قدوتي هو (محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم )
مجتمع رجيم / السيرة النبوية ( محمد صلى الله عليه وسلم )
كتبت :
ام البنات المؤدبات
-
لا إله إلا الله كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص:88] لا إله إلا الله كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإكْرَامِ [الرحمن:26-27] لا إله إلا الله كتب الفناء على كل مخلوق واستأثر بالبقاء
:: تــنــبــيــه ::
- لقد نبهنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على عظم مصيبة موته في الحديث الذي يرويه ابن عباس وسابط الجمحي رضي الله عنهما قالا: قال صلى الله عليه وسلم: " إذا أصيب أحدكم بمصيبة، فليتذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب "(أخرجه الطبراني وابن سعد والدارمي ومالك وغيرهم كما في السلسلة الصحيحة برقم 1106)
اليكن يامن أصبتن باي مصيبة في الدنيا الى من فقدت أباأو أما أو أختا أو أبنة أو عمةأو جدة أو أي عزيز عليها
اليك خاصة حبيبتي أفنان
أمَّا بَعْد:
فو الله إني لمتحيرة كيف أدخل إلى هذا الموضوع، ومن أنا أمام هذا الموضوع المدهش المحير المبكي؟! إنه موضوع وفاته عليه الصلاة والسلام، إنه موضوع انتقاله إلى الرفيق الأعلى عليه أفضل الصلاة والسلام، وإني لأتقاصر حقارة أن أتحدث في هذا الموضوع، ولكن لا جدوى إلا بحديث يذكرنا بذاك الحدث الجلل، وكل حدث بعد وفاته هين سهل بسيط يسير.
قال الله عز وجل: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30] إطلاق لا تقييد فيه، وعموم لا خصوص فيه كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [الرحمن:26] فليبن أهل البغي والعدوان بروجاً من التحسين إن شاءوا، فو الله ليموتن ولو كانوا في بروج مشيدة، والموت وما أدراك ما الموت؟!
مذهل، سماه الله مصيبة فقال: إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ [المائدة:106] وكان السلف إذا آنسوا من قلوبهم قسوة تذكروا الموت والقدوم على الله وما بعد الموت، فمات كل عضو من أعضائهم مكانه، وأثر عن ابن سيرين رضي الله عنه وأرضاه أنه كان إذا ذكر الموت وسأله سائل قال: والله ما أدري ماذا تقول، طاش عقلي من ذكر الموت. وقال الحسن البصري رحمه الله: [[فضح الموت الدنيا، فلم يدع لذي لب فرحاً ]].
فإذا كان الموت هو مصيبة، وإذا كان الانتقال إلى الله هو رزية؛ فما بالكم يا أجيال محمد صلى الله عليه وسلم، ويا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم بحادث وفاته عليه الصلاة والسلام؟!
وحدّث أصحابه بقرب أجله فلم يفقه ذلك إلا أبا بكر .
فعن أبي سعيد قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((إن الله خيّر عبداً بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله)) فبكى أبو بكر ، فقلت في نفسي: ما يبكي هذا الشيخ، إن يكن الله خيّر عبداً بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله؟ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العبد، وكان أبو بكر أعلمنا، ثم قال : ((يا أبا بكر لا تبك، إن من أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً من أمتي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوّة الإسلام ومودّته، لا يبقيّن في المسجد باب إلا سدّ إلا باب أبي بكر)) [متفق عليه].
فلما انتهى من ذلك صلى بهم الظهر، ثم رجع إلى بيته يزداد عليه المرض شيئًا فشيئًا، ثم دخلت عليه فاطمة رضي الله عنها فسارّها بشيء فبكت، ثم سارّها بشيء فضحكت، ثم سئلت عن ذلك بعد فأخبرها في الأولى أنه سيموت في مرضه هذا فبكت، ثم أخبرها أنها أول أهله لحوقًا به وأنها سيدة نساء أهل الجنة فضحكت رضي الله عنها.
وكان يدور على نسائه، فشق ذلك عليه لاشتداد المرض، فجعل يسألهن: ((أين أنا غداً؟ أين أنا غداً؟)) ففهمن مراده، فأذنّ له أن يكون حيث شاء.
فانتقل إلى بيت عائشة يمشي بين الفضل بن عباس وعليّ بن أبي طالب عاصباً رأسه، تخط قدماه في الأرض حتى دخل بيت عائشة.
وكان يوعك وعكاً شديداً، حتى قال ابن مسعود دخلت على رسول الله وهو يوعك، فمسسته بيدي، فقلت: يا رسول الله، إنك لتوعك وعكاً شديداً، فقال: ((أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم)).
وكان يشكو من أثر السم الذي أصابه من شاة اليهودية يوم خيبر، فقد قال لعائشة: ((يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبْهري من ذلك السم)) [متفق عليه].
كان مبدؤها غدرةً من غدرات يهود؛ فإن النبي لما فتح خيبر واطمأن بها أهدت له زينب بنت الحارث شاة مصلية، وقد سألتْ: أي عضوٍ أحبُّ إلى محمد؟ فقيل لها: الذراع، فأكثرت فيه من السم، ثم سمَّتْ سائر الشاة، ثم جاءت بها، فتناول النبي الذراعَ فلاكَ منها مُضغة، فلم يُسغها ولفظها، ثم قال: ((ارفعوا أيديَكم؛ فإن هذا العظم ليُخبِرُني أنه مسموم))، ثم مات بالسُّم بِشرُ بنُ البراء، فدعا بها فاعترفت، فقال: ((ما حملكِ على ما صنعتِ؟)) فقالت: قلتُ إن كنتَ ملكًا استرحنا منك، وإن كنتَ نبيًا فستُخبرُ، ثم أمر بها فقُتلتْ ببشر بن البراء.
وقفة
اليهود اكملوا تاريخهم بقتلهم حبيبي وقدوتي لم يكفهم ما فعل اباؤهم من قتل الانبياء
ولم يكتفوا بل مازالوا يكيدون لنا المكائد
اللهم انصرنا عليهم نصرا مؤيدا
رجعة
فلمَّا حضرت صلاة العشاء وجاءه بلال يؤذنه بالصلاة وكان قد ثقل واشتدَّ به الوجع فقال: ((أصلَّى الناس؟)) قالت عائشة: فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، قال: ((ضعوا لي ماء في المخضب))، قالت: ففعلنا فاغتسل ـ أي: يتبرَّد بذلك من الحمَّى ـ، ثمَّ ذهب لينهض فأغمي عليه، ثمَّ أفاق فقال: ((أصلَّى الناس؟)) فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، قال: ((ضعوا لي ماء في المخضب))، قالت: فاغتسل، ثمَّ ذهب لينهض فأغمي عليه، ثمَّ أفاق فقال: ((أصلَّى الناس؟)) فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، قال: ((ضعوا لي ماء في المخضب))، قالت: فاغتسل، ثمَّ ذهب لينهض فأغمي عليه، ثمَّ أفاق فقال: ((أصلَّى الناس؟)) فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، قالت عائشة: والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسولَ الله لصلاة العشاء، فأرسل رسول الله إلى أبي بكر أن يصلِّي بالناس، فصلَّى بهم أبو بكر تلك الأيام، فلمَّا أصبح رسول الله يوم الخميس كان الناس يسألون عن حاله، فخرج من عنده عليّ فقال له الناس: كيف أصبح رسول الله؟ قال: أصبح بحمد الله بارئًا، وكان قد خفَّ به بعض ألمه. روى ذلك البخاري.
ثم إنه قبل وفاته بأربعة أيام أعتق غلمانه وتصدق بسبعة دنانير كانت عنده، ثم مكث المرض يشتدّ عليه فكان يغيب أحيانًا ويفيق أحيانًا من شدة الحمى التي كانت تصيبه، فلما عرف أنه لا يقدر أن يصلي بالناس أرسل إلى أبي بكر أن يصلي، فخافت عائشة أن يتشاءم الناس بأبيها في أن يقف في مقام رسول الله فقالت: يا رسول الله، إن أبا بكر رجل أسيف لا يملك دمعته، فأوصت من يدعو عمر أن يصلي بهم، فصلى بهم عمر فسمع ذلك رسول الله فقال: ((يأبى الله ذلك والمؤمنون، لا يصلينّ بالناس إلا أبا بكر)) كالإشارة إلى استخلافه من بعده. ثم ثقل عليه المرض وبقي أبو بكر يصلي بهم حتى خرج عليهم رسول الله ذات يوم ووجدهم يصلون خلف أبي بكر، فأشار إلى أبي بكر أن ابق مكانك، فلم يقبل فرجع أبو بكر، فلما فرغ من الصلاة قال لأبي بكر: ((ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟)) فقال أبو بكر: ما كان لأبي بكر أن يتقدم بين يدي رسول الله ، ثم عاد إلى بيته يشتدّ عليه الوجع ويرى من الكرب ما الله به عليم.
موته
وفي فجر يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول عام أحد عشر من الهجرة أقبل المؤمنون إلى مسجد رسول الله ، واصطفوا لصلاتهم خلف أبي بكر رضي الله عنه، فبينا هم كذلك رفع رسول الله الستر المضروب على منزل عائشة، وبرز للناس، فكاد المسلمون يفتتنون في صلاتهم ابتهاجًا برؤيته ، فأخذوا يفسحون له مكانًا، فأشار بيده أن اثبتوا على صلاتكم، وتبسم فرحًا بهم. ونظر إليهم نظرة مودع، إنها النظرة الأخيرة التي لن يراها أصحابه وأحباؤه بعدها في الدنيا، إنها طلّة الفراق لن ينعموا بعدها برؤية هذا الوجه الكريم في الدنيا أبدًا بعد هذا اليوم
.
قال أنس رضي الله عنه: ما رأيت رسول الله أحسن هيئة منه في تلك الساعة، ثم رجع وأرخى الستر، وانصرف الناس وهم يظنون أن رسول الله قد أفاق من وجعه وبرأ، إلا أن الأمر كان بخلاف ذلك حيث لم يأت على النبي وقت صلاة أخرى، بل اشتد المرض عليه ونزل به في صباح يوم الاثنين، فطفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: ((لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز (1265)، يحذر ما صنعوا، فكانت هذه إحدى وصاياه عند موته، وكان يقول: ((اللهم أعني على سكرات الموت))[أخرجه الحاكم في المستدرك (3731) وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه".] من شدة ما نزل به، وكان يردد وهو في تلك الحال: ((الصلاة وما ملكت أيمانكم))، قال أنس: حتى جعل يغرغر بها في صدره وما يفيض بها لسانه[أخرجه أحمد (12190)، وابن ماجه كتاب الوصايا (2697) من حديث أنس رضي الله عنه.
]، وكان مما أوصى به عند موته أن أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، فلما ثقل رسول الله جعل يتغشاه الكرب، فقالت فاطمة رضي الله عنها لما رأت ما نزل بأبيها: وآكرب أبتاه! فقال : ((ليس على أبيك كرب بعد اليوم))[أخرجه البخاري في كتاب المغازي (4193) من حديث أنس رضي الله عنه.]، فلما ارتفع ضحى ذلك اليوم نزل برسول الله، فأسندته عائشة رضي الله عنها إلى صدرها، قالت رضي الله عنها: إن من نعم الله علي أن رسول الله توفي في بيتي، وفي يومي، وبين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته؛ وذلك أن عبد الرحمن بن أبي بكر دخل وبيده سواك يستاك به، فنظر إليه رسول الله، قالت عائشة: فعلمت أنه يريده، فأخذته فقضمته وطيبته ثم دفعته إليه، تقول عائشة رضي الله عنها: فاستن به أحسن ما كان استنانًا، فما عدا أن فرغ من السواك حتى رفع يده أو إصبعه، ثم قال: ((في الرفيق الأعلى، في الرفيق الأعلى، في الرفيق الأعلى))، ثم قضى رسول الله أخرجه البخاري في المغازي (4438)، ومسلم في فضائل الصحابة (2444) من حديث عائشة رضي الله عنها
إنا لله وإنا إليه راجعون، مات الشفيق الرحيم بأمته، مات شمس الحياة وبدرها، مات الداعية الناصح، مات صاحب القلب الكبير الذي وسع المؤمن والكافر والبر والفاجر والصغير والكبير، مات من كان للأيتام أبا، مات من كان للأرامل عونًا وسندا، مات نبي الأمة وقدوة الخلق، مات الذي نعمت برؤياه الأبصار وتشنفت بسماع صوته وجميل حديثه الأسماع والآذان، قال تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [الزمر: 30، 31].
وتسرب النبأ الفادح، وأظلمت على أهل المدينة أرجاؤها وآفاقها، كيف لا؟! وقد انطفأ ضياؤها وخبأ سراجها، قال أنس: فما رأيت يومًا قط أحسن ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول الله ، وما رأيت يومًا كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله .
وقفة
اهتزت المدينة بارجائها لكن ليس بقدومه هذه المرة بل بتوديعه ووفاتة
للحديث المؤلم بقية
:: تــنــبــيــه ::
- لقد نبهنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على عظم مصيبة موته في الحديث الذي يرويه ابن عباس وسابط الجمحي رضي الله عنهما قالا: قال صلى الله عليه وسلم: " إذا أصيب أحدكم بمصيبة، فليتذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب "(أخرجه الطبراني وابن سعد والدارمي ومالك وغيرهم كما في السلسلة الصحيحة برقم 1106)
اليكن يامن أصبتن باي مصيبة في الدنيا الى من فقدت أباأو أما أو أختا أو أبنة أو عمةأو جدة أو أي عزيز عليها
اليك خاصة حبيبتي أفنان
أمَّا بَعْد:
فو الله إني لمتحيرة كيف أدخل إلى هذا الموضوع، ومن أنا أمام هذا الموضوع المدهش المحير المبكي؟! إنه موضوع وفاته عليه الصلاة والسلام، إنه موضوع انتقاله إلى الرفيق الأعلى عليه أفضل الصلاة والسلام، وإني لأتقاصر حقارة أن أتحدث في هذا الموضوع، ولكن لا جدوى إلا بحديث يذكرنا بذاك الحدث الجلل، وكل حدث بعد وفاته هين سهل بسيط يسير.
قال الله عز وجل: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30] إطلاق لا تقييد فيه، وعموم لا خصوص فيه كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [الرحمن:26] فليبن أهل البغي والعدوان بروجاً من التحسين إن شاءوا، فو الله ليموتن ولو كانوا في بروج مشيدة، والموت وما أدراك ما الموت؟!
مذهل، سماه الله مصيبة فقال: إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ [المائدة:106] وكان السلف إذا آنسوا من قلوبهم قسوة تذكروا الموت والقدوم على الله وما بعد الموت، فمات كل عضو من أعضائهم مكانه، وأثر عن ابن سيرين رضي الله عنه وأرضاه أنه كان إذا ذكر الموت وسأله سائل قال: والله ما أدري ماذا تقول، طاش عقلي من ذكر الموت. وقال الحسن البصري رحمه الله: [[فضح الموت الدنيا، فلم يدع لذي لب فرحاً ]].
فإذا كان الموت هو مصيبة، وإذا كان الانتقال إلى الله هو رزية؛ فما بالكم يا أجيال محمد صلى الله عليه وسلم، ويا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم بحادث وفاته عليه الصلاة والسلام؟!
وحدّث أصحابه بقرب أجله فلم يفقه ذلك إلا أبا بكر .
فعن أبي سعيد قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((إن الله خيّر عبداً بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله)) فبكى أبو بكر ، فقلت في نفسي: ما يبكي هذا الشيخ، إن يكن الله خيّر عبداً بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله؟ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العبد، وكان أبو بكر أعلمنا، ثم قال : ((يا أبا بكر لا تبك، إن من أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً من أمتي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوّة الإسلام ومودّته، لا يبقيّن في المسجد باب إلا سدّ إلا باب أبي بكر)) [متفق عليه].
فلما انتهى من ذلك صلى بهم الظهر، ثم رجع إلى بيته يزداد عليه المرض شيئًا فشيئًا، ثم دخلت عليه فاطمة رضي الله عنها فسارّها بشيء فبكت، ثم سارّها بشيء فضحكت، ثم سئلت عن ذلك بعد فأخبرها في الأولى أنه سيموت في مرضه هذا فبكت، ثم أخبرها أنها أول أهله لحوقًا به وأنها سيدة نساء أهل الجنة فضحكت رضي الله عنها.
وكان يدور على نسائه، فشق ذلك عليه لاشتداد المرض، فجعل يسألهن: ((أين أنا غداً؟ أين أنا غداً؟)) ففهمن مراده، فأذنّ له أن يكون حيث شاء.
فانتقل إلى بيت عائشة يمشي بين الفضل بن عباس وعليّ بن أبي طالب عاصباً رأسه، تخط قدماه في الأرض حتى دخل بيت عائشة.
وكان يوعك وعكاً شديداً، حتى قال ابن مسعود دخلت على رسول الله وهو يوعك، فمسسته بيدي، فقلت: يا رسول الله، إنك لتوعك وعكاً شديداً، فقال: ((أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم)).
وكان يشكو من أثر السم الذي أصابه من شاة اليهودية يوم خيبر، فقد قال لعائشة: ((يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبْهري من ذلك السم)) [متفق عليه].
كان مبدؤها غدرةً من غدرات يهود؛ فإن النبي لما فتح خيبر واطمأن بها أهدت له زينب بنت الحارث شاة مصلية، وقد سألتْ: أي عضوٍ أحبُّ إلى محمد؟ فقيل لها: الذراع، فأكثرت فيه من السم، ثم سمَّتْ سائر الشاة، ثم جاءت بها، فتناول النبي الذراعَ فلاكَ منها مُضغة، فلم يُسغها ولفظها، ثم قال: ((ارفعوا أيديَكم؛ فإن هذا العظم ليُخبِرُني أنه مسموم))، ثم مات بالسُّم بِشرُ بنُ البراء، فدعا بها فاعترفت، فقال: ((ما حملكِ على ما صنعتِ؟)) فقالت: قلتُ إن كنتَ ملكًا استرحنا منك، وإن كنتَ نبيًا فستُخبرُ، ثم أمر بها فقُتلتْ ببشر بن البراء.
وقفة
اليهود اكملوا تاريخهم بقتلهم حبيبي وقدوتي لم يكفهم ما فعل اباؤهم من قتل الانبياء
ولم يكتفوا بل مازالوا يكيدون لنا المكائد
اللهم انصرنا عليهم نصرا مؤيدا
رجعة
فلمَّا حضرت صلاة العشاء وجاءه بلال يؤذنه بالصلاة وكان قد ثقل واشتدَّ به الوجع فقال: ((أصلَّى الناس؟)) قالت عائشة: فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، قال: ((ضعوا لي ماء في المخضب))، قالت: ففعلنا فاغتسل ـ أي: يتبرَّد بذلك من الحمَّى ـ، ثمَّ ذهب لينهض فأغمي عليه، ثمَّ أفاق فقال: ((أصلَّى الناس؟)) فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، قال: ((ضعوا لي ماء في المخضب))، قالت: فاغتسل، ثمَّ ذهب لينهض فأغمي عليه، ثمَّ أفاق فقال: ((أصلَّى الناس؟)) فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، قال: ((ضعوا لي ماء في المخضب))، قالت: فاغتسل، ثمَّ ذهب لينهض فأغمي عليه، ثمَّ أفاق فقال: ((أصلَّى الناس؟)) فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، قالت عائشة: والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسولَ الله لصلاة العشاء، فأرسل رسول الله إلى أبي بكر أن يصلِّي بالناس، فصلَّى بهم أبو بكر تلك الأيام، فلمَّا أصبح رسول الله يوم الخميس كان الناس يسألون عن حاله، فخرج من عنده عليّ فقال له الناس: كيف أصبح رسول الله؟ قال: أصبح بحمد الله بارئًا، وكان قد خفَّ به بعض ألمه. روى ذلك البخاري.
ثم إنه قبل وفاته بأربعة أيام أعتق غلمانه وتصدق بسبعة دنانير كانت عنده، ثم مكث المرض يشتدّ عليه فكان يغيب أحيانًا ويفيق أحيانًا من شدة الحمى التي كانت تصيبه، فلما عرف أنه لا يقدر أن يصلي بالناس أرسل إلى أبي بكر أن يصلي، فخافت عائشة أن يتشاءم الناس بأبيها في أن يقف في مقام رسول الله فقالت: يا رسول الله، إن أبا بكر رجل أسيف لا يملك دمعته، فأوصت من يدعو عمر أن يصلي بهم، فصلى بهم عمر فسمع ذلك رسول الله فقال: ((يأبى الله ذلك والمؤمنون، لا يصلينّ بالناس إلا أبا بكر)) كالإشارة إلى استخلافه من بعده. ثم ثقل عليه المرض وبقي أبو بكر يصلي بهم حتى خرج عليهم رسول الله ذات يوم ووجدهم يصلون خلف أبي بكر، فأشار إلى أبي بكر أن ابق مكانك، فلم يقبل فرجع أبو بكر، فلما فرغ من الصلاة قال لأبي بكر: ((ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟)) فقال أبو بكر: ما كان لأبي بكر أن يتقدم بين يدي رسول الله ، ثم عاد إلى بيته يشتدّ عليه الوجع ويرى من الكرب ما الله به عليم.
موته
وفي فجر يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول عام أحد عشر من الهجرة أقبل المؤمنون إلى مسجد رسول الله ، واصطفوا لصلاتهم خلف أبي بكر رضي الله عنه، فبينا هم كذلك رفع رسول الله الستر المضروب على منزل عائشة، وبرز للناس، فكاد المسلمون يفتتنون في صلاتهم ابتهاجًا برؤيته ، فأخذوا يفسحون له مكانًا، فأشار بيده أن اثبتوا على صلاتكم، وتبسم فرحًا بهم. ونظر إليهم نظرة مودع، إنها النظرة الأخيرة التي لن يراها أصحابه وأحباؤه بعدها في الدنيا، إنها طلّة الفراق لن ينعموا بعدها برؤية هذا الوجه الكريم في الدنيا أبدًا بعد هذا اليوم
.
قال أنس رضي الله عنه: ما رأيت رسول الله أحسن هيئة منه في تلك الساعة، ثم رجع وأرخى الستر، وانصرف الناس وهم يظنون أن رسول الله قد أفاق من وجعه وبرأ، إلا أن الأمر كان بخلاف ذلك حيث لم يأت على النبي وقت صلاة أخرى، بل اشتد المرض عليه ونزل به في صباح يوم الاثنين، فطفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: ((لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز (1265)، يحذر ما صنعوا، فكانت هذه إحدى وصاياه عند موته، وكان يقول: ((اللهم أعني على سكرات الموت))[أخرجه الحاكم في المستدرك (3731) وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه".] من شدة ما نزل به، وكان يردد وهو في تلك الحال: ((الصلاة وما ملكت أيمانكم))، قال أنس: حتى جعل يغرغر بها في صدره وما يفيض بها لسانه[أخرجه أحمد (12190)، وابن ماجه كتاب الوصايا (2697) من حديث أنس رضي الله عنه.
]، وكان مما أوصى به عند موته أن أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، فلما ثقل رسول الله جعل يتغشاه الكرب، فقالت فاطمة رضي الله عنها لما رأت ما نزل بأبيها: وآكرب أبتاه! فقال : ((ليس على أبيك كرب بعد اليوم))[أخرجه البخاري في كتاب المغازي (4193) من حديث أنس رضي الله عنه.]، فلما ارتفع ضحى ذلك اليوم نزل برسول الله، فأسندته عائشة رضي الله عنها إلى صدرها، قالت رضي الله عنها: إن من نعم الله علي أن رسول الله توفي في بيتي، وفي يومي، وبين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته؛ وذلك أن عبد الرحمن بن أبي بكر دخل وبيده سواك يستاك به، فنظر إليه رسول الله، قالت عائشة: فعلمت أنه يريده، فأخذته فقضمته وطيبته ثم دفعته إليه، تقول عائشة رضي الله عنها: فاستن به أحسن ما كان استنانًا، فما عدا أن فرغ من السواك حتى رفع يده أو إصبعه، ثم قال: ((في الرفيق الأعلى، في الرفيق الأعلى، في الرفيق الأعلى))، ثم قضى رسول الله أخرجه البخاري في المغازي (4438)، ومسلم في فضائل الصحابة (2444) من حديث عائشة رضي الله عنها
إنا لله وإنا إليه راجعون، مات الشفيق الرحيم بأمته، مات شمس الحياة وبدرها، مات الداعية الناصح، مات صاحب القلب الكبير الذي وسع المؤمن والكافر والبر والفاجر والصغير والكبير، مات من كان للأيتام أبا، مات من كان للأرامل عونًا وسندا، مات نبي الأمة وقدوة الخلق، مات الذي نعمت برؤياه الأبصار وتشنفت بسماع صوته وجميل حديثه الأسماع والآذان، قال تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [الزمر: 30، 31].
وتسرب النبأ الفادح، وأظلمت على أهل المدينة أرجاؤها وآفاقها، كيف لا؟! وقد انطفأ ضياؤها وخبأ سراجها، قال أنس: فما رأيت يومًا قط أحسن ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول الله ، وما رأيت يومًا كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله .
وقفة
اهتزت المدينة بارجائها لكن ليس بقدومه هذه المرة بل بتوديعه ووفاتة
للحديث المؤلم بقية
كتبت :
بنت الكروم
-
اللهم صلي على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
جزاكِ الله خيرا وبارك فيكِ