ثم إن التداخل والاشتراك بين هذين السببين أعظم من الصور التي ينفرد كل منهما به :
ألا ترى أن من ابتلاه الله بمصيبة بسبب ذنبه فصبروشكرغفر الله تعالى له ذنبه ،ورفع درجته في الجنة ،ووفاه أجر الصابرين المحتسبين .
كما أن من بتلاه الله بالمصيبة ليبلغ المنزلة الرفيعة التي كتبها له في الجنة ، تكفر عنه ذنوبه السالفة وتعتبر جزاء له عليها في الدنيا فلا تكرر عليه في الآخرة ،
كما وقع لبعض الرسل والأنبياء : كآدم عليه السلام ، ويونس عليه السلام ، حين ابتلى الله سبحانه وتعالى آدم بالإخراج من الجنة وابتلى يونس بن متى بالغرق في بطن الحوت ، فرفعهما الله بهذا البلاء لصبرهما واحتسابهما الثواب عنده سبحانه وكانت كفارة للمخالفة التي وقعت من كل منهما عليهما الصلاة والسلام .
ويدلك على ذلك أن الجزاء الدنيوي لا ينفصل عن الجزاء الأخروي ،وأن اقتران ذكر هذين السببين جاء في كثير من الأحاديث النبوية الصحيحة ،
ومع ذلك فقد يكون أحد هذين السببين أظهر في بعض صور البلاء من السبب الآخر
ويمكن فهم ذلك من خلال قرائن الحال التي تتعلق بتلك المصيبة : فإذا كان المبتلى كافرا : فلا يمكن أن يكون بلاؤه لرفعة درجته ،فالكافر ليس له عند الله وزن يوم القيامة ،لكن قد يكون في ذلك عبرة وعظة لغيره ، ألا يفعل مثل فعله ، وقد يكون من ذلك من عاجل عقاب الله له في الدنيا، زيادة على ما ادخره له في الآخرة .
وأما إذا كان المبتلى مسلما عاصيا مجاهرا ، أو فاسقا ظاهر الفسق : فقد يغلب على الظن وجه المجازاة والعقوبة بهذا الابتلاء ، لأن تكفير السيئات أسبق من رفع الدرجات ، والعاصي أحوج إلى تكفير سيئاته من رفع درجاته .
وفي المقابل إذا كان المسلم عابدا طائعا صالحا ، ليس بينه وبين الله إلا العبودية الحقة
والشكر والحمد والإنابة والإخبات إليه سبحانه :
فهذا يغلب على الظن في ابتلائه وجه المكرمة ورفع الدرجات والعباد شهداء الله في الأرض
فإذا عرفوا فيه الصلاح كان لهم أن يبشروه برفعة الدرجات عند الله تعالى إن هو صبر على بلائه .
وأما إذا أبدى المبتلى السخط والجزع فلا يظن أن يكون ابتلاؤه مكرمة من الله له لرفع درجاته ، وقد علم سبحانه منه عدم الصبر والرضا فالأقرب في هذه القرينة وجه المجازاة والعقوبة
وقد قال بعض الصالحين : "علامة الابتلاء على وجه العقوبة والمقابلة : عدم الصبر عند وجود البلاء ، والجزع والشكوى إلى الخلق .
وعلامة الابتلاء تكفيراً وتمحيصاً للخطيئات :
وجود الصبر الجميل من غير شكوى
ولا جزع ولا ضجر
ولا ثقل في أداء الأوامر والطاعات .
وعلامة الابتلاء لارتفاع الدرجات :
وجود الرضا والموافقة
وطمأنينة النفس والسكون للأقدار حتى تنكشف " انتهى.
وهكذا ، ما هي إلا قرائن ظنية يمكن للعبد أن يتأمل فيها ليعرف شيئا من حكمة الله تعالى في المصائب والمحن ، لا ليجزم في الحكم بها على نفسه ، أو على عباد الله المبتلين .
ولعل الأهم من هذا التفصيل كله أن يقال :
إن الفائدة العملية التي ينبغي للعبد التأمل فيها هي أن كل مصيبة وابتلاء هي له خير وأجر إن هو صبر واحتسب ، وأن كل ابتلاء ومصيبة هي له سوء وشر إن جزع وتسخط ، فإن وطَّن نفسه على تحمل المصائب ، والرضى عن الله بقضائه ، فلا يضره بعد ذلك إن علم سبب البلاء أو لم يعلمه ،
بل الأَوْلى به دائما أن يتَّهِم نفسه بالذنب والتقصير ، ويفتش فيها عن خلل أو زلل ، فكلنا ذوو خطأ ، وأينا لم يفرط في جنب الله تعالى
وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أصاب المسلمين يوم أحد بمقتلة عظيمة ، وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وخير البشر بعد الرسل والأنبياء ، بسبب مخالفةِ أمرِ النبي صلى الله عليه وسلم
فكيف يظن المرء بعد ذلك في نفسه استحقاق رفعة الدرجات في كل ما يصيبه
وقد كان إبراهيم بن أدهم رحمه الله – إذا رأى اشتداد الريح وتقلب السماء – يقول : هذا بسبب ذنوبي ، لو خرجت من بينكم ما أصابكم .
فكيف بحالنا نحن المقصرين المذنبين.
ثم أولى من ذلك كله وأهم ، أن يحسن العبد الظن بربه دائما ، وعلى كل حال ؛ فالله سبحانه وتعالى هو أولى بالجميل وهو أهل التقوى وأهل المغفرة .
نسأل الله تعالى أن يرحمنا ويغفر لنا ، وأن يعلمنا ما ينفعنا ، ويأجرنا في مصائبنا ، إنه سميع مجيب الدعوات .
وانظر جواب السؤال رقم : (13205)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
كتبت :
كلمة صدق
-
جزاك الله خيرا يا غالية
موضوع رائع كما اعتدنا منك دائما
تقبلي مروري المتواضع
دمت بود
كتبت :
توليب’’
-
كتبت :
* أم أحمد *
-
جزاك الله خير الجزاء مواضيعك جميلة وهادفهـ ولها من الفائدهـ الشي الكبير أشكركـ بعدد نجوم السماء على رووعة طرحكـ مودتي لكـ
كتبت :
سنبلة الخير .
-
اختيار رائع جزاكِ الله خيرا وبارك الله لك نسال الله ان يغفر لنا ويعفو عنا وهو ارحم الراحمين اثابك الله
كتبت :
|| (أفنان) l|
-
شكراً جزيلاً لكرم مروركن وتواصلكن الرائع
جزاكن الله كل خير وجعلها في ميزانكن حسنات مضاعفة
ربي مايحرمني طلاتكن الراقية