* الصحابه رضي الله عنهم بين جهلِ المحّبين وبين جفاء المبغضين *
مجتمع رجيم / شبهات وردود
كتبت :
* أم أحمد *
-


الصَّحابةُ بين جهلِ المحبِّين و بين جَفَاءِ المبغضين
فضيلة الشيخ عثمان الخميس حفظه الله
الحمدُ لله نحمدُه ونستغفرُه ، ونعوذُ بالله مِنْ شُرُورِ أنفسِنا ومِنْ سيِّئاتِ أعمالِنا مَنْ يَهْدِهِ الله فهو المهتدي ، و مَنْ يُضْلِلْهُ فلنْ تجدَ له وليّاً مُرْشِداً ، و أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وَحْدَهُ لا شريكَ له ، و أشهدُ أنَّ محمَّداً عَبْدُهُ و رسولُه ، أمَّا بعد
فإنَّ خيرَ الكلامِ كَلامُ الله و خيرَ الهَدْي هَدْيُ محمَّدٍ صلَّى الله عليه و سلَّم ، و إنَّ شَرَّ الأمورِ مُحْدَثَاتُها ، و كلّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَة ، و كلّ بِدْعَةٍ ضَلالة ، و كلّ ضَلالةٍ في النَّار
أمَّا بعد :
فإنَّ الله سبحانه وتعالى بفضلهِ و مَنِّهِ وكَرَمِهِ جعلَ هذه الأمَّةَ آخرَ الأممِ وخيرَ الأمم وهمُ الشُّهودُ على الأممِ ، كما قالَ سبحانه وتعالى : " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ....(143)" سورة البقرة .
قالَ صلواتُ ربِّي و سلامُه عليه : " الوَسَطُ العَدْلُ " .
فهي أمَّةٌ عُدُولٌ ، ولذلك أخبرَ صلواتُ الله وسلامُه عليه : " أنَّ قومَ نوحٍ يأتون يومَ القيامةِ فيسألُهمُ الله تباركَ وتعالى هل جاءَكم رسولٌ ؟؟
هل بُلِّغْتم ؟؟
فيقولون : ما جاءَنا مِنْ رسولٍ .
فيُسألُ نوحٌ صلواتُ الله وسلامُه عليه فيقالُ له : هل بَلَّغْتَ ؟؟
فيقولُ : نعم يا ربِّي بَلَّغْتُ .
فيقالُ له : مَنْ يشهدُ لكَ ؟؟
فيقولُ : محمَّد وأمَّته . "
قالَ صلواتُ الله وسلامُه عليه : " عند ذلك تشهدون " ، أي لنوحٍ عليه الصَّلاةُ و السَّلامُ أنَّه بلَّغ أمَّته كما أخبرَنا الله جلَّ و علا وكما أخبرَنا الرَّسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم ، ثم قرأ صلواتُ الله وسلامُه عليه : " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً "، فقالَ : " الوَسَطُ العَدْلُ " .
هذه الأمَّةُ لا شكَّ أنَّها خيرُ الأمم ، و آلُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابُه أفضلُ الآلِ وأفضلُ الأصحابِ ، وفضَّل الله سبحانه وتعالى أصحابَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على سائرِ البشرِ بعد الأنبياءِ صلواتُ الله وسلامُه عليهم أجمعين ، وفضَّل الصَّحابةَ بعضَهم على بعضٍ ، فلأهلِ بيعةِ العقبةِ ما ليسَ لغيرِهم ، وكذا لأهلِ بدر و لأهلِ بيعةِ الرّضوان فضلٌ عظيمٌ كما قالَ سبحانه وتعالى : " .... لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ( 10)"سورة الحديد.
فذكرَ جَلَّ و علا فضلَ بعضِهم على بعضٍ ، ثم بيَّن أنه وَعَدَ الجميعَ جنَّاتِ النَّعيم ، والمقصودُ بيان أنَّ حِكْمَتَه سبحانه وتعالى اقتضتِ اجتباءَ واصطفاءَ هذه الخلاصة منْ بني آدم صحابةً لنبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم ، السَّابقين ومَنْ بعدَهم .. منْ قبلِ الفتح ومِنْ بعدهِ .. منَ المهاجرين والأنصار وغيرهم ، وهذا الاجتباءُ وهذا الاختيارُ ناشئٌ عن عِلْمٍ و حِكْمَةٍ و رحمةٍ ، وكما أنه سبحانه وتعالى منفردٌ بالخَلْقِ فهو منفردٌ بالاختيار لا شريكَ له في ذلك ؛ كما قالَ تعالى مُنَزِّهاً غيرَه عن مشاركتهِ : " ..... سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) " سورة القصص .
إنَّ عدالةَ أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عند أهلِ السُّنةِ والجماعةِ منْ مسائلِ العقيدةِ القطعيَّة أو مما هو معلومٌ مِنَ الدِّين بالضَّرورة ، ويستدلُّون على ذلك بأدلَّةٍ كثيرةٍ منَ الكتابِ والسُّنةِ ، كلّها تبيِّن مكانةَ أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه و آلهِ وسلَّم .
قالَ جَلَّ ذِكْرُهُ : " لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) " سورة الفتح
وجاءَ في صحيح البخاري عن جابرِ بن ِعبدِ الله قالَ : " كُنَّا ألفاً و أربعمئة ".
كلّ هؤلاء قالَ الله سبحانه وتعالى : " لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ - أي مِنَ الإيمانِ والخيرِ والتَّقوى - فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا " .
ولذلك جاءَ في الحديثِ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " لنْ يدخلَ النَّارَ أحدٌ بايعَ تحتَ الشَّجرةِ " .
ومَنْ رضيَ الله تعالى عنه لا يمكنُ أبداً أنْ يموتَ على الكُفْرِ ؛ لأنَّ العِبرةَ بالوفاةِ على الإسلامِ ، فلا يقعُ الرِّضَا منه سبحانه وتعالى إلا على مَنْ عَلِمَ موتَه على الإسلامِ ، ومما يُؤَكِّدُ هذا ما ثبتَ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم - كما قلنا - في صحيح مسلم :" لنْ يدخلَ النَّارَ أحدٌ بايعَ تحت الشَّجرةِ " ، ولم يتخلَّفْ في هذه البيعةِ إلا رجلٌ مِنَ المنافقين لم يبايعِ النبيَّ صلواتُ الله وسلامُه عليه
قالَ شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّة رحمه الله تعالى : و الرِّضَا مِنَ الله صفةٌ قديمةٌ فلا يرضى إلا عن عبدٍ عَلِمَ أنه يُوافيهِ على مُوجباتِ الرِّضَا ، ومَنْ رضيَ الله عنه لم يسخطْ عليه أبداً ، فكلُّ مَنْ أخبرَ الله أنه رضيَ عنه فإنه مِنْ أهلِ الجنَّة ، وإنْ كانَ رِضَاهُ عنه بعد إيمانهِ وعملهِ الصَّالحِ فإنَّه يذكرُ ذلك في مَعْرِضِ الثَّناءِ عليه والمدحِ له ، فلو عَلِمَ أنه يتعقَّب ذلك بما يُسْخِطُ الرَّبَّ لم يكنْ منْ أهلِ ذلك المديحِ .
وقالَ ابنُ حزم رحمه الله تعالى : فَمَنْ أخبرَنا الله عزَّ وجلَّ أنه عَلِمَ ما في قلبهِ و رضيَ عنه وأنزلَ السَّكينةَ عليه فلا يحلُّ لأحدٍ التَّوقُّف في أمرهِ أو الشَّكّ فيه .
وهذا في الفِصَلِ ، الجزء الرَّابع ، صفحة ثمان وأربعين ومئة ، وكلام شيخ الإسلام في الصَّارم المسلول ، صفحة اثنتين وسبعين وخمس مئة .
وقالَ جلَّ ذِكْرُهُ : " مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا(29) "سورة الفتح .
قالَ الإمام مالك رحمه الله ( مالك بن أنس ) : بلغني أنَّ النَّصارى كانوا إذا رَأَوا الصَّحابةَ رضيَ الله عنهم الذين فتحوا الشَّامَ يقولون : " والله لهؤلاء خيرٌ منَ الحواريِّين فيما بلغَنا "، و صدقوا في ذلك .
فإنَّ هذه الأمَّةَ معظَّمةٌ في الكُتُبِ المتقدِّمة ، وأعظمُها و أفضلُها أصحابُ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وقد نَوَّهَ الله تبارك وتعالى بذِكْرِهم في الكُتُبِ المنزَّلة والأخبارِ المتداولَة ، ولهذا قالَ سبحانه وتعالى هنا : " ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ " ثم قال :" وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ " ، فكذلك أصحابُ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم آزروه وأيَّدوه ونصروه فهو معهم كالشَّطْءِ مع الزَّراع " لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ".
وقالَ سبحانه وتعالى : " لِلْفُقَرَاءِالْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْيَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ... "(8)،سورة الحشر ، هؤلاء المهاجرون يخبرُ الله سبحانه وتعالى عنهم أنهم يبتغون فضلاً مِنْ ربِّهم سبحانه وتعالى ويبتغون الرِّضوان منه جَلَّ وعلا : " ... وَيَنْصُرُونَ اللَّهَوَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8)،سورة الحشر .
ثم قالَ : " وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) " ، سورة الحشر
ثم قالَ جَلَّ وعلا : " وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10) " ، سورة الحشر
بيَّن سبحانه وتعالى في هذه الآياتِ أحوالَ وصفاتِ المستحقِّين لِلفَيْءِ وهم ثلاثةُ أقسامٍ :-
*- القسم الأوَّل : الفقراء المهاجرون
*-والقسم الثَّاني : الذين تبوَّؤوا الدَّارَ والإيمانَ مِنْ قبلِهم ، وهم الأنصار .
*-والقسم الثَّالث : الذين جاؤوا مِنْ بعدِهم .
وما أحسنَ ما استنبطَه الإمامُ مالك رحمه الله تعالى مِنْ هذه الآيةِ أنَّ الذي يَسُبُّ الصَّحابةَ ليسَ له مِنْ مَالِ الفَيْءِ نصيبٌ لِعَدَمِ اتِّصافهِ بما مدحَ الله به هؤلاء ( أي القسم الثالث ) .
قالَ سعدُ بنُ أبي وقَّاص رضيَ الله عنه : النَّاسُ على ثلاثةِ منازلَ ، فمضتْ منزلتان و بقيتْ واحدة ، فأحسن ما أنتم عليه أنْ تكونوا بهذه المنزلةِ التي بقيتْ ثم قرأ : " " لِلْفُقَرَاءِالْمُهَاجِرِينَ ... " إلى قولهِ :" وَرِضْوَانًا " فهؤلاء المهاجرون ، وهذه منزلةٌ قد مضتْ .
" وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ " إلى قوله تعالى : " وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ " ، قالَ : هؤلاء الأنصار ، وهذه منزلةٌ قد مضتْ .
ثم قرأ : " وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ " إلى قوله : " رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ " قالَ : مضتْ هاتان وبقيتْ هذه المنزلةُ ، فأحسنُ ما أنتم كائنون عليه أنْ تكونوا بهذه المنزلةِ التي بقيتْ .
يقولُ : أنْ تستغفروا لهم .
وهذا ذَكَرَهُ شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّة في الصَّارم المسلول في صفحة أربع و سبعين و خمس مئة .
وقالَ جَلَّ ذِكْرُهُ في كتابهِ العزيزِ : " وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـئِكَ مِنكُمْ ....(75) " سورة الأنفال .
فهكذا نجدُ أنَّ الله سبحانه وتعالى يمدح المؤمنين ويُثني عليهم وهم أصحابُ رسولِ الله صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم
وقد قالَ الله : " ... لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ...(10) " سورة الحديد
فقولُه سبحانه وتعالى : " وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى " أي الذين أنفقوا وقاتلوا منْ قبلِ الفتحِ ، والذين أنفقوا أو قاتلوا مِنْ بعدِ الفتحِ ، وإنْ كانوا لا يستوون عند الله تعالى ولكنْ مع هذا فإنَّ الله جَلَّ وعلا ذَكَرَ أنَّ الجميعَ قد وعدَهمُ الحسنى سبحانه وتعالى .
وقالَ جَلَّ ذِكْرُهُ : " إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)" سورة الأنبياء ، أي نار جهنَّم .
وتُوجدُ آياتٌ أخرى ولكنْ بما ذكرناه كفاية إنْ شاءَ الله تعالى .
وأمَّا الأحاديثُ فمنها:
قول ابن عبَّاس رضيَ الله عنه : لا تسبُّوا أصحابَ محمَّدٍ فإنَّ الله سبحانه و تعالى قد أمرَ بالاستغفار لهم وقد عَلِمَ أنهم سيقتتلون .
كذلك جاءَ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قالَ : " لا تسبُّوا أصحابي فإنَّ أحدَكم لو أنفقَ مِثْلَ أحُدٍ ذهباً ما أدركَ أحدِهم ولا نَصِيفه "
وجاءَ عنه صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قالَ لعمرَ لما تكلَّم في حاطبِ بنِ أبي بلتعة : " وما يُدريكَ لعلَّ الله اطَّلعَ على أهلِ بدرٍ فقالَ اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم " ، وهذا أخرجَه الإمام البخاري والإمام مسلم في صحيحيهما .
قالَ الإمامُ ابنُ القيِّم رحمه الله تعالى : " إنَّ هذا الخطابَ لقومٍ قد عَلِمَ الله سبحانه وتعالى أنهم لا يُفارقون دينَهم بل يموتون على الإسلامِ ، وأنهم قد يُقارفون بعضَ ما يُقارفُه غيرُهم مِنَ الذُّنوبِ ، ولكنْ لا يتركُهم سبحانه وتعالى مُصِرِّين عليها بل يُوَفِّقهم لتوبةٍ نصوحٍ واستغفارٍ وحسناتٍ تمحو أثرَ ذلك ، و يكونُ تخصيصُهم بهذا دون غيرِهم لأنه قد تحقَّق ذلك فيهم وأنهم مغفورٌ لهم ، ولا يمنعُ ذلك كَوْنَ المغفرة حصلتْ لأسبابٍ تقومُ بهم ، كما لا يقتضي ذلك أنْ يعطِّلوا الفرائضَ وُثُوقاً بالمغفرةِ .
وجاءَ عنه صلواتُ الله وسلامُه عليه مِنْ حديثِ عمران أنه قالَ:" خيرُ أمَّتي قَرْنِي ثم الذين يَلُونَهم ثم الذين يَلُونَهم ) ، أخرجَه الإمامان البخاريّ ومسلم .
وكذلك جاءَ في الحديثِ عنه صلواتُ الله وسلامُه عليه أنه قالَ :" النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي ، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي ، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ " أخرجه الإمام مسلم في صحيحه .
وجاءَ عنه صلواتُ الله وسلامُه عليه كما في الصَّحيحين : " آيةُ الإيمانِ حُبُّ الأنصارِ ، وآيةُ النِّفاقِ بُغْضُ الأنصارِ " .
مِنْ هذه الآياتِ والأحاديثِ التي ذكرناها يظهرُ لنا أنَّ الله سبحانه وتعالى زكَّى ظاهرَ المؤمنين - أعني أصحابَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم - وزكَّى بواطنَهم.
*-فَمِنْ تزكيةِ ظواهرِهم وصفُهم بأعظمِ الأخلاقِ ، منها قولُه سبحانه وتعالى : " أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ "
وقالَ : " وَيَنْصُرُونَ اللَّهَوَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ".
وقالَ : " وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ".
*- أمَّا بواطنُهم فلا يعلمُها إلا الله سبحانه وتعالى ، ومع هذا زكَّاها سبحانه وتعالى فأذهبَ عنهم ما يزعمُه البعضُ مِنَ النِّفاقِ
فقالَ : " فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ "
وقالَ : " يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ " .
وقالَ : " يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا " .
وقالَ : " لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ ...(117)" سورة التوبة .
لا شكَّ أنَّ هؤلاء الذين مدحَهم الله سبحانه وتعالى كلَّ هذا المدحِ ومدحَهم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لا يمكنُ أبداً أنْ يكونوا بعد ذلك مِنَ المرتدِّين أو يكونوا منَ المنافقين .
ولو سألتَ الآن عاقلاً فقلتَ له : هل للحجرِ الأسودِ فضيلةٌ ؟
لقالَ : نعم ، فضيلتُه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وضعَه بيديهِ الشَّريفتين وأنه صلواتُ الله وسلامهُ عليه قبَّله بفمهِ الطَّاهر ، فيكفيهِ ذلك شرفاً .
وكذلك ثياب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ما فضيلتُها ؟
قالوا فضيلتُها أنها مَسَّتْ جسدَ النبيِّ صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم .
فكيف بالله عليكم بمنْ صَحِبَهُ وجالسَه وصلَّى خلفَه وربما عانقَه يوماً أو دافعَ عنه بنفسهِ وأهلهِ ومالهِ ، هؤلاء عند علماءِ الشِّيعةِ بهائمُ ومنافقون ومرتدُّون .
وقد ذكرَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم حديثاً عظيماً يدلُّ على فضلِهم منه أنه قالَ : "يأتي على النَّاسِ زمانٌ يغزو فئامٌ منَ النَّاسِ فيقالُ لهم : فيكم مَنْ رأى رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ؟ فيقولون : نعم ، فيُفتحُ لهم ، ثم يغزو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فيقالُ لهم : هل فيكم مَنْ رأى مَنْ صَحِبَ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ؟ فيقولون : نعم . فيُفتحُ لهم ، فيغزو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فيقالُ لهم : هل فيكم مَنْ رأى مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ؟ فيقولون : نعم . فيفتح لهم " ، أخرجه الإمام مسلم في صحيحه .
إننا عندما نقولُ بعدالةِ أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه و آلهِ وسلَّم إنما نطلقُ العدالةَ ولا نريدُ منها العِصْمَةَ ، وإنما نريدُ منها أنهم عدولٌ في نَقْلِهم كتابَ الله تعالى وفي نَقْلِهم سنَّة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
قالَ اللكنويّ رحمه الله تعالى : وقد تُطْلَقُ العدالةُ على التجنُّب عن تعمُّد الكذب في الرِّوايةِ والانحرافِ فيها بارتكابِ ما يُوجبُ عدمَ قبولِها ، وهذا المعنى هو مُرَادُ المحدِّثين مِنْ قولِهم : الصَّحابةُ عُدُولٌ .
وقالَ السَّخاويّ : قالَ ابنُ الأنباريّ : ليسَ المرادُ بعدالتِهم ثبوت العِصْمَة لهم واستحالة المعصية منهم ؛ وإنما المرادُ قبول رواياتهم مِنْ غيرِ تكلُّفِ البحثِ عن أسبابِ العدالةِ وطلبِ التَّزكيةِ ؛ إلا أنْ يثبتَ ارتكابُ قادحٍ ، ولم يثبتْ ذلك .
ولذلك تجدُ أنَّ عقيدةَ أهلِ السُّنةِ والجماعةِ في أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عقيدةٌ واضحةٌ راسخةٌ رسوخ الجبالِ .
روى اللالكائيّ رحمه الله تعالى منْ طريقِ حمَّاد بنِ سلمةَ عن أيوب السَّخْتَيَانيّ أنه قالَ : مَنْ أحبَّ أبا بكر الصِّدِّيق فقد أقامَ الدِّينَ ، ومَنْ أحبَّ عمرَ فقد أوضحَ السَّبيلَ ، ومَنْ أحبَّ عثمانَ فقد استنارَ بنورِ الدِّينِ ، ومَنْ أحبَّ عليَّ بنَ أبي طالبٍ فقدِ استمسكَ بالعُروةِ الوثقى ، ومَنْ قالَ الحسنى في أصحابِ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم فقد برئَ منَ المنافقين . ذكره اللالكائي في أصول الاعتقاد .
وقالَ الإمام الطَّحاويّ رحمه الله تعالى : ونحبُّ أصحابَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، ولا نفرط في حبِّ أحدٍ منهم ، ولا نتبرَّأ مِنْ أحدٍ منهم ، ونُبغضُ مَنْ يُبغضُهم وبغيرِ الخيرِ يذكرُهم ، ولا نذكرُهم إلا بخيرٍ ، وحبُّهم دينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ ، وبُغضُهم كُفْرٌ ونِفَاقٌ وطغيانٌ .
وقالَ شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّة : ومِنْ أصولِ أهلِ السُّنةِ والجماعةِ سلامةُ قلوبِهم وألسنتِهم لأصحابِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم كما وصفَهم الله به في قولهِ تعالى : " وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ".
قالَ الإمامُ الحافظُ ابنُ كثيرٍ رحمه الله تعالى : "والصَّحابةُ كلُّهم عُدُولٌ عند أهلِ السُّنةِ والجماعةِ لما أثنى الله عليهم في كتابهِ العزيزِ ، وبما نطقتْ به السُّنةُ النبويَّةُ في المدحِ لهم في جميعِ أخلاقِهم وأفعالِهم ، وما بذلوه مِنَ الأموالِ والأرواحِ بين يدي رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم رغبةً فيما عند الله مِنَ الثَّوابِ الجزيلِ والجزاءِ الجميلِ .
وقالَ الإمامُ النَّوويُّ رحمَه الله تعالى : " ولهذا اتَّفقَ أهلُ الحقِّ ومَنْ يُعتدُّ به في الإجماعِ على قبولِ شهاداتِهم ورواياتِهم وكمالِ عدالتِهم رضيَ الله عنهم أجمعين .