مبحث شامل وكامل عن الطائفة الأحمدية القاديانية الضاله : الأفكار والمعتقدات ؟!

مجتمع رجيم / قسم الفرق الضالة
كتبت : || (أفنان) l|
-



الطائفة الأحمدية القاديانية الضاله : الأفكار والمعتقدات ؟!


التعريف:

القاديانية حركة (*) نشأت سنة 1900م بتخطيط من الاستعمار(*) الإنجليزي في القارة الهندية، بهدف إبعاد المسلمين عن دينهم وعن فريضة الجهاد(*) بشكل خاص، حتى لا يواجهوا المستعمر باسم الإسلام، وكان لسان حال هذه الحركة هو مجلة الأديان التي تصدر باللغة الإنجليزية.

التأسيس وأبرز الشخصيات:

الطائفة الأحمدية القاديانية الأفكار والمعتقدات nvwfbn.jpg

كان مرزا غلام أحمد القادياني 1839ـ 1908م أداة التنفيذ الأساسية لإيجاد القاديانية. وقد ولد في قرية قاديان من بنجاب في الهند عام 1839م، وكان ينتمي إلى أسرة اشتهرت بخيانة الدين (*) والوطن، وهكذا نشأ غلام أحمد وفياً للاستعمار مطيعاً له في كل حال، فاختير لدور المتنبئ حتى يلتف حوله المسلمون وينشغلوا به عن جهادهم للاستعمار الإنجليزي. وكان للحكومة البريطانية إحسانات كثيرة عليهم، فأظهروا الولاء لها، وكان غلام أحمد معروفاً عند أتباعه باختلال المزاج وكثرة الأمراض وإدمان المخدرات.
ـ وممن تصدى له ولدعوته الخبيثة، الشيخ أبو الوفاء ثناء الله الأمرتستري أمير جمعية أهل الحديث في عموم الهند، حيث ناظره وأفحم حجته، وكشف خبث طويته، وكفره ، وانحراف نحلته.
ولما لم يرجع غلام أحمد إلى رشده باهله الشيخ أبو الوفا على أن يموت الكاذب منهما في حياة الصادق، ولم تمر سوى أيام قلائل حتى هلك المرزا غلام أحمد القادياني في عام 1908م مخلفاً أكثر من خمسين كتاباً ونشرة ومقالاً، ومن أهم كتبه: إزالة الأوهام، إعجاز أحمدي، براهين أحمدية، أنوار الإسلام، إعجاز المسيح، التبليغ، تجليات إلهية.
نور الدين: الخليفة الأول للقاديانية، وضع الإنجليز تاج الخلافة على رأسه فتبعه المريدون.
من مؤلفاته: فصل الخطاب.
محمد علي وخوجه كمال الدين: أمير القاديانية اللاهورية، وهما مُنَظّرا القاديانية وقد قدّم الأول ترجمة محرفة للقرآن الكريم إلى الإنجليزية ومن مؤلفاته: حقيقة الاختلاف، النبوة في الإسلام، والدين الإسلامي. أما الخوجة كمال الدين فله كتاب المثل الأعلى في الأنبياء وغيره من الكتب، وجماعة لاهور هذه تنظر إلى غلام أحمد ميرزا على أنه مجدد فحسب، ولكنهما يعتبران حركة (*) واحدة تستوعب الأولى ما ضاقت به الثانية وبالعكس.

محمد علي: أمير القاديانية اللاهورية، وهو مُنَظِّر القاديانية وجاسوس الاستعمار (*) والقائم على المجلة الناطقة باسم القاديانية، قدم ترجمة محرفة للقرآن الكريم إلى الإنجليزية. من مؤلفاته: حقيقة الاختلاف، النبوة (*) في الإسلام على ما تقدم.
محمد صادق: مفتي القاديانية، من مؤلفاته: خاتم النبيين.
بشير أحمد بن الغلام: من مؤلفاته سيرة المهدي، كلمة الفصل.

محمود أحمد بن الغلام وخليفته الثاني: من مؤلفاته أنوار الخلافة، تحفة الملوك، حقيقة النبوة.
كان لتعيين ظفر الله خان القادياني كأول وزير للخارجية الباكستانية أثر كبير في دعم هذه الفرقة الضالة حيث خصص لها بقعة كبيرة في إقليم بنجاب لتكون مركزاً عالمياً لهذه الطائفة وسموها ربوة استعارة من نص الآية القرآنية
(وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين).[سورة المؤمنون، الآية: 50].

الأفكار والمعتقدات:
بدأ غلام أحمد نشاطه كداعية إسلامي حتى يلتف حوله الأنصار ثم ادعى أنه مجدد وملهم من الله ثم تدرج خطوة أخرى فادعى أنه المهدي المنتظر والمسيح الموعود ثم ادعى النبوة وزعم أن نبوته أعلى وأرقى من نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
يعتقد القاديانيون أن الله يصوم ويصلي وينام ويصحو ويكتب ويخطئ ويجامع ـ تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ـ.
يعتقد القادياني بأن إلهه (*) إنجليزي لأنه يخاطبه بالإنجليزية !!!.
تعتقد القاديانية بأن النبوة (*) لم تختم بمحمد صلى الله عليه وسلم بل هي جارية، والله يرسل الرسول حسب الضرورة، وأن غلام أحمد هو أفضل الأنبياء جميعاً.
يعتقدون أن جبريل عليه السلام كان ينزل على غلام أحمد وأنه كان يوحى إليه، وأن إلهاماته كالقرآن.
يقولون لا قرآن إلا الذي قدمه المسيح الموعود (الغلام)، ولا حديث إلا ما يكون في ضوء تعليماته، ولا نبي إلا تحت سيادة غلام أحمد.
يعتقدون أن كتابهم منزل واسمه الكتاب المبين وهو غير القرآن الكريم.
يعتقدون أنهم أصحاب دين (*) جديد مستقل وشريعة مستقلة وأن رفاق الغلام كالصحابة.

يعتقدون أن قاديان كالمدينة المنورة ومكة المكرمة بل وأفضل منهما وأرضها حرم وهي قبلتهم وإليها حجهم.

نادوا بإلغاء عقيدة الجهاد (*) كما طالبوا بالطاعة العمياء للحكومة الإنجليزية لأنها حسب زعمهم ولي الأمر بنص القرآن !!!.

كل مسلم عندهم كافر حتى يدخل القاديانية: كما أن من تزوج أو زوج من غير القاديانيين فهو كافر.

يبيحون الخمر والأفيون والمخدرات والمسكرات.


الجذور الفكرية والعقائدية:
كانت حركة (*) سير سيد أحمد خان التغريبية قد مهدت لظهور القاديانية بما بثته من الأفكار المنحرفة.
استغل الإنجليز هذه الظروف فصنعوا الحركة القاديانية واختاروا لها رجلاً من أسرة عريقة في العمالة.
في عام 1953م قامت ثورة (*) شعبية في باكستان طالبت بإقالة ظفر الله خان وزير الخارجية حينئذ واعتبار الطائفة القاديانية أقلية غير مسلمة، وقد استشهد فيها حوالي العشرة آلاف من المسلمين ونجحوا في إقالة الوزير القادياني.
وفي شهر ربيع الأول 1394ه‍ الموافق إبريل 1974م انعقد مؤتمر كبير برابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة وحضره ممثلون للمنظمات الإسلامية العالمية من جميع أنحاء العالم، وأعلن المؤتمر كفر هذه الطائفة وخروجها عن الإسلام، وطالب المسلمون بمقاومة خطرها وعدم التعامل مع القاديانيين وعدم دفن موتاهم في قبور المسلمين.
قام مجلس الأمة في باكستان (البرلمان المركزي) بمناقشة زعيم الطائفة مرزا ناصر أحمد والرد عليه من قبل الشيخ مفتي محمود رحمه الله. وقد استمرت هذه المناقشة قرابة الثلاثين ساعة عجز فيها ناصر أحمد عن الأجوبة وانكشف النقاب عن كفر هذه الطائفة، فأصدر المجلس قراراً باعتبار القاديانية أقلية غير مسلمة.
من موجبات كفر (*) الميرزا غلام أحمد الآتي:
ـ ادعاؤه النبوة (*).
ـ نسخه فريضة الجهاد (*) خدمة للاستعمار.
ـ إلغاؤه الحج إلى مكة وتحويله إلى قاديان.
ـ تشبيهه الله تعالى بالبشر.
ـ إيمانه بعقيدة التناسخ (*) والحلول (*).
ـ نسبته الولد إلى الله تعالى وادعاؤه أنه ابن الإله.
ـ إنكاره ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم وفتح بابها لكل من هبَّ ودبَّ.
للقاديانية علاقات وطيدة مع إسرائيل وقد فتحت لهم إسرائيل المراكز والمدارس ومكنتهم من إصدار مجلة تنطق باسمهم وطبع الكتب والنشرات لتوزيعها في العالم.
تأثرهم بالمسيحية (*) واليهودية والحركات الباطنية (*) واضح في عقائدهم وسلوكهم رغم ادعائهم الإسلام ظاهرياً.

الانتشار ومواقع النفوذ:
معظم القاديانيين يعيشون الآن في الهند وباكستان وقليل منهم في إسرائيل والعالم العربي ويسعون بمساعدة الاستعمار (*) للحصول على المراكز الحساسة في كل بلد يستقرون فيه.
وللقاديانيين نشاط كبير في أفريقيا، وفي بعض الدول الغربية، ولهم في أفريقيا وحدها ما يزيد عن خمسة آلاف مرشد وداعية متفرغين لدعوة الناس إلى القاديانية، ونشاطهم الواسع يؤكد دعم الجهات الاستعمارية لهم.
هذا وتحتضن الحكومة الإنجليزية هذا المذهب (*) وتسهل لأتباعه التوظف بالدوائر الحكومية العالمية في إدارة الشركات والمفوضيات وتتخذ منهم ضباطاً من رتب عالية في مخابراتها السرية.
نشط القاديانيون في الدعوة إلى مذهبهم بكافة الوسائل، وخصوصاً الثقافية منها حيث أنهم مثقفون ولديهم كثير من العلماء والمهندسين والأطباء. ويوجد في بريطانيا قناة فضائية باسم التلفزيون الإسلامي يديرها القاديانية.

ويتضح مما سبق:
أن القاديانية دعوة ضالة، ليست من الإسلام في شيء، وعقيدتها تخالف الإسلام في كل شيء، وينبغي تحذير المسلمين من نشاطهم،
بعد أن أفتى علماء الإسلام بكفرهم.

--------------------------------------------------------------
مراجع
ـ القاديانية، إحسان إلهي ظهير.
ـ القاديانية، أبو الحسن علي الحسني الندوي، أبو الأعلى المودودي، محمد الخضر حسين.
ـ تاريخ القاديانية، ثناء الله تسري.
ـ سوداء القاديانية، محمد علي الأمر تسري.
ـ فتنة القاديانية، عتيق الرحمن عتيق (قادياني ـ سابقًا).
ـ المذهب القادياني، إلياس برني.


إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي
تابع
كتبت : || (أفنان) l|
-
نقل أخر ..

التعريف :
القاديانية دين مُخْتَرَعٌ جديد، ظهر أواخر القرن التاسع عشر الميلادي بقاديان، إحدى قرى البنجاب الهندية، وحظي بمباركة ورعاية الاحتلال الإنجليزي.

المؤسس : ميرزا غلام أحمد القادياني المولود سنة 1265هـ بقاديان.
وقد بدأ ميرزا نشاطه كداعية إسلامي، ثم ادعى أنه مجدد ومُلْهَم من الله، ثم تدرج درجة أخرى فادعى أنه المهدي المنتظر والمسيح الموعود، يقول في ذلك: " إن المسلمين والنصارى يعتقدون باختلاف يسير أن المسيح ابن مريم قد رفع إلى السماء بجسده العنصري، وأنه سينزل من السماء في عصر من العصور، وقد أثبتُّ في كتابي أنها عقيدة خاطئة، وقد شرحت أنه ليس المراد من النزول هو نزول المسيح بل هو إعلام عن طريق الاستعارة بقدوم مثيل المسيح، وأن هذا العاجز - يعني نفسه - هو مصداق هذا الخبر حسب الإعلام والإلهام"!!.

ثم انتقل من دعوى المثيل والشبيه بالمسيح عليه السلام إلى دعوى أنه المسيح نفسه،
فقال :" وهذا هو عيسى المرتقب ،وليس المراد بمريم وعيسى في العبارات الإلهامية إلا أنا " ، ولما كان المسيح نبيا يوحى إليه، فقد ادعى ميرزا أنه يوحى إليه، وكتب قرآنا لنفسه سماه " الكتاب المبين "
يقول : " أنا على بصيرة من رب وهّاب، بعثني الله على رأس المائة، لأجدد الدين وأنور وجه الملة وأكسر الصليب وأطفيء نار النصرانية، وأقيم سنة خير البرية، وأصلح ما فسد، وأروج ما كسد، وأنا المسيح الموعود والمهدي المعهود، منَّ الله علي بالوحي والإلهام، وكلمني كما كلم الرسل الكرام".

ويبدو أن دعوى أنه المسيح لم تلق القبول المرجو، ولم تحقق الغرض المؤمل منها، فانتقل من دعوى أنه المسيح النبي إلى دعوى أنه محمد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الحقيقة المحمدية قد تجسدت فيه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بُعث مرة أخرى في شخص ميرزا غلام، يقول ميرزا : " إن الله أنزل محمدا صلى الله عليه وسلم مرة أخرى في قاديان لينجز وعده "، وقال :" المسيح الموعود هو محمد رسول الله وقد جاء إلى الدنيا مرة أخرى لنشر الإسلام " ثم ادعى أن نبوته أعلى وأرقى من نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فاتبعه من اتبعه من الدهماء والغوغاء وأهل الجهل والمصالح الدنيوية.

نماذج من تخليطه :
رغم تلك الدعاوى العريضة التي ادعاءها ميرزا لنفسه إلا أنه كان ساذجا فاحشا بذي اللسان، يكيل لخصومه أقذع الشتم والسب !!

أما وحيه الذي ادعاه لنفسه فقد كان خليطا من الآيات المتناثرة التي جمعها في مقاطع غير متجانسة تدل على قلة فقهه وفهمه للقرآن،
وإليك نماذج من وحيه المزعوم، قال:" لقد ألهمت آنفا وأنا أعلق على هذه الحاشية، وذلك في شهر مارس 1882م
ما نصه حرفيا : " يا أحمد بارك الله فيك، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى .
الرحمن علم القرآن، لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم، ولتستبين سبيل المجرمين، قل إني أمرت وأنا أول المؤمنين ، قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا .. إلخ "
ويقول أيضا :" ووالله إنه ظل فصاحة القرآن ليكون آية لقوم يتدبرون .
أتقولون سارق فأتوا بصفحات مسروقة كمثلها في التزام الحق والحكمة إن كنتم تصدقون " !!

وأما نبوءاته فما أكثرها وما أسرع تحققها لكن بخلاف ما أنبأ وأخبر، فمن ذلك أنه ناظر نصرانيا فأفحمه النصراني، ولما لم يستطع ميرزا إجابته غضب على النصراني، وأراد أن يمحو عار هزيمته، فادعى أن النصراني يموت - إن لم يتب - بعد خمسة عشر شهرا حسب ما أوحى الله إليه، وجاء الموعد المضروب ولم يمت النصراني، فادعى القاديانيون أن النصراني تاب وأناب إلا أن النصراني عندما سمع تلك الدعوى كتب يكذبهم ويفتخر بمسيحيته!!

ومن ذلك زعمه: أن الطاعون لا يدخل بلده قاديان ما دام فيها، ولو دام الطاعون سبعين سنة، فكذبه الله فدخل الطاعون قاديان وفتك بأهلها وكانت وفاته به، وهو الذي قال " وآية له أن الله بشره بأن الطاعون لا يدخل داره، وأن الزلازل لا تهلكه وأنصاره، ويدفع الله عن بيته شرهما ".

عقائد القاديانية :
1. يعتقد القاديانية بتناسخ الأرواح: حيث زعم ميرزا أن إبراهيم عليه السلام ولد بعد ألفين وخمسين سنة في بيت عبدالله بن عبدالمطلب متجسدا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ثم بُعث النبي صلى الله عليه وسلم مرتين أخريين أحدهما عندما حلت الحقيقة المحمدية في المتبع الكامل يعني نفسه.

2. يعتقدون أن الله يصوم ويصلي وينام ويخطيء، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا، يقول ميرزا: " قال لي الله : إني أصلي وأصوم وأصحو وأنام " وقال :" قال الله : إني مع الرسول أجيب أخطيء وأصيب إني مع الرسول محيط ".

3. يعتقدون أن النبوة لم تختم بمحمد صلى الله عليه وسلم بل هي جارية، وأن الله يرسل الرسول حسب الضرورة، وأن غلام أحمد هو أفضل الأنبياء جميعاً!! وأن جبريل عليه السلام كان ينزل على غلام أحمد بالوحي، وأن إلهاماته كالقرآن .

4. يقولون: لا قرآن إلا الذي قدمه المسيح الموعود ( الغلام )، ولا حديث إلا ما يكون في ضوء تعليماته، ولا نبي إلا تحت سيادة "غلام أحمد"، ويعتقدون أن كتابهم منزل واسمه الكتاب المبين، وهو غير القرآن الكريم !!

5. يعتقدون أنهم أصحاب دين جديد مستقل، وشريعة مستقلة، وأن رفاق الغلام كالصحابة،كما جاء في صحيفتهم "الفضل، عدد 92 " : " لم يكن فرق بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتلاميذ الميرزا غلام أحمد، إن أولئك رجال البعثة الأولى وهؤلاء رجال البعثة الثانية ".

6. يعتقدون أن الحج الأكبر هو الحج إلى قاديان وزيارة قبر القادياني، ونصوا على أن الأماكن المقدسة ثلاثة مكة والمدينة وقاديان ، فقد جاء في صحيفتهم:" أن الحج إلى مكة بغير الحج إلى قاديان حج جاف خشيب، لأن الحج إلى مكة لا يؤدي رسالته ولا يفي بغرضه " .

7. يبيحون الخمر والأفيون والمخدرات !!

8. كل مسلم عندهم كافر حتى يدخل القاديانية: كما أن من تزوج أو زوَّج لغير القاديانيين فهو كافر !!.

9. ينادون بإلغاء الجهاد، ووجوب الطاعة العمياء للحكومة الإنجليزية التي كانت تحتل الهند آنذاك، لأنها - وفق زعمهم - ولي أمر المسلمين!!

10 يعتقد القادياني بأن إلهه إنجليزي لأنه يخاطبه بالإنجليزية !!

بعض زعماء القاديانية :
• الحكيم نور الدين البهريري : وهو أبرز شخصية بعد (الغلام) والخليفة من بعده ، ولد سنة 1258هـ تعلم الفارسية ومباديء العربية .

• محمود أحمد بن غلام أحمد: الخليفة الثاني للقاديانيين، تولى الزعامة بعد وفاة الحكيم نور الدين، وأعلن أنه خليفة لجميع أهل الأرض، حيث قال: " أنا لست فقط خليفة القاديانية، ولا خليفة الهند، بل أنا خليفة المسيح الموعود، فإذا أنا خليفة لأفغانستان والعالم العربي وإيران والصين واليابان وأوربا وأمريكا وأفريقيا وسماترا وجاوا، وحتى أنا خليفة لبريطانيا أيضا وسلطاني محيط جميع قارات العالم ".

• الخواجة كمال الدين: كان يدّعي أنه مثل غلام أحمد في التجديد والإصلاح، وقد جمع كثيرا من الأموال، وذهب إلى إنجلترا للدعوة إلى القاديانية، ولكنه مال للَّذات والشهوات وبناء البيوت الفاخرة.

موقف علماء الإسلام من القاديانية :
لقد تصدى علماء الإسلام لهذه الحركة، وممن تصدى لهم الشيخ أبو الوفاء ثناء الله أمير جمعية أهل الحديث في عموم الهند، حيث ناظر "ميرزا غلام" وأفحمه بالحجة، وكشف خبث طويته، وكُفْر وانحراف نحلته. ولما لم يرجع غلام أحمد إلى رشده باهله الشيخ أبو الوفا على أن يموت الكاذب منهما في حياة الصادق، ولم تمر سوى أيام قلائل حتى هلك "الميرزا غلام أحمد القادياني" في عام 1908م، مخلفاً أكثر من خمسين كتاباً ونشرة ومقالاً كلها تدعوا إلى ضلالاته وانحرافاته.

وقام مجلس الأمة في باكستان ( البرلمان المركزي ) بمناقشة أحد زعماء هذه الطائفة "ميرزا ناصر أحمد" والرد عليه من قبل الشيخ مفتي محمود رحمه الله . وقد استمرت هذه المناقشة قرابة الثلاثين ساعة عجز فيها "ناصر أحمد" عن الجواب وانكشف النقاب عن كفر هذه الطائفة، فأصدر المجلس قراراً باعتبار القاديانية أقلية غير مسلمة.

وفي شهر ربيع الأول عام 1394هـ الموافق إبريل 1974م انعقد مؤتمر برابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، وحضره ممثلون للمنظمات الإسلامية العالمية من جميع أنحاء العالم، وأعلن المؤتمر كفر هذه الطائفة وخروجها عن الإسلام، وطالب المسلمين بمقاومة خطرها وعدم التعامل معها، وعدم دفن موتاهم في قبور المسلمين .

وقد صدرت فتاوى متعددة من عدد من المجامع والهيئات الشرعية في العالم الإسلامي، تقضي بكفر القاديانية، منها المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، هذا عدا ما صدر من فتاوى علماء مصر والشام والمغرب والهند وغيرها .

وقفة مع القاديانية
كثيرة هي الأشياء التي تستدعي الانتباه في ظاهرة القاديانية، لكن ما نراه جديرا بالملاحظة وحريا بالاهتمام هو البحث في جذور نشأة تلك الحركات، وكيف وجدت في البيئة الإسلامية تربة خصبة لنشر أفكارها، مع أنها حركة في لبِّها وحقيقتها وفي ظاهرها وعلانيتها مناقضة لثوابت الدين، مصادمة لحقيقته، فالأمة مجمعة إجماعا قطعيا يقينيا على أنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وكل دعوى النبوة بعده فهي ضلال وهوى، هذا غير بدعهم الكفرية الأخرى .


والسؤال
الذي يرد هنا، هو كيف أصبح لهؤلاء أتباعاً من المسلمين ؟

ولعل الجواب على هذا السؤال
- رغم أهميته - لا يحتاج إلى كبير عناء، فالجهل هو السبب الرئيس وراء اتباع مثل هذه الحركات، ووراءه كذلك تقصير مرير من علماء الأمة وطلبة العلم فيها عن واجب البلاغ، حفظا للدين وقمعا لدعوات البدع والضلال والردة .

وعليه فالعلاج – كما هو واضح - يتركز في نشر العلم وتبليغ الدين، وعدم إهمال أي بقعة من بقاع العالم الإسلامي، ولو كانت في أطراف الدنيا، حفظا للدين وحتى تسلم الأمة من أمثال هذه البدع المهلكة .

كتبت : || (أفنان) l|
-
بيان الأزهر الشريف
في شأن الأحمدية أو القاديانية

لفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر
جاد الحق علي جاد الحق – شيخ الأزهر


إلى المسلمين ..

عما سئل عنه ، سماحة الشيخ / أبو بكر نجار رئيس المجلس الإسلامي بجنوب أفريقيا ونصه :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد :
فقد اطلعت على كتاب سماحة الشيخ أبو بكر نجار رئيس المجلس الإسلامي لجنوب أفريقيا المؤرخ 5 من شهر صفر سنة 1402 وقد جاء به :

أن أتباع مرزا غلام أحمد ، انقسموا إلى طائفتين :

الأولى : القاديانية وهي التي تنكر صراحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين .

والأخرى : الأحمدية ( لاهور ) وهذه الطائفة تدعي أنه ( أي مرزا غلام أحمد ) نبي مجاز ، وأنه المسيح المنتظر ، وأنه المهد والمصلح ، وأنه المجدد المبعوث على رأس القرن الرابع عشر الهجري ، وان سيدنا عيسى عليه السلام هو ( ابن يوسف النجار ) وأنهم لا يؤمنون بمعجزات الأنبياء .

وقد طالب هؤلاء بنفس حقوق المسلمين ، وبالذات : حقهم في الصلاة في مساجد المسلمين ، ودفن موتاهم في قبورهم – بدعوى أنهم يشهدون بوحدانية الله وبرسالة رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .

وقد أقاموا دعوى – أمام محكمة ( كيب تاون ) ( رأس رجاء الصالح ) بدولة جنوب أفريقيا ضد المجلس القضائي الإسلامي والجمعية الإسلامية والشيخ محمد صالح دين – طلبوا فيها الحكم لهم بنفس حقوق المسلمين ، وبالذات :الصلاة ف مساجدهم ودفن موتاهم في قبورهم بادعاء أنهم مثلهم ، يشهدون لله بالوحدانية وللرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة ، وأنه يصلون ويصومون ويزكون .

وقد أنكر عليهم المجلس القضائي الإسلامي والهيئات الإسلامية الأخر أن يكون لهم حقوق المسلمين .

وقد انتهى سماحة الشيخ / أبو بكر نجار – رئيس المجلس الإسلامي لجنوب أفريقيا ورئيس المجلس الشرعي لإقليم الكاب إلى توجيه الأسئلة التالية :-

1- هل تعتبر طائفة الأحمدية ( لاهور ) من المسلمين أم من غير المسلمين ؟

2- هل لهم الحق – إذا لم يعتبروا مسلمين – أن يدخلوا مساجد المسلمين لأداء صلاتهم وأن يدفنوا موتاهم في قبور المسلمين ؟

ونفيد :
بأن فرقة الأحمدية فرع من القاديانية التي قال عنها المرحوم الدكتور / محمد إقبال أحد كبار المفكرين المسلمين في بنجاب
( أن القاديانية ثورة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ومؤامرة ضد الإسلام وديانة مستقلة ، وان القاديانية وحدها ليست جزءاً من الأمة الإسلامية العظيمة )
ذلك لأن الجماعة خالفت إجماع المسلمين واتفاقهم على أمور صارت معلومة من الإسلام بالضرورة .

من هذا ابتداعهم تفسيرا لقول الله سبحانه ( ... خَاتَمَ النَّبِيِّينَ... ) مخالفا لما وقع عليه الإجماع من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين فلا نبي ولا رسول بعده إلى يوم القيامة ...
إذ قال القاديانيون مفسرين قول الله تعالى : ( خَاتَمَ النَّبِيِّينَ) لأول مرة في تاريخ المسلمين بأن محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين ..
أي طابعهم فكل نبي يظهر الآن بعده تكون نبوءته مطبوعة بخاتم تصديقه صلى الله عليه وسلم وهذا تفسير باطل يخرج به صاحبه عن إسلامه .

وقد سارت فرقة الأحمدية في عقيدتها وسلوكها الديني على نهج أصلها ( القاديانية ) وانتسبت الأحمدية إلى مرزا غلام أحمد الذي تواترت كتابته : بإدعائه النبوة ، يصرح بها ويكفر من لا يتبعه وأن حاول بعض أتباعه تفسير كتابته بإدعاء أنها مجاز وليست حقيقة .
وأطلقوا عليه اسم المسيح الموعود ، أو أن روح المسيح قد تقمصته وأن له معجزة هي تنبؤه بالخسوف والكسوف قبل وقوعهما .

وإذا كانت عقيدة هذه الطائفة على هذا النحو كانوا على غير الإسلام .ولشعبة لاهور فوق هذا ضلالة قاصمة يبثونها في كتبهم بلسان زعيمهم وهي إنكار أن يكون المسيح عليه السلام ولد من غير أب وقد صرح زعيمهم محمد علي بأن عيسى عليه السلام ابن يوسف النجار وأن مريم كانت متزوجة به وأن المسيح ولد بطريق عادي وقد حاول تحريف بعض الآيات لتوافق هذه العقيدة ، ويذكر أن عقيدة ولادة المسيح من غير أب ليست من عقائد الإسلام التي يجب الإيمان بها وأنها من مبادئ المسيحية .

وهذا القول من مفتريات اليهود على رسول الله عيسى بن مريم عليه السلام كما أخبر به القرآن في قول الله سبحانه
( وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً ) .

وطائفة الأحمدية هذه بهذا المتقدم وغيره وكذلك أصلها القاديانية كلتاهما في مسلكهما وطرقهما المتشعبة بدءاً واستمراراً بعيدتان عن الإسلام ،
إذ لا شك أن عقيدتهما في كل أجزائها تخالف ما أجمع عليه المسلمون من عهد النبي صلى الله عليه وسلم من أنه نبي ورسول من الله وخاتم النبيين وما صرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه آخر الأنبياء وأن الله قد ختم به الرسل ، وأنه لا نبي بعده ، وما نسبته هذه الطائفة لزعيمها من نبوءات ، كالتنبؤ بالكسوف للشمس والخسوف للقمر قبل وقوعهما ، لا يعد معجزة لأنه يقع من علماء الأرصاد والفلك ويتكرر وقوعه بناء على حسابات يجرونها ولم يدع واحد من هؤلاء العلماء أنه نبي أو رسول ، بل أنه العلم والمعرفة التي نمت وتكاملت في بني الإنسان على مدى حياته على الأرض .

لما كان ذلك فإذا كانت معتقدات القاديانية والأحمدي على هذا النحو تكون قد خرجت بهم عن الإسلام ، حيث خالفوا عقيدته وشريعته في كثير من الأمور المعلومة من الإسلام بالضرورة – على ما تقدمت الإشارة عليه – وكانت الإجابة على الأسئلة الموجهة من سماحة الشيخ أبو بكر نجار – رئيس المجلس الأعلى الإسلامي في هذا الشأن على الوجه التالي :

السؤال الأول : هل تعتبر الطائفة الأحمدية ( لاهور ) من المسلمين أم من غير المسلمين ؟

والجواب : أنه إذا كانت المعتقدات المنوه عن بعضها آنفا لهم كانوا بها خارجين عن الإسلام باعتبارهم قد خالفوا في كثير من الأمور المجمع عليها ، والتي صارت معلومة من الدين بالضرورة فضلاً عن أن في بعض معتقداتهم تكذيباً لما ورد في القرآن الكريم : ولا مراء في أن من كذب القرآن خارج عن الإسلام ولا يعد من المسلمين .

السؤال الثاني : هل لهم الحق أن يدخلوا مساجد المسلمين لأداء صلاتهم ؟

الجواب :
انه إذا كان هؤلاء القاديانية والأحمدية قد فارقوا الإسلام بتلك المعتقدات وبرئت منهم عقيدته وشريعته صاروا مرتدين عن الإسلام وجرت عليهم أحكام غير المسلمين في شأن دخولهم المساجد ذلك قول الله سبحانه " مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) "

فقد حرم الله في الآية الأولى على غير المسلمين دخول المساجد وذلك بأسلوب تقريري ملزم للمؤمنين وهذا هو المفهوم من قول الله " مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله" .
فالعبادة كما تطلق على بناء المساجد وإصلاحها تطلق كذلك على لزومها والإقامة فيها لعبادة الله والمعنى على هذا أنه ينبغي للمشركين وليس من شأنهم أن يعمروا بيوت الله " المساجد " وهم على حالة الكفر .
ــــــــــــــــــــــــــ
نقلاً عن مجلة الأزهر المجلد57 لسنة 1985 صفحة 1921

كتبت : || (أفنان) l|
-
قرار المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي
حول حكم القاديانية والإنتماء إليها


القرار الثالث
حكم القاديانية والأنتماء إليها

الحمد لله،والصلاة والسلام على رسول،وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

وبعد :
فقد استعرض مجلس المجمع الفقهى موضوع الفئة القاديانية،التى ظهرت فى الهند فى القرن الماضى(التاسع عشر الميلادى)
والتى تسمى أيضاً(الأحمدية)ودرس المجلس نحلتهم التى قام بالدعوة إليها مؤسس هذه النحلة،ميرزا غلام أحمد القاديانى 1876م مدعيا أنه نبى يوحى إليه،وأنه المسيح الموعود،وأن النبوة لم تختم بسيدنا محمد بن عبدالله رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم
(كما هى عليه عقيدة المسلمين بصريح القرآن والسنة).

وزعم أنه قد نزل عليه،وأوحى إليه أكثر من عشرة آلاف آية،وأن من يكذبه كافر،وأن المسلمين يجب عليهم الحج إلى قاديان،لأنها البلدة المقدسة كمكة والمدينة،وأنها هى المسماة فى القرآن بالمسجد الأقصى،
كل ذلك مصرح به فى كتابه الذى نشره بعنوان(براهين أحمدية)وفى رسالته التى نشرها بعنوان (التبليغ).

واستعرض مجلس المجمع أيضاً،أقوال وتصريحات ميرزا بشير الدين بن غلام أحمد القاديانى وخليفته
،ومنها ما جاء فى كتابه المسمى(آينة صداقت)من قوله"إن كل مسلم لم يدخل فى بيعة المسيح الموعود(أى والده ميرزا غلام أحمد)
سواء سمع باسمه أو لم يسمع،وهو كافر وخارج عن الإسلام"(الكتاب المذكور صفحة 35)

وقوله أيضاً فى صحيفتهم القاديانية(الفصل)فيما يحكيه هو عن والده غلام أحمد نفسه أنه قال:"إننا نخالف المسلمين فى كل شىء:فى الله،فى الرسول،فى القرآن،فى الصلاة،فى الصوم،فى الحج،فى الزكاة،وبيننا وبينهم خلاف جوهرى فى كل ذلك"صحيفة(الفضل)
فى 30 من تموز (يوليو)1931م.

وجاء أيضاً فى الصحيفة نفسها(المجلد الثالث)ما نصه"إن ميرزا هو النبى محمد صلى الله عليه وسلم"زاعما أنه هو مصداق قول القرآن حكاية عن سيدنا عيسى عليه السلام(ومبشراً برسول يأتى من بعدى أسمه أحمد) (كتاب إنذار الخلافة ص21). وأستعرض المجلس أيضاً,ما كتبه ونشره العلماء والكتاب الإسلاميون الثقات عن هذه الفئة القاديانية الأحمدية لبيان خروجهم عن الأسلام خروجاً كلياً.

وبناء على ذلك اتخذ المجلس النيابى الإقليمى لمقطاعة الحدود الشمالية فى دولة باكستان قراراً فى عام 1974م بإجماع أعضائه،يعتبر فيه الفئة القاديانية بين مواطنى باكستان أقلية غير مسلمة,ثم فى الجمعية الوطنية(مجلس الأمة الباكستانى العام لجميع المقاطعات)
وافق أعضاؤها بالإجماع أيضاً على أعتبار فئة القاديانية أقية غير مسلمة.

يضاف إال عقيدتهم هذه,ما ثبت بالنصوص الصريحة من كتب الميرزا غلام أحمد نفسه،ومن رسائله الموجهة إلى الحكومة الإنكلزية فى الهند،
التى يستدرها،ويستديم تأييدها وعطفها من إعلانه تحريم الجهاد،وأنه ينفى فكرة الجهاد،ليصرف قلوب المسلمين إالى الإخلاص للحكومة الإنجليزية المستعمرة فى الهند،لأن فكرة الجهاد التى يدين بها بها بعض جهال المسلمين،تمنعهم من الإخلاص للأنكليز.

ويقول فى هذا الصدد فى ملحق كتابه(شهادة القرآن)الطبعة السادسة ص16
ما نصه
"أنا مؤمن بأنه كلما ازداد أتباعى وكثر عددهم،قل المؤمنون بالجهاد،لأنه يلزم من الإيمان بأنى المسيح،أو المهدى إنكار الجهاد"
تنظر رسالة الأستاذ الندوى نشر الرابطة ص25.

وبعد أن تداول مجلس المجمع الفقهى فى هذه المستندات وسواها من الوثائق الكثيرة,المفصحة عن عقيدة القاديانين ومنشئها,وأسسها وأهدافها الخطيرة فى تهديم العقيدة الإسلامية الصحيحة،وتحويل المسلمين عنها تحويلاً وتضليلاً،
قرر المجلس بالإجماع:اعتبار العقيدة القاديانية المسماة أيضاً بالأحمدية,عقيدة خارجة عن الإسلام خروجا كاملاً،وأن معتنقيها كفار مرتدون عن الإسلام،وأن تظاهر أهلها بالإسلام إنما هو للتضليل والخداع،ويعلن مجلس المجمع الفقهى أنه يجب على المسلمين حكومات وعلماء،وكتاباً ومفكرين،ودعاة وغيرهم مكافحة هذه النحلة الضالة وأهلها فى كل مكان من العالم. . . .

وبالله التوفيق.



فتوى اللجنة الدائمة بشأن القاديانية



سؤال الفتوى :

أرجو التكرم ببيان حكم الإسلام في جماعة "القاديانية" ونبيهم المزعوم: "غلام أحمد القادياني"؟
كما أرجو التفضل بإرسال أي من الكتب التي تبحث في هذه الجماعة حيث إنني من المهتمين بدراستها؟

اسم المفتي: اللجنة الدائمة للإفتاء

جواب الفتوى:

ختمت النبوة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فلا نبي بعده؛ لثبوت ذلك بالكتاب والسنة، فمن ادعى النبوة بعد ذلك فهو كذاب،
ومن أولئك غلام أحمد القادياني، فدعواه النبوة لنفسه كذب، وما زعمه القاديانيون من نبوته فهو زعم كاذب.
وقد صدر قرار من مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة باعتبار القاديانيين فرقة كافرة من أجل ذلك.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

______________________

مجموع فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية - المجلد الثاني والعشرون (العقيدة

سؤال الفتوى مختصر :
الشيخ ابن باز رحمه الله بوجوب فسخ عقد النكاح عند إعتناق الزوج دين القاديانية

سؤال الفتوى :
أن ثمة قضية مرفوعة لدى المحكمة العليا بكيب تاون – جنوب أفريقيا، من قبل قادياني اسمه أ. م. س.

ضد زوجته المسلمة السيدة ر. س.
بمطالبتها باستمرار عقد الزواج بينهما، وأنه إذا أصرت على المطالبة بفسخ الزواج بسبب انتمائه مؤخراً للقاديانية،
عليها التخلي عن أبنائها الثلاثة منه وإعطاؤهم له ليعيشوا معه؟

اسم المفتي: سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز


جواب الفتوى

وأفيدكم بأن اللجنة الدائمة للبحوث العملية والإفتاء في الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية. تأملت السؤال وأفتت بأن النكاح المسئول عنه يبطل بانتساب الزوج بعد عقد النكاح إلى الطائفة القاديانية واعتناقه نحلتهم، والواجب على الحاكم أن يفرق بينهما، وتكون المرأة حلا لمن يريد الزواج بها، بعد خروجها من العدة؛ لأنه بذلك يكون مرتداً، لإجماع أهل العلم على كفر الطائفة القاديانية؛ لأن من معتقداتهم أن مرزا غلام أحمد القادياني نبي يوحى إليه، وقد دل الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم على أن كل من ادعى النبوة بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كافر، وأن من صدقه فهو مثله، وأفتت أيضاً بأن زوجته المسلمة أولى بحضانة أولادها القاصرين؛ لأنه ليس للكافر على المسلم ولاية؛
لعموم قوله تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً[2],
وقوله سبحانه وتعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ[3]لآية.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.

الرئيس العام لإدارت البحوث

العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
كتبت : || (أفنان) l|
-
الحافظ مظفر أحمد، وهو مدرس في الجامعة الأحمدية في ربوة،

تابع للطائفة الاحمدية القادنية

طائفة القاديانية وتأويلاتها الباطنية لآيات القرآن الكريم


تمهيد
عندما يكون هناك فراغ فكري في أمة ما، فإن هذه الأمة تكون نهبا للتيارات الوافدة عليها من كل حدب وصوب والأمة الإسلامية – بفعل عوامل عديدة لا مجال لبسطها في هذا البحث -، عاشت حالة من الفراغ الفكري،
سببه الرئيس: الجهل بحقائق الإسلام، مما مكن لكثير من الفلسفات المادية، والمذاهب الباطنية،والفكرية، والاجتماعية، والاقتصادية الهدامة، أن تجد لها مكانا في عقول بعض المسلمين، وفي ديارهم. وكانت طائفة القاديانية من أبرز هذه الطوائف الخطيرة التي وجدت لها مكانا في ديار المسلمين، ولم تأت بجديد، إنما نبشت ما قبرته الأيام من ضلالات الإسماعيلية وغيرها من الفرق والطوائف الباطنية الغالية، وجعلت منها أفكارا لها، وخطر هذه الطائفة أشد من خطر غيرها، لا لأن لأقوالها وتأويلاتها، قيمة علمية أو فكرية، بل لأنها تتخذ من الإسلام ستارا لتنفث سمومها، فحفزني ذلك على الكتابة في هذا الموضوع لعل ذلك ينبه الغافلين، أو المتغافلين عنها وعن أمثالها، فكانت هذه الدراسة.

وقد جعلتها في تمهيد، وثلاثة فصول، وخاتمة، على النحو التالي:
تحدثت في الفصل الأول: عن نشأة القاديانية، ومراحل تطورها، وذكرت شذرات من عقائدها، وشرائعها. وضمنته أربعة مباحث على النحو التالي:

تحدثت في المبحث الأول: نشأة طائفة القاديانية.

وتحدثت في الثاني: عن القاديانية في عهد مؤسسها.

وتحدثت في الثالث: عن القاديانية بعد غلام أحمد القادياني.

وذكرت في المبحث الرابع: شذرات من عقائد القاديانية وشرائعها.

وتحدثت في الفصل الثاني: عن معنى التأويل، وشروط التأويل الصحيح المقبول، وسمات التأويل الباطني الفاسد، وضمنته ثلاثة مباحث على النحو التالي:

بينت في المبحث الأول: معنى التأويل في اللغة، وفي الاصطلاح.

وبينت في المبحث الثاني: شروط التأويل الصحيح المقبول، وسمات التأويل الباطني الفاسد المردود

وبينت في المبحث الثالث: جذور التأويلات الباطنية.

وفي الفصل الثالث: ذكرت نماذج لتأويلات طائفة القاديانية، وبينت بطلانها.
وبينت في الخاتمة أهم ما توصلت إليه الدراسة من نتائج. والله ولي التوفيق.

الفصل الأول
طائفة القاديانية.. نشأتها.. عقائدها.
المبحث الأول: نشأة طائفة القاديانية:

تنتسب القاديانية للميرزا غلام أحمد القادياني، المولود في قاديان في الثالث عشر من شباط عام 1835م(1)، وكانت أسرته على جانب كبير من الغنى، إذ كان جده صاحب قرى وأملاك، وصاحب إمارة في البنجاب، خسرها جده (الميرزا عطا محمد) في حرب دارت بينه وبين (السيخ) الذين دمروا أملاكه وطردوه وأسرته من بلدهم (قاديان)،
ثم أذن لهم الإنجليز بالرجوع إليها عام 1818م، لقاء خدمات عسكرية قدمها لهم والده، وأعادوا إليهم بعض هذه القرى(2).
ويذكر الميرزا غلام أحمد ذلك فيقول: (ففي تلك الأيام صُبّت على أبي المصائب ونُهبت أموالهم من أيدي الكفرة...
إلى أن يقول: ثم ردّ الله إلى أبي بعض القرى في عهد الدولة البريطانية).(3)

وكان الإنجليز يطمعون في تكوين إمبراطورية لهم لتشغل الفراغ الممتد فيهما بين مصر والهند،كما كانوا يريدون استقرار وضعهم في الهند-درة التاج البريطاني-، وهذه المناطق يشغلها المسلمون، وعداوة المسلمين لهم: تاريخية... جغرافية... نفسية...، وتلك أصعب العداوات وأعمقها وأعصاها على التوفيق والنسيان......فقد جاء أسلافهم الصليبيون إلى هذه الديار..... واستولوا على بلاد الشام.... وهزموا المسلمين شر هزيمة... وارتكبوا أبشع المجازر....وكانوا أول من ابتدع إجلاء المسلمين عن ديارهم، وساروا على ذلك أيضاً في جميع حروبهم مع المسلمين، وكانوا يظنون أن الأمر قد استتب لهم وأنه لن تقوم للمسلمين قائمة... ولكن المسلمين ظلوا مصممين على إخراجهم من ديارهم.... فدينهم يفرض عليهم ذلك... وبالرغم من مكوثهم مدة تقارب القرنين من الزمان أقاموا خلالها ممالك وإمارات في بلاد الشام... إلا أن المسلمين استطاعوا في النهاية أن يتغلبوا عليهم ويطردوهم من ديارهم شر طردة... وقد بحثوا عن السر في ذلك فوجدوه في الإسلام... وأن عقيدته هي منشأ هذه القوة العظيمة في المسلمين.....ولو كان المسلمون قوة سياسية ليس إلا....لهان خطبهم على الاستعمار بجميع أنواعه.... ولكنهم قوة روحية... تندفع كالسيل إذا اندفعت... وتستقر كالصخر إذا سكنت..
وتفارقها قدرتها على الغلبة والسيادة حيناً...ولكن لا تفارقها قدرتها على الصمود والثبات...لذلك لا بد من تفتيت هذه القوة....وهذا ما أجمعت عليه القوى الاستعمارية.

والسبب الذي جعل المستعمرين الانجليز يفكرون في إيجاد القاديانية، والروس في إيجاد البابية، ثم البهائية، يتلخص في أن الاستعمار البريطاني عندما بدأ يركز احتلاله المستبد في شبه القارة الهندية، والتي استظلت براية الحكم الإسلامي بضعة قرون، جوبه بمعارضة عنيفة من حركات الجهاد الإنجليز استطاعوا أن يقضوا عليها وعلى الثائرين بكل عنف وقسوة، وتمكن المستعمر من تثبيت أقدامه، وأقام نظاماً لحكم البلاد يعتمد على مئات من الخبراء يؤازرهم جيش صغير، وعلى اصطفاء عناصر تدين لهم بالولاء السياسي والفكري، وجعل المستعمر نصب عينه هدف القضاء على كل أثارة من حمية الجهاد في قلوب المسلمين، فاستقدموا طوائف المبشرين وملأوا بهم أرجاء الهند، يسرقون عقائد الناس ويزلزلون نفوسهم بالشكوك والريب، وكانت معارك حامية تلظى المسلمون بنارها في المجال الفكري، وكان رد المسلمين على ذلك أن أصبحت نغمة الجهاد ضد الإنجليز على كل لسان، وشغل كل عالم، وأصبحت المنشورات تكتب وتوزع، والعلماء من الناس وغيرهم يطوفون المدن والقرى لهذا الغرض..
وهكذا أصبحت عقيدة الجهاد عقبة كأداء في وجه المطامع الاستعمارية في الهند وغيرها من بلدان العالم الإسلامي.

وكانت روسيا قد فعلت نفس الشيء في فارس... إذ بدأ التدخل الروسي في الهضبة الإيرانية في عهد بطرس الأكبر، وكانت بلاد فارس آنذاك تكابد فتناً وانقسامات داخلية، ومطامع الروس في إيران وغيرها بدأت منذ عهد (بطرس الأكبر)، الذي طمع بعد مقتل (نادر شاه) في وراثة إمبراطوريتة إلا أنه أخفق في ذلك، لكنه لم ينس قبل موته أن يضع لمن بعده خطة استعمارية ليسيروا عليها، فقد أوصى خلفاءه أن يتقدموا بحدودهم ما استطاعوا إلى القسطنطينية من جهة، وإلى الهند من جهة أخرى، وأن يقيموا لهم قواعد برية وبحرية على البحر الأسود، وأن يسرعوا إذا دبّ الانحلال في جسم بلاد فارس بالتوغل فيها حتى يصلوا إلى الخليج العربي، إلى المياه الدافئة.....
والذي دفع المستعمرين لإيجاد هذه الفرق البابية والبهائية والقاديانية , يقينهم التام بأنهم لن يستطيعوا حكم بلاد يؤمن أهلها بالجهاد، ويعتبرونه ركنا سادساً من أركان الإسلام, ففكروا بصورة جدية في رسم المخططات للقضاء على هذه العقيدة، من خلال رجال ربوهم على أعينهم، وأرضعوهم لبان حبهم، فكانوا عند حسن ظن سادتهم بهم..
فها هو الغلام القادياني يقول في كتابه ترياق القلوب ما نصه:
(لقد قضيت معظم عمري في تأييد الحكومة الإنجليزية ونصرتها, وقد ألفت في منع الجهاد ووجوب طاعة أولي الأمر الإنجليز من الكتب والإعلانات والنشرات ما لو جمع بعضها
إلى بعض لملأ خمسين خزانة, وقد نشرت معظم هذه الكتب في البلاد العربية: مصر والشام وتركيا، وكان هدفي هو أن يصبح المسلمون مخلصين لهذه الحكومة)(4).
وقال في رسالة أخرى:
(لقد ظللت منذ حداثة سني وقد ناهزت الآن على الستين أجاهد بلساني وقلمي، لأصرف قلوب المسلمين إلى الإخلاص للحكومة الإنجليزية،
والنصح لها، والعطف عليها، وأُلغي فكرة الجهاد التي يدين بها بعض جهالهم،والتي تمنعهم من الإخلاص لهذه الحكومة)(5)

كذلك فعل الباب والبهاء من بعده إذ قال البهاء (حسين علي المازنداني) زعيم البهائية ما نصه:"البشارة الأولى التي منحت في هذا الظهور الأعظم لجميع أهل العلم محو حكم الجهاد من الكتاب "(6).

ثم تلقف اليهود كلتا الحركتين: القاديانية والبهائية، منذ أن نشطوا لتأسيس وطن قومي لهم في فلسطين منذ القرن التاسع عشر تقريباً، فاحتضنوا أمثال هذه الحركات: البابية، والبهائية، والقاديانية، لتدعوا إلى إبطال ونسخ الجهاد عند المسلمين، وبلبلة عقائدهم، فشجّعوا البهائية واحتضنوا طاغيتها عباس عبد البهاء، وجعلوا مدينة عكا في فلسطين المحتلة كعبة للبهائيين المبثوثين في بقاع شتى، وربطوهم بفلسطين المحتلة روحيا... بيد أن اليهود لم يكتفوا بالبهائية فلا بد من استقدام القاديانية إلى فلسطين كي تشارك في صُنع الشتات العربي الإسلامي، وتمهد للوجود اليهودي, فقدم الخليفة الأحمدي الثاني بشير الدين محمود احمد ابن مؤسس الجماعة عام 1924م إلى فلسطين عن طريق حيفا، وحضر معه المبشر الأحمدي جلال الدين شمس، وفي مدينة حيفا بشّر بدعوة المهدي زمناً، حتى تسنى له الاتصال بأهل الكبابير على قمة جبل الكر مل، فأسس مركزا للجماعة،
وأقام مركزاً تبشيرياً عام 1929م، و عاد جلال الدين شمس الى قاديان عام 1931م، وقد تبع ذلك بناء أول مسجد للجماعة هناك سنة 1934،
ثم أضيف إليه (دار التبليغ)،
بعدها وصل الى فلسطين أبو العطاء الجلندهري حيث مكث حتى العام 1936في الكبابير، وهو الذي أكمل بناء مسجد –سيدنا محمود- فيها وأسس مجلة

(البشارة) التي تحولت إلى (البشرى) الحالية، وهي المجلة الأحمدية القاديانية الوحيدة في الديار العربية،والتي لا تزال تصدر في فلسطين المحتلة إلى وقتنا الحاضر،.
ثم أعادوا بناء المسجد الذي يعرف بمسجد-سيدنا محمود- عام1979م، وتضم قرية الكبابير قرابة ال3000 نسمة معظم سكانها من أتباع الأحمدية.

ولم يكن هؤلاء فقط هم الذين حاولوا نشر مبادىء الجماعة بين العرب فهناك محمد سليم الهندي الذي خدم الجماعة في فلسطين من العام 1936 حتى 1938وتراس تحرير مجلة البشرى ثم شودري محمد شريف والذي بقي زهاء 18 عاما في البلاد العربية، كذلك جلال الدين قمر الذي حضر للبلاد العربية عام 1954 وعمل رئيسا لتحرير البشرى ومديرا للمدرسة الأحمدية في حيفا وفضل الهي بشير الذي حضر أواخر السبعينات للمنطقة وألف كتبا بالعربية تطرق فيها الى المسائل الخلافية وغلام احمد الذي وصل الى عدن وأسس بها الجماعة الأحمدية عام 1949 وغيرهم.
مما يبين بجلاء اهتمام الجماعة الأحمدية بالانتشار في العالم العربي والانطلاق نحو هذا العالم عبر فلسطين ورغم تمحورها في الكبابير بحيفا في فلسطين إلا أن هناك انتشارا محدودا لها في الضفة وغزة، لكن هل ستمنع فتوى الشيخ شوبا ش الأحمدية من الانتشار في فلسطين ؟ أم ستكون فلسطين جسرا لعبور الأحمدية الى العالم العربي؟ هذا في علم الغيب وسيجيب عليه الزمن والتاريخ.(7).

المبحث الثاني: القاديانيّة في عهد مؤسسها

يكاد يُجمع الذين كتبوا في القاديانيّة، وتاريخها وتطورها، أنّ دعوة الميرزا غلام أحمد قد مرّت بمراحل ثلاث هي:
المرحلة الأولى: مرحلة الدعوة إلى الإسلام وجدال الخصوم ودعوى التجديد:
وقد استمرّت هذه المرحلة بين عام 1879م وعام 1891م (8)، و "في هذه المرحلة ادّعى الميرزا أنّه مُصلح و مجدّد …وأنّه مأمور من الله لإصلاح العالم،و الدعوة إلى الإسلام. وكان نشاطه في هذه المرحلة يأخذ أشكالاً ثلاثة هي: المناظرة، وتجميع الأتباع، والكتابة (9).

المرحلة الثانية: مرحلة ادعاء أنه المسيح الموعود:
وقدْ ابتدأت هذه المرحلة سنة 1891م، "حيث أعلن أنه المسيح الموعود الذي ذكره القرآن الكريم ونصت عليه أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأنّه المصلح الذي تنتظره جميع الأقوام والأمم منذ ثلاثة عشر قرناً"(10)، ويقسم الميرزا نفسه على هذه الدعوى بقوله "والله أني أنا المسيح الموعود وأعطاني ربي سلطاناً مبيناً"(11).

المرحلة الثالثة: ادعاء النبوة:
ربما تكون هذه المرحلة هي التي أدّت إلى ظهور القاديانيّة وانتشار أمرها، و ثمّة اتجاهٍ آخر ينفي أنّ يكون الميرزا قد ادّعى النبوة، ولكن عند مناقشة أقوال أصحاب هذا الاتجاه لا نجد فيه ما يقوى على نفي نسبة دعوى النبوّة إلى الميرزا، و هناك اتجاه ثالث يثبت أصحابه نسبة دعوى النبوّة إلى الميرزا، ولكنّهم يدافعون عن فكرته ويوضحونها بما يشعر أنها منسجمة مع ثوابت العقيدة الإسلامية.

المبحث الثالث: القاديانية بعد غلام أحمد القادياني:
توفي الغلام القادياني في السادس والعشرين من شهر مايو سنه 1908م، فخلفه الحكيم نور الدين، وهو الذي اقترح على الغلام القادياني الادعاء بأنه المسيح الموعود الذي أخبرت عنه الأحاديث النبوية بنزوله آخر الزمان وبويع بالخلافة بعد وفاه الغلام أحمد القادياني..ولقب بالخليفة الأول.
واستمر بالخلافة إلى أن توفي في 13مارس 1914م،ليخلفه (بشير الدين محمود) ابن مؤسس الأحمدية، وبقي في منصبه حتى وفاته عام 1965، ثم خلفه (الميرزا ناصر أحمد)المتوفى عام 1982، ثم تلاه (الميرزا طاهر أحمد)، الذي توفي قبل أقل من عامين، حيث انتخبت الجماعة: (مسرور أحمد) المقيم في لندن زعيما لها ولا يزال.
وقد انقسمت القاديانيّة بعد وفاة الحكيم نور الدين سنة 1913م إلى شعبتين، أو فرعين:

الأولى: تسمى: الجماعة اللاهورية، وهي بزعامة محمد علي اللاهوري..

والثانية: تسمى: الجماعة القاديانيّة، وهي بزعامة الميرزا بشير الدين محمود. (12).

الشعبة الأولى: جماعة محمد علي اللاهوري:

يذكر أصحاب هذه الشعبة سبب الانقسامَ بقولهم "وفي أثر وفاته (يعني نور الدين) نتجت خلافات في العقائد أثارها (الميرزا بشير الدين) نجل الميرزا غلام أحمد المؤسس، بادّعائه أنّ والده نبيّ، فانبنى على هذا الخلاف أنْ انقسمت الجماعة إلى قسمين، سُميّت أوّلهما الجماعة القاديانيّة، ومركزها في قاديان، والأخرى الجماعة الأحمديّة بلاهور، عاصمة بنجاب الهندية، وتولّى رئاستها مولانا محمد علي"(13)، و من أهم معتقدات هذا الفرع: أنّهم لا ينكرون الإلهامات الإلهيّة للميرزا غلام أحمد، ويذكرون أنّ ما أُثر عنه صراحة في دعواها، إنّما هيَ تعبيرات مجازية، ومع ذلك يطلقون عليه ألقاب: مجدد القرن الرابع عشر الهجري، والمسيح الموعود (14).

الشعبة الثانية: جماعة الميرزا بشير الدين محمود: و أصحاب هذه الشعبة يتشبثون بقوّة وصراحة بعقيدة نبوّة الميرزا غلام أحمد، و يدافعون عن هذه العقيدة بحماسة،
وبلا مواربة ولا تأويل.

وكلتا الشعبتين تتسميان بالأحمديّة، إلا أنّ أصحاب إحدى هاتين الشعبتين انتسبوا إلى اسم مؤسس الجماعة، فتسمّوا بالأحمدية، والآخرون انتسبوا إلى بلده،
فتسموا بالقاديانيّة، "وكلتاهما تعتبران إلهام ووحي الميرزا – المدّعى به- حجّةً شرعيّة يجب إتباعها، ويصدّقون بكل ما جاء به الميرزا من هذا القبيل.
وكذلك فإنّ الجماعة اللاهورية وإنْ كانت تُصرّح بأنّها لا ترى الميرزا نبيّاً بل مجدداً، إلا أنّها تعني من لفظ (المجدد) عين ما تقصد به جماعة بشير الدين محمود من لفظ (النبي) (15).

المبحث الرابع: شذرات من عقائد القاديانية، وشرائعها
لست بصدد ذكر كل مفتريات الغلام القادياني.. فذلك يحتاج إلى كتاب مستقل، لكني سأذكر منها ما يكفي لوضع النقاط على الحروف لبيان حقيقتها، وقد نشر الأستاذ الفاضل أبو المكارم محمد عبد السلام المدرس بالكلية العربية في بلدة كرنول في أعمال مِدارس بالهند نتفاً من عقائد هذه الطائفة ومفترياتها
في مجلة (الصراط المستقيم الغراء الصادرة بتاريخ 21 شوال 1351ه)
- مستلّة من كتب الغلام القادياني - جاء فيها:

عقيدته في الله تعالى:
(إن الله ذو طول وعرض وله أرجل وأيد ولا تحُصى وأيضاً له أعصاب وأوتار كالسلك البرقي ممتد في الجهات) (16)
و(إن الله بعد أن كشف لي الغطاء كان يمازحني مراراً) (17)

عقيدتة في الأنبياء عامة:
(أعطي كل الأنبياء حياة بمجيئي،وكل واحد من الرسل مستور تحت قميصي) (18)

عقيدته في القرآن الكريم:
(القرآن كلمات الله وكلمات لساني) (19).

عقيدته في الأحاديث النبوية:
(الأحاديث التي تخالف إلهامي تستحق أن نلقيها مع الأوراق الرديئة في سلة المهملات) (20).

عقيدته في الملائكة:
(لا تتنزّل الملائكة ولا ملك الموت إلى الأرض أبداً، وما الملائكة إلا اسم لحرارة الروح) (21). عقيدته في القيامة: (القيامة ليست آتية و التقدير ليس بشيء) (22).

عقيدته في الحج:
(بعد ظهوري تحوّل مقام الحج إلى قاديان) (23).

عقائده في عيسى وأمه عليهما السلام:
(كان يشرب الخمر وكان عدو الصدق متكبراً أكّالاً يدعي الألوهية مجتنباً العبادة و الزهد غاية الاجتناب) (24).
وقال: (كانت ثلاث من جداته لأبية –كذا –وثلاث من جداته لأمه بغايا وزانيات...؟!) (25)

الفصل الثاني

معنى التأويل، وأنواعه، وشروط التأويل المقبول، وسمات التأويل الباطني المردود

المبحث الأول: معنى التأويل في اللغة، ونصوص الشرع، وفي الاصطلاح.

المطلب الأول: معنى التأويل في اللغة: - تدور مادة التأويل في اللغة على عدة معان، منها:

1- الرجوع، والمآل، والعاقبة، والمصير: قال ابن الأعرابي (ت230 ه):

(الأول: هو الرجوع.) (26).

وقال ابن منظور (ت711ه):(الأول: الرجوع. وآل الشيء يؤول أولا ومآلا: رجع.)(27)

2- التفسير، والتدبر، والبيان: قال ابن جرير الطبري (ت310ه):
(وأما معنى (التأويل في كلام العرب فإنه: التفسير والمرجع والمصير.) (28).
وسئل أبو العباس ثعلب، أحمد بن يحيى (ت 291ه) عن التأويل، فقال:(التأويل والتفسير بمعنى واحد.)(29)

وقال ابن فارس: (ت 395ه): (معاني ألفاظ العبارات التي يعبر بها عن الأشياء مرجعها إلى ثلاثة،
وهي: المعنى، والتفسير، والتأويل، وهي وإن اختلفت، فإن المقاصد بها متقاربة.) (30)
ومما سلف يمكننا اختصار معاني التأويل في اللغة في معنيين هما: المرجع والعاقبة،والتفسير والبيان.

المطلب الثاني: الاستعمال القرآني لكلمة التأويل:
وردت كلمة (تأويل) سبع عشرة مرة في عدة سور قرآنية كريمة، وسألتزم في ذكرها حسب ترتيب السور في القرآن الكريم..
كما يلي:
أ – قال تعالى في سورة آل عمران:
(هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب.) (31)
(ففي هذه الآية ذكر سبحانه المتشابه في مقابلة المحكم، وجعل ابتغاءهم الفتنة والتأويل خاصا بالمتشابه (32) دون المحكم (33)... وعلى هذا يمكننا أن نفهم أن المراد من المحكم من الآيات هو: ما لا يمكن التلاعب بفهمه على غير ما يراد منه، لأن معناه لا يحتمل التوجيه حسب الأهواء.
وذلك كقوله تعالى:(وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد) (34).
كما يمكننا أن نفهم أن المراد بالمتشابه من الآيات، هو: ما له أفراد من المعاني يشبه بعضها بعضا، ويحتملها ظاهره، وذلك هو الذي يجعلهم يتوجهون إليه ليؤولوه ابتغاء الإفساد لعقائد الناس، وهذا كقوله تعالى:
(وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه..الآية)(35)، فأهل الزيغ يأخذونه على ظاهره دون الرجوع إلى الأصول المحكمة في القرآن التي تبين حقيقة المراد منه..ويرجعونه إلى المعنى الذي ينطبق على أهوائهم وتقاليدهم، ويزعمون أنه حقيقته،
ويقولون: الله روح، والمسيح روح منه، فهو من جنسه، وجنسه لا يتبعض،فهو هو،
أي: فعيسى هو الله،ولا يرجعون إلى الأصل المحكم الذي يبطل مثل هذا التأويل، وهو قوله تعالى:(لم يلد ولم يولد) (36).
وأهل الحق يرجعونه إلى المعنى الذي يتفق مع المحكمات من الكتاب، لأنها الأصل الذي يرجع إليه عند الاشتباه،
كما قال تعالى: (هن أم الكتاب) ولا يأخذون في الآية بمعنى إلا إذا قام عليه الدليل الصحيح.)(37)
ب – قال تعالى في سورة النساء: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) (38).

قال ابن جرير الطبري: (أحسن تأويلا، أي: جزاء. وقال قتادة:أحسن ثوابا، وخير عاقبة) (39)
فالتأويل هنا: بمعنى الإرجاع إلى ما يحفظ عليهم الوفاق، ولا يحتمل أن يكون المراد به هنا التفسير، أو صرف الكلام عن ظاهره.
(40)
ت – قال تعالى في سورة الأعراف:
(هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق.. الآية) (41)
ويراد بالتأويل هنا: الحوادث التي تقع مطابقة لما أخبر به الكتاب،
أي: هل ينتظرون إلا تحقق ما أخبر به القرآن من بعث وحساب، وثواب وعقاب في الآخرة..؟
وفي هذا اليوم يتحقق ما أخبر به.. والتأويل هنا كذلك لا يحتمل أن يراد به التفسير، أو صرف الكلام عن ظاهره. (42).

ث - قال تعالى في سورة يونس:
(بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كانت عاقبة الظالمين.) (43)
فالمراد بالتأويل هنا: وقوع ما أخبر به القرآن، أي وقوع الحوادث التي يدل تحققها على صدقه - صلى الله عليه وسلم -،ولا يراد به التفسير،أو صرف الكلام عن ظاهره كذلك. (44).

ج – ووردت كلمة التأويل في ثمانية مواضع من سورة يوسف - عليه السلام –
وهي الآيات:(6، 21، 36، 37، 44، 45، 100،101).
والتأويل في الآيات السابقة كلها يقصد به تعبير الرؤيا أي: ما تؤول إليه، من الحوادث الواقعية التي كان يمثلها ما رئي في تلك الرؤى المنامية (45)
ح – قال تعالى في سورة الإسراء: (وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا.) (46)،
قال الطبري: (فسر مجاهد، وقتادة، كلمة التأويل هنا: بالمآل، والمرجع،والعاقبة، والثواب). (47)
أي: أحسن عاقبة ومآلا.

خ – ووردت كلمة التأويل في آيتين من سورة الكهف، وهما: قوله تعالى: (ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا) (48)،
وقوله: (ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا.)(49)
والمراد بالتأويل هنا - وهو ضرب من تأويل الأفعال لا الأقوال -
هو: (إرجاع الأفعال التي فعلها العبد الصالح وأنكرها موسى – عليه السلام -،من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار، إلى ما تؤول إليه من الخير في المستقبل، وهو دفع ظلم الملك لأصحاب السفينة، وإفساد الغلام لأبويه، وحفظ الكنز لأصحاب الجدار.) (50)
المطلب الثالث: كلمة التأويل في أحاديث الرسول – صلى الله عليه وسلم -
وردت كلمة التأويل في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
بمعنى: تعبير الرؤيا والمآل الذي تؤول إليه، وبمعنى التفسير، وبمعنى العاقبة والمصير.
أ - فمن الأحاديث التي وردت فيها كلمة التأويل بمعنى الرؤيا:
عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
قال: (بينما أنا نائم إذ رأيت قدحا أتيت به فيه لبن، فشربت منه، حتى إني لأرى الري يجري في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب) قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله..؟ قال: (العلم). (51)
فالتأويل الواقعي لشربه – عليه السلام – اللبن في الرؤيا، وارتواؤه منه، هو: تمكنه من العلم، ورسوخه فيه.
وتأويل إعطائه ما تبقى منه لعمر – رضي الله عنه – هو: تمكن عمر من العلم، ورسوخه فيه كذلك.
ب - ومن الأحاديث التي وردت فيها كلمة التأويل بمعنى التفسير والبيان: دعاء الرسول – صلى الله عليه وسلم - لابن عباس بتعلم التأويل، وقد ورد هذا الدعاء في روايات عديدة، بينها تفاوت في ألفاظها.
ففي البخاري: أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – ضم ابن عباس إلى صدره وقال: اللهم علمه الكتاب)(52)
وفي رواية أخرى: (اللهم علمه الحكمة.) (53) وفي رواية مسلم: (اللهم علمه الحكمة.) (54).
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما – قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وضع يده على كتفي،
أو منكبي، ثم قال: (اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل) (55)
والمراد بالتأويل هنا:
التفسير والبيان، ولا يجوز القول بأنه يعلم حقائق تأويل القرآن الخارجية،لأن ذلك من الغيوب التي استأثر الله بعلمها.
ت – ومن الأحاديث التي وردت فيها كلمة التأويل بمعنى: المرجع، والعاقبة، والمصير: ما رواه سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه – عن النبي - صلى الله عليه وسلم –
أنه سئل عن معنى قوله تعالى:
((قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس يعض أنظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون) (56)
فقال: إنها كائنة ولم يأت تأويلها بعد) (57)
أي: لم يحدث مدلولها العملي، والواقعي، الذي هو عين تأويلها، والذي هو مصير المخاطبين، وعاقبة أمرهم.

المطلب الرابع: التأويل في عهدي الصحابة والتابعين:
لم يكن التأويل وقفا على عصر دون عصر، فقد وجد منذ عصر الصحابة - رضوان الله عليهم - وكان ذائعا شائعا بينهم، ويدلنا على ذلك اجتهادات ابن عباس، وابن مسعود، وغيرهما من أعلام الصحابة (58)، بالإضافة إلى الآثار المروية عن كبار الصحابة التي تحذر من شطط التأويل..
من ذلك: ما رواه عمرو بن دينار قال: قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -:
(إني أخاف عليكم رجلين: رجل يتأول القرآن على غير تأويله، ورجل ينافس أخاه على الملك) (59).
كما كان أهل الرأي والعلم بالمرصاد للمؤولين الذين لا يريدون وجه الحق في تأويلاتهم، وغير المستندة إلى أدلة الشرع،
أو مخالفة لحكمة التشريع، أو الناتجة عن خطأ في الفهم، كفعل أبي بكر – رضي الله عنه – بالمرتدين، الذين أولوا آية الزكاة على غير وجهها (60)، وكما فعل عمربن الخطاب – رضي الله عنه - بقدامة بن مظعون (61)، وصبيغ بن عسل التميمي (62)، وأمثالهم.
ولم يقف التأويل عند عصر الصحابة، بل تعداهم إلى عصر التابعين، (63) فهو منهج من مناهج الاجتهاد بالرأي،
أو كما يقول الإمام أبو زهرة: (باب من أبواب الاستنباط العقلي). (64)

المطلب الخامس: التأويل في الاصطلاح
أ -: معنى التأويل في اصطلاح المتقدمين:
يطلق مصطلح التأويل في اصطلاح المتقدين من السلف وأهل القرون الثلاثة الأولى على معنيين هما:
الأول: تفسير اللفظ وبيان معناه، وهذا كثير في استعمالات السلف..
1 - في الحديث الذي رواه جابر في وصف الحج قوله:
(ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به)(65)
يعني: تفسيره وبيانه بأقواله وأفعاله - عليه الصلاة والسلام -.

2 - ابن عباس في عند تفسيره للآية السابعة من سورة آل عمران:(أنا ممن يعلم تأويله) (66)،
ونرى ذلك كثيرا في تفسير الإمام الطبري، حيث يستخدم التأويل بمعنى التفسير،
فيقول: (وقال أهل التأويل) ثم يورد أقوال المفسرين.
الثاني: الحقيقة التي يؤول إليها الكلام، أي: وقوع المخبر به في وقته الخاص إذا كان الكلام خبرا، أو امتثال ما دل عليه الكلام، وإيقاع مطلوبه إذا كان الكلام طلبا، وهو معنى يرجع إلى العاقبة والمصير) (67).
ومنه قول السيدة عائشة - رضي الله عنها -: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي.. يتأول القرآن) (68)
قال الحافظ ابن حجر:
(وقولها: يتأول القرآن، أي: يجعل ما أمر به من التسبيح والتحميد والاستغفار في أشرف الأوقات والأحوال) (69)
فالتأويل هنا: حقيقة ما أمر به في قوله تعالى: (فسبح بحمد ربك واستغفره) (70)
وما سبق يمكننا القول: لقد عرف الصحابة والتابعون معنيين للتأويل:

الأول: المآل والعاقبة، وهو ما نجده مكررا في آيات القرآن الكريم.
والثاني: بمعنى التفسير، والبيان، وهو ما دعا به الرسول - صلى الله عليه وسلم – لابن عباس - رضي الله عنهما -، وظل هذان المعنيان معروفين للسلف إلى أن ظهرت الفرق الإسلامية المختلفة منذ عهد الخليفة الراشد: عثمان بن عفان - رضي الله عنه وأرضاه -، فكان للتأويل اصطلاح آخر، انتشر ببطء في الفكر الإسلامي،وتلون بلون كل فريق ومذهب، وأخذ يشكل معارضة هادئة للإسلام، معتمدا على الآيات بتحريف دلالاتها، أمام استحالة التغيير للنص المحفوظ. وكانت محاولات هؤلاء على قلتها، تعتبر البدايات الأولى للتأويل الباطني الفاسد، وليس أدل على ذلك من قول قتادة (ت 117ه)
عند قراءته لقوله تعالى:(فأما الذين في قلوبهم زيغ..الآية)(71):
(إن لم يكونوا الحرورية - أي الخوارج الذين انحازوا إلى بلدة حروراء بالعراق -، والسبئيين - أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي اليماني -، فلا أدري من هم.
إلى أن يقول: والله إن اليهودية لبدعة، وإن النصرانية لبدعة، وإن الحرورية لبدعة، وإن السبئية لبدعة، ما نزل بهن كتاب، ولا سنهن نبي). (72)

وقال الطبري (ت310ه) عند تفسيره لقوله تعالى: (فأما الذين في قلوبهم زيغ.. الآية) (73):
(هذه الآية وإن كانت نزلت فيمن ذكرنا أنها نزلت فيه من أهل الشرك، فإنه معني بها كل مبتدع في دين الله، كان من أهل النصرانية، أو اليهودية، أو المجوسية، أو كان سبئيا..). (74).
لقد وجد السبئيون الباطنيون - ومن نسج على منوالهم - في التأويل متنفسا لتعاليمهم يتجاوزون بها الحدود الظاهرة لمعاني الكلم، أو كما يقول البغدادي: (إن الباطنية احتالت لتأويل أحكام الشريعة على وجوه تؤدي إلى رفع الشريعة.) (75).
فقام العلماء من مفسرين، ومحدثين، وفقهاء، وأصوليين، وغيرهم، بالتصدي لهم، وبينوا معنى التأويل، وأدلته، ومجالاته، وقاموا بوضع الضوابط والشروط للتأويل الصحيح، لمنع المبتدعين من تحريف نصوص الآيات، والخروج بها عن معانيها المرادة.
ب -: معنى التأويل في اصطلاح المتأخرين:
وسأعرض فيما يلي لبعض التعريفات الاصطلاحية للتأويل، منها:
1- قال الفخر الرازي محمد بن عمر بن الحسين (ت 606): -
(التأويل هو صرف اللفظ عن ظاهره إلى معناه المرجوح، مع قيام الدليل القاطع عن أن ظاهره محال) (76)
2 - وقال ابن الحاجب-جمال الدين عثمان بن عمر المشهور بابن الحاجب (ت646ه):
(التأويل: هو حمل الظاهر على المحتمل المرجوح، بدليل يصيره راجحا.) (77).
وهذا المعنى المحتمل الذي يؤول إليه اللفظ معنى مرجوح، لأنه خلاف المعنى الحقيقي الظاهر المتبادر ومع ذلك فإن دليل التأويل الأقوى يصير هذا المعنى المرجوح راجحاً، أي يغلب على ظن المجتهد أنه مراد الشارع،
كما رجحه الدليل.. والتعريف الاصطلاحي للتأويل في اصطلاح المتأخرين، أصبح في عرف المتكلمين، والفقهاء، والمفسرين، هو الذي ينصرف إليه الذهن عند الإطلاق، وأصبح شائعا ومتعارفاً عليه بين المتأخرين، ويبدو أن استعماله بهذا المعنى، استوجبته دواعي كثيرة، كان من أبرزها مواجهة التأويلات المنحرفة التي بدأت بالبروز في المجتمع الإسلامي في وقت مبكر،
والتي كانت مستندا لكثير من النزعات الطائفية والشعوبية، والفرق الضالة، وبعض الأعاجم، الذين تسربلوا بالإسلام، ولم يتجردوا من مواريثهم العقائدية، وتركاتهم الثقافية، وأرادوا الكيد للإسلام من الداخل.

المبحث الثاني: أنواع التأويل:
قسم العلماء التأويل إلى قسمين: تأويل مقبول، وتأويل باطني مردود، وهذا ما سنبينه في المطلبين التاليين:
المطلب الأول: - ضوابط وشروط التأويل المقبول:
صاحبت ظاهرة التأويل للنص الديني منذ أن نزلت أول كلمات الله على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحاول المسلمون تفهم القرآن، واستنباط الأحكام منه، إلا أن الأعراض التي استوجبت الاشتغال به، لم تكن قد ظهرت بصورة تشكل ظاهرة، فلم يكن ثمة حاجة للتأويل، ولا يعيب المشتغلين بالتأويل المنضبط بأدلة الشرع الهادف لإبراز المعنى الصحيح المحتمل والمناسب للنص، عدم اشتغال الصحابة به، فهناك علوم كثيرة لم يشتغل بها الصحابة،
مثل: علم أصول الفقه، واللغة، وغيرها، ولا يقال إن الاشتغال بهذه العلوم بدعة سيئة.
فالتأويل الصحيح المقبول هو: الذي يكون بمعنى التفسير والبيان، موافقا لما في كتاب الله، وسنة رسوله - عليه الصلاة والسلام -، وذلك حين نجد نصا مجملا، فنجد نصا آخر يفسره، وهذا النوع متفق على قبوله من السلف - رضوان الله عليهم -.
وقد ورد في الحديث عن سيد الثقلين، أن ابن عباس – رضي الله عنهما - قدم له وضوءه فقال: من فعل هذا ؟
فقلت: أنا يا رسول الله، فقال: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) (78)
ففي هذا الدعاء من الرسول – صلى الله عليه وسلم - لابن عباس - رضي الله عنها - دليل إقراره للتأويل الصحيح.
لقد كان التأويل الصحيح أداة لسبر أغوار النص الديني، واكتشاف طاقاته المعبرة، وعمل التأويل في بيئة المفسرين والفقهاء، على توسيع آفاق النص، حتى يستغرق متجدد أحداث الحياة، وعمل على التوفيق بن الآراء والنصوص التي تبدو متعارضة.
واستغلال التأويل من قبل الفرق الضالة المنحرفة، الذين شوهوا الدلالات اللغوية، وصرفوا النصوص الدينية عن ظاهرها المراد، إلى معان باطنية غير مرادة في النص ؛ لمناصرة مذاهب فاسدة ونحل باطلة، دفع المشتغلين بالنص الديني من مفسرين، ومحدثين، وفقهاء، وأصوليين ومتكلمين، إلى استنباط تعريف للتأويل الصحيح، وبينوا أنواعه، ومجالاته، وشروطه وضوابطه، ليتمكن المشتغلون بالنص الديني من التعرف على صحيح التأويل من فاسده، ومتى يكون التأويل، وكيف يكون، وليدركوا ما حرفه أصحاب المذاهب الضالة من آيات خرجوا بها عن معانيها المرادة، وقواعد اللغة، وأصول الشريعة.

ومن أهم هذه الشروط والضوابط، ما يلي:
أولا: - أن يكون المتأول ممن توفر فيه شروط الاجتهاد، عالما بأسباب التأويل ومجالاته، ملما بمدلولات الألفاظ ومقاصدها، عالما بروح الشريعة الإسلامية وأدلتها، وله دراية بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ.(79)،
فإن فقد هذا الشرط في المؤول، لم يكن أهلا للتأويل.
ثانيا:- أن يكون المعنى الذي أول إليه اللفظ، من المعاني التي يحتملها اللفظ نفسه، وإنما يكون اللفظ قابلا للمعنى الذي يصرف إليه، إذا كان بينه وبين اللفظ نسب من الوضع اللغوي، أو عرف الاستعمال، أو عادة الشرع، (80) فقد جرت عادة الشرع على تخصيص العام (81) في كثير من نصوصه، مثل قصر الوجوب في كلمة (الناس)
في قوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا.)(82) على المكلفين، دون الصبيان والمجانين.
كذلك تقييد المطلق (83)، جرت به عادة الشرع، واللغة لا تأباه، فقد قام الدليل على تقييد (الوصية)
المطلقة في قوله تعالى: (من بعد وصية يوصي بها أو دين) (84) بالثلث، في قوله
- صلى الله عليه وسلم - لسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -:
(الثلث والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس.) (85)
فالعام إذا صرف عن العموم، وأريد به بعض أفراده بدليل، فهو تأويل صحيح، لأن العام يحتمل الخصوص، وحين يراد به بعض أفراده، فقد أول إلى معنى يحتمله.
والمطلق إذا صرف عن الشيوع وحمل على المقيد بدليل، فهو تأويل صحيح (86).
أما إذا كان المعنى الذي صرف إليه اللفظ من المعاني التي لا يحتملها اللفظ نفسه، ولا يدل عليها وجه من وجوه الدلالة، فلا يكون التأويل صحيحا مقبولا.
وعلى هذا، فإن التأويل لا يدخل في النصوص الدالة على أحكام أساسية تعتبر من العقائد وقواعد الدين، ولا تتغير بتغير الزمن: كالإيمان بالله، وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر. وكذلك النصوص الدالة على أحكام هي من أمهات الفضائل، وقواعد الأخلاق التي تقرها الفطر السليمة، ولا تستقيم حياة الأمم بدونها كالوفاء بالعهد،والعدل، وأداء الأمانة، والمساواة أمام الشريعة، وصلة الأرحام، وبر الوالدين، والصدق والنصوص التي تحرم أضدادها من: الكذب، والخيانة، وعقوق الوالدين، والنصوص التي اقترن بها ما يفيد التأبيد وغيرها من القواعد الأساسية، التي لا تحتمل تأويلا ولا نسخا منذ أوحي بالنصوص التي تقررها (87).

ثالثا: - أن لا يتعارض التأويل مع نصوص قطعية الدلالة، لأن التأويل منهج من مناهج الاستدلال والاستنباط الاجتهادي الظني، والظني لا يقوى على معارضة القطعي، كتأويل القصص الوارد في القرآن الكريم، بصرفها عن معانيها الظاهرة إلى معان أخرى يصيرها خيالية لا واقع لها، وهذا التأويل معارض لصريح الآيات القاطعة التي تدل على أن لها واقعا تاريخيا. (88)

رابعا: - أن يستند التأويل إلى دليل صحيح يدل على صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى غيره، لأن الأصل هو العمل بالظاهر، إلا إذا قام دليل على أن المراد باللفظ هو المعنى الذي حمل عليه، فالمطلق على إطلاقه، ولا يعدل عن هذا الظاهر إلى التقييد إلا بدليل يدل على إرادة هذا القيد، والنهي ظاهره التحريم، فيعمل به، حتى يدل الدليل على العدول عنه إلى الكراهية. (89).
ويشترط في الدليل أن يكون صحيحا معتبرا شرعا، يرشد إلى تحديد إرادة الشارع في النصوص المتعارضة.

المطلب الثاني: - سمات التأويل الباطني الفاسد المردود وسماته:
التأويل الفاسد المردود هو ما يخالف التأويل الصحيح المقبول، أو هو صرف الكلام عن ظاهره إلى ما يخالف ظاهره بغير دليل، أو صرف فيه الظاهر إلى ما لا يحتمله أصلا بوجه من وجوه الدلالة، لتقرير مذاهب فاسدة، مخالفة لظواهر الكتاب والسنة، ولما أجمع عليه المسلمون. أو لكونه مناقضا لوحدة التشريع في قواعده العامة المحكمة، وللأحكام المعلومة من الدين بالضرورة، كتأويلات الباطنية القائمة على الهوى، وأمثالهم من أصحاب المذاهب الهدامة.
وللتأويل الفاسد المردود سمات تلازمه ولا تفارقه أبدا.. منها:

- 1 عدم انضباطه تحت ضوابط محددة، كما يفعل الباطنيون من أرباب الفرق الضالة، لذا كان من أبرز سمات تأويلهم:
الاضطراب الفكري والعقدي، ففي كتابيه (تأويل الدعائم) (90) و(أساس التأويل)(91) يذكر القاضي الإسماعيلي وجوها متعددة من التأويل لبعض المسائل، ويعلل هذا الاختلاف بأن الناس مختلفة المراتب والطبقات، فما يصلح لحد من الحدود، لا يصلح لحد آخر، فتعدد التأويلات راجع لتعدد مراتب الحدود.
- 2 الاختلاف والتفرق في الدين: إن من أعظم الدعائم التي دعا إليها الشارع الحكيم جمع الكلمة وتوحيد الصف، وعدم التفرق في الدين، قال تعالى: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه..) (92). والذين سلكوا مسلك التأويل الفاسد هم أبعد الناس عن طاعة الله في هذا الأمر.

3 - التأويل الفاسد خارج عن احتمالات اللفظ، ولا يوجد له دليل شرعي أو لغوي.
4 - مخالفته لمقاصد الشريعة وعلومها، وللمعاني اللغوية وحدودها التي وضعت لها.
5 - إن من أبرز سمات أهل التأويل المذموم التناقض في الأقوال والأفعال، لأنهم لما صرفوا ظواهر النصوص الشرعية بلا دليل ولا برهان إلى معان تخيلوها في أنفسهم، كان التناقض سمتهم، والتعارض الفكري علامتهم، والضلال والاضطراب نصيبهم.
يقول شيخ الاسلام ابن تيمية: (فكل من أعرض عن الطريقة السلفية النبوية الشرعية الإلهية فإنه لا بد أن يضل ويتناقض..) (93)


المبحث الثالث: جذور التأويلات الباطنية الفاسدة المردودة:

كان عبد الله بن سبأ اليهودي اليماني (94) وأتباعه، من أوائل من اتخذ من التأويلات الباطنية الفاسدة وسيلة لإلغاء ظواهر النصوص الشرعية، وعدم اعتبار دلالاتها اللغوية والتشريعية، ثم الإغراب في تصيد باطن لها يتماشى والمعاني التي قرروها في أذهانهم، وغايتهم إفراغ النصوص القرآنية والنبوية من كل معنى مراد لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وشحنه بما يمليه عليه هواهم الضال، من خلال تأويلها تأويلا يخرجها عن مدلولها الحقيقي، ويبعدها عن مضامينها الإسلامية، لأنهم لما عجزوا عن صرف المؤمنين عن الكتاب والسنة،
حاولوا صرفهم عن المراد منها إلى (مخاريق زخرفوها، لأنهم لو صرحوا بالنفي المحض، والتكذيب المجرد، لم يحظوا بموالاة الموالين.)
(95) مما حمل بعض العلماء على القول: (إن التأويل الباطني: أول مراتب الإلحاد.) (96).
وقد استندت كل الفرق السبئية من بعده على التأويل الباطني لتأييد مزاعمها، ولم تتسع مجالات التأويل إلا في عهد الإسماعيلية، الذين توسعوا في التأويل الباطني، حتى أصبح علما عليهم، بل أصبح لفظ الباطنية إذا أطلق انصرف إليهم.

وقد عرف اليهود التأويل الباطني النظري والعملي ممارسة وتطبيقا منذ عهد الكليم موسى – عليه السلام -،
ومن الأمثلة على ذلك:
أ - قول الله عز وجل:
(وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين.)(97).
فهذه الآية تذكر نوغا من التأويل النظري لبني إسرائيل،: فحين أمروا أن يقولوا حطة.. لم يقولوها، بل قالوا غيرها
(فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم)(98)

ب - ومن تأويلاتهم العملية كذلك، ما قاله ابن كثير عنهم:
(احتيالهم على تحريم الشحوم بإذابتها، ظانين أن ذلك يخرجها من الحرمة إلى الحل)(99).
ثم أصبح التأويل على يد الفيلسوف اليهودي: (فيلون)(100)، قاعدة من قواعد فهمهم لدينهم خاصة بعد أن قام بتأويل التوراة تأويلا باطنيا ؛ ليجعلها مقبولة لدى اليونانيين - الذين كانت فلسفتهم وثقافتهم هي السائدة والمسيطرة على الساحة الفكرية تلك الأيام – لما رأوه من التشبيهات المادية، والتعبيرات التجسيمية. وكان فيلون يؤول الذات العلية (الله) بأنها شمس الشموس،
وأن الله سبحانه يعمل من خلال وسطاء،
هم:
الوسيط الأول: الكلمة، والكلمة هي: ابن الله.
والوسيط الثاني: الحكمة.
والوسيط الثالث: رجل الله، أو: آدم الأول.
والوسيط الرابع: القوات، أو: جند الله، وهم: الملائكة.
وكان يؤول إبراهيم – عليه السلام - بالعلم، واسحق – عليه السلام -: بالطبيعة، ويعقوب – عليه السلام -: بالزهد، ويعتبر هذه الأسماء الثلاثة هي مصادر معرفته بالله.
والسيدة سارة: بالفضيلة.
وهابيل هو: التقوى الخالصة
وقابيل هو: الأناني ويوسف – عليه السلام –
هو: مثال الرجل السياسي (101).

وكان - ابن سبأ – من أوائل من نقل التأويل الرمزي الباطني اليهودي إلى البيئة الإسلامية، كما كان أسلاف ابن سبأ أول من حركوا حلفاءهم من ذؤبان العرب (102)، وعبيد المجتمع، وشجعوهم على الردة وجحدوا الزكاة بالتأويل المنحرف، ذلك أنهم تأولوا قول الله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم..) (103)
فرأوا أن دفع الزكاة خاص بالرسول - صلى الله عليه وسلم – لأنه هو الذي كان يصلي عليهم ويطهرهم، وليس لغيره هذه الخاصية، ومن ثم فلا يدفعون الزكاة.) (104)
لذا وضع علماء المسلمين ضوابط للتأويل المقبول - كما سبق بيانها -، كي لا تتخذ المذاهب الضالة، والتيارات الهدامة، من التأويل المنحرف سندا ووسيلة لخدمة أغراضها. وتأويلات الباطنيين عموما لا علاقة لها بظاهر الكلام، ولا سياقه، ولا مدلوله، والدليل على ذلك ما أثبتوه في كتبهم الباطنية من تأويلات حطموا بها مدلولات اللغة، لا تمت إلى ألفاظ القرآن ومقاصده السامية، بأية صلة قريبة أو بعيدة. وقد يكون ذلك هدفا من أهدافهم، وهو محاربة اللغة العربية، لأنها مفتاح فهم القرآن، كما يفعل بعض الكتاب العلمانيين المعاصرين، في هجماتهم على اللغة، من مطالبة بإحلال العامية محلها تارة، واستبدال حروفها بالحروف اللاتينية تارة أخرى، مما يدل على أنهم حلقة متصلة من حلقات التآمر والكيد للإسلام والمسلمين

الفصل الثالث

نماذج لتأويلات طائفة القاديانية، وبيان بطلانها.

حاول الميرزا غلام أحمد القادباني أن يتخذ من التأويل سلما للوصول إلى أغراضه ؛ بتأويل بعض الآيات تأويلا بعيدا عن المعاني التي يحتملها النص، وقريبا من الأهداف التي يتوخاها. لقد جرب استعمال التأويل قبل أن يعلن نبوءته، حيث نجد طرفا من تأويلاته في كتابه: براهين أحمدية، الذي كتبه قبل ادعائه النبوة،
حيث أول قوله تعالى: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون. نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا والآخرة..) (105)
بقوله: (اعلموا يقينا أن المبشرات التي تشرفت بها في عزلتي ووحدتي، سوف تتم بمرأى الجيل الحاضر ومسمعهم، وتثبت بالحق أن الإسلام هو الدين الحي، لايبرح يوصل أهله إلى مقام المعرفة والوصال قبل مفارقتهم هذا العالم،كما بشر به القرآن المجيد.) (106). وعندما جوبه بمعارضة شديدة، وحكم عليه بالإعدام،
أول الآيتين السابقتين بقوله: (يغنيك ربك ويرحمك وإن لم يعصمك الناس، فيعصمك الله من عنده.) (107).

ولما نقل نفسه من مرحلة (المسيح الموعود) إلى مرحلة (النبوة)، كان عليه أن يجد آية في القرآن يؤولها تأويلا يدل على عملية انتقاله، ويعطيها تسويغا ومبررا من القرآن الكريم، فعمد إلى تأويل مفهوم (المسيح) - عليه السلام -، وشخصه، وزمن ظهوره،
فقال: (وقد أثبت في كتاب – فتح الإسلام – أن عقيدة خاطئة قد استولت على أذهان الناس، وقد شرحت أنه ليس المراد في النزول هو نزول المسيح، بل هو إعلام عن طريق الاستعارة بقدوم مثيل المسيح، وأن هذا العاجز - يعني نفسه - هو مصداق هذا الخبر حسب الإعلام والإلهام.)(108).
وهكذا بالتأويل زعم الميرزا غلام أحمد القادياني أنه أبطل فكرة المسيح المعروفة، واستبعد نزوله، واعتبر الخبر المتداول في أذهان المسلمين ؛ إنما جاء بصيغة الإعلان على سبيل الاستعارة، وأن المراد بالمسيح هو: ذاته.

ولما كانت أخبار المسيح تذكر أنه سيظهر في دمشق عند المنارة البيضاء، والميرزا يقيم في إقليم البنجاب، كان عليه أن يعطي لدمشق معنى آخر، ولمكانها ثان يتلاءم وظروف الميرزا، فعمد إلى التأويل، فنقل بالتأويل(دمشق) إلى (إقليم البنجاب)، ونصب المنارة البيضاء هناك. كما نقل ما يزعم أنه قبر المسيح – عليه السلام – في كنيسة القيامة في القدس، إلى منطقة كشمير،
فقال: (ليعلم الإخوان أن الله أطلعني فيما يتصل بكلمة دمشق، على أن المسمى بهذا الاسم: دمشق، قرية يسكنها رجال طبيعتهم يزيدية، وهم أتباع يزيد الخبيث..؟
ولما كان من شأن الطبيب أن يأتي إلى المرضى، وجب أن يكون نزول المسيح في أمثال هؤلاء، وإن قرية قاديان مشابهة لدمشق، فأنزلني الله لأمر عظيم في دمشق هذه بطرف المنارة البيضاء من المسجد الذي من دخله كان آمنا، فتبارك الله الذي أنزلني في هذا المقام) (109).

ولم يكتف الميرزا القادياني بنقل دمشق ومنارة مسجدها إلى قاديان، بل نقل المسيح نفسه، حيث زعم أنه هاجر من فلسطين إلى كشمير قبل ألفي سنة، وتوفي ودفن فيها.(110)، وهذا ما ذكره في تأويله لقوله تعالى:

(وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين) (111)،
فقال: (إن المراد بها المسيح وأمه، وأنهما هاجرا من فلسطين إلى كشمير، وأن المسيح وأمه سافرا إلى كشمير بعد واقعة الصلب، كما قال سبحانه، فإن الإيواء في اللغة العربية تستعمل بمعنى الإنقاذ، والإجارة من العذاب، أو المشقة، وظاهر أنه لم يبتل المسيح وأمه قبل واقعة الصلب، بشيء من حدثان الدهر، لذلك لزم منه أن الله تعالى إنما أدنى المسيح وأمه إلى الربوة المذكورة، بعد حادثة الصلب.) (112)

وقال في تأويل قوله تعالى: (ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا.)(113)
(وهذه بشارة بأنه سيكون في هذه الأمة الإسلامية رجل من درجة مريم الصديقة، ثم ينفخ فيه روح عيسى، فإذا مريم يخرج منها عيسى، أي: الرجل ينتقل من صفاته المريمية إلى صفاته العيسوية، فكأنما كينونته المريمية أنتجت العيسوية،وبهذا المعنى يسمى ذلك الرجل: ابن مريم) (114)

ثم أول القادياني غلام أحمد كل آية ورد فيها ذكر المسيح وأمه - عليهما السلام -،
فقال: (أنا المراد بمريم، وأنا المراد بعيسى، وعني قيل: (ولنجعله آية للناس ورحمة منا) (115)
وعني قيل: أنه المسيح بن مريم، الموعود نزوله) (116)

وقال في تأويل قوله تعالى: (إهدنا الصراط المستقيم) (117) (يأتي أمثال أنبياء بني إسرائيل، ومن كان مثيل نبي من الأنبياء سمي باسمه، فيسمى مثيل موسى بموسى، ومثيل عيسى بعيسى، ولما كنت مثيل عيسى سميت باسم عيسى.
وذكر في القرآن المجيد: (اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم)
أي: يا الله اجعلنا مثيلين للرسل والأنبياء) (118). بينما أسلافه من الإسماعيليين أولوا الصراط المستقيم بالإمام، لأن من لزم الطريق لن يضل وكذلك من لزم الإمام لن يضل، والمراد بالطريق ههنا: الإمام، لا الطريق المسلوك. (119)

وقال في تأويل قوله تعالى:(واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)(120):(
وهذه الآية تشير إلى أن الأمة المحمدية كلما صارت فرقا كثيرة، يولد في آخر الزمان إبراهيم، فتكون الفرقة التي تتبع إبراهيم هي الفرقة الناجية، -ويعني بذلك: أنه إبراهيم،والقاديانية التي تتبعه هي الفرقة الناجية -.) (121)

وقال في تأويل قوله تعالى: (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة.. الآية) (122):
(إن الله ينصر المؤمنين بظهور المسيح الموعود في قرن من القرون الآتية، يكون عددها مساويا للبدر التام – فحرف معنى كلمة بدر من اسم المكان الذي وقعت فيه المعركة الشهيرة التي فرق الله فيها بين الحق والباطل، إلى البدر الذي هو حالة من حالات القمر -، ويعني بذلك: (ظهوره في القرن الرابع عشر الهجري.) (123)

وقال في تأويل قوله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق.. الآية). (124):
(إن هذه الآية في الحقيقة متعلقة بزمان هذا المسيح.. – يريد نفسه -.) (125)

وقال في تأويل قوله تعالى: (وإنا على ذهاب به لقادرون) (126):
(إن المراد بهذه الآية سنة 1857م، وهذا هو زمان ظهور الميرزا غلام أحمد، الذي بظهوره تنطفئ شعلة المذاهب والأديان الأخرى). (127)

وقال الغلام القادياني –: إن كثيرا من آيات القرآن الكريم نزلت في شأنه (128) منها:
قوله تعالى: (إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله..) (129)
وقوله: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر..) (130)
وقوله: (إنا أعطيناك الكوثر.) (131)، وقوله: (عسى أن يبعثك ربك مقاما محودا.) (132)
وقوله: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.) (133)
وقوله: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين..) (134)، إلى غير ذلك من المزاعم.

والتأويلات الفاسدة التي يلجأون إليها لإثبات نبوة متنبئهم الكذاب، والتي لا تنطلي إلا على الجهلة من الناس، البعيدين عن تذوق وفهم اللغة العربية الشريفة.

وأول – محمد علي – (أمير جماعة القاديانية، وأحد خلفاء الميرزا،وزعيم شعبة لاهور)
قوله تعالى: (وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن.. الآية) (135)
بما نصه: (إن الجن طائفة من البشر اجتمعوا بالنبي في الخفاء.. وليس المراد به نفوساً لا يقع عليها البصر..وقد جاءوا من الخارج وكانوا غرباء ولذلك سمّوا جناً..
والمراد بذلك في قوله تعالى (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنّا سمعنا قرآناً عجباً) (136).
يظهر أنهم كانوا نصارى..وقد جاء ذكرهم على طريق النبوءة.
.ويكون المراد: إن شعوباً مسيحية تبلغ الذروة في العظمة والرقي فتصبح بذلك جناً وعفاريت وعباقرة في القوة والصنعة..)
(137)

وهذا مخالف لما ذهب إليه (سليم الجابي) - أحد أتباعهم - في كتابه (الجن حقيقة لا خيال)
إذ اعتبر أن الجن: (هم وفد من يهود أفغانستان حيث هاجروا إليها بعد أن هدم (بختنصر) هيكل سليمان، وسباهم إلى العراق، فلما وصلتهم أخبار ادعاء محمد (صلى الله عليه وسلم) النبوة، انتخبوا من جانبهم نفرا مندوبين عنهم، وأرسلوهم إلى مكة للتحقيق في صدق نبوة هذا الرسول العربي، فهذا النفر من يهود أفغانستان هو الذين أشير إليهم في هذه الآيات الكريمة) (138).
وقد حشا كتابه بمثل هذه التأويلات السخيفة التي لا يقرها عقل أو شرع.

من ذلك مثلا: تأويله لكلمة (الهدهد) في قوله تعالى: (وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين) (139)
فقال: (إن كلمة هدهد أريد بها اسم رجل، ولم يكن المراد بها طائرا من الطيور المعروفة.. كان رجل مخابرات، ومختصا باستقصاء أحوال كل من كان غريبا عن بلاده، ولم يكن المراد به طيرا من الطيور) (140)

بينما أول أسلافهم من الإسماعيليين (الجن) في قوله تعالى: (وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس..الآية) (141) بأنهم: (القائمون بأمر دعوته الذين يذبون عنها ويحمونها، وهم من الجن،
وهم ههنا في الباطن (أي: في التأويل الباطني)
حملة علمه الذين أجنوه أي: ستروه، والإنس ههنا: المأنوسين بحكمته، الذين هم نقباؤه ودعاته..) (142)

وقال المفسر الإسماعيلي – ضياء الدين إسماعيل – في تأويل الجن في قوله تعالى:
(وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس.. الآية) (143): (سلسل المذكور – ويرمزون بذلك لسلمان الفارسي – المحتجب في إمام زمانه سليمان المستقر (144) و (جنوده): يعني أهل دعوته..
(من الجن): يعني من أهل النسبة الأشرف، يجذبهم للانضمام إليه،
و (الإنس): يعني أهل النسبة الأدون، لكونه يعني سلسل المرتب لهم في حجابه، وهو الباب الظاهر...) (145)...
بينما الجن عند الداعي الإسماعيلي إدريس عماد الدين القرشي:
هم أهل الدعوة الباطنة، الذين كانوا في آخر دعوة المسيح - عليه السلام -.
(146)

وهذا بالطبع تحريف وتلاعب صريح بمعاني القرآن،سنده الهوى الآثم، والكذب على الحق، والافتراء على الله وإخراج لآياته عن مقاصدها الحقيقية، لبث الفوضى الفكرية، والاجتماعية، والدينية، - وهو ما يهدف إليه هؤلاء الباطنيون الغلاة -، لا يلتزمون بضوابط التأويل الصحيح، ولا قواعد التفسير، ولا أصول اللغة، ومتى ما حملوا ظواهر الآيات على بواطن لا تدل عليها تلك الظواهر، ولا تفيدها بحقيقتها ولا مجازها أفسحوا بذلك المجال لباطني آخر ليحملها على معان أخرى تناقض ما ذكروه وتهدمه، وبذلك تصبح الآيات التي أنزلت لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، مجالا للعبث والهذيان.

كما أول الغلام القادياني قوله تعالى: (ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد..) (147)
فزعم أنه هو المقصود بهذه الآية، فهو الغلام: أحمد القادياني،والآية بشرت بمجيئه.(148)...؟! والآية لا تدل على ذلك من قريب ولا بعيد، إذ تتحدث سورة الصف من بدايتها عن تسبيح جميع المخلوقات في السموات والأرض لله سبحانه، فجاء ذكر نبينا – عليه الصلاة والسلام – بصيغة أفعل التفضيل):
أحمد(لتبين لنا أنه - عليه الصلاة والسلام - أكثر تسبيحا لله من جميع الخلوقات.. لا كما تبادر إلى ذهن هذا العلج البليد (149).

كما أول قوله تعالى: (له الحمد في الأولى والآخرة.. الآية) (150)
فقال: (أريد في هذه الآية أحمدان المراد في الأولى: رسولنا أحمد المجتبى، والمراد بالآخرة: أحمد الذي يكون في آخر الزمان..
أي: المسيح والمهدي.. أي: أحمد القادياني..) (151)

كما رأى القاديانيون وغيرهم من البهائيين: أن قوله تعالى في وصف نبيه العظيم – صلى الله عليه وسلم –

(وخاتم النبيين) (152) يسد عليهم الطريق في إدعاء النبوة، فأولوا الآية على معنى يخرجهم من هذا المأزق فقالوا:
(إنه خاتم الأنبياء، بمعنى: أنه وحده صاحب الحتم لا غير، وليس لأحد أن يحظى بنعمة الوحي إلا بفيض خاتمه، فلا صاحب للختم الآن إلا هو، وخاتمه وحده يكسب النبوة التي تستلزم أن يكون صاحبها من أمة محمد

- صلى الله عليه وسلم -.) (153)

إن مسألة ختم النبوة والرسالة برسول الله - صلى الله عليه وسلم – معلومة بالضرورة عند المسلمين فهي من الثوابت في عقائد المسلمين، ثابتة بكتاب الله وسنة رسوله، وبإجماع الصحابة وعلماء الأمة منذ مبعث الرسول - صلى الله عليه وسلم -
إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فالشك فيها هو شك بالقرآن، وميل إلى صريح الكفر، وخسران مبين في الدنيا والآخرة.
(154)

وكلمة - خاتم – قرأها (عاصم) بفتح التاء، وقرأها الباقون بكسر التاء (155)، وتعني القراءة الأولى: أنه كالحلقة المحيطة بهم والمهيمن على رسالاتهم، وتعني الثانية:أنه آخرهم..وكلتا القراءتين تكذبان دعوى مدعي النبوة بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.(156)

أما القول بأنه – صلى الله عليه وسلم - زينة الأنبياء وليس بخاتمهم، فقول ساقط، لأنه مخالف لعرف اللغة،
ولجوء صريح إلى التأويل الباطني لنص القراءتين السبعيتين.

يقول محمد الكاظمي القزويني – من علماء الشيعة الإثني عشرية - ردا عليهم:
(على أننا لو سلمنا جدلا صحة ذلك، لكانت على بطلان دعوى التبيان (157) أدل، وذلك لأنه إذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم – زينة الأنبياء، وأنهم يتزينون به كما يقول، لزم أن يكون أفضلهم قطعا، والأفضل لا يصح أن تختم نبوته بمن هو دونه، كما لا يصح التقدم عليه، يقبح ذلك في أوائل العقول، وعليه يجب أن يكون خاتمهم، لأن به كمالهم وتمامهم. وأقول: إذا كان هذا القول صحيحا، وإذا كان الأنبياء سابقين ولاحقين يتزينون برسول الله لأنه أفضلهم، فكيف جاز لهم أن ينسخوا أحكامه، ويبطلوا قرآنه، كما فعل الكذابان: الباب، والبهاء..)(158)

ورغم تعدد القراءات فإن المفسرين (159) لا يرون أن في ذلك تأثيرا على المعنى، وهو انقطاع النبوة بعد محمد

- صلى الله عليه وسلم -. وقد أخبرنا الله سبحانه بكمال الدين فقال:
(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) (160).
فلسنا بحاجة إلى من يستدرك عليه شيئا، أو يزيد أي شيء بعد نعمته سبحانه بإكمال هذا الدين. والمتتبع لأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يرى أنها قد أكدت ختم النبوة وانقطاع الوحي بعده – صلى الله عليه وسلم – بعبارات متنوعة، بحيث لا يبقى مجال للشك أو التردد في كون رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خاتم الأنبياء، لا نبي بعده، ولا شرع بعد شرعه. عن ثوبان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
(إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها.... إلى أن يقول: وأنه سيكون في أمتي كذابون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي) (161).

وأول الغلام القادياني قوله تعالى:
(سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى... الآية) (162)
فقال: (هذه الآية تشتمل على نوعين من المعراج، المعراج المكاني، والمعراج الزماني، وإلا كان المعراج النبوي ناقصا لذلك، فكما أوصل الله رسوله من حيث السير المكاني من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كذلك أوصله في السير الزماني من زمن شوكة الإسلام الذي كان في عهد الرسول الكريم إلى المسيح الموعود – يعني نفسه -، والذي هو عهد انتشار البركان الإسلامي، وأطلعه على كلا العهدين زمانا ومكانا، لذلك فإن سيره الكشفي الشامل، شاهد أن نهاية عهده المبارك هو الذي كان عبر عنه بالمسجد الأقصى، وهو مسجد المسيح الموعود – يعني نفسه – في القاديان، وأوحى إليه بشأنه..) (163)

ثم قال: (إن المقصود بالمسجد الأقصى هو المسجد الواقع في الجانب الشرقي من القاديان..) (164)

بينما تقول البهائية أن المسجد الأقصى في مدينة عكا بفلسطين المحتلة، وهو المكان الذي بارك الله فيه. (165)

بينما قال القاضي النعمان الإسماعيلي في تأويل الآية السابقة:
(أسرى: أي سار به ليلا، والليل في التأويل مثل الستر والكتمان، يعني: أنه رقاه وسيره في علم الباطن...... إلى أن يقول: ولذلك جاء في الخبر ؟! أنه أسري به إلى بيت المقدس، ومعنى ذلك: أنه رقي في العلم..) (166)
وبهذا التأويل ألغى القاضي الإسماعيلي معجزة الإسراء والمعراج لنبينا – عليه الصلاة والسلام – التي أثبتتها الآية الكريمة السابقة.

بينما أولها المفسر الإسماعيلي – ضياء الدين إسماعيل –
بقوله: (فسبحان: من السبحان، وهو استخراج الخبيء يعني أن المسري هو المقام العمراني (167)..
إلى أن يقول: والإسراء: هو ارتقاء الناطق (168) لكفالة العين (أي: علي)
وتسلمه لتلك الصور الايمانية المستودعة لديه، في ذلك الوقت والحين، وذلك على سطح الفلك الأطلس، المسجد الأقصى في بعض المعاني، وهو الأفق الأعلى لدى الدائرة العاشرية المحفوفة بالنور الشعشعاني،
والمسجد الحرام: هو القلب في السر الرباني الذي التأمت فيه ريحيات تلك الصور في تلك اللحظة بلا تواني..

(الذي باركنا حوله): يعني: ببروز الفاطر (أي فاطمة، ويلقبونها بالفاطر) منه، التي اجتمعت بها الأنساب والأسباب.
(وآتينا موسى) يعني الميم (وهو رمز لمحمد – صلى الله عليه وسلم – (الكتاب):
يعني الهيكل..؟ (وجعلناه هدى لبني إسرائيل): يعني أهل الدعوة الهادية
(يقصد الإسماعيليين) يهديهم إلى الهيكل في كل دور...)
(169)

بينما أولت طائفة الشيخية (170): قوله تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا... الآية) (171)
وقوله سبحانه: (ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى) (172) بما يتفق وعقيدتهم في المعراج النبوي (173)

وبالطبع فهذه التأويلات فاسدة، لأنها مخالفة لمنطق اللغة، وضوابط التفسير، التي أجمع عليها ثقات المفسرين، ولا يوافق عليها النقل الصحيح، فهؤلاء الباطنيون اعتقدوا بمذاهب وأفكار معينة في أذهانهم، وأرادوا إخضاع آيات القرآن لها، بتحريف ألفاظه عن مظانها اللغوية، والخروج على قواعد تفسيره، فهذا تحريف لا تأويل، وتلاعب بمعاني آيات القرآن، وإخراج لها عن مقاصدها الحقيقية، وهو ما يهدف إليه هؤلاء الباطنيون الغلاة.

وللقاديانيين عدة ترجمات للقرآن الكريم مليئة بالتأويلات المنحرفة الفاسدة، أشارت إلى بعضها الدكتورة عفاف علي شكري في بحثها (حول ترجمة معاني القرآن الكريم) فلا داعي لذكرها خشية الإطالة. (174)

لقد عاش الغلام القادياني وخلفاؤه وأتباعه من بعده يتاجرون بالأباطيل، والتأويلات الفاسدة، وكل امرئ لا يعصمه دين قويم، ولا خلق شريف، ولا عقل صحيح، يستطيع أن يدعي ما يشاء. وما في القاديانية إلا أمشاج كفر..أو خليط منه.. ولكنه الخليط الذي لا ينتج إلا ما تعافه النفس السوية، لذا فزع علماء المسلمين لفتنة القاديانية في أوطانهم، وتصدوا لترهاتها بأقلامهم وألسنتهم، فأصدرت محكمة بهولبور عام 1935م - بعد مناقشة دامت عامين اشترك فيها بعض علماء أهل السنة وبعض زعماء القاديانية - حكمها بكفر القاديانية وعدم حل زواج المسلمة بقادياني.
وفي عامي 1939م، و 1940م بعث القاديانيون طالبين للأزهر الشريف، والتحقا بكلية أصول الدين، فلما علم بهما شيخ الأزهر آنذاك، شكل لجنة للتحقيق معهما، والتحقق من مذهبهما، وكانت هذه اللجنة برئاسة الشيخ: عبد الله اللبان - عميد كلية أصول الدين،
وكتبت اللجنة في قراراتها: أن القاديانيين كفار.. وفصل الطالبان من الكلية، واعتبرا ملحدين، ومن هنا استن مبدأ استبعاد القاديانيين من الدراسة بالأزهر الشريف.(175)...........وأخيرا لا آخرا أصدر مفتي محافظة نابلس الشيخ أحمد شوباش فتوى تحكم بكفر كل من يتبنى عقائد الجماعة الأحمدية وذلك بناء على استفتاء من رواد احد المساجد بتاريخ18 جمادى الآخرة الموافق 14-7-2005. وقد وصف الشيخ شوباش فرقة القاديانية أو الأحمدية بأنها فرقة ضالة غير إسلامية وتتبنى عقائد فاسدة.(176) ولا تلقى أمثال هذه الدعوات أنصارا لها، إلا بين ذوي الأمزجة المنحرفة الموتورة،والأهداف الساقطة، ولكن أبناء المجتمعات العربية والإسلامية - رغم الكيد المسعور الذي يوجه إليهم، ورغم المؤامرات التي تحاك ضدهم -فإنهم يحملون بين حناياهم عقيدة طاهرة، تحميهم من السقوط في حبائل هؤلاء المفسدين، الذين استهواهم الشيطان، ورفض كل دعوة تخرج على ثوابت دينهم بل تجعلهم كالبنيان المرصوص في وجه أدعياء النبوة، وسدنة الباطل.

الخاتمة

على ضوء من الدراسة السابقة، أود أن أسجل بعض أهم النتائج التي توصلت إليها، وتتلخص فيما يلي:
- 1 لا تختلف طائفة القاديانية عن غيرها من فرق الباطنية الغلاة التي أرادت الكيد لهذا الدين، والتشويش على عقائد المسلمين.
2- بينت الدراسة عن أن التأويل مر بمراحل ثلاث: ففي المرحلة الأولى: دار فيها مع التفسير كشفا وفهما لمعاني النص الديني. ولم يجد العرب المسلمون صعوبة في معرفة وفهم آي القرآن، فأسلوب القرآن جار على أساليبهم المستعملة، إلى جانب معايشتهم للنصوص، ومعرفة أسباب نزولها، كل ذلك سهل عليهم إدراك مضامين النص، ومعرفة إيحاءاته. وفي مرحلة تالية: أصبح التأويل مصطلحا مستقلا، له أهميته وخطره، وهو صرف اللفظ عن ظاهر معناه إلى معنى يحتمله بدليل. وفي مرحلة ثالثة: استغله الباطنيون الغلاة، فأصبح التأويل عندهم هو: صرف اللفظ عن ظاهر معناه إلى معنى قرروه في أذهانهم.
- 3 وضحت من خلال بعض الأمثلة أن لا ضوابط للغلاة في تأويلاتهم، فقد نجد الواحد منهم يؤول الشيء الواحد تأويلين متناقضين، كما أنهم من النادر أن يتفقوا في تأويلاتهم للشيء الواحد، مما يدل على أن كل واحد يؤول بما شاء له الهوى، وحسب انحراف مزاجه أو اعتداله. لذا وضع علماء الإسلام ضوابط للتأويل المقبول، كي لا تتخذ المذاهب الضالة والتيارات الهدامة من التأويل سندا ووسيلة لخدمة أغراضها.
4 - التأكيد على ضرورة معرفة الدارسين للعلوم الشرعية للتأويلات الباطنية الفاسدة، لإدراك ما حرفه أرباب المذاهب ودسوه في كتب التفسير، من معاني خرجوا بها عن قواعد اللغة، وأصول الشريعة ومقاصدها.
- 5 إن ثبات الإسلام بشموخ أمام كل حركات الهدم والفتنة، يزيدنا يقينا بقوة الإسلام الذاتية على تجاوز المحن والمصاعب، ولكن مع ذلك، فعلى المسلمين أن يبذلوا قصارى جهودهم في الاستمساك بعروة الإسلام الوثقى، واستيعاب ثقافة العصر، ورصد تحركات أعداء الإسلام، ومواجهة كل ذلك بثبات ويقين.. والعاقبة للمتقين.
كتبت : || (أفنان) l|
-
طائفة القاديانية وتأويلاتها الباطنية لآيات القرآن الكريم


تمهيد

عندما يكون هناك فراغ فكري في أمة ما، فإن هذه الأمة تكون نهبا للتيارات الوافدة عليها من كل حدب وصوب والأمة الإسلامية – بفعل عوامل عديدة لا مجال لبسطها في هذا البحث -، عاشت حالة من الفراغ الفكري،
سببه الرئيس: الجهل بحقائق الإسلام، مما مكن لكثير من الفلسفات المادية، والمذاهب الباطنية،والفكرية، والاجتماعية، والاقتصادية الهدامة، أن تجد لها مكانا في عقول بعض المسلمين، وفي ديارهم. وكانت طائفة القاديانية من أبرز هذه الطوائف الخطيرة التي وجدت لها مكانا في ديار المسلمين، ولم تأت بجديد، إنما نبشت ما قبرته الأيام من ضلالات الإسماعيلية وغيرها من الفرق والطوائف الباطنية الغالية، وجعلت منها أفكارا لها، وخطر هذه الطائفة أشد من خطر غيرها، لا لأن لأقوالها وتأويلاتها، قيمة علمية أو فكرية، بل لأنها تتخذ من الإسلام ستارا لتنفث سمومها، فحفزني ذلك على الكتابة في هذا الموضوع لعل ذلك ينبه الغافلين، أو المتغافلين عنها وعن أمثالها، فكانت هذه الدراسة.


وقد جعلتها في تمهيد، وثلاثة فصول، وخاتمة، على النحو التالي:
تحدثت في الفصل الأول: عن نشأة القاديانية، ومراحل تطورها، وذكرت شذرات من عقائدها، وشرائعها. وضمنته أربعة مباحث على النحو التالي:

تحدثت في المبحث الأول: نشأة طائفة القاديانية.

وتحدثت في الثاني: عن القاديانية في عهد مؤسسها.

وتحدثت في الثالث: عن القاديانية بعد غلام أحمد القادياني.

وذكرت في المبحث الرابع: شذرات من عقائد القاديانية وشرائعها.

وتحدثت في الفصل الثاني: عن معنى التأويل، وشروط التأويل الصحيح المقبول، وسمات التأويل الباطني الفاسد، وضمنته ثلاثة مباحث على النحو التالي:

بينت في المبحث الأول: معنى التأويل في اللغة، وفي الاصطلاح.

وبينت في المبحث الثاني: شروط التأويل الصحيح المقبول، وسمات التأويل الباطني الفاسد المردود

وبينت في المبحث الثالث: جذور التأويلات الباطنية.

وفي الفصل الثالث: ذكرت نماذج لتأويلات طائفة القاديانية، وبينت بطلانها.
وبينت في الخاتمة أهم ما توصلت إليه الدراسة من نتائج. والله ولي التوفيق.

الفصل الأول
طائفة القاديانية.. نشأتها.. عقائدها.
المبحث الأول: نشأة طائفة القاديانية:

تنتسب القاديانية للميرزا غلام أحمد القادياني، المولود في قاديان في الثالث عشر من شباط عام 1835م(1)، وكانت أسرته على جانب كبير من الغنى، إذ كان جده صاحب قرى وأملاك، وصاحب إمارة في البنجاب، خسرها جده (الميرزا عطا محمد) في حرب دارت بينه وبين (السيخ) الذين دمروا أملاكه وطردوه وأسرته من بلدهم (قاديان)،
ثم أذن لهم الإنجليز بالرجوع إليها عام 1818م، لقاء خدمات عسكرية قدمها لهم والده، وأعادوا إليهم بعض هذه القرى(2).
ويذكر الميرزا غلام أحمد ذلك فيقول: (ففي تلك الأيام صُبّت على أبي المصائب ونُهبت أموالهم من أيدي الكفرة...
إلى أن يقول: ثم ردّ الله إلى أبي بعض القرى في عهد الدولة البريطانية).(3)

وكان الإنجليز يطمعون في تكوين إمبراطورية لهم لتشغل الفراغ الممتد فيهما بين مصر والهند،كما كانوا يريدون استقرار وضعهم في الهند-درة التاج البريطاني-، وهذه المناطق يشغلها المسلمون، وعداوة المسلمين لهم: تاريخية... جغرافية... نفسية...، وتلك أصعب العداوات وأعمقها وأعصاها على التوفيق والنسيان......فقد جاء أسلافهم الصليبيون إلى هذه الديار..... واستولوا على بلاد الشام.... وهزموا المسلمين شر هزيمة... وارتكبوا أبشع المجازر....وكانوا أول من ابتدع إجلاء المسلمين عن ديارهم، وساروا على ذلك أيضاً في جميع حروبهم مع المسلمين، وكانوا يظنون أن الأمر قد استتب لهم وأنه لن تقوم للمسلمين قائمة... ولكن المسلمين ظلوا مصممين على إخراجهم من ديارهم.... فدينهم يفرض عليهم ذلك... وبالرغم من مكوثهم مدة تقارب القرنين من الزمان أقاموا خلالها ممالك وإمارات في بلاد الشام... إلا أن المسلمين استطاعوا في النهاية أن يتغلبوا عليهم ويطردوهم من ديارهم شر طردة... وقد بحثوا عن السر في ذلك فوجدوه في الإسلام... وأن عقيدته هي منشأ هذه القوة العظيمة في المسلمين.....ولو كان المسلمون قوة سياسية ليس إلا....لهان خطبهم على الاستعمار بجميع أنواعه.... ولكنهم قوة روحية... تندفع كالسيل إذا اندفعت... وتستقر كالصخر إذا سكنت..
وتفارقها قدرتها على الغلبة والسيادة حيناً...ولكن لا تفارقها قدرتها على الصمود والثبات...لذلك لا بد من تفتيت هذه القوة....وهذا ما أجمعت عليه القوى الاستعمارية.

والسبب الذي جعل المستعمرين الانجليز يفكرون في إيجاد القاديانية، والروس في إيجاد البابية، ثم البهائية، يتلخص في أن الاستعمار البريطاني عندما بدأ يركز احتلاله المستبد في شبه القارة الهندية، والتي استظلت براية الحكم الإسلامي بضعة قرون، جوبه بمعارضة عنيفة من حركات الجهاد الإنجليز استطاعوا أن يقضوا عليها وعلى الثائرين بكل عنف وقسوة، وتمكن المستعمر من تثبيت أقدامه، وأقام نظاماً لحكم البلاد يعتمد على مئات من الخبراء يؤازرهم جيش صغير، وعلى اصطفاء عناصر تدين لهم بالولاء السياسي والفكري، وجعل المستعمر نصب عينه هدف القضاء على كل أثارة من حمية الجهاد في قلوب المسلمين، فاستقدموا طوائف المبشرين وملأوا بهم أرجاء الهند، يسرقون عقائد الناس ويزلزلون نفوسهم بالشكوك والريب، وكانت معارك حامية تلظى المسلمون بنارها في المجال الفكري، وكان رد المسلمين على ذلك أن أصبحت نغمة الجهاد ضد الإنجليز على كل لسان، وشغل كل عالم، وأصبحت المنشورات تكتب وتوزع، والعلماء من الناس وغيرهم يطوفون المدن والقرى لهذا الغرض..
وهكذا أصبحت عقيدة الجهاد عقبة كأداء في وجه المطامع الاستعمارية في الهند وغيرها من بلدان العالم الإسلامي.

وكانت روسيا قد فعلت نفس الشيء في فارس... إذ بدأ التدخل الروسي في الهضبة الإيرانية في عهد بطرس الأكبر، وكانت بلاد فارس آنذاك تكابد فتناً وانقسامات داخلية، ومطامع الروس في إيران وغيرها بدأت منذ عهد (بطرس الأكبر)، الذي طمع بعد مقتل (نادر شاه) في وراثة إمبراطوريتة إلا أنه أخفق في ذلك، لكنه لم ينس قبل موته أن يضع لمن بعده خطة استعمارية ليسيروا عليها، فقد أوصى خلفاءه أن يتقدموا بحدودهم ما استطاعوا إلى القسطنطينية من جهة، وإلى الهند من جهة أخرى، وأن يقيموا لهم قواعد برية وبحرية على البحر الأسود، وأن يسرعوا إذا دبّ الانحلال في جسم بلاد فارس بالتوغل فيها حتى يصلوا إلى الخليج العربي، إلى المياه الدافئة.....
والذي دفع المستعمرين لإيجاد هذه الفرق البابية والبهائية والقاديانية , يقينهم التام بأنهم لن يستطيعوا حكم بلاد يؤمن أهلها بالجهاد، ويعتبرونه ركنا سادساً من أركان الإسلام, ففكروا بصورة جدية في رسم المخططات للقضاء على هذه العقيدة، من خلال رجال ربوهم على أعينهم، وأرضعوهم لبان حبهم، فكانوا عند حسن ظن سادتهم بهم..
فها هو الغلام القادياني يقول في كتابه ترياق القلوب ما نصه:
(لقد قضيت معظم عمري في تأييد الحكومة الإنجليزية ونصرتها, وقد ألفت في منع الجهاد ووجوب طاعة أولي الأمر الإنجليز من الكتب والإعلانات والنشرات ما لو جمع بعضها
إلى بعض لملأ خمسين خزانة, وقد نشرت معظم هذه الكتب في البلاد العربية: مصر والشام وتركيا، وكان هدفي هو أن يصبح المسلمون مخلصين لهذه الحكومة)(4).
وقال في رسالة أخرى:
(لقد ظللت منذ حداثة سني وقد ناهزت الآن على الستين أجاهد بلساني وقلمي، لأصرف قلوب المسلمين إلى الإخلاص للحكومة الإنجليزية،
والنصح لها، والعطف عليها، وأُلغي فكرة الجهاد التي يدين بها بعض جهالهم،والتي تمنعهم من الإخلاص لهذه الحكومة)(5)

كذلك فعل الباب والبهاء من بعده إذ قال البهاء (حسين علي المازنداني) زعيم البهائية ما نصه:"البشارة الأولى التي منحت في هذا الظهور الأعظم لجميع أهل العلم محو حكم الجهاد من الكتاب "(6).

ثم تلقف اليهود كلتا الحركتين: القاديانية والبهائية، منذ أن نشطوا لتأسيس وطن قومي لهم في فلسطين منذ القرن التاسع عشر تقريباً، فاحتضنوا أمثال هذه الحركات: البابية، والبهائية، والقاديانية، لتدعوا إلى إبطال ونسخ الجهاد عند المسلمين، وبلبلة عقائدهم، فشجّعوا البهائية واحتضنوا طاغيتها عباس عبد البهاء، وجعلوا مدينة عكا في فلسطين المحتلة كعبة للبهائيين المبثوثين في بقاع شتى، وربطوهم بفلسطين المحتلة روحيا... بيد أن اليهود لم يكتفوا بالبهائية فلا بد من استقدام القاديانية إلى فلسطين كي تشارك في صُنع الشتات العربي الإسلامي، وتمهد للوجود اليهودي, فقدم الخليفة الأحمدي الثاني بشير الدين محمود احمد ابن مؤسس الجماعة عام 1924م إلى فلسطين عن طريق حيفا، وحضر معه المبشر الأحمدي جلال الدين شمس، وفي مدينة حيفا بشّر بدعوة المهدي زمناً، حتى تسنى له الاتصال بأهل الكبابير على قمة جبل الكر مل، فأسس مركزا للجماعة،
وأقام مركزاً تبشيرياً عام 1929م، و عاد جلال الدين شمس الى قاديان عام 1931م، وقد تبع ذلك بناء أول مسجد للجماعة هناك سنة 1934،
ثم أضيف إليه (دار التبليغ)،
بعدها وصل الى فلسطين أبو العطاء الجلندهري حيث مكث حتى العام 1936في الكبابير، وهو الذي أكمل بناء مسجد –سيدنا محمود- فيها وأسس مجلة

(البشارة) التي تحولت إلى (البشرى) الحالية، وهي المجلة الأحمدية القاديانية الوحيدة في الديار العربية،والتي لا تزال تصدر في فلسطين المحتلة إلى وقتنا الحاضر،.
ثم أعادوا بناء المسجد الذي يعرف بمسجد-سيدنا محمود- عام1979م، وتضم قرية الكبابير قرابة ال3000 نسمة معظم سكانها من أتباع الأحمدية.

ولم يكن هؤلاء فقط هم الذين حاولوا نشر مبادىء الجماعة بين العرب فهناك محمد سليم الهندي الذي خدم الجماعة في فلسطين من العام 1936 حتى 1938وتراس تحرير مجلة البشرى ثم شودري محمد شريف والذي بقي زهاء 18 عاما في البلاد العربية، كذلك جلال الدين قمر الذي حضر للبلاد العربية عام 1954 وعمل رئيسا لتحرير البشرى ومديرا للمدرسة الأحمدية في حيفا وفضل الهي بشير الذي حضر أواخر السبعينات للمنطقة وألف كتبا بالعربية تطرق فيها الى المسائل الخلافية وغلام احمد الذي وصل الى عدن وأسس بها الجماعة الأحمدية عام 1949 وغيرهم.
مما يبين بجلاء اهتمام الجماعة الأحمدية بالانتشار في العالم العربي والانطلاق نحو هذا العالم عبر فلسطين ورغم تمحورها في الكبابير بحيفا في فلسطين إلا أن هناك انتشارا محدودا لها في الضفة وغزة، لكن هل ستمنع فتوى الشيخ شوبا ش الأحمدية من الانتشار في فلسطين ؟ أم ستكون فلسطين جسرا لعبور الأحمدية الى العالم العربي؟ هذا في علم الغيب وسيجيب عليه الزمن والتاريخ.(7).

المبحث الثاني: القاديانيّة في عهد مؤسسها

يكاد يُجمع الذين كتبوا في القاديانيّة، وتاريخها وتطورها، أنّ دعوة الميرزا غلام أحمد قد مرّت بمراحل ثلاث هي:
المرحلة الأولى: مرحلة الدعوة إلى الإسلام وجدال الخصوم ودعوى التجديد:
وقد استمرّت هذه المرحلة بين عام 1879م وعام 1891م (8)، و "في هذه المرحلة ادّعى الميرزا أنّه مُصلح و مجدّد …وأنّه مأمور من الله لإصلاح العالم،و الدعوة إلى الإسلام. وكان نشاطه في هذه المرحلة يأخذ أشكالاً ثلاثة هي: المناظرة، وتجميع الأتباع، والكتابة (9).

المرحلة الثانية: مرحلة ادعاء أنه المسيح الموعود:
وقدْ ابتدأت هذه المرحلة سنة 1891م، "حيث أعلن أنه المسيح الموعود الذي ذكره القرآن الكريم ونصت عليه أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأنّه المصلح الذي تنتظره جميع الأقوام والأمم منذ ثلاثة عشر قرناً"(10)، ويقسم الميرزا نفسه على هذه الدعوى بقوله "والله أني أنا المسيح الموعود وأعطاني ربي سلطاناً مبيناً"(11).

المرحلة الثالثة: ادعاء النبوة:
ربما تكون هذه المرحلة هي التي أدّت إلى ظهور القاديانيّة وانتشار أمرها، و ثمّة اتجاهٍ آخر ينفي أنّ يكون الميرزا قد ادّعى النبوة، ولكن عند مناقشة أقوال أصحاب هذا الاتجاه لا نجد فيه ما يقوى على نفي نسبة دعوى النبوّة إلى الميرزا، و هناك اتجاه ثالث يثبت أصحابه نسبة دعوى النبوّة إلى الميرزا، ولكنّهم يدافعون عن فكرته ويوضحونها بما يشعر أنها منسجمة مع ثوابت العقيدة الإسلامية.

المبحث الثالث: القاديانية بعد غلام أحمد القادياني:
توفي الغلام القادياني في السادس والعشرين من شهر مايو سنه 1908م، فخلفه الحكيم نور الدين، وهو الذي اقترح على الغلام القادياني الادعاء بأنه المسيح الموعود الذي أخبرت عنه الأحاديث النبوية بنزوله آخر الزمان وبويع بالخلافة بعد وفاه الغلام أحمد القادياني..ولقب بالخليفة الأول.
واستمر بالخلافة إلى أن توفي في 13مارس 1914م،ليخلفه (بشير الدين محمود) ابن مؤسس الأحمدية، وبقي في منصبه حتى وفاته عام 1965، ثم خلفه (الميرزا ناصر أحمد)المتوفى عام 1982، ثم تلاه (الميرزا طاهر أحمد)، الذي توفي قبل أقل من عامين، حيث انتخبت الجماعة: (مسرور أحمد) المقيم في لندن زعيما لها ولا يزال.
وقد انقسمت القاديانيّة بعد وفاة الحكيم نور الدين سنة 1913م إلى شعبتين، أو فرعين:

الأولى: تسمى: الجماعة اللاهورية، وهي بزعامة محمد علي اللاهوري..

والثانية: تسمى: الجماعة القاديانيّة، وهي بزعامة الميرزا بشير الدين محمود. (12).

الشعبة الأولى: جماعة محمد علي اللاهوري:

يذكر أصحاب هذه الشعبة سبب الانقسامَ بقولهم "وفي أثر وفاته (يعني نور الدين) نتجت خلافات في العقائد أثارها (الميرزا بشير الدين) نجل الميرزا غلام أحمد المؤسس، بادّعائه أنّ والده نبيّ، فانبنى على هذا الخلاف أنْ انقسمت الجماعة إلى قسمين، سُميّت أوّلهما الجماعة القاديانيّة، ومركزها في قاديان، والأخرى الجماعة الأحمديّة بلاهور، عاصمة بنجاب الهندية، وتولّى رئاستها مولانا محمد علي"(13)، و من أهم معتقدات هذا الفرع: أنّهم لا ينكرون الإلهامات الإلهيّة للميرزا غلام أحمد، ويذكرون أنّ ما أُثر عنه صراحة في دعواها، إنّما هيَ تعبيرات مجازية، ومع ذلك يطلقون عليه ألقاب: مجدد القرن الرابع عشر الهجري، والمسيح الموعود (14).

الشعبة الثانية: جماعة الميرزا بشير الدين محمود: و أصحاب هذه الشعبة يتشبثون بقوّة وصراحة بعقيدة نبوّة الميرزا غلام أحمد، و يدافعون عن هذه العقيدة بحماسة،
وبلا مواربة ولا تأويل.

وكلتا الشعبتين تتسميان بالأحمديّة، إلا أنّ أصحاب إحدى هاتين الشعبتين انتسبوا إلى اسم مؤسس الجماعة، فتسمّوا بالأحمدية، والآخرون انتسبوا إلى بلده،
فتسموا بالقاديانيّة، "وكلتاهما تعتبران إلهام ووحي الميرزا – المدّعى به- حجّةً شرعيّة يجب إتباعها، ويصدّقون بكل ما جاء به الميرزا من هذا القبيل.
وكذلك فإنّ الجماعة اللاهورية وإنْ كانت تُصرّح بأنّها لا ترى الميرزا نبيّاً بل مجدداً، إلا أنّها تعني من لفظ (المجدد) عين ما تقصد به جماعة بشير الدين محمود من لفظ (النبي) (15).

المبحث الرابع: شذرات من عقائد القاديانية، وشرائعها
لست بصدد ذكر كل مفتريات الغلام القادياني.. فذلك يحتاج إلى كتاب مستقل، لكني سأذكر منها ما يكفي لوضع النقاط على الحروف لبيان حقيقتها، وقد نشر الأستاذ الفاضل أبو المكارم محمد عبد السلام المدرس بالكلية العربية في بلدة كرنول في أعمال مِدارس بالهند نتفاً من عقائد هذه الطائفة ومفترياتها
في مجلة (الصراط المستقيم الغراء الصادرة بتاريخ 21 شوال 1351ه)
- مستلّة من كتب الغلام القادياني - جاء فيها:

عقيدته في الله تعالى:
(إن الله ذو طول وعرض وله أرجل وأيد ولا تحُصى وأيضاً له أعصاب وأوتار كالسلك البرقي ممتد في الجهات) (16)
و(إن الله بعد أن كشف لي الغطاء كان يمازحني مراراً) (17)

عقيدتة في الأنبياء عامة:
(أعطي كل الأنبياء حياة بمجيئي،وكل واحد من الرسل مستور تحت قميصي) (18)

عقيدته في القرآن الكريم:
(القرآن كلمات الله وكلمات لساني) (19).

عقيدته في الأحاديث النبوية:
(الأحاديث التي تخالف إلهامي تستحق أن نلقيها مع الأوراق الرديئة في سلة المهملات) (20).

عقيدته في الملائكة:
(لا تتنزّل الملائكة ولا ملك الموت إلى الأرض أبداً، وما الملائكة إلا اسم لحرارة الروح) (21). عقيدته في القيامة: (القيامة ليست آتية و التقدير ليس بشيء) (22).

عقيدته في الحج:
(بعد ظهوري تحوّل مقام الحج إلى قاديان) (23).

عقائده في عيسى وأمه عليهما السلام:
(كان يشرب الخمر وكان عدو الصدق متكبراً أكّالاً يدعي الألوهية مجتنباً العبادة و الزهد غاية الاجتناب) (24).
وقال: (كانت ثلاث من جداته لأبية –كذا –وثلاث من جداته لأمه بغايا وزانيات...؟!) (25)

الفصل الثاني

معنى التأويل، وأنواعه، وشروط التأويل المقبول، وسمات التأويل الباطني المردود

المبحث الأول: معنى التأويل في اللغة، ونصوص الشرع، وفي الاصطلاح.

المطلب الأول: معنى التأويل في اللغة: - تدور مادة التأويل في اللغة على عدة معان، منها:

1- الرجوع، والمآل، والعاقبة، والمصير: قال ابن الأعرابي (ت230 ه):

(الأول: هو الرجوع.) (26).

وقال ابن منظور (ت711ه):(الأول: الرجوع. وآل الشيء يؤول أولا ومآلا: رجع.)(27)

2- التفسير، والتدبر، والبيان: قال ابن جرير الطبري (ت310ه):
(وأما معنى (التأويل في كلام العرب فإنه: التفسير والمرجع والمصير.) (28).
وسئل أبو العباس ثعلب، أحمد بن يحيى (ت 291ه) عن التأويل، فقال:(التأويل والتفسير بمعنى واحد.)(29)

وقال ابن فارس: (ت 395ه): (معاني ألفاظ العبارات التي يعبر بها عن الأشياء مرجعها إلى ثلاثة،
وهي: المعنى، والتفسير، والتأويل، وهي وإن اختلفت، فإن المقاصد بها متقاربة.) (30)
ومما سلف يمكننا اختصار معاني التأويل في اللغة في معنيين هما: المرجع والعاقبة،والتفسير والبيان.

المطلب الثاني: الاستعمال القرآني لكلمة التأويل:
وردت كلمة (تأويل) سبع عشرة مرة في عدة سور قرآنية كريمة، وسألتزم في ذكرها حسب ترتيب السور في القرآن الكريم..
كما يلي:
أ – قال تعالى في سورة آل عمران:
(هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب.) (31)
(ففي هذه الآية ذكر سبحانه المتشابه في مقابلة المحكم، وجعل ابتغاءهم الفتنة والتأويل خاصا بالمتشابه (32) دون المحكم (33)... وعلى هذا يمكننا أن نفهم أن المراد من المحكم من الآيات هو: ما لا يمكن التلاعب بفهمه على غير ما يراد منه، لأن معناه لا يحتمل التوجيه حسب الأهواء.
وذلك كقوله تعالى:(وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد) (34).
كما يمكننا أن نفهم أن المراد بالمتشابه من الآيات، هو: ما له أفراد من المعاني يشبه بعضها بعضا، ويحتملها ظاهره، وذلك هو الذي يجعلهم يتوجهون إليه ليؤولوه ابتغاء الإفساد لعقائد الناس، وهذا كقوله تعالى:
(وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه..الآية)(35)، فأهل الزيغ يأخذونه على ظاهره دون الرجوع إلى الأصول المحكمة في القرآن التي تبين حقيقة المراد منه..ويرجعونه إلى المعنى الذي ينطبق على أهوائهم وتقاليدهم، ويزعمون أنه حقيقته،
ويقولون: الله روح، والمسيح روح منه، فهو من جنسه، وجنسه لا يتبعض،فهو هو،
أي: فعيسى هو الله،ولا يرجعون إلى الأصل المحكم الذي يبطل مثل هذا التأويل، وهو قوله تعالى:(لم يلد ولم يولد) (36).
وأهل الحق يرجعونه إلى المعنى الذي يتفق مع المحكمات من الكتاب، لأنها الأصل الذي يرجع إليه عند الاشتباه،
كما قال تعالى: (هن أم الكتاب) ولا يأخذون في الآية بمعنى إلا إذا قام عليه الدليل الصحيح.)(37)
ب – قال تعالى في سورة النساء: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) (38).

قال ابن جرير الطبري: (أحسن تأويلا، أي: جزاء. وقال قتادة:أحسن ثوابا، وخير عاقبة) (39)
فالتأويل هنا: بمعنى الإرجاع إلى ما يحفظ عليهم الوفاق، ولا يحتمل أن يكون المراد به هنا التفسير، أو صرف الكلام عن ظاهره.
(40)
ت – قال تعالى في سورة الأعراف:
(هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق.. الآية) (41)
ويراد بالتأويل هنا: الحوادث التي تقع مطابقة لما أخبر به الكتاب،
أي: هل ينتظرون إلا تحقق ما أخبر به القرآن من بعث وحساب، وثواب وعقاب في الآخرة..؟
وفي هذا اليوم يتحقق ما أخبر به.. والتأويل هنا كذلك لا يحتمل أن يراد به التفسير، أو صرف الكلام عن ظاهره. (42).

ث - قال تعالى في سورة يونس:
(بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كانت عاقبة الظالمين.) (43)
فالمراد بالتأويل هنا: وقوع ما أخبر به القرآن، أي وقوع الحوادث التي يدل تحققها على صدقه - صلى الله عليه وسلم -،ولا يراد به التفسير،أو صرف الكلام عن ظاهره كذلك. (44).

ج – ووردت كلمة التأويل في ثمانية مواضع من سورة يوسف - عليه السلام –
وهي الآيات:(6، 21، 36، 37، 44، 45، 100،101).
والتأويل في الآيات السابقة كلها يقصد به تعبير الرؤيا أي: ما تؤول إليه، من الحوادث الواقعية التي كان يمثلها ما رئي في تلك الرؤى المنامية (45)
ح – قال تعالى في سورة الإسراء: (وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا.) (46)،
قال الطبري: (فسر مجاهد، وقتادة، كلمة التأويل هنا: بالمآل، والمرجع،والعاقبة، والثواب). (47)
أي: أحسن عاقبة ومآلا.

خ – ووردت كلمة التأويل في آيتين من سورة الكهف، وهما: قوله تعالى: (ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا) (48)،
وقوله: (ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا.)(49)
والمراد بالتأويل هنا - وهو ضرب من تأويل الأفعال لا الأقوال -
هو: (إرجاع الأفعال التي فعلها العبد الصالح وأنكرها موسى – عليه السلام -،من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار، إلى ما تؤول إليه من الخير في المستقبل، وهو دفع ظلم الملك لأصحاب السفينة، وإفساد الغلام لأبويه، وحفظ الكنز لأصحاب الجدار.) (50)
المطلب الثالث: كلمة التأويل في أحاديث الرسول – صلى الله عليه وسلم -
وردت كلمة التأويل في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
بمعنى: تعبير الرؤيا والمآل الذي تؤول إليه، وبمعنى التفسير، وبمعنى العاقبة والمصير.
أ - فمن الأحاديث التي وردت فيها كلمة التأويل بمعنى الرؤيا:
عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
قال: (بينما أنا نائم إذ رأيت قدحا أتيت به فيه لبن، فشربت منه، حتى إني لأرى الري يجري في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب) قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله..؟ قال: (العلم). (51)
فالتأويل الواقعي لشربه – عليه السلام – اللبن في الرؤيا، وارتواؤه منه، هو: تمكنه من العلم، ورسوخه فيه.
وتأويل إعطائه ما تبقى منه لعمر – رضي الله عنه – هو: تمكن عمر من العلم، ورسوخه فيه كذلك.
ب - ومن الأحاديث التي وردت فيها كلمة التأويل بمعنى التفسير والبيان: دعاء الرسول – صلى الله عليه وسلم - لابن عباس بتعلم التأويل، وقد ورد هذا الدعاء في روايات عديدة، بينها تفاوت في ألفاظها.
ففي البخاري: أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – ضم ابن عباس إلى صدره وقال: اللهم علمه الكتاب)(52)
وفي رواية أخرى: (اللهم علمه الحكمة.) (53) وفي رواية مسلم: (اللهم علمه الحكمة.) (54).
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما – قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وضع يده على كتفي،
أو منكبي، ثم قال: (اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل) (55)
والمراد بالتأويل هنا:
التفسير والبيان، ولا يجوز القول بأنه يعلم حقائق تأويل القرآن الخارجية،لأن ذلك من الغيوب التي استأثر الله بعلمها.
ت – ومن الأحاديث التي وردت فيها كلمة التأويل بمعنى: المرجع، والعاقبة، والمصير: ما رواه سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه – عن النبي - صلى الله عليه وسلم –
أنه سئل عن معنى قوله تعالى:
((قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس يعض أنظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون) (56)
فقال: إنها كائنة ولم يأت تأويلها بعد) (57)
أي: لم يحدث مدلولها العملي، والواقعي، الذي هو عين تأويلها، والذي هو مصير المخاطبين، وعاقبة أمرهم.

المطلب الرابع: التأويل في عهدي الصحابة والتابعين:
لم يكن التأويل وقفا على عصر دون عصر، فقد وجد منذ عصر الصحابة - رضوان الله عليهم - وكان ذائعا شائعا بينهم، ويدلنا على ذلك اجتهادات ابن عباس، وابن مسعود، وغيرهما من أعلام الصحابة (58)، بالإضافة إلى الآثار المروية عن كبار الصحابة التي تحذر من شطط التأويل..
من ذلك: ما رواه عمرو بن دينار قال: قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -:
(إني أخاف عليكم رجلين: رجل يتأول القرآن على غير تأويله، ورجل ينافس أخاه على الملك) (59).
كما كان أهل الرأي والعلم بالمرصاد للمؤولين الذين لا يريدون وجه الحق في تأويلاتهم، وغير المستندة إلى أدلة الشرع،
أو مخالفة لحكمة التشريع، أو الناتجة عن خطأ في الفهم، كفعل أبي بكر – رضي الله عنه – بالمرتدين، الذين أولوا آية الزكاة على غير وجهها (60)، وكما فعل عمربن الخطاب – رضي الله عنه - بقدامة بن مظعون (61)، وصبيغ بن عسل التميمي (62)، وأمثالهم.
ولم يقف التأويل عند عصر الصحابة، بل تعداهم إلى عصر التابعين، (63) فهو منهج من مناهج الاجتهاد بالرأي،
أو كما يقول الإمام أبو زهرة: (باب من أبواب الاستنباط العقلي). (64)

المطلب الخامس: التأويل في الاصطلاح
أ -: معنى التأويل في اصطلاح المتقدمين:
يطلق مصطلح التأويل في اصطلاح المتقدين من السلف وأهل القرون الثلاثة الأولى على معنيين هما:
الأول: تفسير اللفظ وبيان معناه، وهذا كثير في استعمالات السلف..
1 - في الحديث الذي رواه جابر في وصف الحج قوله:
(ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به)(65)
يعني: تفسيره وبيانه بأقواله وأفعاله - عليه الصلاة والسلام -.

2 - ابن عباس في عند تفسيره للآية السابعة من سورة آل عمران:(أنا ممن يعلم تأويله) (66)،
ونرى ذلك كثيرا في تفسير الإمام الطبري، حيث يستخدم التأويل بمعنى التفسير،
فيقول: (وقال أهل التأويل) ثم يورد أقوال المفسرين.
الثاني: الحقيقة التي يؤول إليها الكلام، أي: وقوع المخبر به في وقته الخاص إذا كان الكلام خبرا، أو امتثال ما دل عليه الكلام، وإيقاع مطلوبه إذا كان الكلام طلبا، وهو معنى يرجع إلى العاقبة والمصير) (67).
ومنه قول السيدة عائشة - رضي الله عنها -: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي.. يتأول القرآن) (68)
قال الحافظ ابن حجر:
(وقولها: يتأول القرآن، أي: يجعل ما أمر به من التسبيح والتحميد والاستغفار في أشرف الأوقات والأحوال) (69)
فالتأويل هنا: حقيقة ما أمر به في قوله تعالى: (فسبح بحمد ربك واستغفره) (70)
وما سبق يمكننا القول: لقد عرف الصحابة والتابعون معنيين للتأويل:

الأول: المآل والعاقبة، وهو ما نجده مكررا في آيات القرآن الكريم.
والثاني: بمعنى التفسير، والبيان، وهو ما دعا به الرسول - صلى الله عليه وسلم – لابن عباس - رضي الله عنهما -، وظل هذان المعنيان معروفين للسلف إلى أن ظهرت الفرق الإسلامية المختلفة منذ عهد الخليفة الراشد: عثمان بن عفان - رضي الله عنه وأرضاه -، فكان للتأويل اصطلاح آخر، انتشر ببطء في الفكر الإسلامي،وتلون بلون كل فريق ومذهب، وأخذ يشكل معارضة هادئة للإسلام، معتمدا على الآيات بتحريف دلالاتها، أمام استحالة التغيير للنص المحفوظ. وكانت محاولات هؤلاء على قلتها، تعتبر البدايات الأولى للتأويل الباطني الفاسد، وليس أدل على ذلك من قول قتادة (ت 117ه)
عند قراءته لقوله تعالى:(فأما الذين في قلوبهم زيغ..الآية)(71):
(إن لم يكونوا الحرورية - أي الخوارج الذين انحازوا إلى بلدة حروراء بالعراق -، والسبئيين - أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي اليماني -، فلا أدري من هم.
إلى أن يقول: والله إن اليهودية لبدعة، وإن النصرانية لبدعة، وإن الحرورية لبدعة، وإن السبئية لبدعة، ما نزل بهن كتاب، ولا سنهن نبي). (72)

وقال الطبري (ت310ه) عند تفسيره لقوله تعالى: (فأما الذين في قلوبهم زيغ.. الآية) (73):
(هذه الآية وإن كانت نزلت فيمن ذكرنا أنها نزلت فيه من أهل الشرك، فإنه معني بها كل مبتدع في دين الله، كان من أهل النصرانية، أو اليهودية، أو المجوسية، أو كان سبئيا..). (74).
لقد وجد السبئيون الباطنيون - ومن نسج على منوالهم - في التأويل متنفسا لتعاليمهم يتجاوزون بها الحدود الظاهرة لمعاني الكلم، أو كما يقول البغدادي: (إن الباطنية احتالت لتأويل أحكام الشريعة على وجوه تؤدي إلى رفع الشريعة.) (75).
فقام العلماء من مفسرين، ومحدثين، وفقهاء، وأصوليين، وغيرهم، بالتصدي لهم، وبينوا معنى التأويل، وأدلته، ومجالاته، وقاموا بوضع الضوابط والشروط للتأويل الصحيح، لمنع المبتدعين من تحريف نصوص الآيات، والخروج بها عن معانيها المرادة.
ب -: معنى التأويل في اصطلاح المتأخرين:
وسأعرض فيما يلي لبعض التعريفات الاصطلاحية للتأويل، منها:
1- قال الفخر الرازي محمد بن عمر بن الحسين (ت 606): -
(التأويل هو صرف اللفظ عن ظاهره إلى معناه المرجوح، مع قيام الدليل القاطع عن أن ظاهره محال) (76)
2 - وقال ابن الحاجب-جمال الدين عثمان بن عمر المشهور بابن الحاجب (ت646ه):
(التأويل: هو حمل الظاهر على المحتمل المرجوح، بدليل يصيره راجحا.) (77).
وهذا المعنى المحتمل الذي يؤول إليه اللفظ معنى مرجوح، لأنه خلاف المعنى الحقيقي الظاهر المتبادر ومع ذلك فإن دليل التأويل الأقوى يصير هذا المعنى المرجوح راجحاً، أي يغلب على ظن المجتهد أنه مراد الشارع،
كما رجحه الدليل.. والتعريف الاصطلاحي للتأويل في اصطلاح المتأخرين، أصبح في عرف المتكلمين، والفقهاء، والمفسرين، هو الذي ينصرف إليه الذهن عند الإطلاق، وأصبح شائعا ومتعارفاً عليه بين المتأخرين، ويبدو أن استعماله بهذا المعنى، استوجبته دواعي كثيرة، كان من أبرزها مواجهة التأويلات المنحرفة التي بدأت بالبروز في المجتمع الإسلامي في وقت مبكر،
والتي كانت مستندا لكثير من النزعات الطائفية والشعوبية، والفرق الضالة، وبعض الأعاجم، الذين تسربلوا بالإسلام، ولم يتجردوا من مواريثهم العقائدية، وتركاتهم الثقافية، وأرادوا الكيد للإسلام من الداخل.

المبحث الثاني: أنواع التأويل:
قسم العلماء التأويل إلى قسمين: تأويل مقبول، وتأويل باطني مردود، وهذا ما سنبينه في المطلبين التاليين:
المطلب الأول: - ضوابط وشروط التأويل المقبول:
صاحبت ظاهرة التأويل للنص الديني منذ أن نزلت أول كلمات الله على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحاول المسلمون تفهم القرآن، واستنباط الأحكام منه، إلا أن الأعراض التي استوجبت الاشتغال به، لم تكن قد ظهرت بصورة تشكل ظاهرة، فلم يكن ثمة حاجة للتأويل، ولا يعيب المشتغلين بالتأويل المنضبط بأدلة الشرع الهادف لإبراز المعنى الصحيح المحتمل والمناسب للنص، عدم اشتغال الصحابة به، فهناك علوم كثيرة لم يشتغل بها الصحابة،
مثل: علم أصول الفقه، واللغة، وغيرها، ولا يقال إن الاشتغال بهذه العلوم بدعة سيئة.
فالتأويل الصحيح المقبول هو: الذي يكون بمعنى التفسير والبيان، موافقا لما في كتاب الله، وسنة رسوله - عليه الصلاة والسلام -، وذلك حين نجد نصا مجملا، فنجد نصا آخر يفسره، وهذا النوع متفق على قبوله من السلف - رضوان الله عليهم -.
وقد ورد في الحديث عن سيد الثقلين، أن ابن عباس – رضي الله عنهما - قدم له وضوءه فقال: من فعل هذا ؟
فقلت: أنا يا رسول الله، فقال: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) (78)
ففي هذا الدعاء من الرسول – صلى الله عليه وسلم - لابن عباس - رضي الله عنها - دليل إقراره للتأويل الصحيح.
لقد كان التأويل الصحيح أداة لسبر أغوار النص الديني، واكتشاف طاقاته المعبرة، وعمل التأويل في بيئة المفسرين والفقهاء، على توسيع آفاق النص، حتى يستغرق متجدد أحداث الحياة، وعمل على التوفيق بن الآراء والنصوص التي تبدو متعارضة.
واستغلال التأويل من قبل الفرق الضالة المنحرفة، الذين شوهوا الدلالات اللغوية، وصرفوا النصوص الدينية عن ظاهرها المراد، إلى معان باطنية غير مرادة في النص ؛ لمناصرة مذاهب فاسدة ونحل باطلة، دفع المشتغلين بالنص الديني من مفسرين، ومحدثين، وفقهاء، وأصوليين ومتكلمين، إلى استنباط تعريف للتأويل الصحيح، وبينوا أنواعه، ومجالاته، وشروطه وضوابطه، ليتمكن المشتغلون بالنص الديني من التعرف على صحيح التأويل من فاسده، ومتى يكون التأويل، وكيف يكون، وليدركوا ما حرفه أصحاب المذاهب الضالة من آيات خرجوا بها عن معانيها المرادة، وقواعد اللغة، وأصول الشريعة.

ومن أهم هذه الشروط والضوابط، ما يلي:
أولا: - أن يكون المتأول ممن توفر فيه شروط الاجتهاد، عالما بأسباب التأويل ومجالاته، ملما بمدلولات الألفاظ ومقاصدها، عالما بروح الشريعة الإسلامية وأدلتها، وله دراية بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ.(79)،
فإن فقد هذا الشرط في المؤول، لم يكن أهلا للتأويل.
ثانيا:- أن يكون المعنى الذي أول إليه اللفظ، من المعاني التي يحتملها اللفظ نفسه، وإنما يكون اللفظ قابلا للمعنى الذي يصرف إليه، إذا كان بينه وبين اللفظ نسب من الوضع اللغوي، أو عرف الاستعمال، أو عادة الشرع، (80) فقد جرت عادة الشرع على تخصيص العام (81) في كثير من نصوصه، مثل قصر الوجوب في كلمة (الناس)
في قوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا.)(82) على المكلفين، دون الصبيان والمجانين.
كذلك تقييد المطلق (83)، جرت به عادة الشرع، واللغة لا تأباه، فقد قام الدليل على تقييد (الوصية)
المطلقة في قوله تعالى: (من بعد وصية يوصي بها أو دين) (84) بالثلث، في قوله
- صلى الله عليه وسلم - لسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -:
(الثلث والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس.) (85)
فالعام إذا صرف عن العموم، وأريد به بعض أفراده بدليل، فهو تأويل صحيح، لأن العام يحتمل الخصوص، وحين يراد به بعض أفراده، فقد أول إلى معنى يحتمله.
والمطلق إذا صرف عن الشيوع وحمل على المقيد بدليل، فهو تأويل صحيح (86).
أما إذا كان المعنى الذي صرف إليه اللفظ من المعاني التي لا يحتملها اللفظ نفسه، ولا يدل عليها وجه من وجوه الدلالة، فلا يكون التأويل صحيحا مقبولا.
وعلى هذا، فإن التأويل لا يدخل في النصوص الدالة على أحكام أساسية تعتبر من العقائد وقواعد الدين، ولا تتغير بتغير الزمن: كالإيمان بالله، وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر. وكذلك النصوص الدالة على أحكام هي من أمهات الفضائل، وقواعد الأخلاق التي تقرها الفطر السليمة، ولا تستقيم حياة الأمم بدونها كالوفاء بالعهد،والعدل، وأداء الأمانة، والمساواة أمام الشريعة، وصلة الأرحام، وبر الوالدين، والصدق والنصوص التي تحرم أضدادها من: الكذب، والخيانة، وعقوق الوالدين، والنصوص التي اقترن بها ما يفيد التأبيد وغيرها من القواعد الأساسية، التي لا تحتمل تأويلا ولا نسخا منذ أوحي بالنصوص التي تقررها (87).

ثالثا: - أن لا يتعارض التأويل مع نصوص قطعية الدلالة، لأن التأويل منهج من مناهج الاستدلال والاستنباط الاجتهادي الظني، والظني لا يقوى على معارضة القطعي، كتأويل القصص الوارد في القرآن الكريم، بصرفها عن معانيها الظاهرة إلى معان أخرى يصيرها خيالية لا واقع لها، وهذا التأويل معارض لصريح الآيات القاطعة التي تدل على أن لها واقعا تاريخيا. (88)

رابعا: - أن يستند التأويل إلى دليل صحيح يدل على صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى غيره، لأن الأصل هو العمل بالظاهر، إلا إذا قام دليل على أن المراد باللفظ هو المعنى الذي حمل عليه، فالمطلق على إطلاقه، ولا يعدل عن هذا الظاهر إلى التقييد إلا بدليل يدل على إرادة هذا القيد، والنهي ظاهره التحريم، فيعمل به، حتى يدل الدليل على العدول عنه إلى الكراهية. (89).
ويشترط في الدليل أن يكون صحيحا معتبرا شرعا، يرشد إلى تحديد إرادة الشارع في النصوص المتعارضة.

المطلب الثاني: - سمات التأويل الباطني الفاسد المردود وسماته:
التأويل الفاسد المردود هو ما يخالف التأويل الصحيح المقبول، أو هو صرف الكلام عن ظاهره إلى ما يخالف ظاهره بغير دليل، أو صرف فيه الظاهر إلى ما لا يحتمله أصلا بوجه من وجوه الدلالة، لتقرير مذاهب فاسدة، مخالفة لظواهر الكتاب والسنة، ولما أجمع عليه المسلمون. أو لكونه مناقضا لوحدة التشريع في قواعده العامة المحكمة، وللأحكام المعلومة من الدين بالضرورة، كتأويلات الباطنية القائمة على الهوى، وأمثالهم من أصحاب المذاهب الهدامة.
وللتأويل الفاسد المردود سمات تلازمه ولا تفارقه أبدا.. منها:

- 1 عدم انضباطه تحت ضوابط محددة، كما يفعل الباطنيون من أرباب الفرق الضالة، لذا كان من أبرز سمات تأويلهم:
الاضطراب الفكري والعقدي، ففي كتابيه (تأويل الدعائم) (90) و(أساس التأويل)(91) يذكر القاضي الإسماعيلي وجوها متعددة من التأويل لبعض المسائل، ويعلل هذا الاختلاف بأن الناس مختلفة المراتب والطبقات، فما يصلح لحد من الحدود، لا يصلح لحد آخر، فتعدد التأويلات راجع لتعدد مراتب الحدود.
- 2 الاختلاف والتفرق في الدين: إن من أعظم الدعائم التي دعا إليها الشارع الحكيم جمع الكلمة وتوحيد الصف، وعدم التفرق في الدين، قال تعالى: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه..) (92). والذين سلكوا مسلك التأويل الفاسد هم أبعد الناس عن طاعة الله في هذا الأمر.

3 - التأويل الفاسد خارج عن احتمالات اللفظ، ولا يوجد له دليل شرعي أو لغوي.
4 - مخالفته لمقاصد الشريعة وعلومها، وللمعاني اللغوية وحدودها التي وضعت لها.
5 - إن من أبرز سمات أهل التأويل المذموم التناقض في الأقوال والأفعال، لأنهم لما صرفوا ظواهر النصوص الشرعية بلا دليل ولا برهان إلى معان تخيلوها في أنفسهم، كان التناقض سمتهم، والتعارض الفكري علامتهم، والضلال والاضطراب نصيبهم.
يقول شيخ الاسلام ابن تيمية: (فكل من أعرض عن الطريقة السلفية النبوية الشرعية الإلهية فإنه لا بد أن يضل ويتناقض..) (93)


المبحث الثالث: جذور التأويلات الباطنية الفاسدة المردودة:

كان عبد الله بن سبأ اليهودي اليماني (94) وأتباعه، من أوائل من اتخذ من التأويلات الباطنية الفاسدة وسيلة لإلغاء ظواهر النصوص الشرعية، وعدم اعتبار دلالاتها اللغوية والتشريعية، ثم الإغراب في تصيد باطن لها يتماشى والمعاني التي قرروها في أذهانهم، وغايتهم إفراغ النصوص القرآنية والنبوية من كل معنى مراد لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وشحنه بما يمليه عليه هواهم الضال، من خلال تأويلها تأويلا يخرجها عن مدلولها الحقيقي، ويبعدها عن مضامينها الإسلامية، لأنهم لما عجزوا عن صرف المؤمنين عن الكتاب والسنة،
حاولوا صرفهم عن المراد منها إلى (مخاريق زخرفوها، لأنهم لو صرحوا بالنفي المحض، والتكذيب المجرد، لم يحظوا بموالاة الموالين.)
(95) مما حمل بعض العلماء على القول: (إن التأويل الباطني: أول مراتب الإلحاد.) (96).
وقد استندت كل الفرق السبئية من بعده على التأويل الباطني لتأييد مزاعمها، ولم تتسع مجالات التأويل إلا في عهد الإسماعيلية، الذين توسعوا في التأويل الباطني، حتى أصبح علما عليهم، بل أصبح لفظ الباطنية إذا أطلق انصرف إليهم.

وقد عرف اليهود التأويل الباطني النظري والعملي ممارسة وتطبيقا منذ عهد الكليم موسى – عليه السلام -،
ومن الأمثلة على ذلك:
أ - قول الله عز وجل:
(وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين.)(97).
فهذه الآية تذكر نوغا من التأويل النظري لبني إسرائيل،: فحين أمروا أن يقولوا حطة.. لم يقولوها، بل قالوا غيرها
(فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم)(98)

ب - ومن تأويلاتهم العملية كذلك، ما قاله ابن كثير عنهم:
(احتيالهم على تحريم الشحوم بإذابتها، ظانين أن ذلك يخرجها من الحرمة إلى الحل)(99).
ثم أصبح التأويل على يد الفيلسوف اليهودي: (فيلون)(100)، قاعدة من قواعد فهمهم لدينهم خاصة بعد أن قام بتأويل التوراة تأويلا باطنيا ؛ ليجعلها مقبولة لدى اليونانيين - الذين كانت فلسفتهم وثقافتهم هي السائدة والمسيطرة على الساحة الفكرية تلك الأيام – لما رأوه من التشبيهات المادية، والتعبيرات التجسيمية. وكان فيلون يؤول الذات العلية (الله) بأنها شمس الشموس،
وأن الله سبحانه يعمل من خلال وسطاء،
هم:
الوسيط الأول: الكلمة، والكلمة هي: ابن الله.
والوسيط الثاني: الحكمة.
والوسيط الثالث: رجل الله، أو: آدم الأول.
والوسيط الرابع: القوات، أو: جند الله، وهم: الملائكة.
وكان يؤول إبراهيم – عليه السلام - بالعلم، واسحق – عليه السلام -: بالطبيعة، ويعقوب – عليه السلام -: بالزهد، ويعتبر هذه الأسماء الثلاثة هي مصادر معرفته بالله.
والسيدة سارة: بالفضيلة.
وهابيل هو: التقوى الخالصة
وقابيل هو: الأناني ويوسف – عليه السلام –
هو: مثال الرجل السياسي (101).

وكان - ابن سبأ – من أوائل من نقل التأويل الرمزي الباطني اليهودي إلى البيئة الإسلامية، كما كان أسلاف ابن سبأ أول من حركوا حلفاءهم من ذؤبان العرب (102)، وعبيد المجتمع، وشجعوهم على الردة وجحدوا الزكاة بالتأويل المنحرف، ذلك أنهم تأولوا قول الله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم..) (103)
فرأوا أن دفع الزكاة خاص بالرسول - صلى الله عليه وسلم – لأنه هو الذي كان يصلي عليهم ويطهرهم، وليس لغيره هذه الخاصية، ومن ثم فلا يدفعون الزكاة.) (104)
لذا وضع علماء المسلمين ضوابط للتأويل المقبول - كما سبق بيانها -، كي لا تتخذ المذاهب الضالة، والتيارات الهدامة، من التأويل المنحرف سندا ووسيلة لخدمة أغراضها. وتأويلات الباطنيين عموما لا علاقة لها بظاهر الكلام، ولا سياقه، ولا مدلوله، والدليل على ذلك ما أثبتوه في كتبهم الباطنية من تأويلات حطموا بها مدلولات اللغة، لا تمت إلى ألفاظ القرآن ومقاصده السامية، بأية صلة قريبة أو بعيدة. وقد يكون ذلك هدفا من أهدافهم، وهو محاربة اللغة العربية، لأنها مفتاح فهم القرآن، كما يفعل بعض الكتاب العلمانيين المعاصرين، في هجماتهم على اللغة، من مطالبة بإحلال العامية محلها تارة، واستبدال حروفها بالحروف اللاتينية تارة أخرى، مما يدل على أنهم حلقة متصلة من حلقات التآمر والكيد للإسلام والمسلمين

الفصل الثالث

نماذج لتأويلات طائفة القاديانية، وبيان بطلانها.

حاول الميرزا غلام أحمد القادباني أن يتخذ من التأويل سلما للوصول إلى أغراضه ؛ بتأويل بعض الآيات تأويلا بعيدا عن المعاني التي يحتملها النص، وقريبا من الأهداف التي يتوخاها. لقد جرب استعمال التأويل قبل أن يعلن نبوءته، حيث نجد طرفا من تأويلاته في كتابه: براهين أحمدية، الذي كتبه قبل ادعائه النبوة،
حيث أول قوله تعالى: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون. نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا والآخرة..) (105)
بقوله: (اعلموا يقينا أن المبشرات التي تشرفت بها في عزلتي ووحدتي، سوف تتم بمرأى الجيل الحاضر ومسمعهم، وتثبت بالحق أن الإسلام هو الدين الحي، لايبرح يوصل أهله إلى مقام المعرفة والوصال قبل مفارقتهم هذا العالم،كما بشر به القرآن المجيد.) (106). وعندما جوبه بمعارضة شديدة، وحكم عليه بالإعدام،
أول الآيتين السابقتين بقوله: (يغنيك ربك ويرحمك وإن لم يعصمك الناس، فيعصمك الله من عنده.) (107).

ولما نقل نفسه من مرحلة (المسيح الموعود) إلى مرحلة (النبوة)، كان عليه أن يجد آية في القرآن يؤولها تأويلا يدل على عملية انتقاله، ويعطيها تسويغا ومبررا من القرآن الكريم، فعمد إلى تأويل مفهوم (المسيح) - عليه السلام -، وشخصه، وزمن ظهوره،
فقال: (وقد أثبت في كتاب – فتح الإسلام – أن عقيدة خاطئة قد استولت على أذهان الناس، وقد شرحت أنه ليس المراد في النزول هو نزول المسيح، بل هو إعلام عن طريق الاستعارة بقدوم مثيل المسيح، وأن هذا العاجز - يعني نفسه - هو مصداق هذا الخبر حسب الإعلام والإلهام.)(108).
وهكذا بالتأويل زعم الميرزا غلام أحمد القادياني أنه أبطل فكرة المسيح المعروفة، واستبعد نزوله، واعتبر الخبر المتداول في أذهان المسلمين ؛ إنما جاء بصيغة الإعلان على سبيل الاستعارة، وأن المراد بالمسيح هو: ذاته.

ولما كانت أخبار المسيح تذكر أنه سيظهر في دمشق عند المنارة البيضاء، والميرزا يقيم في إقليم البنجاب، كان عليه أن يعطي لدمشق معنى آخر، ولمكانها ثان يتلاءم وظروف الميرزا، فعمد إلى التأويل، فنقل بالتأويل(دمشق) إلى (إقليم البنجاب)، ونصب المنارة البيضاء هناك. كما نقل ما يزعم أنه قبر المسيح – عليه السلام – في كنيسة القيامة في القدس، إلى منطقة كشمير،
فقال: (ليعلم الإخوان أن الله أطلعني فيما يتصل بكلمة دمشق، على أن المسمى بهذا الاسم: دمشق، قرية يسكنها رجال طبيعتهم يزيدية، وهم أتباع يزيد الخبيث..؟
ولما كان من شأن الطبيب أن يأتي إلى المرضى، وجب أن يكون نزول المسيح في أمثال هؤلاء، وإن قرية قاديان مشابهة لدمشق، فأنزلني الله لأمر عظيم في دمشق هذه بطرف المنارة البيضاء من المسجد الذي من دخله كان آمنا، فتبارك الله الذي أنزلني في هذا المقام) (109).

ولم يكتف الميرزا القادياني بنقل دمشق ومنارة مسجدها إلى قاديان، بل نقل المسيح نفسه، حيث زعم أنه هاجر من فلسطين إلى كشمير قبل ألفي سنة، وتوفي ودفن فيها.(110)، وهذا ما ذكره في تأويله لقوله تعالى:

(وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين) (111)،
فقال: (إن المراد بها المسيح وأمه، وأنهما هاجرا من فلسطين إلى كشمير، وأن المسيح وأمه سافرا إلى كشمير بعد واقعة الصلب، كما قال سبحانه، فإن الإيواء في اللغة العربية تستعمل بمعنى الإنقاذ، والإجارة من العذاب، أو المشقة، وظاهر أنه لم يبتل المسيح وأمه قبل واقعة الصلب، بشيء من حدثان الدهر، لذلك لزم منه أن الله تعالى إنما أدنى المسيح وأمه إلى الربوة المذكورة، بعد حادثة الصلب.) (112)

وقال في تأويل قوله تعالى: (ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا.)(113)
(وهذه بشارة بأنه سيكون في هذه الأمة الإسلامية رجل من درجة مريم الصديقة، ثم ينفخ فيه روح عيسى، فإذا مريم يخرج منها عيسى، أي: الرجل ينتقل من صفاته المريمية إلى صفاته العيسوية، فكأنما كينونته المريمية أنتجت العيسوية،وبهذا المعنى يسمى ذلك الرجل: ابن مريم) (114)

ثم أول القادياني غلام أحمد كل آية ورد فيها ذكر المسيح وأمه - عليهما السلام -،
فقال: (أنا المراد بمريم، وأنا المراد بعيسى، وعني قيل: (ولنجعله آية للناس ورحمة منا) (115)
وعني قيل: أنه المسيح بن مريم، الموعود نزوله) (116)

وقال في تأويل قوله تعالى: (إهدنا الصراط المستقيم) (117) (يأتي أمثال أنبياء بني إسرائيل، ومن كان مثيل نبي من الأنبياء سمي باسمه، فيسمى مثيل موسى بموسى، ومثيل عيسى بعيسى، ولما كنت مثيل عيسى سميت باسم عيسى.
وذكر في القرآن المجيد: (اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم)
أي: يا الله اجعلنا مثيلين للرسل والأنبياء) (118). بينما أسلافه من الإسماعيليين أولوا الصراط المستقيم بالإمام، لأن من لزم الطريق لن يضل وكذلك من لزم الإمام لن يضل، والمراد بالطريق ههنا: الإمام، لا الطريق المسلوك. (119)

وقال في تأويل قوله تعالى:(واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)(120):(
وهذه الآية تشير إلى أن الأمة المحمدية كلما صارت فرقا كثيرة، يولد في آخر الزمان إبراهيم، فتكون الفرقة التي تتبع إبراهيم هي الفرقة الناجية، -ويعني بذلك: أنه إبراهيم،والقاديانية التي تتبعه هي الفرقة الناجية -.) (121)

وقال في تأويل قوله تعالى: (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة.. الآية) (122):
(إن الله ينصر المؤمنين بظهور المسيح الموعود في قرن من القرون الآتية، يكون عددها مساويا للبدر التام – فحرف معنى كلمة بدر من اسم المكان الذي وقعت فيه المعركة الشهيرة التي فرق الله فيها بين الحق والباطل، إلى البدر الذي هو حالة من حالات القمر -، ويعني بذلك: (ظهوره في القرن الرابع عشر الهجري.) (123)

وقال في تأويل قوله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق.. الآية). (124):
(إن هذه الآية في الحقيقة متعلقة بزمان هذا المسيح.. – يريد نفسه -.) (125)

وقال في تأويل قوله تعالى: (وإنا على ذهاب به لقادرون) (126):
(إن المراد بهذه الآية سنة 1857م، وهذا هو زمان ظهور الميرزا غلام أحمد، الذي بظهوره تنطفئ شعلة المذاهب والأديان الأخرى). (127)

وقال الغلام القادياني –: إن كثيرا من آيات القرآن الكريم نزلت في شأنه (128) منها:
قوله تعالى: (إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله..) (129)
وقوله: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر..) (130)
وقوله: (إنا أعطيناك الكوثر.) (131)، وقوله: (عسى أن يبعثك ربك مقاما محودا.) (132)
وقوله: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.) (133)
وقوله: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين..) (134)، إلى غير ذلك من المزاعم.

والتأويلات الفاسدة التي يلجأون إليها لإثبات نبوة متنبئهم الكذاب، والتي لا تنطلي إلا على الجهلة من الناس، البعيدين عن تذوق وفهم اللغة العربية الشريفة.

وأول – محمد علي – (أمير جماعة القاديانية، وأحد خلفاء الميرزا،وزعيم شعبة لاهور)
قوله تعالى: (وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن.. الآية) (135)
بما نصه: (إن الجن طائفة من البشر اجتمعوا بالنبي في الخفاء.. وليس المراد به نفوساً لا يقع عليها البصر..وقد جاءوا من الخارج وكانوا غرباء ولذلك سمّوا جناً..
والمراد بذلك في قوله تعالى (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنّا سمعنا قرآناً عجباً) (136).
يظهر أنهم كانوا نصارى..وقد جاء ذكرهم على طريق النبوءة.
.ويكون المراد: إن شعوباً مسيحية تبلغ الذروة في العظمة والرقي فتصبح بذلك جناً وعفاريت وعباقرة في القوة والصنعة..)
(137)

وهذا مخالف لما ذهب إليه (سليم الجابي) - أحد أتباعهم - في كتابه (الجن حقيقة لا خيال)
إذ اعتبر أن الجن: (هم وفد من يهود أفغانستان حيث هاجروا إليها بعد أن هدم (بختنصر) هيكل سليمان، وسباهم إلى العراق، فلما وصلتهم أخبار ادعاء محمد (صلى الله عليه وسلم) النبوة، انتخبوا من جانبهم نفرا مندوبين عنهم، وأرسلوهم إلى مكة للتحقيق في صدق نبوة هذا الرسول العربي، فهذا النفر من يهود أفغانستان هو الذين أشير إليهم في هذه الآيات الكريمة) (138).
وقد حشا كتابه بمثل هذه التأويلات السخيفة التي لا يقرها عقل أو شرع.

من ذلك مثلا: تأويله لكلمة (الهدهد) في قوله تعالى: (وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين) (139)
فقال: (إن كلمة هدهد أريد بها اسم رجل، ولم يكن المراد بها طائرا من الطيور المعروفة.. كان رجل مخابرات، ومختصا باستقصاء أحوال كل من كان غريبا عن بلاده، ولم يكن المراد به طيرا من الطيور) (140)

بينما أول أسلافهم من الإسماعيليين (الجن) في قوله تعالى: (وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس..الآية) (141) بأنهم: (القائمون بأمر دعوته الذين يذبون عنها ويحمونها، وهم من الجن،
وهم ههنا في الباطن (أي: في التأويل الباطني)
حملة علمه الذين أجنوه أي: ستروه، والإنس ههنا: المأنوسين بحكمته، الذين هم نقباؤه ودعاته..) (142)

وقال المفسر الإسماعيلي – ضياء الدين إسماعيل – في تأويل الجن في قوله تعالى:
(وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس.. الآية) (143): (سلسل المذكور – ويرمزون بذلك لسلمان الفارسي – المحتجب في إمام زمانه سليمان المستقر (144) و (جنوده): يعني أهل دعوته..
(من الجن): يعني من أهل النسبة الأشرف، يجذبهم للانضمام إليه،
و (الإنس): يعني أهل النسبة الأدون، لكونه يعني سلسل المرتب لهم في حجابه، وهو الباب الظاهر...) (145)...
بينما الجن عند الداعي الإسماعيلي إدريس عماد الدين القرشي:
هم أهل الدعوة الباطنة، الذين كانوا في آخر دعوة المسيح - عليه السلام -.
(146)

وهذا بالطبع تحريف وتلاعب صريح بمعاني القرآن،سنده الهوى الآثم، والكذب على الحق، والافتراء على الله وإخراج لآياته عن مقاصدها الحقيقية، لبث الفوضى الفكرية، والاجتماعية، والدينية، - وهو ما يهدف إليه هؤلاء الباطنيون الغلاة -، لا يلتزمون بضوابط التأويل الصحيح، ولا قواعد التفسير، ولا أصول اللغة، ومتى ما حملوا ظواهر الآيات على بواطن لا تدل عليها تلك الظواهر، ولا تفيدها بحقيقتها ولا مجازها أفسحوا بذلك المجال لباطني آخر ليحملها على معان أخرى تناقض ما ذكروه وتهدمه، وبذلك تصبح الآيات التي أنزلت لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، مجالا للعبث والهذيان.

كما أول الغلام القادياني قوله تعالى: (ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد..) (147)
فزعم أنه هو المقصود بهذه الآية، فهو الغلام: أحمد القادياني،والآية بشرت بمجيئه.(148)...؟! والآية لا تدل على ذلك من قريب ولا بعيد، إذ تتحدث سورة الصف من بدايتها عن تسبيح جميع المخلوقات في السموات والأرض لله سبحانه، فجاء ذكر نبينا – عليه الصلاة والسلام – بصيغة أفعل التفضيل):
أحمد(لتبين لنا أنه - عليه الصلاة والسلام - أكثر تسبيحا لله من جميع الخلوقات.. لا كما تبادر إلى ذهن هذا العلج البليد (149).

كما أول قوله تعالى: (له الحمد في الأولى والآخرة.. الآية) (150)
فقال: (أريد في هذه الآية أحمدان المراد في الأولى: رسولنا أحمد المجتبى، والمراد بالآخرة: أحمد الذي يكون في آخر الزمان..
أي: المسيح والمهدي.. أي: أحمد القادياني..) (151)

كما رأى القاديانيون وغيرهم من البهائيين: أن قوله تعالى في وصف نبيه العظيم – صلى الله عليه وسلم –

(وخاتم النبيين) (152) يسد عليهم الطريق في إدعاء النبوة، فأولوا الآية على معنى يخرجهم من هذا المأزق فقالوا:
(إنه خاتم الأنبياء، بمعنى: أنه وحده صاحب الحتم لا غير، وليس لأحد أن يحظى بنعمة الوحي إلا بفيض خاتمه، فلا صاحب للختم الآن إلا هو، وخاتمه وحده يكسب النبوة التي تستلزم أن يكون صاحبها من أمة محمد

- صلى الله عليه وسلم -.) (153)

إن مسألة ختم النبوة والرسالة برسول الله - صلى الله عليه وسلم – معلومة بالضرورة عند المسلمين فهي من الثوابت في عقائد المسلمين، ثابتة بكتاب الله وسنة رسوله، وبإجماع الصحابة وعلماء الأمة منذ مبعث الرسول - صلى الله عليه وسلم -
إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فالشك فيها هو شك بالقرآن، وميل إلى صريح الكفر، وخسران مبين في الدنيا والآخرة.
(154)

وكلمة - خاتم – قرأها (عاصم) بفتح التاء، وقرأها الباقون بكسر التاء (155)، وتعني القراءة الأولى: أنه كالحلقة المحيطة بهم والمهيمن على رسالاتهم، وتعني الثانية:أنه آخرهم..وكلتا القراءتين تكذبان دعوى مدعي النبوة بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.(156)

أما القول بأنه – صلى الله عليه وسلم - زينة الأنبياء وليس بخاتمهم، فقول ساقط، لأنه مخالف لعرف اللغة،
ولجوء صريح إلى التأويل الباطني لنص القراءتين السبعيتين.

يقول محمد الكاظمي القزويني – من علماء الشيعة الإثني عشرية - ردا عليهم:
(على أننا لو سلمنا جدلا صحة ذلك، لكانت على بطلان دعوى التبيان (157) أدل، وذلك لأنه إذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم – زينة الأنبياء، وأنهم يتزينون به كما يقول، لزم أن يكون أفضلهم قطعا، والأفضل لا يصح أن تختم نبوته بمن هو دونه، كما لا يصح التقدم عليه، يقبح ذلك في أوائل العقول، وعليه يجب أن يكون خاتمهم، لأن به كمالهم وتمامهم. وأقول: إذا كان هذا القول صحيحا، وإذا كان الأنبياء سابقين ولاحقين يتزينون برسول الله لأنه أفضلهم، فكيف جاز لهم أن ينسخوا أحكامه، ويبطلوا قرآنه، كما فعل الكذابان: الباب، والبهاء..)(158)

ورغم تعدد القراءات فإن المفسرين (159) لا يرون أن في ذلك تأثيرا على المعنى، وهو انقطاع النبوة بعد محمد

- صلى الله عليه وسلم -. وقد أخبرنا الله سبحانه بكمال الدين فقال:
(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) (160).
فلسنا بحاجة إلى من يستدرك عليه شيئا، أو يزيد أي شيء بعد نعمته سبحانه بإكمال هذا الدين. والمتتبع لأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يرى أنها قد أكدت ختم النبوة وانقطاع الوحي بعده – صلى الله عليه وسلم – بعبارات متنوعة، بحيث لا يبقى مجال للشك أو التردد في كون رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خاتم الأنبياء، لا نبي بعده، ولا شرع بعد شرعه. عن ثوبان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
(إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها.... إلى أن يقول: وأنه سيكون في أمتي كذابون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي) (161).

وأول الغلام القادياني قوله تعالى:
(سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى... الآية) (162)
فقال: (هذه الآية تشتمل على نوعين من المعراج، المعراج المكاني، والمعراج الزماني، وإلا كان المعراج النبوي ناقصا لذلك، فكما أوصل الله رسوله من حيث السير المكاني من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كذلك أوصله في السير الزماني من زمن شوكة الإسلام الذي كان في عهد الرسول الكريم إلى المسيح الموعود – يعني نفسه -، والذي هو عهد انتشار البركان الإسلامي، وأطلعه على كلا العهدين زمانا ومكانا، لذلك فإن سيره الكشفي الشامل، شاهد أن نهاية عهده المبارك هو الذي كان عبر عنه بالمسجد الأقصى، وهو مسجد المسيح الموعود – يعني نفسه – في القاديان، وأوحى إليه بشأنه..) (163)

ثم قال: (إن المقصود بالمسجد الأقصى هو المسجد الواقع في الجانب الشرقي من القاديان..) (164)

بينما تقول البهائية أن المسجد الأقصى في مدينة عكا بفلسطين المحتلة، وهو المكان الذي بارك الله فيه. (165)

بينما قال القاضي النعمان الإسماعيلي في تأويل الآية السابقة:
(أسرى: أي سار به ليلا، والليل في التأويل مثل الستر والكتمان، يعني: أنه رقاه وسيره في علم الباطن...... إلى أن يقول: ولذلك جاء في الخبر ؟! أنه أسري به إلى بيت المقدس، ومعنى ذلك: أنه رقي في العلم..) (166)
وبهذا التأويل ألغى القاضي الإسماعيلي معجزة الإسراء والمعراج لنبينا – عليه الصلاة والسلام – التي أثبتتها الآية الكريمة السابقة.

بينما أولها المفسر الإسماعيلي – ضياء الدين إسماعيل –
بقوله: (فسبحان: من السبحان، وهو استخراج الخبيء يعني أن المسري هو المقام العمراني (167)..
إلى أن يقول: والإسراء: هو ارتقاء الناطق (168) لكفالة العين (أي: علي)
وتسلمه لتلك الصور الايمانية المستودعة لديه، في ذلك الوقت والحين، وذلك على سطح الفلك الأطلس، المسجد الأقصى في بعض المعاني، وهو الأفق الأعلى لدى الدائرة العاشرية المحفوفة بالنور الشعشعاني،
والمسجد الحرام: هو القلب في السر الرباني الذي التأمت فيه ريحيات تلك الصور في تلك اللحظة بلا تواني..

(الذي باركنا حوله): يعني: ببروز الفاطر (أي فاطمة، ويلقبونها بالفاطر) منه، التي اجتمعت بها الأنساب والأسباب.
(وآتينا موسى) يعني الميم (وهو رمز لمحمد – صلى الله عليه وسلم – (الكتاب):
يعني الهيكل..؟ (وجعلناه هدى لبني إسرائيل): يعني أهل الدعوة الهادية
(يقصد الإسماعيليين) يهديهم إلى الهيكل في كل دور...)
(169)

بينما أولت طائفة الشيخية (170): قوله تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا... الآية) (171)
وقوله سبحانه: (ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى) (172) بما يتفق وعقيدتهم في المعراج النبوي (173)

وبالطبع فهذه التأويلات فاسدة، لأنها مخالفة لمنطق اللغة، وضوابط التفسير، التي أجمع عليها ثقات المفسرين، ولا يوافق عليها النقل الصحيح، فهؤلاء الباطنيون اعتقدوا بمذاهب وأفكار معينة في أذهانهم، وأرادوا إخضاع آيات القرآن لها، بتحريف ألفاظه عن مظانها اللغوية، والخروج على قواعد تفسيره، فهذا تحريف لا تأويل، وتلاعب بمعاني آيات القرآن، وإخراج لها عن مقاصدها الحقيقية، وهو ما يهدف إليه هؤلاء الباطنيون الغلاة.

وللقاديانيين عدة ترجمات للقرآن الكريم مليئة بالتأويلات المنحرفة الفاسدة، أشارت إلى بعضها الدكتورة عفاف علي شكري في بحثها (حول ترجمة معاني القرآن الكريم) فلا داعي لذكرها خشية الإطالة. (174)

لقد عاش الغلام القادياني وخلفاؤه وأتباعه من بعده يتاجرون بالأباطيل، والتأويلات الفاسدة، وكل امرئ لا يعصمه دين قويم، ولا خلق شريف، ولا عقل صحيح، يستطيع أن يدعي ما يشاء. وما في القاديانية إلا أمشاج كفر..أو خليط منه.. ولكنه الخليط الذي لا ينتج إلا ما تعافه النفس السوية، لذا فزع علماء المسلمين لفتنة القاديانية في أوطانهم، وتصدوا لترهاتها بأقلامهم وألسنتهم، فأصدرت محكمة بهولبور عام 1935م - بعد مناقشة دامت عامين اشترك فيها بعض علماء أهل السنة وبعض زعماء القاديانية - حكمها بكفر القاديانية وعدم حل زواج المسلمة بقادياني.
وفي عامي 1939م، و 1940م بعث القاديانيون طالبين للأزهر الشريف، والتحقا بكلية أصول الدين، فلما علم بهما شيخ الأزهر آنذاك، شكل لجنة للتحقيق معهما، والتحقق من مذهبهما، وكانت هذه اللجنة برئاسة الشيخ: عبد الله اللبان - عميد كلية أصول الدين،
وكتبت اللجنة في قراراتها: أن القاديانيين كفار.. وفصل الطالبان من الكلية، واعتبرا ملحدين، ومن هنا استن مبدأ استبعاد القاديانيين من الدراسة بالأزهر الشريف.(175)...........وأخيرا لا آخرا أصدر مفتي محافظة نابلس الشيخ أحمد شوباش فتوى تحكم بكفر كل من يتبنى عقائد الجماعة الأحمدية وذلك بناء على استفتاء من رواد احد المساجد بتاريخ18 جمادى الآخرة الموافق 14-7-2005. وقد وصف الشيخ شوباش فرقة القاديانية أو الأحمدية بأنها فرقة ضالة غير إسلامية وتتبنى عقائد فاسدة.(176) ولا تلقى أمثال هذه الدعوات أنصارا لها، إلا بين ذوي الأمزجة المنحرفة الموتورة،والأهداف الساقطة، ولكن أبناء المجتمعات العربية والإسلامية - رغم الكيد المسعور الذي يوجه إليهم، ورغم المؤامرات التي تحاك ضدهم -فإنهم يحملون بين حناياهم عقيدة طاهرة، تحميهم من السقوط في حبائل هؤلاء المفسدين، الذين استهواهم الشيطان، ورفض كل دعوة تخرج على ثوابت دينهم بل تجعلهم كالبنيان المرصوص في وجه أدعياء النبوة، وسدنة الباطل.

الخاتمة

على ضوء من الدراسة السابقة، أود أن أسجل بعض أهم النتائج التي توصلت إليها، وتتلخص فيما يلي:
- 1 لا تختلف طائفة القاديانية عن غيرها من فرق الباطنية الغلاة التي أرادت الكيد لهذا الدين، والتشويش على عقائد المسلمين.
2- بينت الدراسة عن أن التأويل مر بمراحل ثلاث: ففي المرحلة الأولى: دار فيها مع التفسير كشفا وفهما لمعاني النص الديني. ولم يجد العرب المسلمون صعوبة في معرفة وفهم آي القرآن، فأسلوب القرآن جار على أساليبهم المستعملة، إلى جانب معايشتهم للنصوص، ومعرفة أسباب نزولها، كل ذلك سهل عليهم إدراك مضامين النص، ومعرفة إيحاءاته. وفي مرحلة تالية: أصبح التأويل مصطلحا مستقلا، له أهميته وخطره، وهو صرف اللفظ عن ظاهر معناه إلى معنى يحتمله بدليل. وفي مرحلة ثالثة: استغله الباطنيون الغلاة، فأصبح التأويل عندهم هو: صرف اللفظ عن ظاهر معناه إلى معنى قرروه في أذهانهم.
- 3 وضحت من خلال بعض الأمثلة أن لا ضوابط للغلاة في تأويلاتهم، فقد نجد الواحد منهم يؤول الشيء الواحد تأويلين متناقضين، كما أنهم من النادر أن يتفقوا في تأويلاتهم للشيء الواحد، مما يدل على أن كل واحد يؤول بما شاء له الهوى، وحسب انحراف مزاجه أو اعتداله. لذا وضع علماء الإسلام ضوابط للتأويل المقبول، كي لا تتخذ المذاهب الضالة والتيارات الهدامة من التأويل سندا ووسيلة لخدمة أغراضها.
4 - التأكيد على ضرورة معرفة الدارسين للعلوم الشرعية للتأويلات الباطنية الفاسدة، لإدراك ما حرفه أرباب المذاهب ودسوه في كتب التفسير، من معاني خرجوا بها عن قواعد اللغة، وأصول الشريعة ومقاصدها.
- 5 إن ثبات الإسلام بشموخ أمام كل حركات الهدم والفتنة، يزيدنا يقينا بقوة الإسلام الذاتية على تجاوز المحن والمصاعب، ولكن مع ذلك، فعلى المسلمين أن يبذلوا قصارى جهودهم في الاستمساك بعروة الإسلام الوثقى، واستيعاب ثقافة العصر، ورصد تحركات أعداء الإسلام، ومواجهة كل ذلك بثبات ويقين.. والعاقبة للمتقين.
الصفحات 1 2 

التالي

احكام زواج المتعة عند الطائفة الشيعية (محاضرة واسئلة) ادخل.. لايتقبله العقل

السابق

بيعة الغدير ، قصتها والرد عليها

كلمات ذات علاقة
لبيت , الأحمدية , الأفكار , الضاله , الطائفة , القاديانية , شامل , عن , والمعتقدات , وكامل