قدوتي هو عثمان بن عفان رضي الله عليه وارضاه
مجتمع رجيم / بهم نقتدى
كتبت :
دفء المشاعر
-
اخواتي الغاليات فلنكمل ما بدأنا به عن الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه وارضاه
وإليكم بعض من مواقفه المشرّفـة بإختصار:
شهد عثمان-رضي الله عنه-مع النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا من المشاهد، وأرسله النبي صلى الله
عليه وسلم إلى مكة حينما أرادوا أداء العمرة ليخبر قريشًا أن المسلمين
جاءوا إلى مكة لأداء العمرة، وليس من أجل القتال، ولكن المشركين احتجزوا عثمان
بعض الوقت، وترددت إشاعة أنهم قتلوه، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، ودعاهم إلى بيعته على قتال
المشركين، فسارع الصحابة بالبيعة، وعرفت تلك البيعة ببيعة الرضوان، وعاد عثمان -رضي الله عنه-، وكان صلح الحديبية.
موقف آخر:
وفي المدينة رأى عثمان -رضي الله عنه- معاناة المسلمين من أجل الحصول على الماء في المدينة؛
حيث كانوا يشترون الماء من رجل يهودي يملك بئرًا تسمى رومة،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من يشتري بئر رومة فيجعل دلاءه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة" [الترمذي].
وفي صحيح البخاري (قَالَ عُثْمَانُ رضي الله عنه قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَكُونُ دَلْوُهُ فِيهَا كَدِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَاشْتَرَاهَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)
وفي صحيح البخاري بَاب مَنَاقِبِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَبِي عَمْرٍو الْقُرَشِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ( وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَحْفِرْ بِئْرَ رُومَةَ فَلَهُ الْجَنَّةُ فَحَفَرَهَا عُثْمَانُ )
فذهب عثمان-رضي الله عنه-إلى ذلك اليهودي وساومه على شرائها، فأبى أن يبيعها كلها، فاشترى نصفها باثني عشر ألف درهم، ثم خصص لنفسه يومًا ولليهودي يومًا آخر، فإذا كان يوم عثمان أخذ المسلمون من الماء ما يكفيهم يومين دون أن يدفعوا شيئًا، فلما رأى اليهود ذلك
جاء إلى عثمان، وباع له النصف الآخر بثمانية آلاف درهم، وتبرع عثمان بالبئر كلها للمسلمين.
وهنا موقف اخر
وتفصيل حادثة تجهيز جيش العسرة في ما رواه الترمذي عن عبد الرحمـٰن بن خباب السلمي قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم فحث على جيش العسرة فقال عثمان: عَلَيَّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها ثم حَثَّ فقال عثمان عَلَيَّ مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها. قال السُّلميُّ: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقول بيده يحركها [ما على عثمان ما عمل بعد هذا]. وفي رواية للحاكم النيسابوري رحمه الله تعالى عن عبد الرحمـٰن بن سمرة قال: جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار حين جهز جيش العسرة فنثرها في حجره فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلّبها ويقول [ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم] مرتين. وأخرج صاحب «حلية الأولياء» عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان يوم جيش العسرة جائيًا وذاهبًا فقال [اللهم اغفر لعثمان ما أقبل وما أدبر، وما أخفى وما أعلن، وما أَسَرَّ وما أجهر]. كما روى الطبراني عن ابن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [عثمان أحيَا أمتي وأكرمها].ا
ظهور ابن سبأ وبداية الفتنة
ما بين سنة 30 إلى 31 هـ، ظهر في اليمن عبد الله بن سبأ، وكانت أمه جارية سوداء، ومن ثَمّ لُقّب بابن السوداء، وكان يهوديًا، وعاش في اليمن فترة طويلة، وكانت اليمن قبل الإسلام مقاطعة فارسية، فتعلّم عبد الله بن سبأ الكثير عن المجوسية، وأراد هذا اليهودي أن يطعن في الإسلام والمسلمين، وبدأ بالتفكير في عمل هذه الفتنة، فدخل في الإسلام ظاهرًا في بداية عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وبدأ يتنقل في البلاد حتى ينشر بعض الأفكار السامّة، والطاعنة في الإسلام، فذهب إلى الحجاز، ولما لم يجد صدى كافيًا انطلق إلى العراق، فذهب إلى البصرة، وكانت موطنًا للفتن، ووقع هناك على رجل يُسمّى حكيم بن جبلة، وكان من المسلمين، ولكنه كان لصًّا يغير على أهل الذمة، وقد حدد الخليفة إقامته بألا ينتقل من البصرة، فقد كان رجلًا سيئ الخلق، وبدأ ابن سبأ يلقي في روعه بعض الأفكار الجديدة على الإسلام، والمقتبسة من اليهودية، والمجوسية، وخرجت عقائد الشيعة من هذه الأفكار التي جاء بها عبد الله بن سبأ، وقد انقسم الشيعة إلى فرق كثيرة، فمنهم من أخذ من عبد الله بن سبأ كل ما قاله، وهم من يُسمّون الآن بالسبئية، ومنهم من أخذ منه البعض، ومنهم من أخذ القليل منه، ولكن على العموم فالشيعة جميعًا أخذوا من هذه الأفكار.
تبعه حكيم بن جبلة، وبعض من قبيلته، وبعض من أصدقائه، وكان كل هذا الأمر يدور سرّا، فهو لا يجرؤ على الجهر به ابتداءً، ثم انتقل من البصرة إلى الكوفة، وهي موطن للفتن، والثورات أيضًا، واستجاب له من أهل الكوفة أفراد كثيرون، ولكن سرّا ومنهم على سبيل المثال الأشتر النخعي، وهذا أمر غريب، فقد كان الأشتر من المجاهدين في اليرموك، والمواقع التي جاءت بعدها، ولكن الله تعالى يثبّت من يشاء، وقد استجاب الأشتر لابن سبأ إما عن جهلٍ، وإما عن رغبةٍ في الرئاسة أو غير ذلك، وكان الأشتر ذو مكانة ورأي في قومه، وبدأ يدعو الناس إلى ما هو عليه من أفكار، ويفسر بعض المؤرخين سبب انضمام الأشتر إلى أصحاب الفتنة بتفسيرين يناقض كل منهما الآخر؛ فالأول أنه كان من المغالين المتشددين في الدين، ويبالغ في بعض الأمور التي كان يظن أنها خطأ، ومن ثَمّ يتشدد لها، والأمر الثاني أنه كان محبًا للرئاسة، والسيطرة، وقام بالمشاركة في هذه الفتنة حتى يُمكّن له ويصل إلى ما يريد.
انتقل ابنُ سبأ إلى مصر، ووجد في مصر مناخًا مناسبًا لأفكاره؛ لأن معظم المجاهدين خرجوا إلى الفتوحات في ليبيا، وآخرين في السودان ومن كان موجودًا إنما هم قلة من المسلمين، فاستطاع ابن سبأ أن يجمع حوله قلة من الناس، واستقرّ في مصر، ولم يكن استقراره أمرًا مقصودًا، لكنه كان بطبيعته يستقرّ في كل بلد ينزل فيها مدة، ثم يغادرها إلى غيرها، فلما كان بمصر كان قد قرب عهد الفتنة فخرج من مصر.
أفكار ابن سبأ:
كانت أفكار ابن سبأ تهدف لهدم الإسلام، وتشكيك المسلمين في دينهم ومن هذه الأفكار:
وللقصة بقيه انتظروني
كتبت :
دفء المشاعر
-
أفكار ابن سبأ:
كانت أفكار ابن سبأ تهدف لهدم الإسلام، وتشكيك المسلمين في دينهم ومن هذه الأفكار:
1- القول بعقيدة الرجعة: وهي من الثوابت عند الشيعة، وأصلهافي المجوسية
، وقد وُجدت في اليهودية افتراءً على الله تعالى، فاليهود يكتبون الكتاببأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله
وقال لهم ابنُ سبأ: إذا كان عيسى بن مريم سيرجعفكيف لا يرجع محمد صلى الله عليه وسلم، فمحمد صلى الله عليه وسلم سيرجع، وتمادىالشيعة في الأمر، وقالوا ليس محمدًا فحسب بل علي بن أبي طالب وغيره.
لكن أصل هذهالعقيدة كما نرى نابعة من المجوسية، ومن افتراء اليهود وكذبهم، وكان ابن سبأ يخاطبالجهّال فيصدقونه، وقد سأله البعض عن دليلٍ على رجعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقال: يقول الله تعالى:
[إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ] {القصص:85}.
وقال إن هذا المعاد في الدنيا، فخدع به بعض الجهال.
2- عقيدةالوصاية: قال ابن سبأ إن أمر النبوة منذ آدم حتى محمد صلى الله عليه وسلم بالوصاية
،أي أن كل نبي يوصي للنبي الذي بعده- وهذا تخريف منه وتحريف- وكان هناك ألف نبي وكل منهم أوصى لمن بعده،
فهل يأتي محمد صلى الله عليه وسلم وهو خاتم الأنبياء، ولا يوصي بالأمر من بعده لأحد
، إذن أوصى محمد صلى الله عليه وسلم إلى أحد الناس، هذا فيالبداية،
ثم بدأ في البحث عن رجل إذا تكلم عنه أمام الناس يخجل الناس أن يردواكلامه، فقال:
إن محمدا صلى الله عليه وسلم أوصى بالأمر لعلي وقد علمت ذلك منه،
ووضع حديثا في ذلك يقول- افتراءا على الرسول صلى الله عليه وسلم-:
أنا خاتم الأنبياء، وعلي خاتم الأوصياء. أوالأولياء.
وهو حديث موضوع كما قال الألباني،
وأضاف الشيعة بعد ذلك مجموعة من الأوصياء، ومن هنا ظهرتعقيدة الوصاية.
ثم قالابن سبأ لأتباعه:
اطعنوافي الأمراء، وبدأ يراسل أهل الأمصار بسلبيات افتراها على الأمراء الذين ولاهم عثمانرضي الله عنه،
من أمثال عبد الله بن أبي سرح، والوليد بن عقبة، وسعيد بن العاص،وعبد الله بن عامر، وقال لأتباعه:
إذا قمتم بالدعوة إلى هذا الأمر في الناس فقولوا: إنا نأمربالمعروف وننهى عن المنكر.
حتى لا ينكر قولكم.
أتباع ابن سبأ
اتبع ابن سبأ مجموعة من الطوائف، فمنهم الذين هم على شاكلتهممن دخلوا في الإسلام ظاهرا،
وأبطنوا الكفر والنفاق، وطائفة أخرى يرغبون في الإمارةوالرئاسة والسيطرة، ولم يولهم عثمان رضي الله عنه،
إما لسوء خلقهم، أو لوجود من هوأفضل منهم، وطائفة ثالثة من الموتورين الذي أقام عثمان
رضي الله عنه الحد علىأحدهم، أو على قريب لهم، فقاموا حمية له، وطائفة أخرى من جهال المسلمين الذين ينقصهم العلم،
فتبعوا ابن سبأ بدافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليقتلوا عثمان بن عفان رضي الله عنه.
ثم بدأ الطعن في الخليفة نفسه، وأعد ابن سبأ قائمة بالطعون فيعثمان رضي الله عنه،
وأرسلها إلى الأمصار والبلدان، ووصل الأمر إلى أمراء المسلمين،وإلى الخليفة رضي الله عنه،
فأرسل مجموعة من الصحابة يفقهون الناس، ويعلمونهم،ويدفعون عنهم هذه الشبهات،
فأرسل محمد بن مسلمة إلى الكوفة، وأسامة بن زيد إلى البصرة، وعمار بن ياسر إلى مصر،
وعبد الله بن عمر إلى الشام، وكان أهل الشام أقلالناس تأثرا بهذه الفتنة،
وكان معاوية رضي الله عنه يسوس الناس بحكمة، وحلم وكانالناس يحبونه حبا شديدا،
وقد رفض الناس دعوة ابن سبأ عندما عرضها عليهم، فذهب إلى
أبي ذر الغفاري رضي الله عنه وأرضاه وهو من كبار الصحابة ومن شديدي الزهد كما يعرف ذلك من يطالع سيرته،
ولما مر به عبد الله بن سبأ في طريقه قال له: يا أبا ذر إن أهل الشام ينغمسون في الدنيا وفي الملذات وينشغلون عن أمرالدين.
محاولا بهذاالكلام إثارته، فذهب أبو ذر إلى معاوية وقال له:
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّكَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِبِالبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَوَالفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍأَلِيمٍ] {التوبة:34}.
متأولا معنى الآية أنه لا يجوز للإنسان أن يكنز أكثر من قوت يوم واحد، وهذا الفهم يخالف
أصول الإسلام في هذه الناحية، فقال له معاوية:
إنك تحمل الناسعلى أمر لا يطيقونه، ولم يقره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصر أبو ذر
على رأيه،فأرسل معاوية إلى عثمان رضي الله عنه، فاستدعى عثمان رضي الله عنه أبا ذر رضي الله عنه،
ودار بينهما حوار سنذكر تفاصيله فيما بعد، وكان هذا من المطاعن على عثمان رضيالله عنه التي تبع ابن سبأ فيها الكثير.
وذهب ابن سبأ أيضا إلى عبادة بن الصامت، وحاول معه مثل هذاالأمر،
فقبض عليه، وأتى به إلى معاوية بن أبي سفيان، وقالله:
هذا الذي أثار عليك أبا ذر الغفاري.
فكلمه معاوية رضي الله عنه، وكان معاوية حليما شديد الحلم، فرجع ابن سبأ عن قوله ظاهرا،
ولم يطمئن إليه معاوية، فأخرجه من بلاده فذهب إلى مصر بعد ذلك.
أما مجموعة الصحابةالذين أرسلهم عثمان رضي الله عنه إلى الأمصار ليعلمونهم ويدرءون عنهم هذه الشبهات،فقد رجعوا جميعا إلى عثمان رضي الله عنه إلا عمار بن ياسر الذي كان قد ذهب إلى مصر،وكان بها عبد الله بن سبأ،
وسودان بن حمران، وكنانة بن بشر، وهم من رءوس الفتنة،فقد جلسوا مع عمار بن ياسر،
وأقنعوه ببعض الأفكار، والمآخذ على الأمراء، وعلى عثمانرضي الله عنه، فتأخر عمار بن ياسر عن العودة إلى
عثمان رضي الله عنه بالمدينة، فخافالمسلمون أن يكون قد قتل،
ولكن جاءهم في هذا الوقت كتاب من عبد الله بن أبي سرح،والي عثمان رضي الله عنه على
مصر يخبرهم أن عمار بن ياسر قد استماله القوم، وأرسلعثمان رضي الله عنه إلى عمار بن ياسر رضي الله عنه خطابا يعاتبه فيه، ولما قرأالخطاب ظهر له الحق، ورجع إلى عثمان رضي الله عنه في المدينة، وتاب بين يديه عن هذاالظن.
ثم ظهرت الفتنة،ولأول مرة بصورة علنية، وكان ذلك في الكوفة سنة 33 هـ،
فقد جمع الأشتر النخعي حولهمجموعة من الرجال تسعة أو عشرة،
وبدأ يتحدث جهارا نهارا عن مطاعن يأخذها على عثمانرضي الله عنه.
وسمع سعيدبن العاص والي الكوفة من قبل عثمان رضي الله عنه هذا الكلام فنهى الأشتر،
ومن معه،ثم أرسل بعد ذلك إلى عثمان رضي الله عنه يخبره بما عليه الأشتر النخعي ومن معه،
فأرسل عثمان رضي الله عنه رسالة إلى سعيد بن العاص أن يرسل الأشتر النخعي،
ومن معهإلى معاوية بن أبي سفيان بالشام، وكان معاوية كما ذكرنا حليما شديد الحلم،
فقدكانوا يسبونه علنا مرة، والثانية، والثالثة، ويأخذهم باللين والرفق، ولم يحاول معاوية بن أبي سفيان أن يشتد معهم،
فأرسلهم إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد واليحمص، وكان كأبيه خالد رضي الله عنه له مخالب كمخالب ا
لأسد شديدا حازما، فعنفهم بشدةولما ردوا عليه أذلهم ذلا عظيما،
وحبسهم فأظهروا توبتهم، فأرسل إلى عثمان رضي اللهعنه أن هؤلاء قد تابوا، فأرسل إليه أن يجعل أحدهم يأتيه فأرسل إليه الأشتر النخعي وأعلن توبته على يدي عثمان رضي الله عنه، فرده عثمان إلى الشام،
وظل فيها هو ومنمعه، وبينما هم في الشام جاءتهم رسالة من رجل يسمى يزيد بن قيس من البصرة أنه سوفيعلن الثورة في البصرة جهرا، وأرسل لهم رسالة يستعين بهم، ولما وقعت الرسالة فيأيديهم ترددوا في أمر الثورة،
وأصر عليهم الأشتر النخعي، فقيل أنهم رجعوا معه، وقيللم يرجعوا معه، ولكنه عاد إلى الكوفة، وكما ذكرنا من قبل أنه كان مسموع الكلمة وذارأي في قومه.
وفي هذاالوقت أرسل عثمان رضي الله عنه إلى ولاته كي يستشيرهم في أمر هذه الفتنة،
فأرسل إلىمعاوية بن أبي سفيان واليه على الشام، وإلى عبد الله بن عامر واليه على البصرة،وسعيد بن العاص واليه على الكوفة، وعبد الله بن أبي سرح واليه على مصر، وجاءواجميعا إلى عثمان رضي الله عنه بالمدينة، وبعد أن عرض عليهم الموقف بدأوا يقولونرأيهم؛ فأشار عبد الله بن عامر أن يشغل الناس بالجهاد حتى لا يتفرغوا لهذه الأمور،وأشار سعيد بن العاص باستئصال شأفة المفسدين وقطع دابرهم، وأشار معاوية رضي اللهعنه بأن يرد كل وال إلى مصره فيكفيك أمره،
أما عبد الله بن أبي سرح فكان رأيه أنيتألفهم بالمال.
وقد جمععثمان رضي الله عنه في معالجة هذا الأمر بين كل هذه الآراء،
فخرج بعض الجيوش للغزو،وأعطى المال لبعض الناس، وكلف كل وال بمسئوليته عن مصره، ولكنه لم يستأصل شأفتهم.
إلى هذا الوقتلا زال الأمر لم يعلن عدا أمر العشرة الذين كانوا مع الأشتر النخعي في الكوفة،
وظهور أمر يزيد بن قيس في البصرة، ورجع الأمراء من عند عثمان رضي الله عنه إلى أقطارهم،
وعندما رجع سعيد بن العاص إلى الكوفة وجد أن الأشتر النخعي قد سبقه إليها،وقام بثورة كبيرة بعد أن جمع الجموع،
ونشر فيهم الفتنة نشرا عظيما، ومنع دخول سعيدبن العاص الكوفة،
وأصروا على أمرهم، وآثر سعيد بن العاص أن يقمع الفتنة فرفض الدخول في قتال معهم ورجع إلى عثمان رضي الله عنه، وأخبره بما حدث،
وآثر عثمان رضي اللهعنه السلامة في هذه البلاد التي تدير وسط وشمال فارس وارتضى أهل
الكوفة أن يولىعليهم أبو موسى الأشعري، ووافقهم عثمان رضي الله عنه على ذلك،
وكان ذلك سنة 34 هـ،وبدأ الطعن يكثر في عثمان رضي الله عنه، وتنتشر أفكار ابن سبأ في البلاد،
وأصبحللفتنة جذور في بلاد كثيرة، فكان يزيد بن قيس في البصرة،
والأشتر النخعي في الكوفة،وكذا حكيم بن جبلة، وعبد الله بن سبأ رأس الفتنة في مصر، ومعه كنانة بن بشر وسودانبن حمران.
وأراد رءوسالفتنة أن يشعلوا الأمر أكثر وأكثر، حتى يجتثوا الدولة الإسلامية من جذورها، فبدءوايكثرون الطعن على عثمان، ويكتبون هذه المطاعن المكذوبة، والمفتراة ويرسلونها إلىالأقطار ة بأسماء الصحابة افتراء على الصحابة، فيوقعون الرسائل باسم طلحة بنعبيد الله، والزبير بن العوام، والسيدة عائشة.
وكان من الصعب نظرا لصعوبة الاتصال وتنائي الأقطار أن يتمتنبيه الناس إلى كذب هذه الرسائل، وأن الصحابة رضوان الله عليهم لم يكتبوا هذهالمطاعن ولم يوقعوا عليها.
ومن ثم انقاد بعض الناس لهذه الفتنة، بينما انتظر آخرون حتى يتثبتوا من الأمر نظرا لخطورته.
وتلك المطاعن التي افتراها من أشعل هذه الفتنة هي الموجودةالآن في كتب الشيعة،
وعندما يطعنون ويسبون عثمان رضي الله عنه يذكرون هذه المطاعنالذي ذكرها هؤلاء المارقون عن الإسلام،
ويضعونها على أنها حقائق، وقد انساق ورائهمبعض الجهال من المسلمين كـزاهية قدورة التي ذكرت هذه المطاعن
على أنها حقائق،واتهمت بها عثمان رضي الله عنه والسيدة عائشة رضي الله عنها،
وذكرت أن السيدة عائشةألبت الناس على عثمان بن عفان رضي الله عنه،
وكأن الرسائل التي أرسلت من أصحاب الفتنة رسائل حقيقية أرسلتها السيدة عائشة، يقول ابن كثير:
قال أبو معاوية عن الأعمش عن خيثمة عن مسروق قال:قالت عائشة حين قتل عثمان:تركتموه
كالثوب النقي من الدنس ثم قتلتموه.
وفي رواية: ثم قربتموه، ثم ذبحتموه كما يذبح الكبش؟
فقال لها مسروق: هذا عملك، أنت كتبت إلى الناس تأمريهم أنيخرجوا إليه.
فقالت: لاوالذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون، ما كتبت لهم سوداء في بيضاء حتى جلستمجلسي هذا.
قال الأعمش: فكانوا يرون أنه كتب على لسانها، وهذا إسناد صحيح إليها.
وفي هذا وأمثاله دلالة ظاهرة على أن هؤلاءالخوارج قبحهم الله،
زوروا كتبا على لسان الصحابة إلى الآفاق يحرضونهم على قتالعثمان، كما قدمنا بيانه.
التهم والمطاعن المفتراة على عثمان
ما هي المطاعن التي أخذها هؤلاء المارقون علىالإسلام على عثمان رضي الله عنه، والتي لا زالت تتردد على ألسنة بعض المسلمين، وبعضالمذاهب إلى هذا الوقت:
التهمة الأولى: ضربه لابن مسعود حتى كسر أضلاعه كما يقولون،ومنعه عطاءه.
التهمةالثانية: ضربه عمار بن ياسر حتى فتق أمعاءه.
التهمة الثالثة: ابتدع في جمعه للقرآن وحرقهللمصاحف.
التهمةالرابعة: حمى الحمى، وهي مناطق ترعى فيها الإبل، وقالوا إنه جعل إبله فقط هي التي ترعى فيها، وفي الحقيقة لم تكن هذه إلا إبل الصدقة.
التهمة الخامسة: أنه أجلى أو نفى أبا ذر الغفاريإلى الربذة، وهي منطقة في شمال المدينة.
التهمة السادسة: أنه أخرج أبا الدرداء منالشام.
التهمة السابعة: أنه رد الحكم بن أبي العاص بعد أن نفاه رسول الله صلى الله عليهوسلم.
التهمة الثامنة: أنه أبطل سنة القصر في السفر، وذلك لأنه أتم الصلاة في (منى) لما ذهبللحج.
التهمة التاسعة: أنه ولى معاوية بن أبي سفيان وكان قريبا له.
التهمة العاشرة: ولى عبد الله بن عامر على البصره وهو قريبله.
التهمة الحادية عشر: أنه ولى مروان بن الحكم وكان قريبا له.
التهمة الثانية عشر: أنه ولى الوليد بن عقبة على الكوفة وهوفاسق.
التهمة الثالثةعشر: أنه أعطى مروان بن الحكم خمس غنائم إفريقية.
التهمة الرابعة عشر: كان عمر يضرب بالدرة- عصاصغيرة- أما هو فيضرب بعصا كبيرة.
التهمة الخامسة عشر: علا على درجة رسول الله صلى الله عليهوسلم وقد نزل عنها أبو بكر وعمر.
التهمة السادسة عشر: لم يحضر بدرا.
التهمة السابعة عشر: انهزم وفر يومأحد.
التهمة الثامنةعشر: غاب عن بيعة الرضوان.
التهمة التاسعة عشر: لم يقتل عبيد الله بن عمر بالهرمزان،وكان عبيد الله بن عمر قد تيقن من أن الهرمزان
قد شارك في الإعداد لقتل أبيه عمر بنالخطاب فقتله.
التهمةالعشرون: أنه كان يعطي أقرباءه، ولا يعطي عامة المسلمين.
وهذه التهم كلها جاءت في رواية واحدة، بينماتضيف روايات أخرى تهما أخرى، وهي موجودة إلى الآن ليس في كتب الشيعة فحسب، بل فيكتابات الجهال من المسلمين الذين ينقلون عن روايات الشيعة الموضوعة دون أن يعلمواأنها موضوعة، أو ممن لا يريد لدولة الإسلام أن تقوم، مدعيا أن دولة الإسلام إذاقامت سوف يحدث مثل هذا الأمر، فقد حدث ذلك بين الصحابة أنفسهم، فكيف تقوم دولةالإسلام في عهدنا نحن.
وانتشرت هذه التهم المفتراة في الأمصار والبلاد، ولم يكنمحفوظا من هذا الأمر غير بلاد الشام، وبدأ الناس يجهزون أنفسهم للأمر بالمعروفوالنهي عن المنكر، وإزالة عثمان بن عفان عن الحكم لأنه فعل هذهالأمور.
نسأل الله تعالىأن يعيننا على الدفاع عن عثمان بن عفان رضي الله عنه ونفي هذه التهم المنسوبة إليهكذبا وافتراء، وأن ننشر هذا الدفاع بين المسلمين، وننشره بين الشيعة إذا استطعنا،ونعرف الناس بالحقائق من خلال التاريخ الصادق الصحيح النقل، والعقل والمنطق، والفقهالسليم، ونسأل الله أن يتقبل منا جميعا.
وللحديث بقيه انتظرونا