ذهابي إلي مدينة المنصورة من حين إلي حين: هي رحلة في الزمن. كيف كانت مدينتنا وكيف صارت.. أو كيف كانت طفولتنا وكيف أصبحت طفولة الجيل الجديد. ونحن صغار كنا نري شارع السكة الجديدة واسعا كشارع الشانزليزيه في باريس, أو شارع تحت أشجار الزيزفون في برلين, أو ناشيونالي في روما, أو شارع جنزا في طوكيو.
والآن أري الشارع ضيقا جدا وأري أن ميدان موافي واحدا علي ألف من ميدان الكونكورد في باريس.. وكنت أري حديقة شجرة الدر أكبر من غابة بولونيا في باريس والهايد بارك في لندن ـ مع انها لا تبلغ واحدا علي ألف. كانت دنيانا كبيرة عندما كنا صغارا. كل شيء أكبر منا ـ فلما كبرنا أصبحنا أكبر من كل شيء, أو أن الأشياء قد اتخذت مقياسها ومعيارها الحقيقي أو القريب من ذلك.
ذهبت أشارك في الاحتفال بخريجي( المنصورة كوليج) وهي أحدث المدارس الجميلة: الحديقة والقاعات والفصول.. إن أرضية هذه المدرسة لم نكن نحلم بأن تكون أرضية بيوتنا أو حتي سقوفها, ولا كنا نتخيل أو نجرؤ علي أن نتخيل أن يكون لكل تلميذ كمبيوتر.
لقد كنا نمشي في الشوارع ننحني علي الأوراق ننفضها لكي نقرأ.
فلا عندنا كتب ولا مجلات ولا مكتبات. أما الآن فالعلم الحديث كله عند أطراف أصابع الأطفال.
ومهما قلت للأطفال الصغار أو للطلبة الكبار كيف كانت الكتاتيب أو مدارسنا فإن أحدا لا يصدقنا. بل يري أننا نبالغ وأننا نشوه( الزمن الجميل) الذي عشناه. فلا كان جميلا ولا كنا سعداء, وإنما كنا نعيش في الكهوف تحت الأرض. ولم نكن نري في ذلك قبحا فلا توجد نماذج أخري. وإنما الكتاتيب تحت الأرض وفي الظلام والبراغيث هو كل ما لدينا, هو قدرتنا.. ولا شكوي!
ويجب ألا تكون, ثم إنه حرام أن نلعن القدر لأن القدر هو الله.. ثم إننا لا نمن علي أحد, ولا نحقد عليه, وإنما فقط نريده أن يدرك النعمة الغامرة التي يعيشها, وأنه لا عذر له إذا لم يتقدم ولم يكن ناجحا!