكسوه نضارة الوجه.. وحلاوة البشر.. ومهابة القدوم.. ورفعة الشأن، فإذا به يخطو
نحو الكمال.
فأين ساعة غطيط وشخير.. من هذه الفوائد الذهبية.. في خلوة السحر!!/CENTER]
align="left">