تفسير قوله تعالى:وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا

مجتمع رجيم / القرآن الكريم وعلومه
كتبت : سنبلة الخير .
-
تعالى:وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا 13648893644.gif

السؤال:
ما معنى قوله تعالى : ( وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ) ؟ جزاكم الله خيرا .




الجواب :
الحمد لله


هذه الآية من أعظم الأدلة على أن الشريعة الإسلامية هي

الشريعة المناسبة للتكوين النفسي والعقلي والجسدي للإنسان ،

وأن أحد أهم قواعدها التي تقوم عليها مناسبة " الطبيعة

البشرية " المجبولة على الضعف والوهن مهما علت النفوس

وتكبَّرت ، فهي في حقيقتها ومآلها ضعيفة لا تقوى إلا على ما

يناسبها ويشاكلها .



تعالى:وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا 13648893643.gif

وبهذا كانت الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان ، فقد

جاء قوله تعالى : ( وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ) النساء/28، تذييلا

وتبيينا لحكمته سبحانه وتعالى في تشريع بعض الأحكام ، وأن

سبب هذه التشريعات اليسيرة الرحيمة هو مناسبتها لطبيعة

الإنسان الضعيفة الفقيرة ، وهذا ما يتبين لمن يقرأ سياق الآيات

الكريمات في قوله عز وجل : ( يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ

سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . وَاللَّهُ يُرِيدُ

أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا

عَظِيمًا . يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ) النساء/26-28.

تعالى:وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا 13648893643.gif


يقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله :
" قوله : ( وخلق الإنسان ضعيفا ) تذييل وتوجيه للتخفيف ، وإظهار لمزية هذا الدين ، وأنه أليق الأديان بالناس في كل زمان ومكان ، ولذلك فما مضى من الأديان كان مراعى فيه حال دون حال ، ومن هذا المعنى قوله تعالى : ( الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ) الآية في سورة الأنفال/66، وقد فسر بعضهم الضعف هنا بأنه الضعف من جهة النساء ، قال طاووس ليس يكون الإنسان في شيء أضعف منه في أمر النساء ، وليس مراده حصر معنى الآية فيه ، ولكنه مما روعي في الآية لا محالة ؛ لأن من الأحكام المتقدمة ما هو ترخيص في النكاح " انتهى من " التحرير والتنوير " (5/22)


وهذا الذي اختاره العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله من حمل " الضعف " في الآية على جميع أنواع الضعف البشري هو الأقوى والأنسب في التفسير ، وإلا فقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله ثلاثة أقوال في الآية فقال :
" في المراد بـ ( ضعْف الإنسان ) ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه الضعف في أصل الخلقة ، قال الحسن : هو أنه خُلق من ماءٍ مهين .


والثاني : أنه قلة الصبر عن النساء ، قاله طاوس ، ومقاتل .


والثالث : أنه ضعف العزم عن قهر الهوى ، وهذا قول الزجّاج ، وابن كيسان " انتهى من " زاد المسير " (1/395)



تعالى:وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا 13648893643.gif

ولكن القاعدة المهمة في تفسير القرآن الكريم أنه كلما كان من الممكن حمل معاني القرآن على العموم والشمول كان أقرب إلى الصواب ؛ وأن الأقوال إذا لم تكن متناقضة ، وأمكن حمل الآية عليها جميعها كان أوفق في التفسير . يمكن مراجعة ذلك في كتاب " قواعد الترجيح عند المفسرين " (ص/41-44).


يقول ابن عطية الأندلسي رحمه الله :
" المقصد الظاهر بهذه الآية أنها في تخفيف الله تعالى ترك نكاح الإماء بإباحة ذلك ، وأن إخباره عن ضعف الإنسان إنما هو في باب النساء ، أي : لمَّا علمنا ضعفكم عن الصبر عن النساء خففنا عنكم بإباحة الإماء ، وكذلك قال مجاهد وابن زيد طاوس .
ثم بعد هذا المقصد تخرج الآية في مخرج التفضل ؛ لأنها تتناول كل ما خفف الله تعالى عن عباده ، وجعله الدين يسرا ، ويقع الإخبار عن ضعف الإنسان عاما ، حسبما هو في نفسه ضعيف يستميله هواه في الأغلب " انتهى من " المحرر الوجيز " (2/40-41) .


ويقول ابن جزي الغرناطي رحمه الله :
" ( وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً ) قيل : معناه : لا يصبر على النساء ، وذلك مقتضى سياق الكلام ، واللفظ أعم من ذلك " انتهى من " التسهيل " (1/188) .



ويقول ابن القيم رحمه الله – بعد أن ذكر بعض أقوال السلف في تفسير الآية - :
" والصواب أَن ضعفه يعم هذا كله ، وضعفه أَعظم من هذا وأَكثر : فَإنه ضعيف البنية ، ضعيف القوة ، ضعيف الإرادة ، ضعيف العلم ، ضعيف الصبر ، والآفات إليه مع هذا الضعف أَسرع من السيل في الحدور " انتهى من " طريق الهجرتين " (1/228) .


ويقول العلامة السعدي رحمه الله :
" ( يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ ) وذلك لرحمته التامة وإحسانه الشامل ، وعلمه وحكمته بضعف الإنسان من جميع الوجوه ، ضعف البنية ، وضعف الإرادة ، وضعف العزيمة ، وضعف الإيمان ، وضعف الصبر ، فناسب ذلك أن يخفف الله عنه ما يضعف عنه وما لا يطيقه إيمانه وصبره وقوته " انتهى من " تيسير الكريم الرحمن " (ص/175) .



ولذلك فالأنسب في تفسير أوجُه " الضعف البشري " في الآية الكريمة حملها على إطلاقها ، لتشمل جميع جوانب الضعف : النفسية ، والبدنية ، والعقلية ، والعاطفية ، والتركيبية ،

فالإنسان ضعيف النفس بسبب نوازع الخير والشر المخلوقة فيه

، إلى جانب الوساوس والأهواء التي تعرض له أيضا ، وهو

ضعيف البدن أيضا بسبب ما يعرض له من الآفات والأسقام ،

وبالمقارنة مع كثير من المخلوقات عظيمة الخلق ، وهو ضعيف

العقل بسبب قدراته المحدودة التي تخوله من النجاح والإبداع

ولكن في حدود المنظور في هذا الكون وما يمكن القياس عليه ،

كما أنه ضعيف في الجوانب العاطفية والشعورية ، فيتأثر أسرع

تأثير بما يبكيه أو يفرحه أو يُجبِنُه أو يُبخِله أو يشجعه أو يخوفه .






تعالى:وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا 13648893643.gif

فلكل هذه الأوجه من الضعف والفقر شرع الله عز وجل لنا ما يناسبنا ، وخفف عنا فلم يكلفنا فوق طاقتنا ، فكانت شريعتنا شريعة التخفيف والتيسير ، كما قال سبحانه وتعالى : ( الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ) الأنفال/66.


يقول ابن عباس رضي الله عنهما :


" ثَمَانِ آيَاتٍ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ هِيَ خَيْرٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِمَّا طَلَعَتْ

عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ ، أَوَّلُهُنَّ : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ

سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ) النساء/26 ثَلَاثًا مُتَتَابِعَاتٍ

، وَالرَّابِعَةُ : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ

سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ) النساء/31، وَالْخَامِسَةُ : ( إِنَّ

اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا ) النساء/40،

الْآيَةَ ، وَالسَّادِسَةُ : ( وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ

اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا ) النساء/110، وَالسَّابِعَةُ : ( إِنَّ اللهَ

لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ) النساء/48 الْآيَةَ ، وَالثَّامِنَةُ : ( وَالَّذِينَ

آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ) النساء/152 "

الْآيَةَ " رواه البيهقي في " شعب الإيمان " (9/346) .
والله أعلم .





الإسلام سؤال وجواب

كتبت : منتهى اللذة
-
طرح بقمـ‘ـــه الرووعه
تسلم روحكـ العطرة.. لابدإآآإآع قلمكـ

يعطيكـِ آلف عافيه

اترقب وبشوق..
فلآ تبخلي علينآ بــ إنتقآءكـِ الرآئع
لـروحكـِ كل الإحترآم ~


كتبت : لبنى احمد
-
بارك الله فيكي
كتبت : Hayat Rjeem
-
بارك الله فيكِ غاليتى وجعله فى ميزان حسناتك
كتبت : || (أفنان) l|
-

أختي الغالية
لله درك وبشرك الله فى الجنة
جزاك الله كل خير فائدة عظيمة جعلها الله في موازين حسناتك
لكِ ودى وتقديرى وتقييمي لك ياقلبي,,,

كتبت : سنبلة الخير .
-
الصفحات 1 2 

التالي

الشرور الأربعة المذكورة في سورة الفلق...وكيف عالجها الإسلام

السابق

من ترك شيئاً لله

كلمات ذات علاقة
الْإِنْسَانُ , تعالى:وَخُلِقَ , تفسير , ضَعِيفًا , قوله