الصبر و الشكر

مجتمع رجيم / عــــام الإسلاميات
كتبت : طالبة الفردوس
-
26502006071503v.gif


0540.gif

اعلم أن الله - تعالى - قرن الشكر بالذكر في كتابه
فقال - تعالى - : ( فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون )
[ البقرة : 152 ]

وقال - تعالى - : ( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ) [ النساء : 147 ]

وقال - تعالى - : ( وسنجزي الشاكرين ) [آل عمران : 145 ]
وقطع - تعالى - بالمزيد مع الشكر فقال سبحانه : ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) [ إبراهيم : 7 ]

ومن الأحاديث قوله - صلى الله عليه وسلم - : " الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر " . صحيح

بيان الشكر في حق الله تعالى

اعلم أن العبد لا يكون شاكرا لمولاه إلا إذا استعمل نعمته في محبته ، أي فيما أحبه لعبده لا لنفسه ، وأما إذا استعمل نعمته فيما كرهه فقد كفر نعمته ، كما إذا أهملها وعطلها ، وإن كان هذا دون الأول إلا أنه كفران للنعمة بالتضييع
وكل ما خلق في الدنيا إنما خلق آلة للعبد ليتوصل به إلى سعادته .


ثم إن فعل الشكر وترك الكفر لا يتم إلا بمعرفة ما يحبه الله - تعالى - عما يكرهه ، ولتمييز ذلك مدركان :

أحدهما : السمع ومستنده الآيات والأخبار .
[ ص: 286 ]

الثاني : بصيرة القلب ، وهو النظر بعين الاعتبار لإدراك حكمة الله - تعالى - في كل موجود خلقه ، إذ ما خلق شيئا في العالم إلا وفيه حكمة ، وتحت الحكمة مقصود ، وذلك المقصود هو المحبوب .

وتلك الحكمة منقسمة إلى جلية وخفية : أما الجلية فكالعلم بأن الحكمة في خلق الشمس أن يحصل بها الفرق بين الليل والنهار فيكون النهار معاشا والليل لباسا فتتيسر الحركة عند الإبصار والسكون عند الاستتار ، فهذا من جملة حكم الشمس لا كل الحكم فيها ، بل فيها حكم أخرى كثيرة دقيقة ، وكذلك معرفة الحكمة في الغيم ونزول الأمطار وذلك لانشقاق الأرض بأنواع النبات ؛ مطعما للخلق ومرعى للأنعام .

وقد انطوى القرآن على جملة من الحكم الجلية التي تحملها أفهام الخلق دون الدقيق الذي يقصرون عن فهمه
إذ قال - تعالى - : ( أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا ) [ عبس : 25 - 28 ] الآية .

وأما الحكمة في سائر الكواكب فخفية لا يطلع عليها كافة الخلق ، والقدر الذي يحتمله فهم الخلق أنها زينة للسماء ؛ لتستلذ العين بالنظر إليها ، وأشار إليه قوله - تعالى - : ( إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب ) [ الصافات : 6 ]
فجميع أجزاء العالم سماؤه وكواكبه ورياحه وبحاره وجباله ومعادنه ونباته وحيواناته وأعضاء حيواناته لا تخلو ذرة من ذراته
عن حكم كثيرة من حكمة واحدة إلى عشر إلى ألف إلى عشرة آلاف .

وكذا أعضاء الحيوان تنقسم إلى ما يعرف حكمتها كالعلم بأن العين للإبصار واليد للبطش والرجل للمشي ، وهكذا .

فإذن كل من استعمل شيئا في جهة غير الجهة التي خلق لها ولا على الوجه الذي أريد به فقد كفر فيه نعمة الله - تعالى
فمن ضرب غيره بيده فقد كفر نعمة اليد إذ خلقت له اليد ليدفع بها عن نفسه ما يهلكه ، ويأخذ ما ينفعه لا ليهلك بها غيره
ومن نظر إلى وجه غير المحرم فقد كفر نعمة العين إذ خلقت ليبصر بها ما ينفعه في دينه ودنياه ، ويتقي بها ما يضره فيهما .

وكذا من نعم الله - تعالى - خلق الدراهم والدنانير وبهما قوام الدنيا ، وهما حجران لا منفعة في أعيانهما ولكن يضطر الخلق إليهما من حيث إن كل إنسان محتاج إلى أعيان كثيرة في مطعمه وملبسه وسائر حاجاته ، وقد يعجز عما يحتاج إليه ويملك ما يستغني عنه ، فخلقت لتقدر بهما الأموال فتتداولهما الأيدي ويكونا حاكمين بين الأموال بالعدل ، ولحكمة أخرى وهي التوسل بهما إلى سائر الأشياء ، ولحكم أخرى ، فكل من عمل فيهما عملا يخالف الغرض المقصود منهما فقد كفر نعمة الله فيهما ، فإذن من كنزهما فقد ظلمهما وأبطل الحكمة فيهما .

وكذا من كسر غصنا من شجرة من غير حاجة ناجزة مهمة ومن غير غرض صحيح فقد كفر نعمة الله - تعالى - في خلق الأشجار وخلق اليد ، أما اليد فإنها لم تخلق للعبث بل للطاعة والأعمال المعينة على الطاعة ، وأما الشجر فإنما خلقه الله - تعالى - وجعل له العروق وساق إليه الماء وخلق فيه قوة الاغتذاء والنماء ليبلغ منتهى نشوئه فينتفع به عباده ، فكسره قبل منتهى نشوئه لا على وجه ينتفع به عباده مخالفة لمقصود الحكمة وعدول عن العدل ، فإن كان له غرض صحيح فله ذلك ؛ إذ الشجر والحيوان جعلا فداء لأغراض الإنسان ، فإنهما جميعا فانيان هالكان فإفناء الأخس في بقاء الأشرف مدة ما أقرب إلى العدل من تضييعهما جميعا
وإليه الإشارة بقوله - تعالى - : ( وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه ) [ الجاثية : 13 ] [ ص: 287 ] .

وبالجملة فمن فهم حكمة الله - تعالى - في جميع أنواع الموجودات قدر على القيام بوظيفة الشكر ، واستقصاء ذلك يطول .

ما يشترك فيه الصبر والشكر

اعلم أنه ما من نعمة من النعم الدنيوية إلا ويجوز أن تكون بلاء بالإضافة ، ونعمة كذلك ، فرب عبد تكون له الخيرة في الفقر والمرض ولو صح بدنه وكثر ماله لبطر وبغى
قال الله - تعالى - :( ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ) [ الشورى : 27 ]
وقال - تعالى - : ( كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ) [ العلق : 6 و 7 ]
وكذلك الزوجة والولد والقريب وأمثالها ؛ فإن الله - تعالى - لم يخلق شيئا إلا وفيه حكمة ونعمة أيضا .

فإذن في خلق الله - تعالى - البلاء نعمة أيضا إما على المبتلى أو على غير المبتلى ، فإذن كل حالة لا توصف بأنها بلاء مطلق
ولا نعمة مطلقة فيجتمع فيها على العبد وظيفتان : الصبر والشكر جميعا .

فإن قلت : فهما متضادان فكيف يجتمعان إذ لا صبر إلا على غم ، ولا شكر إلا على فرح ؟
فاعلم أن الشيء الواحد قد يغتم به من وجه ويفرح به من وجه آخر ، فيكون الصبر من حيث الاغتمام والشكر من حيث الفرح ، وفي كل فقر ومرض وخوف وبلاء في الدنيا خمسة أمور ينبغي أن يفرح العاقل بها ويشكر عليها :

أحدها : أن كل مصيبة ومرض فيتصور أن يكون أكبر منها ، إذ مقدورات الله - تعالى - لا تتناهى ، فلو ضعفها الله وزادها ماذا كان يرده ويحجزه ؟ فليشكر إذ لم تكن أعظم منها في الدنيا .

الثاني : أنه كان يمكن أن تكون مصيبته في دينه ، وفي الخبر : " اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا " .

الثالث : أنه ما من عقوبة إلا ويتصور أن تؤخر إلى الآخرة ، ومصائب الدنيا يتسلى عنها بأسباب أخر ، تهون المصيبة فيخف وقعها ، ومصيبة الآخرة تدوم ، فلعله لم تؤخر عقوبته إلى الآخرة وعجلت عقوبته في الدنيا ، فلم لا يشكر الله على ذلك ؟

[ ص: 288 ]
الرابع : أن هذه المصيبة والبلية كانت مكتوبة عليه في أم الكتاب ، وكان لا بد من وصولها إليه وقد وصلت ووقع الفراغ واستراح من بعضها أو من جميعها ، فهذه نعمة .
الخامس : أن ثوابها أكثر منها ، فإن مصائب الدنيا طرق إلى الآخرة ، وكل بلاء في الأمور الدنيوية مثاله الدواء الذي يؤلم في الحال وينفع في المآل ، فمن عرف هذا تصور منه أن يشكر على البلايا ، ومن لم يعرف هذه النعم في البلاء لم يتصور منه الشكر
لأن الشكر يتبع معرفة النعمة بالضرورة ، ومن لا يؤمن بأن ثواب المصيبة أكبر من المصيبة لم يتصور منه الشكر على المصيبة ، والأخبار الواردة في ثواب الصبر على المصائب كثيرة
ويكفي في ذلك قوله - تعالى - : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) [ الزمر : 10 ] .

ثم مع فضل النعمة في البلاء كان - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ في دعائه من بلاء الدنيا وعذاب الآخرة ، وكان يستعيذ من شماتة الأعداء وغيرها
وفي الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم - : " سلوا الله العافية ؛
فإن أحدا لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية "
حسن صحيح
وأشار باليقين إلى عافية القلب عن مرض الجهل والشك ، فعافية القلب أعلى من عافية البدن ، وفي دعائه - صلى الله عليه وسلم - : " وعافيتك أحب إلي " .

فنسأل الله - تعالى - المان بفضله على جميع خلقه العفو والعافية في الدين والدنيا ، والآخرة لنا ولجميع المسلمين .

كتبت : *بنت الإسلام*
-
شكرا حبيبتي
بارك الله فيك لانتقائك الرائع
كتبت : || (أفنان) l|
-
جوزيت الجنان وحدائق الرحمن على الاختيار الرااقي
عافاك المولي على ما خطت يداكِ
باقات عطري أهبها لكِ

..نقل مستحق ..
والدين .. على نصفين الصبر والشكر
كتبت : طالبة الفردوس
-
أسعدني مروركم العطر
وردودكم الرائــــعة
بارك الله فيكم

كتبت : سنبلة الخير .
-
جزاكِ الله خيرا الجزاء
اختيار مميز كصاحبته
سلمت يداكِ
اثابكِ الله
كتبت : {*زينب*}
-
الصفحات 1 2 

التالي

•°•° ابتسم... واحتسب •°•°•

السابق

الشهوات ومواجهتها

كلمات ذات علاقة
الصبر , السكر