الإستقامة سبيل السعادة ..د ... لخلافة كريم

مجتمع رجيم / عــــام الإسلاميات
كتبت : || (أفنان) l|
-

الاستقامة سبيل السعادة/ د. لخلافة كريم.


تمهيد:

السعادة هي غاية كل إنسان في هذه الحياة، لكن الناس يختلفون في الأساليب التي يسلكونها لتحقيقها.

وهذا الاختلاف راجع أساسا إلى اختياراتهم العقدية والفكرية.

ويتميز المسلم بوضوح أهدافه وغاياته، فهو يدرك أن الغاية من خلقه هي عبادة الله سبحانه، لذلك فسعادته في استقامته على تلك العبادة.

فما حقيقة الاستقامة والسعادة في الإسلام؟ وكيف تكون الاستقامة في العبادة سبيلا للسعادة؟

ذلك ما سأحاول توضيحه في هذا المقال.



أولا: حقيقة الاستقامة:
قال ابن رجب: "الاستقامة سلوك الصراط المستقيم، وهو الدين القويم، من غير انحراف يمنة ولا يسرة"،
ويشمل ذلك عنده فعل الطاعات كلها الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها كذلك…".

والأصل في الاستقامة قوله تعالى:
(إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) فصلت:30

وقوله سبحانه: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون) الأحقاف: 13 ـ 14.

وقد أورد القرطبي آراء الصحابة والتابعين في المراد بقوله تعالى: (ثم استقاموا)، خلاصتها أن الله تعالى يبشر ويطمئن عباده الذين
"اعتدلوا على طاعته عقْدا وقولا وفعلا وداموا على ذلك." تفسير القرطبي.
فالاستقامة إذن هي الاعتدال على طاعة الله والاستمرار في ذلك.

وقد بين عليه الصلاة والسلام كيف يكون الاعتدال
فقال: " استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن."
خرجه الإمام أحمد وابن ماجة من حديث ثوبان.

وفي رواية للإمام أحمد رحمه الله: "سددوا وقاربوا، ولا يحافظ على الصلاة إلا مؤمن."

فالسداد هو حقيقة الاستقامة، وهو الإصابة في جميع الأقوال والأعمال والمقاصد.

فليس من الاستقامة في العبادة الغلو والتشدد في التدَيُّن، أو تحريم ما أحل الله، لذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على الثلاثة
الذين ادعى أحدهم أنه يصوم ولا يفطر، وادعى الآخر أنه يقوم الليل ولا ينام، فيما زعم الثالث أنه لا يتزوج النساء.
وقد عد صلى الله عليه وسلم ذلك رغبةً عن سنته.

وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة فقال: من هذه؟ قالت هذه فلانة تذكر من صلاتها.
قال: " مه عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا، وكان أحب الدين إليه ما داوم صاحبه عليه." متفق عليه

والاستقامة في الإسلام ينبغي أن تشمل جميع الجوارح.

وأولها استقامة القلب لأنه كما بين عليه الصلاة والسلام سبب صلاح الجسد كله أو فساده.

يليه اللسان في الأهمية لذلك نصت الآيات والأحاديث على ضرورة القول السديد وعلى تحريم كل آفات اللسان.

قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم, أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطعِ اللهَ ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) الأحزاب: 70 ـ 71.
ثم لابد أن تكون باقي الجوارح كالسمع والبصر واليد والرِّجل والفرْج وغير ذلك مستقيمة على هدي النبي عليه الصلاة والسلام.


ثانيا : حقيقة السعادة:
إذا تدبرنا القرآن الكريم ألفيناه غنيا بالآيات المبينة لحقيقة السعادة، وأنها ليست فيما يظنه كثير من الناس،عندما يربطونها بالأموال
والجاه والأولاد والملذات الفانية.

وإنما هي في الاستقامة على طاعة الله واتباع رسوله للفوز بالسعادة في الدارين.

قال تعالى:
( زُينَ للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث.
ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المئاب. قل أِؤ نبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد) آل عمران:14 ـ 15
ثم إن القرآن الكريم بين للناس حقيقة الدنيا وأنها ليست هي الغاية أو الهدف، وإنما هي دار ابتلاء واختبار، دارعمل واستعداد للآخرة
التي هي دار السعادة والخلود في النعيم لمن استقام ولم ينحرف في طلب ملذات الدنيا وشهواتها.

قال عز وجل ( فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى. وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى) النازعات 37. 40.
ولذلك فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان حريصا على تعليم الصحابة رضي الله عنهم هذه الحقيقة، فرغَّب إليهم الآخرة، وزهدهم الدنيا.

غير أن هذا لا يعني أن كل الدنيا شقاء، وكل طالب لها شقي، بل إنه صلى الله عليه وسلم علمنا أن من استقامة المسلم التوسط والاعتدال
في طلب الدنيا والآخرة، فلا إفراط ولا تفريط كما تدل على ذلك عدة وقائع من السيرة النبوية.


ثالثاً: العبادات في الإسلام تحقق السعادة في الدارين:

من جماليات التدين في الإسلام أنه يسعد المسلم في حياته وفي آخرته، إذا قام به على هدي نبيه صلى الله عليه وسلم.

يقول خالد السيد:
"إن عباد الله الصالحين يعيشون في هذه الدنيا مع الناس وبينهم ولكن قلوبهم متعلقة بالآخرة، إن قلوبهم تحيا في حياة سعيدة رغدة هانئة…"
لذة العبادة:95
ففي الصلاة اتصال مع الله تعالى، وراحة من متاعب الحياة، إذا أقيمت بأركانها وخشوعها.

لذلك كان رسولنا الكريم يقول: أرحنا بها يا بلال.

"وقد كان الصالحون يتلذذون بصلاتهم وقيامهم، ويستقصرون الليل، حتى قال بعضهم: منذ أربعين سنة ما أحزنني شيء مثل طلوع الفجر.

وكان الفضيل ابن عياض يقول: إذا غرُبت الشمس فرحت بالظلام لخلوتي بربي.

وكان أبو سليمان الداراني يقول: أهل الليل في ليلهم ألذُّ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا.

" "لذة العبادة"
لخالد السيد روشه ص: 498 وما بعدها.

وفي الصوم تربية للنفس، وتدريب على الصبر والتحمل، "…وللصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه"
كما قال عليه الصلاة والسلام.

وفي قراءة القرآن اتصال مباشر مع الله يجعل القارئ المؤمن في طمأنينة وفي أنس وسكينة، وعلى نور وبصيرة من أمره.

قال الله تعالى: ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المومنين الذين يعملون الصالحان أن لهم, أجرا كبيرا. وأن الذين لا يومنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما) الإسراء: 9 ـ 10.

وقال سبحانه: ( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم, إلى صراط مستقيم) المائدة: 15 ـ 16.


قال ابن كثير:
"أي يريهم طرق النجاة والسلامة ومناهج الاستقامة وينجيهم من المهالك، ويوضح لهم أبين المسالك، فيصرفَ عنهم المحذور
ويحصل لهم أحب الأمور، وينفي عنهم الضلالة ويرشدهم إلى أقوم حالة."

وذكر الله ذكرا حقا نور للقلب وقرب من الخالق، ومعين على الاستقامة، واستحضار لمعية الله ومراقبته.

قال الحسن: " تفقدوا الحلاوة واللذة في ثلاثة أشياء: في الصلاة وفي الذكر وقراءة القرآن، فإن وجدتم وإلا فاعلموا أن الباب مغلق."
لذة العبادة ص: 67.
والدعاء عبادة تفرج الكرب وتذهب الهم والغم، فالمؤمن الحق هو الذي يفزع إلى ربه إذا أصابه ضر أو خير.

فبالدعاء يفر المسلم من ضيق صدره بالهموم والكروب والأحزان، إلى سعة فضاء الثقة بالله، فيطمئن بمعيته، ويسعد برجاء لطفه ورحمته.

وإجمالا فإن كل العبادات والمعاملات والأخلاق الإسلامية تشعر العابدَ بالسعادة واللذة مادامت خالصة لله تعالى وعلى هديه وهدي نبيه.

بل إن استجابة العابدِ لشهواته ورغباته في الدنيا وفق شرع الله وسنة رسوله تجعل السعادة عنده تستمر حتى بعد قضاء رغبته،
لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وعدَه أن الله تعالى سيأجره مادام قد وضع شهوته في حلال.

وهذا لمن تأمَّلَه عينُ السعادة الحقيقية.

والله أعلم وأحكم، وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.

الدكتور لخلافة كريم.

الإستقامة السعادة zsl8r6i38qgpl7jtntql


كتبت : زهرة المدائن
-
[cen
مشكوره كثير على التوضيحter]جزاك الله تعالى جنة الفردوس
وجعله في ميزان حسناتك
كتبت : * أم أحمد *
-
جعلكِ الله من السعداء في الدنيا والآخره
ووفقكِ الله لكل ما فيه صلاح وخير
سلِمت يداكِ المباركتان
كتبت : سنبلة الخير .
-
بارك الله فيكِ
سلمت يداكِ
نقل رائع
لاحرمك الله الأجر والثواب
دمتي بود

التالي

المبشرات بانتصار الإسلام كثيرة

السابق

سجادة صلاه تضئ عندما تكون القبله صحيحه .

كلمات ذات علاقة
لخلافة , السعادة , الإستقامة , سبيل , كريم