السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين .
(2)
...وأما الأحاديث التي أوجبت الالتزام بالجماعة وعدم الخروج عليها ،فقد اختلف العلماء في المقصود بالجماعة الواردة في الأحاديث خلاف تنوع لا تضاد ولا تعارض فيه فيما نرى :
1/ فذهب البعض إلى أن الجماعة هنا هم الصحابة دون من بعدهم ،(فإنهم الذين أقاموا عماد الدين وأرسوا أوتاده ،وهم الذين لا يجتمعون على ضلالة أبدا).وهذا القول المروي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.
فعلى هذا القول فلفظ الجماعة مطابق للرواية الأخرى في قوله عليه الصلاة والسلام : " ما أنا عليه اليوم وأصحابي ". فكأنه راجع إلى ما قالوه وما سنّوه ،وما اجتهدوا فيه ،فهو حجة على الإطلاق بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،لهم بذلك خصوصا في قوله : " فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين..." الحديث . وأشباهه.
2/ وقيل : هم أهل العلم والفقه والحديث من الأئمة المجتهدين ،( لأن الله جعلهم حجة على الخلق والناس تبع لهم في أمر الدين ). وهذا قول البخاري فإنه قال : ( باب " وكذلك جعلناكم أمة وسطا ". وما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم الجماعة ، وهم : أهل العلم ).
وقال الترمذي : ( وتفسير الجماعة عند أهل العلم : هم أهل الفقه والعلم و الحديث ،ثم ساق روايته عن ابن المبارك حين قال : أبو بكر وعمر - لما سئل عن الجماعة -).
وقال ابن سنان : ( هم أهل العلم وأصحاب الآثار).
وعلى هذا فالجماعة هم أهل السنة العالمون العارفون المجتهدون. فيخرج من هؤلاء المبتدعة. كما يخرج منهم العامة المقلدون ،فإنهم لا يقتدى بهم ،وإنما الغالب فيهم أنهم يكونون تبعا للعلماء.
3/ وقيل : الجماعة هم جماعة أهل الإسلام إذا أجمعوا على أمر من أمور الشرع .( أي أهل الإجماع إذا أجمعوا على مسألة أو حكم سواء كان في الشرع أو الاعتقاد .وهذا قول مأخوذ من الحديث: " لا تجتمع أمتي على ضلالة".
يقول ابن حجر تعليقا على قول البخاري - وهم أهل العلم - : ( والمراد بالجماعةأهل الحل والعقد من كل عصر ).
وقال الكرماني : (مقتضى الأمر بلزوم الجماعة أنه يلزم المكلّف متابعة ما أجمع عليه المجتهدون ،وهو المراد بقوله - وهم أهل العلم - والآية التي ترجم لها ( أي البخاري)،احتج بها أهل الأصول لكون الإجماع حجة ،لأنهم عدلوا بقوله تعالى : " جعلناكم أمة وسطا " أي عدولا. ومقتضى ذلك أنهم عُصموا من الخطأ فيما أجمعوا عليه قولا وفعلا ) .وهذا القول راجع إلى القول الثاني.
(3)
4/ وقيل : هم السواد الأعظم . وعليه تُحمل رواية (وهم السواد الأعظم). قال في النهاية : ( وفيه : عليكم بالسواد الأعظم : أي جماعة الناس ومعظمهم الذين يجتمعون على طاعة السلطان وسلوك النهج القويم ).
وهذا قول مروي عن أبي غالب الذي قال : ( إن السواد الأعظم هم الناجون من الفرق ،فما كانوا عليه من أمر دينهم فهو الحق ، ومن خالفهم مات ميتة جاهلية،سواء خالفهم في شيء من الشريعة أو في إمامهم وسلطانهم ،فهو مخالف للحق). وممن قال بهذا أبو مسعود الأنصاري وابن مسعود.
يقول الشاطبي معقبا : ( فعلى هذا القول يدخل في الجماعة مجتهدوا الأمة وعلماؤها وأهل الشريعة العاملون بها.ومن سواهم داخلون في حكمهم ،لأنهم تابعون لهم ،مقتدون بهم. فكل من خرج عن جماعتهم فهم الذين شذوا وهم نهبة الشيطان .ويدخل في هؤلاء جميع أهل البدع ،لأنهم مخالفون لمن تقدم من الأمة ،لم يدخلوا في سوادهم بحال.)
5/ وقيل : الجماعة هي جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير .وهذا رأيالطبري الذي ذكر الأقوال السابقة.ثم قال : ( والصواب أن المراد من الخبر لزوم الجماعة الذين في طاعة من اجتمعوا على تأميره ،فمن نكث بيعته خرج عن الجماعة).
( فأمر عليه الصلاة والسلام ،بلزومه ونهى عن فراق الأمة فيما اجتمعوا عليه من تقديمه عليهم). وقال : ( أما الجماعة التي إذا اجتمعت على الرضا بتقديم أمير، كان المفارق لها ميتا ميتة جاهلية ،فهي الجماعة التي وصفها أبو مسعود الأنصاري ،وهم معظم الناس وكافتهم من أهل العلم والدين وغيرهم وهم السواد الأعظم).
وحاصل هذا القول : ( إن الجماعة راجعة إلى اجتماع على الإمام الموافق للكتاب والسنة ،وذلك ظاهر في أن الاجتماع على غير سنة خارج عن معنى الجماعة المذكورة في الأحاديث المذكورة).
هذه أهم الأقوال في معنى الجماعة التي ورد الأمر بلزومها ،وحاصلها أنالجماعة ترجع إلى أمرين:
1) أنها الجماعة إذا اجتمعوا على إمام على مقتضى الشرع ، فيجب لزوم هذه الجماعة ويحرم الخروج عليها.
2) أنها ما عليه أهل السنة من الاتباع وترك الابتداع ،أو هي المذهب الحق. وهذا معنى تفسير الجماعة بالصحابة ،أو أهل العلم ، أو أهل الإجماع ، أو السواد الأعظم ، فهي كلها ترجع إلى معنى واحد، وهو : من كان على مثل ما عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وأصحابه،سواء كان قليلا أو كثيرا ،بحسب أحوال الأمة واختلاف أمكنتها وأزمانها.
ولهذا قال عبد الله ابن مسعود : ( الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك) وفي لفظ : ( إنما الجماعة ما وافق طاعة الله وإن كنت وحدك ).