التفريغ النصى لجلسات الحج 2 للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
مجتمع رجيم / المحاضرات المفرغة
كتبت :
~ عبير الزهور ~
-
[frame="13 70"]
التفريغ النصى لجلسات الحج 2 للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
ابتدأ الشيخ هذه الجلسة بمذاكرة شروط الحج والعمرة، ثم دخل في موضوع مهم ألا وهو آداب الإحرام واستفاض في ذكرها، وذكر فروع بعض الآداب، ثم عقب ذلك بذكر محظورات الإحرام مبيناً الملابسات فيها، ذاكراً لقواعد تضبط هذه المحظورات.
شروط الحج والعمرة
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعــد: فإننا في هذه الليلة نلتقي اللقاء الثاني للكلام على ما يتعلق بالعمرة والحج؛ وذلك لأن معرفة ما يتعلق بالعمرة والحج أمر مهم جداً، فإن مسائله كثيرة متشابهة تشتبه حتى على طلاب العلم، ولهذا ينبغي أن يعتني الإنسان بمعرفة أحكام الحج والعمرة وما يتعلق بذلك حتى يؤدي هذا النسك على الوجه الذي يرضي الله سبحانه وتعالى.
سبق لنا أن قلنا:
إن الحج والعمرة لا يجبان إلا بشروط وهي:
الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، والاستطاعة، خمسة شروط لا يجب حج ولا عمرة إلا باستكمال هذه الشروط.
الإسلام والعقل شرطان للوجوب وللصحة، ولهذا لا يصح الحج ولا العمرة من كافر، ولا يصح الحج ولا العمرة من مجنون، والبلوغ شرط للوجوب والإجزاء وليس شرطاً للصحة، فما هو الدليل أن البلوغ ليس شرطاً للصحة؟
حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن امرأة رفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صبياً، فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم. ولك أجر)
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1336
خلاصة حكم المحدث: صحيح
والحرية شرط للوجوب والإجزاء وليست شرطاً للصحة؛ لأن الرقيق عاقل مسلم فيكون حجه وعمرته صحيحاً ولكن لا يجب عليه الحج ولا العمرة ولا يجزئ عنه، وهذه المسألة فيها خلاف، والقول الراجح: أن الرقيق إذا حج فحجه صحيح مجزئ إذا كان بالغاً عاقلاً مسلماً، والاستطاعة شرط للوجوب فقط، فلو أن الإنسان تكلف الحج وحج مع المشقة فحجه صحيح مبرئ للذمة، وذكرنا فيما سبق أن الاستطاعة وضدها العجز تكون بالمال وبالبدن، فالاستطاعة بالمال والبدن شرط للوجوب والأداء، والاستطاعة بالمال دون البدن شرط للوجوب دون الأداء، ولهذا من كان عاجزاً عن الحج والعمرة عجزاً لا يرجى زواله وعنده مال فإنه يلزمه أن يقيم من يحج عنه وأن يعتمر.
آداب الإحرام
ثم إن الإنسان إذا أراد الإحرام فإن له آداباً ينبغي له أن يقوم بها، منها:
الاغتسال
أن يغتسل كما يغتسل للجنابة، ولا فرق في هذا بين الذكر والأنثى ولا بين المرأة الحائض والطاهر، ولهذا لما ولدت أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر رضي الله عنه محمد بن أبي بكر في ذي الحليفة أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم كيف تصنع، قال: (اغتسلي واستذفري بثوب وأحرمي)
الراوي: محمد الباقر بن علي بن الحسين المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 1905
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فالاغتسال سنة لا يجب للإنسان أن يدعها إلا إذا لم يجد الماء أو خاف ضرراً باستعماله، وإذا لم يجد الماء أو خاف ضرراً باستعماله، فهل يتيمم لأنه غير قادر على الماء أو لا يتيمم؟ في هذا أيضاً خلاف بين العلماء، وذكرنا فيما سبق أن شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إنه لا يتيمم؛ لأن هذا ليس عن جنابة والتيمم إنما ورد فيما إذا كان الغسل عن حدث أو الوضوء عن حدث.
التطيب
كذلك ينبغي بعد الاغتسال أن يتطيب بأطيب ما يجد في رأسه ولحيته كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، قالت عائشة رضي الله عنها: (كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت) وقالت: (كأني أنظر إلى وبيض المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا يدل على أنه ينبغي أن يكثر من الطيب؛ لأن البريق واللمعان في المفارق يدل على أن الطيب كان كثيراً وهو كذلك.
التجرد من الثياب ولبس الإزار
وينبغي أيضاً: أن يتجرد من الثياب ليلبس إزاراً ورداءً، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين)
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: الألباني - المصدر: إرواء الغليل - الصفحة أو الرقم: 1096
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فيلبس الإزار والرداء، ويتجرد من المخيط، والأفضل أن يكون الإزار والرداء أبيضين نظيفين أو جديدين.
هذا بالنسبة للرجل، أما بالنسبة للمرأة فلتلبس ما شاءت من الثياب، غير أنها لا تتبرج بالزينة، بل تلبس ثيابها العادية ولا حرج عليها.
مسائل متفرقة في باب الإحرام
هل يشرع أن يطيب ثوب الإحرام؟
الجواب: لا.
لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس)
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: الألباني - المصدر: صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 2669
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فلا يجوز للإنسان أن يطيب الإزار والرداء، ولا أن تطيب المرأة ثيابها التي تحرم بها، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس) وبعد هذا يَشْرَعُ في النسك، أي: ينوي الدخول فيه كما ينوي الإنسان الدخول في الصلاة، فينوي أنه دخل وتلبس بالنسك، ويلبي ويذكر نسكه فيقول: لبيك اللهم عمرة إذا كان معتمراً، ويقول: لبيك اللهم حجاً إذا كان حاجاً، وإن كان قارناً قال: لبيك عمرة وحجاً
وهل يقول: لبيك عمرة متمتعاً بها إلى الحج؟
الجواب: لا.
لا حاجة أن يقول هذا لأن مجرد نية الإنسان الحج في هذا العام هو التمتع في الواقع، فالتمتع: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها ثم يحرم بالحج في عامه، ولا حاجة أن يقول: متمتعاً بها إلى الحج. بل يقول: لبيك عمرة.
وإذا كان من نيته أن يحج فهذا هو التمتع.
وهل يشترط عند الإحرام أن محله حيث حبس فيما لو حبسه حابس؟ فيه خلاف بين العلماء، والقول الراجح: أنه لا يشترط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط، إلا إذا كان يخشى من عائق يمنعه من إتمام النسك، فإذا كان يخشى من ذلك كما لو كان يخشى أن يفوته الوقوف بـعرفة أو يخشى أن يمرض أو ما أشبه ذلك فإنه لا بأس أن يشترط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـضباعة بنت الزبير وقد أتت إليه تخبره أنها تريد الحج وأنها شاكية، قال: (حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني فإن لك على ربك ما استثنيت).
الراوي: عائشة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 5089
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
أما من كان لا يخاف من عائق فالأفضل ألا يشترط وأن يعتمد على الله وأن يحسن الظن بالله، فإن هذا هو الأتبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن قال قائل: الحوادث يخشى منها؛ كحوادث السيارات، والإنسان إذا أصيب بالحادث ربما لا يتمكن من إتمام النسك أفلا نقول أنه يشرع الاشتراط على كل حال؟
فالجواب: لا.
أولاً: لأن الحوادث لو نسبتها إلى السيارات لوجدت أنها قليلة جداً، آلاف السيارات وتجد الحوادث لا تتجاوز المائة، فالحوادث قليلة، ثم إن الحوادث موجودة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ومع ذلك لم يشرع لأمته أن يشترطوا على كل حال، ألم تسمعوا قصة الرجل الذي وقصته ناقته وهو واقف بـعرفة حتى مات، فهذه حادثة، فالحوادث موجودة حتى في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وإلى يومنا هذا، لكن الأصل السلامة فالأفضل إذاً ألا تشترط إلا إذا خفت من عائق يمنعك من إكمال النسك. وهل تهل بالنسك إذا ركبت أو إذا علوت على البيداء إن كنت محرماً من ذي الحليفة أو من مكان الصلاة التي عقدت الإحرام بعدها؟ في هذا خلاف بين أهل العلم أيضاً بناء على اختلاف الروايات في هذا، والراجح: أن الروايات المختلفة يمكن الجمع بينها بما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَهلَّ دبر الصلاة فسمعه قوم، فقالوا: أهل دبر الصلاة، ولما ركب أهل فسمعه قوم، فقالوا: أهل حين ركب، ولما علا على البيداء أهل فسمعه قوم، فقالوا: أهل حين علت به ناقته على البيداء، وهذا الجمع جمع حسن، وعلى هذا فيكون الإهلال من حين أن تنتهي الصلاة؛ لأن المشروع أن يهل الإنسان عقب صلاة، فإذا وصلت إلى الميقات مثلاً في الضحى وتغسلت وحان وقت صلاة الظهر فصل الظهر ثم أحرم إذا فرغت من الصلاة، وإن لم تبق حتى صلاة الظهر فصل ركعتين سنة الضحى مثلاً وأحرم بعد هاتين الركعتين، وإن لم يكن وقت ضحى فصل ركعتين تنوي بهما سنة الوضوء، وأحرم بعدهما، وإن لم تفعل وأحرمت بدون دبر الصلاة فإحرامك صحيح.
ثم تسير إلى مكة متجهاً إليها، وتلبي إلى أن تشرع في الطواف إن كنت في العمرة، أو إلى أن ترمي جمرة العقبة يوم العيد إن كنت في حج، وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان صفة الحج والعمرة في مكان آخر، ولكننا الآن نتكلم على الذي يترتب على الإحرام.
محظورات الإحرام
ما الذي يترتب على الإحرام؟
يترتب على الإحرام اجتناب محظورات الإحرام، واجتناب جميع المحرمات، لقول الله تعالى فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197]
فمن حين أن يحرم الإنسان بحج أو عمرة تترتب عليه أي: على إحرامه أحكام الإحرام من تجنب المحظورات، ولنبدأ بالمحظورات حتى نعرفها ونتجنبها، فالمحظورات:
الطيب
أولاً: الطيب، فلا يجوز للإنسان بعد نية الإحرام أن يتطيب، والدليل على ذلك: حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الرجل الذي وقصته ناقته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحنطوه) أي: لا تجعلوا فيه طيباً، لأن الحنوط أخلاط من الطيب يطيب بها الميت، وهذا دليل على أنه لا يجوز للإنسان بعد نية الإحرام أن يتطيب، ولكنه قبل نية الإحرام يتطيب، وإذا بقي الطيب بعد نية الإحرام فلا حرج عليه، كما قالت عائشة رضي الله عنها: (كنت أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم) فإذا قال قائل: ما تقولون فيما إذا تطيب الإنسان قبل الإحرام وبقي الطيب ومسه الإنسان، أي: مس الطيب لغرض صحيح؛ كمسح رأسه في الوضوء وتخليل شعره في الغسل، وفي هذه الحال لابد أن يمس الطيب فهل يلزمه فدية ذلك؟ الجواب لا. لا يلزمه في ذلك فدية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتطيب قبل إحرامه وينظر إلى وبيص المسك في مفارقه، وهو يتوضأ بلا شك ويغتسل ويفرك رأسه، ولابد أن يعلق بيده شيء من الطيب، لكنه لم يستأنف الطيب بعد الإحرام، فهذا لا يضر، أولاً: لأن ذلك ظاهر السنة، والثاني: لأن التحرز منه شاق؛ لا يمكن للإنسان أن يتحرز من الطيب الذي تطيب به قبل الإحرام. الطيب الذي يجب على المحرم أن يتجنبه، هل هو خاص بطيب الثوب أو بطيب البدن، أو بطيب المأكول أو المشروب أو المفروش أم ماذا؟ نقول: هو عام، فلا يجوز للإنسان أن يستعمل الطيب بعد نية الإحرام لا في ثيابه ولا في بدنه، ولا في أكله ولا في شربه، ولا في أدوات التغسيل، وعلى هذا: فلا يجوز للمحرم أن يشرب قهوة فيها زعفران؛ لأن الزعفران من الطيب، وإذا شربها فقد مس الطيب، وكذلك أيضاً: لا يجوز أن يرش على فراشه شيئاً من الطيب ثم يضطجع عليه لأن هذا استعمال للطيب، هذا واحد من محظورات الإحرام.
الجماع ووسائله وذرائعه
الثاني: الجماع ووسائله وذرائعه، لقول الله تعالى: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ -والرفث هو: الجماع- وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197] فلا يجوز للمحرم أن يجامع زوجته بعد نية الإحرام، ولا تجوز مقدمات الجماع كالتقبيل واللمس بشهوة وما أشبه ذلك، بل ولا يجوز عقد النكاح الذي قد يكون ذريعة إلى الجماع وانشغال القلب بالزوجة الجديدة، بل ولا يجوز أن يخطب الإنسان امرأة؛ لأن هذا ذريعة إلى العقد ثم الدخول؛ ولأن هذا يوجب انشغال القلب عن النسك، فهذه أربعة أشياء: الجماع، ومقدمات الجماع، وعقد النكاح، والخطبة، كل هذا حرام وهو من محظورات الإحرام وأعظمها الجماع، قال أهل العلم: والجماع إذا كان قبل التحلل الأول ترتبت عليه أحكام:
أولا: الإثم
ثانياً: فساد النسك
ثالثاً: وجوب المضي فيه
رابعاً: وجوب قضائه من العام القادم
خامساً: الفدية: وهي بدنة يذبحها ويفرقها على المساكين
إذاً: الجماع أعظم محظورات الإحرام، وليس في محظورات الإحرام شيء يفسد النسك إلا الجماع قبل التحلل الأول، فإن وقع أعني الجماع بعد التحلل الأول تعلق فيه: أولاً: الإثم، ثانياً: فساد الإحرام، ثالثاً: فدية يخير فيها بين ذبح شاة أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو صيام ثلاثة أيام، والفدية على ما قال العلماء كفدية الأذى، أي يخير فيها بين أن يصوم ثلاثة أيام أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو يذبح شاة يتصدق بها على الفقراء، المثال: رجل رمى جمرة العقبة يوم العيد وحلق وجامع زوجته قبل أن يطوف طواف الإفاضة، هذا الجماع حصل بعد التحلل الأول، فيكون آثماً بذلك، ويفسد الإحرام دون النسك، إذاً: ماذا يصنع إذا فسد الإحرام؟
قال العلماء: يجدد إحرامه من الحل، أي: يذهب إلى التنعيم أو إلى عرفة ويحرم بإزار ورداء، ثم يطوف طواف الإفاضة وعليه الإزار والرداء ويسعى كذلك.
المباشرة والتقبيل من المحظورات لأنها وسائل للجماع، فإن الإنسان إذا قبل أو باشر كان من اليسير عليه أن يجامع؛ لأنها تثور شهوته فيجامع وقد لا يملك نفسه، ولهذا منع المحرم من المباشرة والتقبيل، فإن فعل باشر أو قبل ولم ينـزل فعليه فدية مخير فيها بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو ذبح شاة، وإن أنزل فإن كان قبل التحلل الأول فقد قال بعض العلماء: إن عليه بدنة، وقال آخرون:
إنه ليس عليه بدنة بل عليه فدية أذى، فيخير بين صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين أو ذبح شاة. وهذا القول هو الصحيح لأنه لا سواء بين الجماع وبين الإنزال بالمباشرة، بل بينهما فرق عظيم، فيكف نلزمه بفدية الجماع بدون دليل؟ الثالث: مما تعلق في الجماع: عقد النكاح، فلا يجوز للمحرم أن يعقد النكاح لنفسه ولا لغيره، ولا يجوز أن يعقد عليه، فلو زوج الرجل ابنته وهو محرم فإن ذلك حرام عليه والنكاح فاسد غير صحيح، ولو تزوج هو بنفسه فإنه حرام عليه والنكاح فاسد، ولو عقد على ابنته المحرمة وهو محل فهو آثم والنكاح فاسد غير صحيح. بقي الأمر الرابع وهو: الخطبة، فلا يحل للإنسان أن يخطب امرأة وهو محرم، لحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب) ولا يخطب عليه أيضاً، فلا يجوز للإنسان المحرم أن يخطب امرأة، ولا يجوز أن تخطب المرأة المحرمة، فإن فعل وخطب امرأة وهو محرم فليس له حق في هذه الخطبة، فيجوز لإنسان آخر أن يخطب هذه المرأة؛ لأن خطبة هذا الرجل المحرم فاسدة غير مشروعة فلا حق له، مع أن الخطبة على خطبة أخيه في الأصل حرام، لكن لما كانت خطبة المحرم خطبة فاسدة صار لا حق له في ذلك، وجاز لغيره أن يخطب هذه المرأة؛ لأن خطبة المحرم لها خطبة منهي عنها لا أثر لها ولا يترتب عليها أحكام الخطبة
تغطية الرأس
الثالث: تغطية الرجل رأسه، فلا يحل للرجل أن يغطي رأسه بملاصق وهو محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل الذي وقصته ناقته فمات: (لا تخمروا رأسه) فلا يجوز للمحرم أن يغطي رأسه بملاصق حال الإحرام؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. فإذا قال قائل: هذا في الميت؟ فإننا نقول: لا فرق بين الميت والحي، لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) فدل هذا على أن من كان حاله التلبية يثبت له هذا الحكم.
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1206
خلاصة حكم المحدث: صحيح
وقولنا: أن يغطي رأسه بملاصق، هل يشترط أن يكون معتاداً أم لا؟
يعني: لو ضع منديلاً على رأسه هل يحرم أو لا يحرم؟ يحرم؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لا تخمروا رأسه) فالفرق بين المعتاد كالطاقية والغترة والعمامة، وغير المعتاد كالمنديل مثلاً، فإن كان غير ملاصق فهو جائز، مثل الشمسية والخيمة ونحو ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن تغطية الرأس لا عن تظليل الرأس، والشيء البائن عن الرأس المبتعد عنه لا يقال: إنه غطى الرأس بل ظلل الرأس، ولهذا قالت أم الحصين : (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ضحى يوم العيد راكباً على ناقته ومعه بلال و أسامة وأحدهما يظلله بثوب من الحر حتى رمى جمرة العقبة) فدل هذا على أن التضليل ليس تغطية، وإذا قال قائل: لو وضع الإنسان يده على رأسه، هل يحرم؟ الجواب: لا. لأن هذا لا يعد ستراً في العادة ولا تغطية، فلو وضع إنسان يده على رأسه من شدة الحر مثلاً وهو محرم فلا بأس، ولو حمل عفشه على رأسه وهو محرم، فهل يجوز؟ نعم يجوز؛ لأن هذا لا يسمى ستراً في العادة ولا جرت العادة أن الإنسان إذا أراد أن يخمر رأسه ذهب يحمل المتاع، ولكن بعض أهل العلم قال: إن أراد بالحمل أي بحمل المتاع على رأسه الستر فإن ذلك حرام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)
الراوي: عمر بن الخطاب المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
ولكن الظاهر أن ذلك لا يضر مطلقاً؛ لأن هذا يسمى حملاً ولا يسمى ستراً.
أما المرأة فإنها تغطي رأسها وتغطي كذلك وجهها إذا مر الرجال قريباً منها، كما سيأتي إن شاء الله.
قتل الصيد
الرابع: قتل الصيد، لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:95] align="right">
أي: محرمون، فلا يجوز للمحرم أن يقتل الصيد سواء في داخل الحرم أو في خارج الحرم، وعلى هذا: فلو أنه رأى صيداً وهو واقف بـعرفة وأراد أن يصطاده، قلنا: إن هذا حرام، ولو رآه وهو في الحرم وأراد أن يصطاده، قلنا: هذا حرام من وجهين: من جهة أنك محرم، ومن جهة أنك في الحرم.
ما هو الصيد؟
قال العلماء: الصيد هو حيوان البر الحلال المتوحش أصلاً. فقولنا: (حيوان البر) خرج به حيوان البحر فلا يحرم على المحرم أن يصطاد السمك، فلو فرض أن هذا الرجل أحرم في جدة وذهب إلى البحر واصطاد سمكاً فإن هذا جائز لأنه ليس حيوان بر بل هو حيوان بحر، ولهذا قال الله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [المائدة:96]
واشترطنا أن يكون حلالاً: (حيوان البر الحلال) احترازاً من الحرام، فلا يحرم على المحرم أن يقتل حيواناً حراماً، كالذئاب والسباع وشبهها؛ لأنها ليست صيداً شرعاً، اشترطنا أن يكون (متوحشاً أصلاً) المتوحش: هو الذي ليس بأليف، هو الذي ينفر من الناس ولا يألفهم ولا يركنوا إليه، بل يفر ويهرب مثل الضباء والأرانب والحمام والوز وغير ذلك من الأشياء التي تعتبر متوحشة.
وقولنا: (أصلاً) دخل فيه ما لو استأنس الصيد وصار أليفاً فإنه لا يجوز صيده أو لا يجوز ذبحه، فلو استأنس الأرنب فهل يجوز للمحرم أن يذبحه؟
الجواب: لا.
لأن أصله صيد، ولهذا قلنا: (المتوحش أصلاً) فأصل هذا صيد فلا يجوز للمحرم أن يذبحه، ولو توحش صيد أليف أو حيوان أليف، مثل أن يهرب الكبش ويكون كالصيد يفر إذا رأى الناس، فهل يعتبر صيداً يحرم صيده للمحرم؟ الجواب: لا. لماذا؟ لأنه غير متوحش في أصله، والتوحش طارئ عليه، فإذا ند البعير أو هرب الكبش وأدركه إنسان وهو محرم فإنه يحل له أن يرميه ويكون حلالاً؛ لأنه ليس بصيد لأن الصيد هو المتوحش أصلاً.
التفريغ النصى لجلسات الحج 2 للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
ابتدأ الشيخ هذه الجلسة بمذاكرة شروط الحج والعمرة، ثم دخل في موضوع مهم ألا وهو آداب الإحرام واستفاض في ذكرها، وذكر فروع بعض الآداب، ثم عقب ذلك بذكر محظورات الإحرام مبيناً الملابسات فيها، ذاكراً لقواعد تضبط هذه المحظورات.
شروط الحج والعمرة
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعــد: فإننا في هذه الليلة نلتقي اللقاء الثاني للكلام على ما يتعلق بالعمرة والحج؛ وذلك لأن معرفة ما يتعلق بالعمرة والحج أمر مهم جداً، فإن مسائله كثيرة متشابهة تشتبه حتى على طلاب العلم، ولهذا ينبغي أن يعتني الإنسان بمعرفة أحكام الحج والعمرة وما يتعلق بذلك حتى يؤدي هذا النسك على الوجه الذي يرضي الله سبحانه وتعالى.
سبق لنا أن قلنا:
إن الحج والعمرة لا يجبان إلا بشروط وهي:
الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، والاستطاعة، خمسة شروط لا يجب حج ولا عمرة إلا باستكمال هذه الشروط.
الإسلام والعقل شرطان للوجوب وللصحة، ولهذا لا يصح الحج ولا العمرة من كافر، ولا يصح الحج ولا العمرة من مجنون، والبلوغ شرط للوجوب والإجزاء وليس شرطاً للصحة، فما هو الدليل أن البلوغ ليس شرطاً للصحة؟
حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن امرأة رفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صبياً، فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم. ولك أجر)
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1336
خلاصة حكم المحدث: صحيح
والحرية شرط للوجوب والإجزاء وليست شرطاً للصحة؛ لأن الرقيق عاقل مسلم فيكون حجه وعمرته صحيحاً ولكن لا يجب عليه الحج ولا العمرة ولا يجزئ عنه، وهذه المسألة فيها خلاف، والقول الراجح: أن الرقيق إذا حج فحجه صحيح مجزئ إذا كان بالغاً عاقلاً مسلماً، والاستطاعة شرط للوجوب فقط، فلو أن الإنسان تكلف الحج وحج مع المشقة فحجه صحيح مبرئ للذمة، وذكرنا فيما سبق أن الاستطاعة وضدها العجز تكون بالمال وبالبدن، فالاستطاعة بالمال والبدن شرط للوجوب والأداء، والاستطاعة بالمال دون البدن شرط للوجوب دون الأداء، ولهذا من كان عاجزاً عن الحج والعمرة عجزاً لا يرجى زواله وعنده مال فإنه يلزمه أن يقيم من يحج عنه وأن يعتمر.
آداب الإحرام
ثم إن الإنسان إذا أراد الإحرام فإن له آداباً ينبغي له أن يقوم بها، منها:
الاغتسال
أن يغتسل كما يغتسل للجنابة، ولا فرق في هذا بين الذكر والأنثى ولا بين المرأة الحائض والطاهر، ولهذا لما ولدت أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر رضي الله عنه محمد بن أبي بكر في ذي الحليفة أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم كيف تصنع، قال: (اغتسلي واستذفري بثوب وأحرمي)
الراوي: محمد الباقر بن علي بن الحسين المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 1905
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فالاغتسال سنة لا يجب للإنسان أن يدعها إلا إذا لم يجد الماء أو خاف ضرراً باستعماله، وإذا لم يجد الماء أو خاف ضرراً باستعماله، فهل يتيمم لأنه غير قادر على الماء أو لا يتيمم؟ في هذا أيضاً خلاف بين العلماء، وذكرنا فيما سبق أن شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إنه لا يتيمم؛ لأن هذا ليس عن جنابة والتيمم إنما ورد فيما إذا كان الغسل عن حدث أو الوضوء عن حدث.
التطيب
كذلك ينبغي بعد الاغتسال أن يتطيب بأطيب ما يجد في رأسه ولحيته كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، قالت عائشة رضي الله عنها: (كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت) وقالت: (كأني أنظر إلى وبيض المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا يدل على أنه ينبغي أن يكثر من الطيب؛ لأن البريق واللمعان في المفارق يدل على أن الطيب كان كثيراً وهو كذلك.
التجرد من الثياب ولبس الإزار
وينبغي أيضاً: أن يتجرد من الثياب ليلبس إزاراً ورداءً، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين)
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: الألباني - المصدر: إرواء الغليل - الصفحة أو الرقم: 1096
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فيلبس الإزار والرداء، ويتجرد من المخيط، والأفضل أن يكون الإزار والرداء أبيضين نظيفين أو جديدين.
هذا بالنسبة للرجل، أما بالنسبة للمرأة فلتلبس ما شاءت من الثياب، غير أنها لا تتبرج بالزينة، بل تلبس ثيابها العادية ولا حرج عليها.
مسائل متفرقة في باب الإحرام
هل يشرع أن يطيب ثوب الإحرام؟
الجواب: لا.
لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس)
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: الألباني - المصدر: صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 2669
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فلا يجوز للإنسان أن يطيب الإزار والرداء، ولا أن تطيب المرأة ثيابها التي تحرم بها، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس) وبعد هذا يَشْرَعُ في النسك، أي: ينوي الدخول فيه كما ينوي الإنسان الدخول في الصلاة، فينوي أنه دخل وتلبس بالنسك، ويلبي ويذكر نسكه فيقول: لبيك اللهم عمرة إذا كان معتمراً، ويقول: لبيك اللهم حجاً إذا كان حاجاً، وإن كان قارناً قال: لبيك عمرة وحجاً
وهل يقول: لبيك عمرة متمتعاً بها إلى الحج؟
الجواب: لا.
لا حاجة أن يقول هذا لأن مجرد نية الإنسان الحج في هذا العام هو التمتع في الواقع، فالتمتع: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها ثم يحرم بالحج في عامه، ولا حاجة أن يقول: متمتعاً بها إلى الحج. بل يقول: لبيك عمرة.
وإذا كان من نيته أن يحج فهذا هو التمتع.
وهل يشترط عند الإحرام أن محله حيث حبس فيما لو حبسه حابس؟ فيه خلاف بين العلماء، والقول الراجح: أنه لا يشترط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط، إلا إذا كان يخشى من عائق يمنعه من إتمام النسك، فإذا كان يخشى من ذلك كما لو كان يخشى أن يفوته الوقوف بـعرفة أو يخشى أن يمرض أو ما أشبه ذلك فإنه لا بأس أن يشترط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـضباعة بنت الزبير وقد أتت إليه تخبره أنها تريد الحج وأنها شاكية، قال: (حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني فإن لك على ربك ما استثنيت).
الراوي: عائشة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 5089
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
أما من كان لا يخاف من عائق فالأفضل ألا يشترط وأن يعتمد على الله وأن يحسن الظن بالله، فإن هذا هو الأتبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن قال قائل: الحوادث يخشى منها؛ كحوادث السيارات، والإنسان إذا أصيب بالحادث ربما لا يتمكن من إتمام النسك أفلا نقول أنه يشرع الاشتراط على كل حال؟
فالجواب: لا.
أولاً: لأن الحوادث لو نسبتها إلى السيارات لوجدت أنها قليلة جداً، آلاف السيارات وتجد الحوادث لا تتجاوز المائة، فالحوادث قليلة، ثم إن الحوادث موجودة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ومع ذلك لم يشرع لأمته أن يشترطوا على كل حال، ألم تسمعوا قصة الرجل الذي وقصته ناقته وهو واقف بـعرفة حتى مات، فهذه حادثة، فالحوادث موجودة حتى في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وإلى يومنا هذا، لكن الأصل السلامة فالأفضل إذاً ألا تشترط إلا إذا خفت من عائق يمنعك من إكمال النسك. وهل تهل بالنسك إذا ركبت أو إذا علوت على البيداء إن كنت محرماً من ذي الحليفة أو من مكان الصلاة التي عقدت الإحرام بعدها؟ في هذا خلاف بين أهل العلم أيضاً بناء على اختلاف الروايات في هذا، والراجح: أن الروايات المختلفة يمكن الجمع بينها بما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَهلَّ دبر الصلاة فسمعه قوم، فقالوا: أهل دبر الصلاة، ولما ركب أهل فسمعه قوم، فقالوا: أهل حين ركب، ولما علا على البيداء أهل فسمعه قوم، فقالوا: أهل حين علت به ناقته على البيداء، وهذا الجمع جمع حسن، وعلى هذا فيكون الإهلال من حين أن تنتهي الصلاة؛ لأن المشروع أن يهل الإنسان عقب صلاة، فإذا وصلت إلى الميقات مثلاً في الضحى وتغسلت وحان وقت صلاة الظهر فصل الظهر ثم أحرم إذا فرغت من الصلاة، وإن لم تبق حتى صلاة الظهر فصل ركعتين سنة الضحى مثلاً وأحرم بعد هاتين الركعتين، وإن لم يكن وقت ضحى فصل ركعتين تنوي بهما سنة الوضوء، وأحرم بعدهما، وإن لم تفعل وأحرمت بدون دبر الصلاة فإحرامك صحيح.
ثم تسير إلى مكة متجهاً إليها، وتلبي إلى أن تشرع في الطواف إن كنت في العمرة، أو إلى أن ترمي جمرة العقبة يوم العيد إن كنت في حج، وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان صفة الحج والعمرة في مكان آخر، ولكننا الآن نتكلم على الذي يترتب على الإحرام.
محظورات الإحرام
ما الذي يترتب على الإحرام؟
يترتب على الإحرام اجتناب محظورات الإحرام، واجتناب جميع المحرمات، لقول الله تعالى فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197]
فمن حين أن يحرم الإنسان بحج أو عمرة تترتب عليه أي: على إحرامه أحكام الإحرام من تجنب المحظورات، ولنبدأ بالمحظورات حتى نعرفها ونتجنبها، فالمحظورات:
الطيب
أولاً: الطيب، فلا يجوز للإنسان بعد نية الإحرام أن يتطيب، والدليل على ذلك: حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الرجل الذي وقصته ناقته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحنطوه) أي: لا تجعلوا فيه طيباً، لأن الحنوط أخلاط من الطيب يطيب بها الميت، وهذا دليل على أنه لا يجوز للإنسان بعد نية الإحرام أن يتطيب، ولكنه قبل نية الإحرام يتطيب، وإذا بقي الطيب بعد نية الإحرام فلا حرج عليه، كما قالت عائشة رضي الله عنها: (كنت أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم) فإذا قال قائل: ما تقولون فيما إذا تطيب الإنسان قبل الإحرام وبقي الطيب ومسه الإنسان، أي: مس الطيب لغرض صحيح؛ كمسح رأسه في الوضوء وتخليل شعره في الغسل، وفي هذه الحال لابد أن يمس الطيب فهل يلزمه فدية ذلك؟ الجواب لا. لا يلزمه في ذلك فدية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتطيب قبل إحرامه وينظر إلى وبيص المسك في مفارقه، وهو يتوضأ بلا شك ويغتسل ويفرك رأسه، ولابد أن يعلق بيده شيء من الطيب، لكنه لم يستأنف الطيب بعد الإحرام، فهذا لا يضر، أولاً: لأن ذلك ظاهر السنة، والثاني: لأن التحرز منه شاق؛ لا يمكن للإنسان أن يتحرز من الطيب الذي تطيب به قبل الإحرام. الطيب الذي يجب على المحرم أن يتجنبه، هل هو خاص بطيب الثوب أو بطيب البدن، أو بطيب المأكول أو المشروب أو المفروش أم ماذا؟ نقول: هو عام، فلا يجوز للإنسان أن يستعمل الطيب بعد نية الإحرام لا في ثيابه ولا في بدنه، ولا في أكله ولا في شربه، ولا في أدوات التغسيل، وعلى هذا: فلا يجوز للمحرم أن يشرب قهوة فيها زعفران؛ لأن الزعفران من الطيب، وإذا شربها فقد مس الطيب، وكذلك أيضاً: لا يجوز أن يرش على فراشه شيئاً من الطيب ثم يضطجع عليه لأن هذا استعمال للطيب، هذا واحد من محظورات الإحرام.
الجماع ووسائله وذرائعه
الثاني: الجماع ووسائله وذرائعه، لقول الله تعالى: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ -والرفث هو: الجماع- وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197] فلا يجوز للمحرم أن يجامع زوجته بعد نية الإحرام، ولا تجوز مقدمات الجماع كالتقبيل واللمس بشهوة وما أشبه ذلك، بل ولا يجوز عقد النكاح الذي قد يكون ذريعة إلى الجماع وانشغال القلب بالزوجة الجديدة، بل ولا يجوز أن يخطب الإنسان امرأة؛ لأن هذا ذريعة إلى العقد ثم الدخول؛ ولأن هذا يوجب انشغال القلب عن النسك، فهذه أربعة أشياء: الجماع، ومقدمات الجماع، وعقد النكاح، والخطبة، كل هذا حرام وهو من محظورات الإحرام وأعظمها الجماع، قال أهل العلم: والجماع إذا كان قبل التحلل الأول ترتبت عليه أحكام:
أولا: الإثم
ثانياً: فساد النسك
ثالثاً: وجوب المضي فيه
رابعاً: وجوب قضائه من العام القادم
خامساً: الفدية: وهي بدنة يذبحها ويفرقها على المساكين
إذاً: الجماع أعظم محظورات الإحرام، وليس في محظورات الإحرام شيء يفسد النسك إلا الجماع قبل التحلل الأول، فإن وقع أعني الجماع بعد التحلل الأول تعلق فيه: أولاً: الإثم، ثانياً: فساد الإحرام، ثالثاً: فدية يخير فيها بين ذبح شاة أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو صيام ثلاثة أيام، والفدية على ما قال العلماء كفدية الأذى، أي يخير فيها بين أن يصوم ثلاثة أيام أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو يذبح شاة يتصدق بها على الفقراء، المثال: رجل رمى جمرة العقبة يوم العيد وحلق وجامع زوجته قبل أن يطوف طواف الإفاضة، هذا الجماع حصل بعد التحلل الأول، فيكون آثماً بذلك، ويفسد الإحرام دون النسك، إذاً: ماذا يصنع إذا فسد الإحرام؟
قال العلماء: يجدد إحرامه من الحل، أي: يذهب إلى التنعيم أو إلى عرفة ويحرم بإزار ورداء، ثم يطوف طواف الإفاضة وعليه الإزار والرداء ويسعى كذلك.
المباشرة والتقبيل من المحظورات لأنها وسائل للجماع، فإن الإنسان إذا قبل أو باشر كان من اليسير عليه أن يجامع؛ لأنها تثور شهوته فيجامع وقد لا يملك نفسه، ولهذا منع المحرم من المباشرة والتقبيل، فإن فعل باشر أو قبل ولم ينـزل فعليه فدية مخير فيها بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو ذبح شاة، وإن أنزل فإن كان قبل التحلل الأول فقد قال بعض العلماء: إن عليه بدنة، وقال آخرون:
إنه ليس عليه بدنة بل عليه فدية أذى، فيخير بين صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين أو ذبح شاة. وهذا القول هو الصحيح لأنه لا سواء بين الجماع وبين الإنزال بالمباشرة، بل بينهما فرق عظيم، فيكف نلزمه بفدية الجماع بدون دليل؟ الثالث: مما تعلق في الجماع: عقد النكاح، فلا يجوز للمحرم أن يعقد النكاح لنفسه ولا لغيره، ولا يجوز أن يعقد عليه، فلو زوج الرجل ابنته وهو محرم فإن ذلك حرام عليه والنكاح فاسد غير صحيح، ولو تزوج هو بنفسه فإنه حرام عليه والنكاح فاسد، ولو عقد على ابنته المحرمة وهو محل فهو آثم والنكاح فاسد غير صحيح. بقي الأمر الرابع وهو: الخطبة، فلا يحل للإنسان أن يخطب امرأة وهو محرم، لحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب) ولا يخطب عليه أيضاً، فلا يجوز للإنسان المحرم أن يخطب امرأة، ولا يجوز أن تخطب المرأة المحرمة، فإن فعل وخطب امرأة وهو محرم فليس له حق في هذه الخطبة، فيجوز لإنسان آخر أن يخطب هذه المرأة؛ لأن خطبة هذا الرجل المحرم فاسدة غير مشروعة فلا حق له، مع أن الخطبة على خطبة أخيه في الأصل حرام، لكن لما كانت خطبة المحرم خطبة فاسدة صار لا حق له في ذلك، وجاز لغيره أن يخطب هذه المرأة؛ لأن خطبة المحرم لها خطبة منهي عنها لا أثر لها ولا يترتب عليها أحكام الخطبة
تغطية الرأس
الثالث: تغطية الرجل رأسه، فلا يحل للرجل أن يغطي رأسه بملاصق وهو محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل الذي وقصته ناقته فمات: (لا تخمروا رأسه) فلا يجوز للمحرم أن يغطي رأسه بملاصق حال الإحرام؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. فإذا قال قائل: هذا في الميت؟ فإننا نقول: لا فرق بين الميت والحي، لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) فدل هذا على أن من كان حاله التلبية يثبت له هذا الحكم.
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1206
خلاصة حكم المحدث: صحيح
وقولنا: أن يغطي رأسه بملاصق، هل يشترط أن يكون معتاداً أم لا؟
يعني: لو ضع منديلاً على رأسه هل يحرم أو لا يحرم؟ يحرم؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لا تخمروا رأسه) فالفرق بين المعتاد كالطاقية والغترة والعمامة، وغير المعتاد كالمنديل مثلاً، فإن كان غير ملاصق فهو جائز، مثل الشمسية والخيمة ونحو ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن تغطية الرأس لا عن تظليل الرأس، والشيء البائن عن الرأس المبتعد عنه لا يقال: إنه غطى الرأس بل ظلل الرأس، ولهذا قالت أم الحصين : (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ضحى يوم العيد راكباً على ناقته ومعه بلال و أسامة وأحدهما يظلله بثوب من الحر حتى رمى جمرة العقبة) فدل هذا على أن التضليل ليس تغطية، وإذا قال قائل: لو وضع الإنسان يده على رأسه، هل يحرم؟ الجواب: لا. لأن هذا لا يعد ستراً في العادة ولا تغطية، فلو وضع إنسان يده على رأسه من شدة الحر مثلاً وهو محرم فلا بأس، ولو حمل عفشه على رأسه وهو محرم، فهل يجوز؟ نعم يجوز؛ لأن هذا لا يسمى ستراً في العادة ولا جرت العادة أن الإنسان إذا أراد أن يخمر رأسه ذهب يحمل المتاع، ولكن بعض أهل العلم قال: إن أراد بالحمل أي بحمل المتاع على رأسه الستر فإن ذلك حرام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)
الراوي: عمر بن الخطاب المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
ولكن الظاهر أن ذلك لا يضر مطلقاً؛ لأن هذا يسمى حملاً ولا يسمى ستراً.
أما المرأة فإنها تغطي رأسها وتغطي كذلك وجهها إذا مر الرجال قريباً منها، كما سيأتي إن شاء الله.
قتل الصيد
الرابع: قتل الصيد، لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:95] align="right">
أي: محرمون، فلا يجوز للمحرم أن يقتل الصيد سواء في داخل الحرم أو في خارج الحرم، وعلى هذا: فلو أنه رأى صيداً وهو واقف بـعرفة وأراد أن يصطاده، قلنا: إن هذا حرام، ولو رآه وهو في الحرم وأراد أن يصطاده، قلنا: هذا حرام من وجهين: من جهة أنك محرم، ومن جهة أنك في الحرم.
ما هو الصيد؟
قال العلماء: الصيد هو حيوان البر الحلال المتوحش أصلاً. فقولنا: (حيوان البر) خرج به حيوان البحر فلا يحرم على المحرم أن يصطاد السمك، فلو فرض أن هذا الرجل أحرم في جدة وذهب إلى البحر واصطاد سمكاً فإن هذا جائز لأنه ليس حيوان بر بل هو حيوان بحر، ولهذا قال الله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [المائدة:96]
واشترطنا أن يكون حلالاً: (حيوان البر الحلال) احترازاً من الحرام، فلا يحرم على المحرم أن يقتل حيواناً حراماً، كالذئاب والسباع وشبهها؛ لأنها ليست صيداً شرعاً، اشترطنا أن يكون (متوحشاً أصلاً) المتوحش: هو الذي ليس بأليف، هو الذي ينفر من الناس ولا يألفهم ولا يركنوا إليه، بل يفر ويهرب مثل الضباء والأرانب والحمام والوز وغير ذلك من الأشياء التي تعتبر متوحشة.
وقولنا: (أصلاً) دخل فيه ما لو استأنس الصيد وصار أليفاً فإنه لا يجوز صيده أو لا يجوز ذبحه، فلو استأنس الأرنب فهل يجوز للمحرم أن يذبحه؟
الجواب: لا.
لأن أصله صيد، ولهذا قلنا: (المتوحش أصلاً) فأصل هذا صيد فلا يجوز للمحرم أن يذبحه، ولو توحش صيد أليف أو حيوان أليف، مثل أن يهرب الكبش ويكون كالصيد يفر إذا رأى الناس، فهل يعتبر صيداً يحرم صيده للمحرم؟ الجواب: لا. لماذا؟ لأنه غير متوحش في أصله، والتوحش طارئ عليه، فإذا ند البعير أو هرب الكبش وأدركه إنسان وهو محرم فإنه يحل له أن يرميه ويكون حلالاً؛ لأنه ليس بصيد لأن الصيد هو المتوحش أصلاً.
لبس الثياب على الوجه المعتاد
الخامس: لبس الثياب على الوجه المعتاد، مثل: القميص والسراويل والبرانس والعمائم والخفاف، واخترت أن أقول: لبس الثياب دون لبس المخيط؛ لأن لبس المخيط لم تأت به السنة، وقد قيل أن أول من قاله إبراهيم النخعي ، أحد فقهاء التابعين، والتعبير به موجب للإشكال طرداً وعكساً، كيف ذلك؟
لأن بعض الناس يفهم من كلمة المخيط أي ما فيه خياطة، وعلى هذا فإذا كان هناك قميص قد نسج على صفة القميص بدون خياطة يكون على هذا الفهم جائزاً لأنه ليس فيه خياطة، ولو رقع الإزار أو الرداء لظن بعض الناس أو لتوهمهم أن ذلك حرام لا يجوز لأنه مخيط، فهذا التعبير موهم لخلاف المقصود طرداً وعكساً.
ولهذا نقول: أفضل ما نذكر هذا المحظور بما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: (ما يلبس المحرم؟ قال: لا يلبس القميص ولا السراويل ولا البرانس ولا العمائم ولا الخفاف) فقط، ولم يتعرض للخياطة وغير الخياطة، وما أكثر الذين يسألون عن النعال المخروزة: هل يجوز للمحرم أن يلبسها؟
لماذا؟
لأنهم يظنون أن المحرم لبس ما فيه خياطة، لبس المخيط، ولكن إذا عبرنا بما عبر به أفصح الخلق محمد صلى الله عليه وسلم سلمنا من هذا الوهم، فلا يلبس القميص، والقميص هو: الثوب الشامل للبدن كله المكمم، كثيابنا هذه لا يجوز للمحرم أن يلبسها، ولا يلبس السراويل، والسراويل: هو اللباس الذي يكون على أسفل البدن وله أكمام، يعني: له حجول، ولا يلبس البرانس، والبرانس: ثياب واسعة يتصل بها غطاء للرأس، ولا يلبس العمائم، والعمائم هي: ما يدور على الرأس من الخرق وهي لباس الرأس، ولا الخفاف، وهي: ما يلبس في الرجل، هذه الأشياء الخمسة هي المحرمة على المحرم. طيب فإذا قال قائل: ما تقولون في (الفنيلة) هل تحرم؟ الجواب: نعم. تحرم؛ لأنها لباس على بعض البدن فهي كالسراويل، وهي أيضاً كالعمامة التي نهى الشارع عنها، فلا يجوز للرجل المحرم أن يلبس (الفنيلة) وإن لم يكن فيها خياط؛ لأنها مصنوعة على بعض البدن فأشبهت السراويل، ولو قال قائل: هل يجوز لباس المشلح للمحرم؟
الجواب: لا.
لأنها تشبه البرانس -الثياب الفضفاضة- فلا يجوز أن يلبسها الإنسان. ولا يلبس الخفاف أيضاً، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إلا من لا يجد نعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزاراً فليلبس السراويل) فإذا كان الإنسان لا يجد إزاراً فإنه يلبس السراويل، وإذا لم يجد نعلين فإنه يلبس الخفين، وهنا مسألة تقع ولننظر كيف نحلها: رجل سافر بالطائرة يريد أن يحرم إذا حاذى الميقات، ولكن كانت ثياب الإحرام في الشنطة في خزينة العفش في الطائرة لا يمكنه أن يصل إليها، فماذا يصنع؟
نقول: يخلع ثوبه ويخلع غترته وطاقيته ويبقى في سرواله؛ لأنه لم يجد إزاراً، والثوب يجعله رداءً، أي: يلفه لفاً لا يلبسه لبساً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا يلبس القميص) ولم يقل: (لا يرتدِ بالقميص) فتزول هذه المشكلة في هذا العمل، نقول: اخلع الثوب والقميص والغترة والطاقية وأبق السروال واجعل الثوب رداءً ارتدِ به، أي: لفه على صدرك وعلى كتفيك، وحينئذ لا يبقى علينا إشكال في هذا الأمر.