القول المؤثر في بيان أنواع التدبر

مجتمع رجيم / عــــام الإسلاميات
كتبت : || (أفنان) l|
-







القول المؤثر في بيان أنواع التدبر

بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين اما بعد


التدبُّر لغة:
مأخوذ من مادة (د ب ر)، وهي آخر الشيء وخلفه، يقال: دبَّر الأمر وتدبَّره: نظر في عاقبته، واستدبره: رأى في عاقبته ما لم يَرَ في صدره، والتَّدبُّر في الأمر: التفكُّر فيه، أصله هو النظر في أدبار الأمور؛ أي: أواخرها ونتائجها، وعواقبها، وتدبر الكلام هو: النَّظر والتفكير في غاياته ومقاصده التي يرمي إليها، وعاقبة العامل به والمخالف له، وقد استعملت كلمة التدبر في كل تأمُّل، سواء أكان نظرًا في حقيقة الشيء وأجزائه،
أم في سوابقه، أم في لواحقه وأعقابه[1].

معاني التدبر في كتاب الله:
وردت لفظةُ التدبُّر في آيات عديدة[2]، يراد من بعضها التأمُّل في هذا القرآن المنزل من عند الله، والتبصُّر بما فيه، وأنه كلام الله ليس من كلام البشر، وأنَّ القرآن يصدِّق بعضه بعضًا؛ وذلك لاتِّساق معانيه، ووضوح أحكامه، وقوة حجته وبراهينه، وأن ما يجهله البعض من أمره راجع إلى التقصير في فهمه، وعدم التبحُّر في علومه، وقِلَّة العلم بأسراره، ويراد أيضًا من معاني التدبر الأخرى: التدبر في مواعظ الله في الأمم والمجتمعات، والقصص التي قصَّها الله علينا، والأمثال المضروبة لنا، وما حل بالأقوام المُكذِّبة من ويل ودمار؛ ليعلم الناس أنَّ الله حكيم في صنعه، عادل في أمره، عليم في خلقه، لا يُحابي الأقوام لأجل أنسابهم، ويعلموا أيضًا أنَّ العاقبة للمتقين، والسوء والخزي للكافرين، ويتأمَّلوا في سُنَّة الله في خلقه على مرور الأزمان وتقلُّب الأحوال.
والمتأمِّل في كتاب الله يَجد أنَّ الله دل خلقه على جميع أنواع التدبر المطلوبة، كالتدبر في معنى ما يلفظ به المسلم من الآيات المتلوة، ثم التدبر في الزَّواجر والنَّواهي والأوامر الصادرة من لدنه - سبحانه - والذي يستلزم الاعتقاد والعمل، ثم التدبُّر في سياسة الإسلام للعالم، وما شمل عليه من أحكام وأصول في إصلاح العالم، والنَّظر إلى العلوم التي كشف عنها العلم الحديث، ومطابقة ما ظهر على أرض الواقع من علوم واكتشافات لما جاء به الإسلام من عند الله، وأن العقل الصريح يطابق الدِّين الصحيح، ثم أيضًا التدبر في طريق الآخرة والتزوُّد لها، والتدبر في حال الدنيا وسرعة زوالها، إلى غير ذلك من معاني التدبر التي سيأتي الكلام عنها وبالله التوفيق.
أنواع التدبر:
للتدبر أنواع كلها مطلوبة، وقد اشتمل القرآن على جميع هذه الأنواع، وأشار إليها ودل عليها، وحضَّ على إعمال الفكر والعقل في تأمُّلها وتدبرها، ومنها:
أولاً: تدبر الآيات المشهودة الدَّالة على وحدانية الله:
وهي التي تسمَّى بالاتجاه الأفقي، وهذا النوع من التدبر هو الاستدلال بالآيات التي أودعها الله في الكون الفسيح، وما فيه من الآيات الظاهرة العجيبة، والصنع البديع، التي تدل على ربوبيَّة الله للعالم، وأنه يستحيل إيجاد مثل هذا النظام الدقيق من تلقاء نفسه، وأنه لا بُدَّ لهذا العالم من موجد عليم حكيم، ومن أعظم الآيات الظاهرة الباهرة خلق السموات والأرض وما حوى من نجومٍ وأفلاك وأقمار ومجرات؛
قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}
[آل عمران: 190 - 191].
ومن الآيات الظاهرة الواضحة التي وضعها الله أمام نظر الإنسان - آية خلقه من العدم، وإنشائه منذ القدم، وهي من أكثر الآيات وضوحًا ودلالة على ربوبيَّة الله لخلقه؛ لأنَّها آية ظاهرة للعيان، واضحة لكل إنسان ألهمه الله النطق والبيان، بل هي داحضة لكل بطلان؛
قال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} [العلق: 1-3]،
وقد نوع القرآن في الدلالة على هذه الآية الدالة على قدرة الله، وهي تأتي غالبًا في صورة الاستفهام التقريري؛ لتكون أقوى في الاعتبار،
وأكثر في الاتعاظ، وأبلغ في التدبر والاستذكار
؛ قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35].
ولما احتوته هذه الآية من معاني توجب التدبُّر في خلق الإنسان؛ قال بعض الصحابة الأجلاَّء والأتقياء الأصفياء،
وهو جبير بن مطعم: "سمعت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقرأ في المغرب بالطُّور، فلما بلغ هذه الآية: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ} [الطور: 35-37]،
قال: كاد قلبي أن يطير"[3].

فوائد التدبر في الآيات المشهودة:
1 - الخشية وزيادة الإيمان:يُؤكد القرآن أنَّ تدبر مثل هذا النَّوع من الآيات والتأمُّل فيه عبادة توجب الأجر والثَّواب، وزيادة الإيمان، وأنَّها توجب الخشية لله سبحانه، والتي هي من ثمار الإيمان؛
قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 28]،
وطريق ذلك التفكُّر والتدبر، وهو لا يَحصل بمجرد النظر، بل يستوجب دراسةَ ما له علاقة بالعلوم والمعارف المتصلة بعلم الفلك والفيزياء، وربَّما علم الجبر والأحياء، ومن هذا الباب يدعو القرآن إلى تقليب البصر مرَّة ومرتين؛
قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} [الملك: 3]،
وقد يتوجب ذلك بسبب أن وسائل العلم أصبحت متاحة ومشاعة، وأصبحت وسائلها مطروقة ومذاعة، فعلى أهل الدعوة والخير
والعلم طَرْق هذا الباب، ودعوة الخلق إلى دين الإسلام.
2 - وسيلة مهمَّة من وسائل الدعوة والإقناع: لقد تطوَّرت وسائل التعليم وإيصال المعلومة في عصرنا الحاضر ما بين منظور ومسموع ومكتوب ومشطور، والقرآن الكريم تحدث عن حقائق كونيَّة وعلميَّة، ووجَّه الأنظار إلى تقليب الأبصار إلى خلق السموات والأرض، ولأنَّ البشر ليسوا على مستوى واحد من التفكير، فهم ما بين مؤمن تكفيه أدنى إشارة، وتذكره وعبارة، ومشكك ومُلْحِد غير متيقن، يَحتاج إلى حشد من أدلة عقليَّة، وبعضها سمعية مُتعددة المصادر، مُختلفة الموارد، والقرآن مليء من الأدلة العقليَّة التي يدرك المرء من ورائها دقَّة الكون والنظام، وأن وراءه خالقًا عظيمًا، وصانعًا بديعًا، وهذا السر في كون الآيات التي سيقت لبيان خلق الله، وبديع صنعه، تنتهي غالبًا بما يدعو إلى إعمال الفكر والعقل؛
قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} [الروم: 22].
ثانيًا: التدبُّر في الآية النظريَّة:
أو ما يُمكن أنْ نسميَه بالاتجاه الداخلي النَّفسي، والتي تدعو الإنسان إلى الاعتراف بالله، والخضوع له والاستسلام له في الملمَّات؛ حيثُ لا يَجد أمامه من مَلْجَأ غير الاتجاه إلى الخالق، الذي أنشَأَه من العدم، إنَّ الإنسان مهما طغى وتَمرَّد على سنن الله وقوانينه، فهو ضعيف القدرة لا يُمكنه بحال أن يتجاوز ما قدَّره الله له، وقد أنكر فرعون - وهو أعظم طاغية ذكر في القرآن - ربوبيَّة الله لخلقه، ولكن عندما واجه حقيقةَ الموت، خارت قواه وتبيَّن له حقيقة الأمر، وأن ما ادَّعاه لنفسه أصبح أضغاث أحلام، وسراب أيام؛
قال تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 90].
وعلى مُستوى الأمم والمجتمعات: فقد أباد الله كثيرًا من الأمم التي تَمرَّدت على سننه وقوانينه، معتقدةً أنَّه بإمكانِها تغيير ما خطه الله من قوانين ونظم، ولهذا يُذكِّر الله عند حكايته عن تدمير الأقوام بما يكون تَذْكِرة للأقوام الحاضرة،
فيقول: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [الروم: 9]،
وفي عصرنا الحاضر مع التقدُّم العلمي الملحوظ، وظهور شبكة المعلومات؛ حيث شهد العالم تطورًا لم تعرفه الأمم السَّابقة، إلا أنَّه لم يُحسن استخدامها، بل أصبحت وبالاً عليه، فنتج بسببها من الآثار المدمرة على الفرد والأمَّة ما هو ظاهر للعيان، من أمراض فتاكة، وكوارث وزلازل، ونقص في الرِّزق ومَحق للبركة، وتغيير في البيئة، وقد جاءت الآيات القرآنية تؤكد حقيقةَ الفطرة ورجوعَ الإنسان إليها عند زوال الغشاوة،
وذلك في صورة السُّؤال والجواب، وبأسلوب مقرون بالتَّحدي

قال تعالى: {أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62]،
ثم يجيب سبحانه على السؤال: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [النمل: 64].

ثالثًا: تدبر سنة الله في خلقه وعباده:
إنَّ لله سننًا في الكون وقوانين في الطبيعة لا تتبدَّل ولا تتغيَّر، ولا يُمكن لأيِّ قوة أن تعطل أو ترد سنة الله، وهذه السنن - مثل سنة التدافُع والنُّهوض والانحطاط والتقدم والتخلف[4]، والتي تسمى بنظام المجتمعات، أو النَّواميس - لا تحابي أحدًا من خلق الله أو عباده، بل يتساوى الجميعُ أمامها، فمن أراد الخير والسَّعادة والتقدُّم عليه أنْ يتصرف وَفْقَ أصول النظام، ويراعي سننه، ويرد أعماله وتصرفاته إليه؛ ليكون سببًا في نهضة أمَّته وتقدمها وعمرانها، ومن لم يراعِ تلك السنن بل أهملها، أو غضَّ الطرف عنها - ولو كان من الأتقياء الأصفياء - خذلته ونكثت بوعدها له، وتدبر هذه السنن هو أنْ نرجع إلى أنفسنا،، وننظر إلى أحوالنا وأخلاقنا، ونسبر أعمالنا، ونُعمل القياس والعقل، وننظر: هل نحن فعلاً على سيرة مَن سبقونا في العمل والإتقان، والإخلاص والإيمان، والتطوُّر والعمران؟
وهل سلكنا طريقهم واتَّبعنا نهجهم؛ كي يغير الله ما بنا من ذل وفقر وهوان وتفرق، إلى عزٍّ وغنًى ورفعة وسُؤدد في الدُّنيا والآخرة؟
أو نحن على خلاف ذلك؛
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد: 11].
حال المسلمين أمام سنن الله:
لا يخفى على عاقل ما أصابَ أهل الإسلام من ذُلٍّ وهوان، وتفرُّق وتباعُد وخذلان في زماننا؛ مِمَّا أوجب تسلط شرار الخلق على ديارهم، فاستباحوا الديار، وحطموا الآثار، واحتلوا البلاد، ونكثوا الميعاد، ونهبوا الثَّروات، وسلبوا الخيرات، وأصبحت بلاد الإسلام ألعوبة في منظمات ومُؤتمرات، تضمر في نفسها الكيد والحقد الأعمى لبلادهم، ولا يهمها مصيرَ البلاد ولا العباد، وكل ذلك لا تجد من يعتبر أو يتَّعظ، أو يلتمس العلاج أو يُداوي الجراح، أو يبحث عن الأسباب ممن له اهتمام بأمر المسلمين، بل تجد الأماني الفارغة، وانتظار السنن الخارقة للعادة، دون العمل بسنن الله الجارية، فالجهاد أمنية الجميع، لكن دون أخْذِ العُدَّة والعدد، بل ربَّما ولا تحديث النَّفس، بل بالتخاذُل ومعاونة الأعداء بحجة المسايسة وتأجيل البلاء، أو الجهاد على غير أسس المشورة والإخاء.
أمَّا التفرُّق والتشرذم بين طوائفه، فعلى أشدِّه دون السَّعي من أجل لَمِّ الشمل وجمع الشتات، ومعالجته من جميع الحالات، بل بالإعانة على الشرخ وتوسيع الهوَّة والخلاف، وكذا وفرة الخيرات وكثرتها - والحمد لله - لكن دون التفكير في تنظيمها وتسخيرها فيما ينفع ويفيد، وتعلُّم ما أنتجته الحضارة من علوم ومعارف، وفنون ومهارات، والسَّعي من أجل تعليم أبنائنا؛ من أجل نهضة أمتنا، وتحرير أرضنا، بل بتبذيرها وتدميرها في التافِهِ من الأمور، وإعطائها لمن لا يستحقها من أهل المنكرات، وتقليد الغرب الكافر في كل ما يَخص ثقافاتهم، وتقاليدهم وعاداتِهم، إلا فيما يتعلق بعلوم التكنولوجيا والطبِّ والفلك، ثم أخيرًا تمني النصر على الأعداء وإقامة دولة الإسلام، دون السعي إلى التخطيط والإعداد.
وحال أمَّتنا في ذلك كله يَحكي حالَ مَن يَجهل فنونَ القتال، وهو يُخطط للمشاركة في مصارعة الأقوياء، ومقارعة الأبطال ومنازلتهم على الحلبات، أو من يجهل السباحة وهو يمني نفسه في السباحة والإبحار في المحيطات، وركوب السفن وقتال القراصنة وأصحاب الرَّايات.
إنَّ عظمة هذا الدين القويم، والإسلام العظيم، الذي دعا إلى المثالية، من خلال ارتباطها بالواقعيَّة - تكمُن في اكتشاف سنن الله؛ للتفاعل معها، والتعرُّف عليها، والاعتبار بها، لا اختراق العادات، وتمني الأمنيات، وانتظار المكرمات، دون بذلِ جهد أو سعي من فرد، لقد كان الرسول المعظم، والنبي المكرم، في كل أحواله قبل الهجرة وبعدها، يتأمَّل في سنن الله، ويتعرَّف عليها؛ من أجل تسخيرها في خدمة الإسلام والمسلمين، وعند توقُّف الأسباب المادية يَمُدُّ الله نبيه بما يعطل أثر الأسباب المادية لنبيه الكريم، بعد استفراغ الوُسع، وبذل الجهد
.
ولما أراد الهجرة تزوَّد من الطعام والشراب، وصحب معه دليلاً - كافرًا - ولما خَشِيَ الصديق، وقال: "لو أنَّ أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا"، فقال له النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما ظنُّك - يا أبا بكر - باثنين الله ثالثهما؟!))[5]،
جاء المدد من ربِّ العزة؛ ليحمي نبيّه والصديق من أهل الشِّرك والوثنية، وهكذا فَهِمَ الصَّحابة الكرام سنن الله وتدبروها، وتفاعلوا معها في جميع المواطن والمواقف، فقد كانت قلوبهم عامرة بكل معاني الخشية والتوكُّل، وعقولهم عامرة في الوقت نفسه بعِلْم سنن الله الكونيَّة والتأمُّل فيها، ثم بعدها ابتكر المسلمون مناهجَ بَحث جديدة في التعامُل مع سنن الله، شملت جميعَ العلوم والمعارف، أصبحوا من خلالها أسيادًا للعالم، ونشروا العلم والمعرفة، في شتَّى بقاع المعمورة، ولا زالت بلاد مثل إسبانيا تحتفظ بآثارهم وإبداعهم في علوم الطب والهندسة والفيزياء.
تدبر طريق الآخرة:
ومن أنواع التدبُّر المطلوبة: معرفة طريق الآخرة والتزوُّد لها، والاستعداد لها، وتيقن المرء أنه سيرحل عما قريب، تاركًا ما وراءه من مال وبنين، ولا ينفعه هناك إلاَّ العمل الصالح، وما قدمه من خير وجهاد ودعوة، وعمل مُثمر، وقد كان هذا النَّوع يسمى عند السَّلف علمًا ومعرفة؛
يقول ابن رجب الحنبلي بعد أنْ ذَكَرَ أصناف العلوم وأنواع المعرفة: "فالعلم النافع من هذه العلوم كلها: ضبط نصوص الكتاب والسنة، وفهم معانيها والتقيُّد في ذلك بالمأثور عن الصَّحابة والتابعين وتابعيهم، في معاني القرآن والحديث، وفيما ورد عنهم من الكلام في مسائل الحلال والحرام، والزهد، والرقائق، والمعارف، وغير ذلك، والاجتهاد على تمييز صحيحه من سقيمه، أولاً، ثم الاجتهاد على الوقوف في معانيه وتفهمه ثانيًا، وفي ذلك كفاية لمن عقل، وشغل لمن بالعلم النَّافع عُنِيَ واشتغل"[6].
إنَّ هذا النوع من التدبُّر ضروري للمرء؛ إذ يجعله "كأنَّه في الآخرة، وإنْ كان في الدنيا، ويميز له بين الحقِّ والباطل في كلِّ ما اختلف الناس فيه، فيريه الحقَّ حقًّا، والباطل باطلاً، ويعطيه نورًا وحياة، وانشراحًا وسرورًا، ونورًا وتعلقًا بالآخرة، وعزوفًا عن الدنيا"[7]،
ولا غنى للمَرْء عن هذا النَّوع من التدبُّر، خاصَّة في عصرنا عصر الماديات، وانتشار الشهوات، وتحجُّر القلوب وجفاف العين من الدمعات، وانقطاع العلاقات والمودات، وكثرة الفتن والشبهات، وهو من أعظم ما يعين على مواصلة الدَّرب، وبلوغ القصد وتحمُّل الكرب، وقد ندر وجود هذا العلم بين طلاَّب العلم والمعرفة، فضلاً عن غيرهم من أهل البريَّات، ومن دلائل ذلك ما أشار إليه الأثر: ((أول ما يرفع من الناس الخشوع))[8].
أمَّا الانكسار لله، وخشوع القلب له، والقناعة بالقليل، والزُّهد عن الدُّنيا، فقد أصبح من العسير أن تجد من يتخلَّق بهذه الصفات؛
يقول الغزالي - رحمه الله - قبل ألف عام، وهو ينعى على أهل زمانه فُقدان هذا النَّوع من العلم: "فأمَّا علم طريق الآخرة وما درج عليه السَّلف الصالح مما سماه الله - سبحانه - في كتابه: فقهًا وحكمة وعلمًا، وضياء ونورًا، وهداية ورشدًا، فقد أصبح من بين الخلق مطويًّا، وصار نسيًا منسيًّا"[9]
، الله المستعان،
فكيف لو أدرك زماننا؛ حيث أصبحَ العالم بهذا العلم المتخلق به منبوذًا، وفي المجتمعات مطرودًا، بل أصبح في بعض الأحيان، وفي بعض المجتمعات مَرَضًا أخطر من خطر الأمراض المعدية؟! سبحان الله! أين مصابيح الدجى؟! أين نجوم السَّما؟! أين أهل الوُدِّ والصَّفا؟!
إلى الله المشتكَى، لقد أصبح وجودُ هؤلاء أندر من الجوهر، ومن الكبريت الأحمر، اللَّهم ارحم حالنا، والطف بأهل زماننا، والله المستعان.
ثمار تدبر طريق الآخرة:
إنَّ تدبر هذا العلم والعمل به يقلب المحنة إلى مِنْحة، والبليَّة إلى عطيَّة، ويَجعل المرء يعيش في سعادة غامرة، وبهجة عامرة، وإن كان قليل الثروة والمال، بل وإنْ كان فاقدًا لهما، وليس في ذلك أيُّ خيال أو مبالغة - وإنْ كان في عصرنا مَن لا يصدق تخيّله؛ لأنه عنده من المحال - وقد نُقِلَ عن أئمة الهدى من المتأخرين، فضلاً عن الأولين ما يَدُلُّ على السعادة الحقَّة، التي يشعرون بها في الخلوات، بل في الملمات ودخول السجن وطول القيام في الظلمات فيه؛ يقول شيخ الإسلام لَمَّا دخل السجن
وتلا قوله - تعالى -: {بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد: 13]، ويقول في محبسه الأخير: "اللهم أعني على ذكرك"[10].
إنَّ كلَّ ثمار الإيمان من القناعة بالقليل، والتزوُّد ليوم الرحيل، والخوف من الجليل، وانشراح النُّفوس وإشراقها، والصبر على المصائب وشرورها، بل ونهضةِ الأُمَّة وعزَّتِها ورفعتها وتطورها - سببها تدبُّر طريق الآخرة؛ ذلك لأنَّ سلوك طريق الآخرة يجمع مصالح الدنيا والدين، وصحة الجسد وسعادة النفس والقلب، وحسن التفكير، وراحة البال، وغير ذلك مما فيه مصلحة العَبْد في الدُّنيا والآخرة.
تدبر القرآن وأنواعه:
وهذا النَّوع من التدبر له أقسام عِدَّة، وكلها مطلوبة، بعضها واجب، والبعض الآخر منها مستحب، ومن هذه الأنواع:
أولاً: تدبر الآيات التي تتعلق بالأوامر والنواهي:
فإنْ كان مما قصر فيه المسلم من تطبيق أمر أو ارتكاب نهي، تاب وأقلع، وإن مَرَّ بآية استبشار، سأل الله خيرًا؛ كما ثَبَتَ عن رسول الله من حديث حذيفة؛ حيث يقول: "إنَّه صلَّى إلى جنب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليلةً، فقرأ، فكان إذا مَرَّ بآية عذابٍ، وقف وتعوَّذ، وإذا مَرَّ بآية رحمة، وقف فدعا، وكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى"[11]، والتأمُّل في الآيات هو الثَّمرة المطلوبة من تلاوةِ كتاب الله، وفي هذا الباب يذكر العلماء جملة آدابٍ ووصايا لحامل القرآن ولعموم الأمَّة، ينبغي التخلُّق بها والتحلِّي بها؛ تعظيمًا لشأن القرآن وتكريمًا له، ومِن أجْمع ما ورد في ذلك قول ابن مسعود: "ينبغي لحامل القرآن أن يُعْرَفَ بليله إذ الناس نائمون، وبنهاره إذ الناس مفطرون، وبحزنه إذ الناس يفرحون، وببكائه إذ الناس يختالون..."[12]،
وقد كان التأمُّل في أوامر الله ونواهيه حاملاً لبعض أهل العلم على التوبة والرجوع عن ارتكاب الذُّنوب،
ومنهم القاضي الفضيل بن عياض - رحمه الله - فقد كانت توبته؛ بسبب سماع آية من كتاب الله، وتفكُّره في مواعظ الله، فأوجب ذلك له توبة ورجوعًا، وخشية وخضوعًا[13].
ثانيًا: تدبر إعجاز القرآن:
كتاب الله العظيم فيه من الآيات الباهرة، والعجائب الظاهرة ما يَجعله مَحطَّ الإعجاب؛ ليأخذ بعقول أولي الألباب، فيحرك به الهمم، وينشِّط به العزائم؛ لما حوى من جمال التعبير، ومتانة الأسلوب في حالتي الإضافة والتغيير، ولما فيه من قُوَّة النظم وبراعة الاستهلال، ولما حواه من الإخبار عن المغيبات التي لا يعلمها إلا الله ذو الجلال إلاَّ من شاء من خلقه، واصطفاه لنفسه، وإن تدبَّر ذلك والعيش في ظلاله، والتنسُّم من عبيره الفواح، والقطف من ثماره بالغدو والرَّواح من أعظم النِّعم وأفضل المنن[14]؛
يقول الزرقاني: "إنَّ القرآن تقرؤه من أوَّله إلى آخره، فإذا هو مُحكم السرد، دقيق السبك، متين الأسلوب، قوي الاتصال، آخذ بعضه برقاب بعض في سُوره وآياته وجمله، يَجري دم الإعجاز فيه كله، من ألفه إلى يائه كأنَّه سبيكة واحدة، ولا يكاد يوجد بين أجزائه تفكُّك ولا تَخاذل، كأنَّه حلقة مفرغة، أو كأنَّه سمط وحيد، وعقد فريد يأخذ بالأبصار، نظمت حروفه وكلماته، ونسقت جمله وآياته، وجاء آخره مساوقًا لأوَّله، وبدا أوله مواتيًا لآخره..."[15]، وتدبر كتاب الله يكون من نواحي عدَّة ومجالات مختلفة، فلا يتعلق التدبر من الناحية النفسيَّة مع كونها مطلوبة، بل يتعلق أيضًا من باب الإصلاح الدُّنيوي والعُمراني؛
يقول الزرقاني - رحمه الله -: "والقرآن كتاب هداية وإعجاز، فكُلُّ علم يتصل بالقرآن من ناحية قرآنية، أو يتصل به من ناحية هدايته أو إعجازه، فذلك من علوم القرآن"[16].
والقرآن حضَّ على معرفة علوم الكون، وصنائع العالم، وحثَّ على الانتفاع بكل ما يقع تحت نظرنا في الوجود؛
قال تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس: 101]،
وقال جلَّت حكمته: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الجاثية: 13]،
فلا يليق بالمسلمين - وهم المخاطبون بهذا - أنْ يفرُّوا من وجه هذه المنافع العامَّة، ولا أنْ يزهدوا في علوم الكون؛ وذلك لأنَّ البقاء في هذه الحياة للأصلح، والحياة في هذا الوجود للسَّلام المسلَّح، والأسلحة في كلِّ عصر عامَّة، وفي هذا العصر خاصَّة إنَّما تقوم على التمهُّر في العلوم، وعلى السبق في حلبة الصناعات والفنون، والويل للضَّعيف، والحظ للقوي،
والله يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60][17].
ثالثًا: تدبر الأمثال القرآنية:
والمثل هو الشبيه، وهو من أمثل الأساليب البلاغيَّة، وأشدِّها تأثيرًا في النفس والقلب، ومنه ما يسميه أهل الصنعة من أهل البلاغة بـ "الاستعارة التمثيلية"، وأبلغ أنواع التمثيل هو تمثيل المعاني المعقولة بالصورة الحسيَّة، والعكس كذلك،
والسَّبب في ضرب الأمثال هو أنَّ "المعاني الكلية تعرض للذهن مجملة مُبهمة، فيصعب عليه أن يحيط بها، وينفذ منها، فيستخرج سِرَّها،
والمثل هو الذي يفصِّل مجملها، ويوضِّح مبهمها، فهو ميزان البلاغة وقسطاسها، ومشكاة الهداية ونبراسها..."[18].
وتدبُّر الأمثال: هو استخراج ما فيها من معاني وعبر، فيستدل بها أولاً على صحة إخبار الله، وأيضًا لأجل الاعتبار والاتِّعاظ، وأنْ نقيسَ حالنا على من ضرب فيهم المثل، فلا نقع فيما وقعوا فيه، والمنتفع من تلك الأمثال هم أهل الإيمان، وهم "المنتفعون بها المختصون بعلمها،
فقال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ} [العنكبوت: 43] [الحشر: 21]،
وفي القرآن بضعة وأربعون مثلاً، وكان بعض السَّلف إذا مَرَّ بمثل لا يفهمه يبكي، ويقول: لست من العالمين.[19].
فوائد ضرب الأمثال:
يستفاد من ضرب المثل أمور عدة منها: "التذكير، والوعظ، والحث، والزجر، والاعتبار، والتقرير، وتقريب المراد من العقل وتصويره بصورة المحسوس..."[20]،
ومن فوائده أيضًا:
أولاً: أنَّ المثل يكشف عن الحقيقة، ويبرز الغائب في صورة الحاضر؛ لئلا تغيب صورته عن الإنسان في جميع الأحوال والأزمان.
ثانيًا:والمثل يستعمل في أسلوب الترغيب أو الترهيب من أجل أنْ تتقبله النفوس، وتتنافس فيه، إنْ كان مرغوبًا محبوبًا مثل تشبيه مَن يقاتلون
في سبيل الله كأنَّهم بنيان مرصوص؛ ترغيبًا في الجهاد والحرص على التزوُّد ليوم الميعاد، وتنفر منه إنْ كان مكروهًا مبغوضًا،
مثل تمثيل أكل الرِّبا كالمصروع، الذي يقوم من قبره ومن هول ما يرى قلبه مخلوع.
ثالثًا: التنفير من الاتِّصاف بصفة خبيثة يكرهها الله، مثل من آتاه الله الآيات البيِّنات، فخالف وكذَّب عن علم وبينة بعد رُؤيته الواضحات؛
قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِم نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذيِنَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ* سَاءَ مَثَلاً القَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ} [الأعراف: 175 - 177].
إنَّ الأمثال التي ضربها الله لنا في القرآن كثيرة[21]، وهي أبلغ في التأثير، وأوقع في النَّفس، وأقوى في الحجة من غيرها، كم نَمُرُّ نحن على أمثاله - سبحانه - مَرَّ السحاب، وهي تذكرة لمن عقل وتاب؛
قال تعالى في الاستماع: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} [الحج: 73]،
لماذا فقدنا الاتِّعاظ والاعتبار بالأمثال، وهي حولنا مطبقة في كلِّ بلد ودار، أم تبلَّد الشعور وزاغت الأبصار؟!
ألَم يقل الله - سبحانه -: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112]؟
وهل هناك أبلغ من هذا المثل، وأشده وقعًا في النفس والعقل؟! سبحان الله! أين ذهبت العقول، وقبلها القلوب والشعور؟!
وهل كان ضرب المثل للتسلية، أو للإلغاز والتعمية، أو نحن قد فقدنا الملكة اللغوية، وسيطرت على ألسنتا اللهجة العامية، ففقدنا العلم والتزكية، ألاَ ترى كيف تبدلت الأزمان، وتغيَّرت البُلدان، لما تنكرت لنعم الله، وانتشر فيها الظُّلم والهمجيَّة، فتغير ما فيها من غنًى إلى فقر، ومن صحة إلى مرض، ومن أمان واطمئنان إلى خوف وقلق وبليَّة، ومن عيش رغيد إلى جوع شديد، إنَّ نظرة واحدة إلى ما يجري حولنا من تغيُّرات، وتبدل لأحوال للمجريات، ليجزم أن ما حصل لأقوام من قبلنا من خسف وهلاك ودمار يُمكن أن يحصل لنا إذا لم نغير ما بنا من شر إلى خير،
ومن معصية إلى طاعة، ومن تفرُّق إلى وحدة واتِّفاق؛
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد: 11].
والحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير البرية محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين.

________________________________________

[1] "لسان العرب"، لابن منظور، (4/237)، "مختار الصحاح"، ص198، و"أخلاق القرآن"، للدكتور الشرباصي، (1/22)، دار الرائد العربي، سنة 1987، وتفسير "روح المعاني"، للعلامة الآلوسي أبي الثناء، (5/92).


[2] "فقه القرآن"، لاستأذنا الدكتور: فرج توفيق رحمه الله، ص111.

[3] "تفسير ابن كثير"، (4/244)، عن: جبير بن مطعم، رواه البخاري، "الجامع الصحيح"، الصفحة أو الرقم: 4854: [صحيح]
.
[4] من الكتب والمراجع المهمَّة في هذا الباب كتاب: "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"، للندوي، و"السنن الإلهية"، للدكتور عبدالكريم زيدان.
[5] عن أبي بكر الصديق، البخاري، "الجامع الصحيح"، الصفحة أو الرقم: 3، [صحيح].

[6] انظر كتاب( فضل علم السلف على الخلف )للعلامة الاثري الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله ،وقد ذكر رحمه الله كلمات مختصرة في معنى العلم وانقسامه إلى علم نافع، وعلم غير نافع، والتنبيه على فضل علم السلف على علم الخلف

[7] كتاب "أصول الدعوة"، ص328، بتصرف قليل، طبع مؤسسة الرسالة، سنة 1987، الطبعة الثانية.

(8) قال المحدث الالباني الألباني في صحيح الجامع :صحيح انظر - الصفحة أو الرقم: 2576.

[9] "إحياء علوم الدين"، للإمام الغزالي رحمه الله، ص10، "خطبة إحياء علوم الدين"، تحقيق: أحمد عناية وأحمد زهوة، دار الكتاب العربي، سنة 2005.
[10] "الجواب الكافي"، ص129، و"مدارج السالكين"، (3/259)، "الوابل الصيب"، ص110.

[11] الألباني، "صحيح النسائي"، الصفحة الرقم: 1007، [صحيح].

[12] ذكره ابن الجوزي في "صفة الصفوة"، (1/413)، وقد رواه أحمد في "الزهد"، (162)، والبيهقي في "الشعب"، (1807)،
وانظر: "لطائف المعارف"، تحقيق: أستاذنا: إياد القيسي، نشر دار الأفكار الدولية.

[13] كتاب "التوابين"، لابن قدامة المقدسي، ص223، "توبة الفضيل بن عياض"، تحقيق: عبدالقادر الأرناؤوط، طبعة دار البيان.

[14] من بحث لي بعنوان: "الإعجاز البلاغي في فواصل سورة يوم القيامة"، ولم يطبع بعد.

[15] "مناهل العرفان في علوم القرآن"، للشيخ الزرقاني، (1/88)، دار قتيبة، حققه د: بديع السيد، الطبعة الثانية، سنة 2001.

[16] "مناهل العرفان"، (1/38).

[17] مناهل العرفان ج1 ص40

[18] "تفسير المنار"، للعلامة محمد رشيد رضا، (1/169).

[19] "مفتاح دار السعادة"، (1/51).

[20] "الإتقان في علوم القرآن"، للعلامة السيوطي، ص734، تحقيق: فواز أحمد زمرلي، الناشر: دار الكتاب العربي.

[21] ولابن القيم باعٌ طويل في شرح الأمثال القرآنية، وله عدة مؤلفات ضمنها تفصيل الأمثال، مثل: كتاب "إعلام الين"،
وكتاب "الوابل الصيب"، بل لا يخلو كتاب من كتبه إلاَّ وتطرق فيه إلى موضوع الأمثال، وشرحها رحمه الله.

المصدر
الألوكة
المصدر / المؤلف : مرشد الحيالي


كتبت : رسولي قدوتي
-
بارك الله فيكِ أختي الغالية

اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا
وجــــــلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا


لا عدمنـــــــــــــــاكِ
كتبت : * أم أحمد *
-
جزاكِ الله خير الجزاء
ورزقنا وإياكم حسن التدبر
والعمل بكتاب الله الكريم
لا حرمتِ الأجر أخيتي
كتبت : || (أفنان) l|
-
بارك الله فيكن اخواتي الحبيبات واثابكن
جزاكن الله خيرا على المرور وعلى الدعاء
تقبل الله منا ومنكن صالح الاعمال
احبكن في الله
كتبت : عبير ورد
-
كتبت : سنبلة الخير .
-
جزاكِ الله خيرا
اختيار رائع كصاحبته
سلمت يداكِ حبيبتي
سدد الله خطاك
الصفحات 1 2 

التالي

أخطاء المصلين

السابق

أختاه لَا تُضَيِّـــعي حَظَّـــكِ مِـــن أَعـــمَالِ السَّــرَائِــرِ

كلمات ذات علاقة
أنواع , المؤثر , التدبر , القول , تدان